يطل على جمهوره وهو يمسك بيده عصا خشبية، مثل الحكيم أو السياسي الفاهم لبواطن الأمور، يرتدى زيه الأفريقي المميز بألوانه الزاهية، وشعره المجدول ولحيته التي تسلل إليها المشيب، يتمايل على أنغام موسيقى “الرايغي”، ليشعل بكلماته حماس جماهيره من الأفارقة البسطاء، ويدغدغ بكلمات أغانيه أحلامهم بالحرية والمساواة والعدل والديمقراطية.

إنه أسطورة موسيقى “الريغي” الإفريقية، المطرب الأفوراي “تيكن جاه فاكولي”، الذي أطلق عليه النقاد صوت من لا صوت له”، والذي واهب حياته وفنه لقضايا أفريقيا، بكلمات أغانيه التي تستنهض الهمم، وتعبر عن أحلام الأفارقة البسطاء بالحرية والمساواة، وعدم التباعية وتدوال السلطة في ظل حكومات ديمقراطية.

دفع ” فاكولي” ثمن نضاله وتبنيه لقضايا دولته كوت ديفوار، وقضايا الحرية في أفريقيا، ويعيش الأن في المنفى في دولة مالي، بعد منعه من دخول بلده، بسبب انتقاده للنظام الحاكم هناك، ومن أشهر أغنيه ألبومه الشهير بعنوان ” أترك السلطة” الذي يتوسل فيه للرؤساء الأفارقة الذين حكموا لعدة سنين، أن يغادروا مناصبهم، وفي عام 2007 أعلنت السنغال إنه شخصًا غير مرغوب فيه، بعد أن انتقد الرئيس عبد الله واد.

من أشهر أغنيه ألبومه الشهير بعنوان ” أترك السلطة” الذي يتوسل فيه للرؤساء الأفارقة الذين حكموا لعدة سنين، أن يغادروا مناصبهم

أسمه الحقيقي “لدومبا موسى فاكولي”، ولد في 23 يونيو 1968 بمقاطعة “أودينيه” شمال غرب كوت ديفوار، وينتمي لعائلة “الغريوت”.

كون فريقه الموسيقي الأول “Djelys” في عام 1987، وانتقلت شهرته من مغني إقليمي إلى نجم وطني عالمي، وفي عام 1998 غنى خارج بلاده لأول مرة في باريس.

ومثل معظم أبناء أفريقيا، ولد في أسرة بسيطة، وتحمل المسؤولية في سن صغير، عانى من الحروب الأهلية التي قسمت بلده الكوت ديفوار، والأطماع والتدخلات والتابعية لدولة الاحتلال فرنسا، التي تتحكم في كل شيء في بلده، أطلق بأغنيه صراخات مكتومة داخل صدور أبناء وطنه، وعبر بسلاح الفن عن طموحات وأحلام الأفارقة جميعًا، ليتحول لأيقونة تحرر جديدة على أنغام “الريغي”.

تحول لرمز للتحرر في الكوت ديفوار وخارجها، حتى أنه في فيلم “حدث ذات مرّة في الكوت ديفوار”، استخدم المخرج الفرنسي جوليان سُيودو أغانيه، للتعليق على ما يسرده من تاريخ البلد من تسعينيات القرن الماضي، والحرب الأهلية بسبب الصراع علي السلطة، وهو ما يكشف عن قدرة “فاكولي” علي سرد تاريخ وآلام وطنه بأغانيه.

فقط تمكن “فاكولي” من تطويع موسيقى ” الريغي” بشكل مناسب، للتعبير عن قضايا أفريقيا، والوصول إلي قلوب جماهيره، لاسيما أنها موسيقى أفريقية عميقة، وتحظي بشعبية واسعة في كل بلدان القارة السمراء، ويميزها الإيقاع الثقيل، تستخدم الفيتارات والطبول، وهو إيقاع من الصعب إيجاده في الموسيقى الأوربية أو أي موسيقى أخري.

يعتبر الحديث عن قضايا وطنه وأفريقيا، محورًا أساسيًا في أغاني المطرب الأفواري، لاسيما أن بلده تعتبر نموذج صادم، لما تعاني منه القارة السمراء من تقسيمات دينية وعرقية، وضعها المستعمرون للسيطرة والحصول علي ثروات أفريقيا، ما جعل السلم الاجتماعي والأمني شئ صعب المنال.

يستخدم “فاكولي” في أغانيه كلمات بسيطة ومباشرة، لشرح ما تعانيه بلاده بسبب الواقع الدولي، ويبدو هذا واضحًا عندما يغني ويقول :”لقد تقاسموا العالم، لا شيء يثير استغرابي”، “لو تترك لي الشيشان سأترك لك أرمينيا، لو تترك لي أفغانستان سأترك لك الباكستان”، أو عندما يغني عن ثروات أفريقيا المنهوبة قائلًا: ” لو تترك لي الأورانيوم سأترك لك الألمنيوم”، “لو تعطيني الكثير من القمح سأحارب إلى جانبك” ” لو تتركني استخرج ذهبك، سأساعدك في إقصاء الجنرال”.

“لو تعطيني الكثير من القمح سأحارب إلى جانبك” ” لو تتركني استخرج ذهبك، سأساعدك في إقصاء الجنرال”.

وهي كلمات ومعاني عميقية، تكشف عن سياسات الدولة الكبرى في أفريقيا، وكيف يتم استغلال النزاعات العرقية العقائدية لإشعال الفتن ونهب الثروات، لتحقيق السيطرة السياسية علي الحكومات والشعوب، التي اكتوت بنيران التدخلات الأجنبية والحروب الأهلية.

يتميز المطرب الأفواري بتطابق توجه الفني مع نشاطه الميداني، من خلال مشاركته في التظاهرات العالمية المناهضة لسياسات النظام الدولي، كما إنه ينظم العديد من الحملات التنموية والفنية في دول القارة السمراء، وفي غرب أفريقيا تحديدًا.

ورغم أنه بلا لون سياسي محدد، إلا أن التيارات السياسية المتنازعة في بلاده، تحاول توظيف أغانية لتحقيق مكاسب سياسية، وهو ما يكشف عن عمق أغانيه سياسيًا، وتأثيرها الجماهيري وانعكاسها علي أوضاع بلاده.

تمكن النجم الأفواري بفنه وكلمات أغانيه ونغامات “الريغي”، تكوين قاعدة جماهيرية ضخمة في القارة السمراء، للدفاع عن هموم وطنيه والتعبير عن أحلامه وأمانية، بأفريقية خالية من العنصرية والاستبداد والظلم، ليتحول من مطرب عادي، لأيقونة سياسية، للدفاع عن حقوق الإنسان والمستضعفين في أفريقيا.