يبدو أن أزمة انتشار فيروس كورونا، الذي اجتاح العالم مؤخرًا، وأصاب أكثر من مليون شخص وحصد آلاف الحالات، لم تكشف عن مدي هشاشة الاقتصاديات الكبري والأنظمة الصحية بالعالم المتقدم فحسب، بل سلطت الضوء على بواطن ضعفنا البشري وقلة إنسانية واستغلال البعض للأزمات، كـ مافيا الدروس الخصوصية والمشاريع البحثية.
sss
وكان الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، قد أصدر قرارا بمد تعليق الدراسة في جميع المدارس والمعاهد والجامعات أيًا كان نوعها وحضانات الأطفال أياً كان نوعها لمدة أسبوعين اعتباراً من يوم الأحد 29 مارس حتى 15 أبريل ضمن الإجراءات الاحترازية المتبعة لمواجهة انتشار فيروس كورونا المستجد حفاظا على سلامة المواطنين و تحقيق أعلى معدلات الأمان .
من جانبها، تواصل وزارة الداخلية حملاتها على أماكن الأنشطة التعليمية على مستوى الجمهورية للتأكد من إلتزام القائمين عليها بقرار تعليق أنشطتها، وقد أسفرت تلك الحملات بغلق1182 مكان نشاط تعليمى مخالف ليصبح إجمالى عدد المراكز التعليمية التى تم إستهدافها 7597 مركزا تعليميا.
دروس “أونلاين”
عقب تعليق الدراسة وإغلاق العديد من مراكز الدورس الخصوصية، بحث المعلمون عن حيل جديدة لاستكمال برامج الدروس الخصوصية، فى ظل الإجراءات الاحتزارية التى اتخذتها الدولة كوقاية من فيروس كورونا ، متخذين “الدروس الأونلاين” بديلاً لذلك .
وقال كريم عنتر، مهندس نظم ومعلومات، إن بعض المدرسىين اتجهوا إلى الـ”سنتر اونلاين” لتعويض غلق مراكز الدروس الخصوصية، وذلك من خلال عمل موقع خاص للمدرس على جوجل يستطيع من خلاله رفع الفيديوهات واستضافة بعض المدرسين “الأباطرة” في التخصص أو المنطقة السكانية، مع تطبيق طرق دفع مختلفة كـ”فودافون كاش” وغيرها.
وأوضح “عنتر” لـ مصر 360، أن تكلفة إنشاء هذه الموقع تتراوح ما بين 10 إلى 15 ألف، وإمكانيات الكسب من وراء هذه المواقع كثيرة، عن طريق تفعيل خاصية الدفع عند مشاهدة الفيديو، حيث يقوم الطالب بتحصيل المبلغ الذي يحدده المدرس لمشاهدة عدد معين من الدروس بأي وسيلة ممكنة مثل “فودافون كاش”، وعند الدفع يتم عمل كارت لطلاب على الاكونت الخاص به على الموقع، يستطيع من خلاله مشاهدة الدرس، ثم يتم التجديد عن انتهاء المبلغ وهكذا”.
وتابع: هناك بعض المدرسين يجعلون مشاهدة فيديوهات الدروس مجانية ولكنهم يعوضون ذلك عن طريق عدد الزيارات وإعلانات جوجل، فكلما زادت عدد الزيارت للموقع ومدة البقاء عليه زاد رصيده في جوجل، كما أن هناك خاصية” الفيديو اللايف”، وهو إمكانية استضافة الموقع لأحد المدرسين في ساعة ويوم محدد يتم الإعلان عنه مسبقًا، مع تخصيص قيمة اشتراك لمشاهدة الفيديو”.
“مقدمناش حل تاني”، هكذا عبرت دعاء محمد، إحدى أولياء أمور بمدرسة خاصة، قائلة: “بعد أزمة كورونا وغلق المراكز الخصوصية وتعليق الدراسة عرض عليها بعض مدرسين أبنائها في المراحل التعليمية المختلفة استكمال الدروس “اونلاين” مع تحويل مبالغ الحصص عن طريق البنك أو من خلال “فودافون كاش”.
وبعد اتجاه المدرسين لاستمرار الدورس عبر الجروبات الخاصة بهم على الـ”واتساب”، اعتقد أولياء الأمور أنها ستكون “بالمجان”، حسبما ذكرت دعاء محمد، حيث بدأ المدرسين بمطالبة الطلاب بالدفع وإلا لن يستكملوا الشرح أو المراجعات، لأنهم يريدون الحصول على أموال بأى وسيلة ممكنة، حتى لو كلفهم هذا الأمر القضاء على مستقبل الطلاب، مشيرة إلى أن أبنائها يضطرون للنزول لطباعة بعض المراجع التي ترسل لهم “بي دي أف”.
تطبيقات خارج الرقابة
كما سعي البعض إلى عمل تطبيقات وإعلانات ترويجية للدروس عن بعد، بالإضافة إلى دروس لطلبة الجامعات والماجستير في تخصصات المحاسبة، وإدارة الأعمال، والهندسة، وذلك عن طريق “الفيديو كونفرنس”، وبرامج المحادثات الهاتفية.
لنجد أن مواقع التواصل الاجتماعي تمتلئ بالعشرات من التطبيقات التعليمية، بعيدًا عن رقابة وزارة التربية والتعليم، ولا نعلم ما طبيعة المواد الدراسية التي يتم تقديمها من خلالها، وكل ما يسعي له مصمم التطبيق تحميله للحصول علي عدد أكبر من المتواجدين علي المنصة الالكترونية ولكن بعد التحميل يجد البعض أنه لا يقدم محتوي تعليمي مفيد وأنها مجرد دروس متواجدة علي الانترنت وبعضها من كتب خارجية.
وناشدت وزارة التربية والتعليم والتعليم الفنى، أولياء الأمور بالالتزام فقط بما يصدر من الوزارة بالبيانات الصحفية الرسمية أو ما تعلنه الوزارة عبر الصفحة الرسمية لها على “فيسبوك”، وحذرت أولياء الأمور بعدم استخدام هذه الروابط أو الانسياق ورائها.
وبعد أن أعلن وزير التعليم أن سنوات النقل من الصف الثالث الابتدائي وحتى الصف الثاني الإعدادى سيقوم الطالب بعمل بحث لكل مادة يتم تسليمه خلال شهرين، قام عدد من الصفحات ومعلمى الدروس الخصوصية للإعلان عن خطوات إجراء البحث وإمكانية تدريب الطلاب علي عمله، أو بيعه للطلاب.
ومن بين الإعلانات التى لاقت رواجا علي مواقع السوشيال ميديا “من الألف للياء كل ما تريد معرفته عن عمل بحث النجاح لصفوف النقل”، الأمر الذى دعا عدد من مؤسسي صفحات وجروبات أولياء الأمور للتحذير من تلك الصفحات المشبوهة، قائلين: “اوعوا حد يخدع أبنائكم ويقول أنه ممكن يعمل البحث ويبيعه”.
ومن جهته حسم الدكتور طارق شوقي وزير التربية والتعليم والتعليم الفني، الجدل المثار وحذر الطلاب وأولياء الأمور من المنشورات أو المعلومات المتداولة عن مشاريع صفوف النقل لأنها لا أساس لها من الصحة.
التعليم ما بعد كورونا
دفعت أزمة كورونا السلطات المصرية إلى وضع حلول بديلة حال استمرار وقف الدراسة في المدارس، وهو تطبيق نظام “التعليم عن بعد”، والدراسة من المنزل وعن طريق الانترنت، مع توفير 20% مجانًا لباقات النت، حتى يستطيع الطلاب التأقلم مع نظام التعليم الجديد.
واهتمت وزارة التعليم المصرية بمشكلة تفاعلية الطلاب مع القنوات التعليمية العادية، وأطلقت لأجل ذلك موقع “ادمودو” الذي يتيح التواصل بين التلاميذ والمدرسين حول الدروس، وتخطط الوزارة لاستفادة حوالي 22 مليون تلميذ وطالب من الموقع، لكن يبقى الحكم على نجاح الموقع سابق لأوانه، إذ بدأ العمل به اليوم الثلاثاء 7 أبريل 2020.
ويري بعض الخبراء والمختصين بالمجال التربوي والتعليمي، أن نظام “التعلم عن بُعد” بمصر ليس كافيًا لتحقيق الهدف المرجو منه، لاسيما في ضوء آلية التواصل والتفاعل، لكنه يعد حلًا مؤقتًا للتعامل مع الظروف الراهنة الخاصة بتفشي مرض كورونا.
غير أن شكوكاً كبيرة تراود المتابعين لهذه العملية، ليست الشكاوى على المنصات الاجتماعية إلا تجلياَ لها، وأكبر العراقيل ضعف الأوضاع المعيشية لجزء كبير من السكان وعدم وصول تغطية الانترنت إلى كل المناطق في البلاد، فضلاً عن مشاكل هيكلية تعاني منها الأنظمة التعليمية العربية التي يقبع غالبها في أسفل السلم بمؤشرات التعليم الدولية.
وأفادت “اليونيسكو” بأن 138 دولة اتخذت قراراً بإغلاق تام أو جزئي للمدارس والمجموعات، ما يعني أن 1.37 مليار تلميذ وطالب عبر العالم تأثروا سلباً، أي أنه بين كل أربعة أطفال، ثلاثة تأثروا بهذه الإجراءات، كما توجد دول أعلنت مسبقاً إلغاء بعض الاختبارات النهائية لاقتناعها أن التعليم عن بعد من الصعب أن يوفر بديلا لها كما فعلت فرنسا.