سلوكه “المشاكس”، الذي تبناه ضد السلطات المستبدة في غرب أفريقيا، وهو في سن مبكر من عمره، عندما التحق بدراسته الثانوية، وتسبب في تأخره الدراسي لفترة، مكنه أن يكون شوكة فى حلق رؤساء وقادة، وأجبرهم على ترك السلطة بل وقدم بعضهم للمحاكمة بتهم فساد.

 “عاليون تين” الحقوقي والناشط السنغالي، الحاصل على الدكتوراه في الأدب الفرنسي، هو واحد من أهم المدافعين عن حقوق الإنسان في غرب أفريقيا، تسبب سلوكه المشاكس الرافض لاستبداد السلطة، في تعرضه للاعتقال أكثر من مرة، ولكن في النهاية كان يخرج للنور ليبدد بأفكاره الظلام، ترأس أهم المؤسسات الحقوقية في السنغال، وتتويجًا لذلك اختارته منظمة العفو الدولية ممثلًا لها في غرب ووسط أفريقيا.

نشأته
رغم عمره الذي تخطى 70 عامًا،  لم يثنه ذلك عن نشاطه المدافع عن الحقوق والحريات، ولد في مدينة “زيغنشور” بإقليم “كازامانس” جنوب السنغال، في يناير عام 1949، لأسرة تنحدر في الأصل لشمال السنغال، وكان ترتيبه الثالث وسط أشقائه السبعة، كان والده موظف بسيط في إدارة خزينة المدينة.

لم يختلف سلوكه وهو شاب على اعتاب المراهقة، عن سلوكه في طوال حياته في الوقوف ضد السلطات المستبدة، أرسله والده وهو في سن السادسة إلى مدينة “سينلوي”، ربما أثرت هذه الفترة الصعبة في حياته على تكوينه بعد ذلك، و كانت بلاده تكافح للحصول على الاستقلال من الاحتلال الفرنسي.

أكمل تعليمه في المرحلة الإعدادية التحق بمدرسة ثانوية في “ديفال كارسون” بسينلوي، وتعثر لفترة بسبب سلوكه “المشاكس”، ولكن لم يثنه الرسوب في استكمال طريقه، حاول مرة أخرى وحصل على الشهادة الثانوية.

ربما ما تعرض له خلال فترة دراسته الثانوية، كان دافع له للإصرار على النجاح، وعدم رسوبه مرة أخرى، التحق بكلية الآداب في دكار، وتخصص في اللسانيات” وهو علم يدرس اللغة وخصائصها، ودرجة التشابه والتباين فيما بينها، وهو ما ساعده في تكوين شخصيته والانفتاح على ثقافات أخرى.

تأثر خلال دراسته الجامعية، بأفكار”الحزب الأفريقي للاستقلال”، وهو حزب مناهض للاستعمال الفرنسي، وانخرط في منظمته الشبابية، وتأثر بأفكاره الحزب السياسية، التي كانت تقف ضد سيطرة فرنسا على البلاد، وتدخلها في سياساتها الداخلية، رغم حصولها على الاستقلال.

رحلته إلى فرنسا 

حصل على الشهادة الجامعية في عام 1974، واستكمل نجاحه بالحصول على شهادة مماثلة من جامعة ليون الفرنسية، وهناك تعرف عن مستعمر بلاده عن قرب ” فرنسا”، وتعرف على كيفية ممارسة الحقوق والحريات في أوربا، وقارن ذلك بما يحدث في بلده، وفي عام 1975 حصل على شهادة البكالوريوس في نفس التخصص، وفي 1977 أنهى دبلوم الدراسات المعقمة، وحاز على شهادة الدكتوراه في الأدب الفرنسي عام 1981.

عاد “تين” من فرنسا بلاد النور والجن والملائكة، إلى بلده السنغال التي كانت مازالت تعاني من أثار الاستعمار والاستبداد، عمل أستاذً مساعدًا للأدب في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بدكار، كما درس في مركز دراسات العلوم التقنية للإعلام، المتخصص في تكوين الصحفيين، لتكون الصحافة أداة جديدة للممارسة الحرية ضد السلطة المستبدة.

وفي عام 1990 بدأت فترة جديدة في حياة الفتى المشاكس” وكان له دور هام في تأسيس “الملتقى الأفريقي لحقوق الإنسان”، وتولي في الملتقى مسؤولية ملف العلاقات الخارجية، وساعدته دراسته وعمله الصحفي، في عمله كحقوقي ومدافع الحريات، في بلده وفي البلدان الإفريقية التي كانت تعاني خلال هذه الفترة من الاستبداد والحكم المطلق، وتدرج في المناصب حتى تولي رئاسة الملتقى الأفريقي.

إسقاط الطغاة

وصل الفتى الأسمر خلال هذه الفترة لمرحلة النضوج الفكري والسياسي، وتمكن من أداء مهام كبيرة في فضح الانتهاكات وتوثيقها في منطقة غرب أفريقيا، وساهم بكتابته وفكره ونشاط منظمته الحقوقية، في خلق وعي حقوقي لدى العديد من منظمات المجتمع المدني، من خلال فعاليات حقوقية كان ينظمها أو يترأسها.

يرى “تين” أن أهم التحديات التي تواجهها الشعوب الإفريقية، هي الاستبداد والسلطة المطلقة، وتلاعب قادة الدول الإفريقية في نتائج الانتخابات بالتزوير أو في تعديل الدساتير، للبقاء في الحكم لأطول فترة ممكنة دون النظر لمصلحة الشعوب.

 ترأس حركة المجتمع المدني المعارض لترشح الرئيس السنغالي السابق عبد الله واد، الذي ترشح لفترة ثالثة، وخلال الانتخابات قاد ضده حرب إسقاط، بدعم منافسه “ماكي صال” الذي أصبح رئيسًا للبلاد.

ولم يتوقف حدود نشاطه الحقوقي عند حدود السنغال، و طالب بتقديم الرئيس التشادي “حسين حبري” للعدالة، عندما حصل علي حق اللجوء السياسي بالسنغال، ولكنه في ذات الوقت رفض محاكمته في بلجيكا، لأن ذلك لا يخدم الحقوق والحريات في أفريقيا، رافضًا أن يحاكم أحد قادتها السابقين أمام جهاز قضائي غربي، وهو ما يكشف عن جزء هام في شخصيته المدافعة عن الحقوق والحريات، الرافضة للتبعية الغربية.

كما انتقد بشكل دائم ممارسات الرئيس الغامبي يحي جامع ضد شعبه، ووصل الأمر أن وصفه بالمستبد، وتبني مواقف قوية ضد الانتهاكات في غرب ووسط أفريقيا، ولاسيما دول غينيا بيساو وموريتانيا وساحل العاج والسودان.

ظل الفتى الأسمر علي رأس “الملتقى الأفريقي للحقوق الإنسان”، إلى أن تم تعينه في عام 2013 رئيس “اللجنة السنغالية لحقوق الإنسان”، ولثقة المجتمع الدولي والحقوقي فيه، اختارته منظمة العفو الدولية في عام 2016 ممثلًا لها بصفة دائمة في غرب ووسط أفريقيا.

محطات كثيرة في حياة “عاليون تين”، تمكن خلالها الفتى المشاكس للسلطة، من إرهاق الحكومات المستبدة، والوقوف ضد الممارسات القمعية ضد الشعوب الأفريقية، وإزاحة طغاة من على كرسي الحكم وتقديم بعضهم للمحاكمة.