أين سيضرب الإرهاب ضرباته المقبلة؟، هذا هو السؤال المصيري الذي تبحث عن إجابته أجهزة الاستخبارات العالمية، سعيا إلى وضع خارطة جديدة للتنظيمات الإرهابية على مستوى العالم، سواء الجماعات «الجهادية» وعلى رأسها «داعش» و«القاعدة» و«بوكو حرام»، أو التنظيمات والأشخاص المرتبطين باليمين الأوروبي والأمريكي المتطرف، والذين تعتبرهم أجهزة الأمن الغربية الخطر القادم، بعد تصاعد عمليات «الإرهاب الأبيض» خلال الأعوام الأخيرة.

«غلوبال ريسك إنتل»: من غير المرجح أن يضمحل الإرهاب بشكل تام في المستقبل القريب، حيث لا تزال الظروف، التي تجعل مناطق معينة مواتية للإرهاب، قائمة ومهددة للاستقرار

ذكر تقرير جديد لمعهد «غلوبال ريسك إنتل» الاستخباراتي العالمي، صدر مؤخرا، أنه «من غير المرجح أن يضمحل الإرهاب بشكل تام في المستقبل القريب، حيث لا تزال الظروف، التي تجعل مناطق معينة مواتية للإرهاب، قائمة ومهددة للاستقرار»، هذا إلى جانب التهديدات الجديدة والمتغيرة التي يُتوقع أن يشهدها عام 2020، مثل إرهاب اليمين المتطرف والذي بدأ في تغيير مشهد الإرهاب العالمي خلال السنوات الأخيرة، ولذلك يعتبر الإرهاب أحد المخاطر العالمية الكبرى في الفترة القادمة».

وأضاف التقرير أنه «من المرجح أن تشهد دول تعاني من الحروب الأهلية مثل سوريا وليبيا، أنشطة إرهابية منظمة خلال هذا العام، ومن الممكن أن تنتقل هذه الأنشطة الإرهابية إلى مناطق أخرى مجاورة».

 

أفريقيا.. وجهة التطرف الجديدة

وضع توماس أبي حنا، الباحث في مركز «ستراتفور» الأمريكي للدراسات الأمنية والاستراتيجية، مؤخرا، تصورًا مستقبليا لخارطة الإرهاب العالمية خلال الأشهر المقبلة، في محاولة لرسم طبيعة المعركة مع التنظيمات المسلحة في المستقبل القريب.

وأشار مركز «ستراتفور» إلى بروز أفريقيا باعتبارها وجهةً للتّطرف المسلح، بسبب قمع نشاط تنظيم «القاعدة وداعش» في الشرق الأوسط، محذرا من أن القارة السمراء بأحراشها وأدغالها قد تمنح التنظيمين فرصًا جديدة، وأن منطقة الساحل والصحراء وشرق أفريقيا قد تجذب عددًا متزايدًا من المقاتلين الأجانب. والأكثر من ذلك، ربما تتلقى الجماعات العاملة هناك أيضًا دعمًا متزايدًا من الممولين الأجانب، الذين وجّهوا أموالهم في السابق إلى الشرق الأوسط».

بروز أفريقيا باعتبارها وجهةً للتطرف المسلح، بسبب قمع نشاط تنظيم «القاعدة وداعش» في الشرق الأوسط

ويحذر المحللون من أن الجماعات المسلحة قد تجد في بعض مناطق أفريقيا، الوقت والمكان اللازمين لصقل قدراتها من جديد، خاصةً إذا كانت القوى الخارجية لا تشعر بضرورة ملحة من الناحية الجيوسياسية لتكريس الموارد لتحقيق الاستقرار في مناطق القارة، التي يتصاعد فيها خطر التهديد الجهادي. وهذا شيءٌ من شأنه أن يزيد من زعزعة استقرار دولٍ محلية، بل وحتى يلحق الضرر بأوروبا والولايات المتحدة من خلال الشبكة الجهادية الدولية.

من ناحيته، لفت «مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة» التابع لدار الإفتاء المصرية، إلى أن «مناطق الصراعات في أفريقيا مرشحة بقوة لتكون مسرح العمليات الإرهابية المقبلة»، وخص المرصد بالذكر الصومال ونيجيريا وأيضاً الكونغو وموزمبيق وما شهدته تلك البلدان من عمليات العام الماضي. وذكر أن «تفاقم الصراعات العرقية في قلب القارة السمراء يزيد من هذا التوقع».

 

من المتوقع أن تكتسب جماعة «بوكو حرام» الإرهابي المرتبطة تنظيميا بـ «داعش»، زخمًا على مدار العام، وخاصة داخل قاعدته في نيجيريا، وبدرجة أقل في الكاميرون وتشاد والنيجر، فقد أثبتت الجماعة قدرتها على شن هجمات كبيرة، مثل اقتحام قواعد عسكرية صغيرة، بينما تراجع الجيش النيجيري إلى معسكرات كبرى محصنة، ما يعطي المجموعة مساحة أكبر لممارسة السيطرة على السكان المحليين، وهو مصدر مهم للتمويل. وسيستمر التنظيم في اكتساب قوة دفع ضد قوات الأمن، وسيواصل هجماته وعمليات الاختطاف وعمليات الإرهاب في دول الساحل الأفريقي.

في المقابل، كثفت مجموعة دول الساحل الخمس، موريتانيا ومالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد، وبدعم محوري لفرنسا من هجماتها على الجماعات الإرهابية في المنطقة، مطلع 2020.

ويتوقع مركز «ستراتفور» أن يبقى تنظيم «داعش» مجموعة متعددة القطاعات، حيث يعمل كل فرع بشكل مستقل عن الآخر. سوف تستغل مجموعة موزمبيق المظالم المحلية ضد الحكومة والمرتزقة الأجانب وستركز على الهجوم على السكان المحليين وقوات الأمن، وكذلك الأجانب، بما في ذلك الموجودون في صناعة الطاقة. من غير المرجح أن يحصل فرع الكونغو على موارد كافية لزيادة قدراته.

من جهة أخرى، ستظل «حركة الشباب» الصومالية المجموعة الجهادية السائدة في شرق أفريقيا، حيث تقوم بشن هجمات وعمليات خطف، مما سيؤثر على قوات الأمن والمدنيين والمصالح الأجنبية في المنطقة. من المرجح أن تؤكد المجموعة على تركيزها على طرد النفوذ الأجنبي، وستظل الهجمات ضد المدنيين وقوات الأمن تشكل مخاطر كبيرة.

«القاعدة» هل يعاود نشاطه؟

لا يزال تنظيم «القاعدة»، المتمركز في المنطقة الحدودية بين أفغانستان وباكستان، الأب الروحي للحركة الجهادية العالمية. أظهر القليل من النشاط التشغيلي الهام خلال العام الماضي. هذا ينبع من الجهود الأمريكية ضده، حيث قتلت الهجمات الصاروخية في سوريا خلال 2019 شخصيات بارزة في التنظيم.

ويشير المركز إلى أن «القاعدة» الأساسي سيستمر في التراجع، طالما ظل أيمن الظواهري في السلطة، وسيبقى جوهر التنظيم غير ذي صلة بالحركة الأوسع نطاقًا. إنه يفتقر «الظاهري» إلى الكاريزما ولا يروق للجهاديين الشباب. أما عن الجماعات المرتبطة بـ «القاعدة» على مستوى العالم، فيعتبر فرع التنظيم في منطقة الساحل الإفريقي، واحدة من أقوى فروعها في عام 2020.

وكثفت الجماعة وتيرة الهجمات في عام 2019، مما ساهم بشكل كبير في تدهور الأمن في مالي وبوركينا فاسو والنيجر. فاكتسب «داعش» في الصحراء الكبرى قوة دفع أكبر في منطقة الساحل من حركة نصرة الإسلام والمسلمين، لكن المجموعتين تجنبتا الصراع المباشر إلى حد كبير.

أوروبا.. تحذيرات ومخاوف

حذرت وكالة الأمن الداخلي في النرويج، مؤخرا، من احتمالية وقوع هجوم إرهابي من المتطرفين اليمينيين في البلاد خلال العام الجاري، اعتمادا على رصد العمليات ضد المسلمين العام الماضي.

 

وقالت الوكالة، إن تقييمها المكثف بشأن التحذيرات نابع من حقيقة أن العديد من المتطرفين اليمينيين النرويجيين قد أعربوا مؤخرًا عن دعمهم لمرتكبي الهجمات في نيوزيلندا والولايات المتحدة والهجوم الفاشل في العاصمة النرويجية أوسلو.

من جهته، حذر «مرصد الإسلاموفوبيا» التابع لدار الإفتاء المصرية من تصاعد الهجمات الإرهابية لأتباع اليمين المتطرف ضد الأهداف والمراكز الإسلامية في الغرب، وخصوصا في النرويج وألمانيا خلال الفترة المقبلة، وذلك في ظل تصاعد خطابات الكراهية اليمينية المتطرفة.

وتزايدت التحذيرات من نشاط اليمين المتطرف في بريطانيا، بالتزامن مع تزايد سلطة اليمين الشعبوية في معظم أوروبا؛ حيث حذر كبير ضباط مكافحة الإرهاب في المملكة المتحدة من أن بريطانيا تواجه تهديدًا «جديدًا وكبيرًا» من الإرهاب اليميني المتطرف المنظم خلال الشهر المقبلة.

ــــــــــــــــــــــــــ

المصادر: