حالة الهلع والخوف لدى المصريين من انتشار وتفشي فيروس “كورونا”، مستمرة، ارتفاع عدد المصابين بالفيروس واتخاذ الحكومة إجراءات احترازية، وتوقف المدارس والجامعات وتخفيض عدد العاملين فى المصالح والأجهزة الحكومية، ساهم في ارتفاع معدل القلق أكثر، وظهر ذلك الشعور في الهجوم بكثافة على المنظفات وأدوات التعقيم والتطهير، وكذا مواد الغذاء.

أطلقت وسائل إعلام وقنوات محلية حملة إعلامية مُكثفة تحت شعار “خليك في البيت”، من أجل تشجيع المواطنين ونشر الوعي بينهم على ضرورة البقاء في المنازل حرصاً على الصحة الشخصية ولتلافي نقل أو استقبال العدوي الخاصة بفيروس “كورونا” المُستجد.

وأعلنت وزارة الصحة والسكان، أمس الثلاثاء، عن تسجيل 30 حالة جديدة ثبتت إيجابية تحاليلها لفيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، ليرتفع عدد المصابين إلى 196 حالة، بالإضافة إلى تسجيل حالتي وفاة جديدتين.

وقال الدكتور خالد مجاهد، مستشار وزيرة الصحة والسكان لشؤون الإعلام والمتحدث الرسمي للوزارة، في تصريحات صحفية، إن الحالات الجديدة التي ثبتت إيجابيتها لفيروس كورونا المستجد اليوم جميعها من المصريين المخالطين للحالات الإيجابية التي تم اكتشافها والإعلان عنها مسبقًا، وجاء ذلك ضمن إجراءات الترصد والتقصي التي تُجريها الوزارة وفقًا لإرشادات منظمة الصحة العالمية.

وكشف “مجاهد”  تسجيل حالتي وفاة جديدتين واحدة لإيطالية الجنسية تبلغ من العمر 78 عامًا وتوفيت بمستشفى العزل، والأخرى لمصري يبلغ من العمر 70 عامًا من محافظة القاهرة، وتوفي بمستشفى العزل، وجار اتخاذ كافة الإجراءات الوقائية تجاه أسرته، والمخالطين له، مشيرًا إلى إن جميع الحالات المسجل إيجابيتها للفيروس بمستشفيات العزل تخضع للرعاية الطبية، وفقًا لإرشادات منظمة الصحة العالمية.

وكان الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، أصدر قراراً أمس الاثنين، بتخفيض عدد العاملين فى المصالح والأجهزة الحكومية، وسبق وأن قرر تعليق العروض التى تقام في دور السينما والمسارح، مع وقف حركة الطيران.

زحام على المتاجر

وشهدت المحال التجارية والأسواق، في أول يوم لتفعيل الحكومة قرار غلق المدارس والجامعات لمدة أسبوعين لمنع تفشي فيروس كورونا، إقبالا كبيرا من المصريين، في محاولة لشراء كميات كبيرة من السلع، خوفا من استغلال التجار للأزمة لرفع الأسعار.

في المقابل، أثار هذا الازدحام الشديد على المتاجر قلق البعض لما يمثله من خطورة قد تساهم في نشر ونقل عدوى فيروس كورونا بسهولة، فضلا عن استغلال التجار لهذا الإقبال وقيامهم برفع سعر بعض السلع أو إخفائها عن الجمهور لفترة حتى ترتفع أسعارها تلقائيا في السوق، وهو ما يعرف باسم “تعطيش السوق”.

وفي سط حالة الذعر المنتشرة بين المواطنين في جميع أنحاء العالم، نتيجة لانتشار فيروس كورونا بشكل سريع، واختفاء بعض المطهرات وزيادة أسعار البعض الآخر، لجأ المصريون إلى استخدام الكولونيا كونها عطر بالليمون وتحتوي على نسبة عالية من الكحول، من أجل البحث عن وقاية لهم من كورونا في التعقيم والتطهير .

وبعد أيام قليلة من انتشار أهمية الكولونيا، في قتل كورونا، اتضح أن الفيروس قد قضى بالفعل على زجاجات الكولونيا، وبات الرد الأشهر للعاملين في متاجر أدوات التجميل والعطور أن العثور على زجاجة “ربما يكون مستحيلا”.

وأفاد التجار وأصحاب محلات أدوات التجميل، أنهم “لم يشهدوا أبدا هذا الإقبال على الكولونيا، ونفدت الكميات من جميع الفروع، وحتى المخازن، مشيرين إلى أن الزبائن يبحثون عن أي نوع وأي حجم في ظل الظروف الحالية ، رغم زيادة أسعارها للضعف.

في مشهد آخر، تراجعت حركة المرور في شوارع العاصمة، بشكل ملحوظ، تأثرا بقرارات الحكومة، ورغم تراجع الزحام المروري، لا تزال مظاهر الحياة اليومية التي يمارسها المصريون أقرب للمعتاد، لكن منع الأنشطة الجماعية الاجتماعية والثقافية والرياضية كان القرار الذي بدت تأثيراته واضحة، خصوصا داخل المنشآت الرياضية ومراكز الشباب، حيث تم وقف المسابقات والفاعليات على كافة المستويات، كما تجري في الوقت ذاته عمليات تطهير وتعقيم داخل المرافق الرياضية.

انقسام السوشيال ميديا 

منذ أزمة كورونا، تعتبر مواقع التواصل الاجتماعي هي المنصة الرئيسية في تناقل الرسائل وتبادل النصائح، والحث على البقاء بالمنازل، ومنع التجمعات، التي جاءت لتساندها قرارات حكومية تقضي بتعليق كثير من النشاطات الحياتية، وشكلت القرارات الحكومية والتساند المجتمعي تغييراً في الأوضاع الاجتماعية بشكل سريع، عبر طريقة التواصل فيما بين الناس، والتباعد المكاني، وتجنب الاجتماعات واللقاءات الاجتماعية، التي تعد عادة مصرية أصيلة.

و تنوعت التعليقات عبر هاشتاج “خليك في البيت” عبر مواقع التواصل، و حث رواد السوشيال ميديا المتابعين على الإلزم بالمنزل من أجل سلامتهم وتحصين المجتمع، مع تنويه عام إذا كان أي شخص  مصاباً بالحمى والسعال وصعوبة التنفس أن يلتمس الرعاية الطبية ويتصل بمقدم الرعاية قبل التوجه إليه، مع ابتاع  توجيهات السلطات الصحية المحلية .

ورغم هذا الدعم والعبارات المشجعة، ظهر تباين في رود الفعل من قبل المصريون على مواقع التواصل الاجتماعي، في استقبالهم لارتفاع الاصابات بفيروس كورونا، حيث تخوفت مجموعة من طبيعة المجتمع نفسه التي قد تؤدي إلى نشر المرض.  

بينما سخر قطاع آخر من تأكيد الحكومة استعدادها لمواجهة انتشار الفيروس، مشيرين إلى ضعف البنية التحتية في المستشفيات والمدارس، بجانب الزحام في وسائل المواصلات العامة، خاصة مترو الأنفاق.

ولكن نقد البعض الأخر كان ذو طابع سياسيي نوعا ما حيث أشاروا إلى أن ما يمر به العالم من أزمة بسبب فيروس كورونا “ليس الوقت المناسب لتسجيل نقاط سياسية ضد النظام”، مطالبين بضرورة التوعية من الفيروس ووقوف الجميع “يد واحدة”.

اختفاء الكحول

وفي مشهد آخر يعكس حالة الهلع لدى المصريين من فيروس “كورونا” خلت جميع الصيدليات تقريبًا على مستوى الجمهورية، إلا قليلا منها من زجاجات الكحول المعقم، والكولونيا والقفازات الطبية، وفي محاولة لتعويض نقص الكحول والكولونيا أقبل المصريون على اقتناء زجاجات الخل كبديل أرخص ثمنا، وأكثر وفرة، ولكن يظل استخدامها مقصورا على المنازل، وليس في أماكن العمل والمواصلات والتجمعات، نظرا لرائحته.

ولكن اختفاء الكحول لم يمر مرور الكرام، ودفع اختفائه وارتفاع أسعاره نشطاء مواقع التواصل إلى تدشين هاشتاج  “الكحول_الإيثيلي”، وهو المادة الأساسية المستخدمة في صناعة المنظفات والمطهرات، وأرجع مغردون اختفاء الكحول وارتفاع أسعاره لجشع تجار المستلزمات الطبية وبعض الصيدليات، والذين سارعوا إلى شراء كميات ضخمة منها وتخزينها لإعادة بيعها بأسعار مرتفعة محليا أو تصديرها للخارج .

وبعيدًا عن الكحول، حدث اقبال كبير في الأسواق المصرية على شراء المنظفات والمطهرات بجميع أنواعها،   كالكلور والديتول، نتيجة الخوف والهلع من انتشار فيروس كورونا حول العالم،  ولجوء المواطنين إلى تكثيف تنظيف الأيدى بالمطهرات المختلفة،  وهو ما دفع بعض الخبراء والمختصين لتأكيد على الشراء أماكن تبيع منتجات عليها موافقة صحية وعلامات تجارية معروفة متوافق عليها من وزارة الصحة، حتى لا تسبب مضاعفات لمستخدميها،  مشيرين إلى أن 50% من المنظفات التى تباع فى محال المنظفات وعلى الأرصفة تصنع في مصانع بير السلم وليس عليها أى رقابة صحية.

ويقول عضو مجلس إدارة شعبة الأجهزة والمستلزمات الطبية بالغرف التجارية، لـ”مصر 360″، إن هناك حالة من المبالغة يعيشها المجتمع المصري والإعلام حول انتشاؤ فيروس كورونا والأقبال الغير طبيعي على المتاجر والمسلتزمات الطبيعة، مؤكدً أنهناك مسؤولية مشتركة من الجميع سواء الحكومة أو المواطنين أو التجار، وكذلك الإعلام الذي عليه تهدئة الشارع وتوجيه الدفة.

ويضيف الدكتور مدحت رزيق عضو الغرفة، أن أمر الزحام الشديد على السلع غير مبرر وليس مقبولا فكثير من الناس أخذوا حاجتهم وحاجة غيرهم، دون النظر إلى أن غيره يحتاج إلى حماية نفسه أيضا،لافتًا إلى أن الحكومة تقوم بواجبها من خلال منح تراخيص سريعة لمصانع المطهرات، ومشاركة مصانع الإنتاج الحربي في الإنتاج الذي سيقلل من الضغط على المتاجر.

وأوضح أن سبب اختفاء الكحول من الأسواق، هو أن الإنتاج كان يوجه معظمه إلى المستشفيات بالأساس مع نسبة 5% للجمهور، الآن غالبية الشعب تريد الكحول، وهو ما شكل ضغطا على المنتجات من جهة، وفرصة للتجار للاحتكار من جهة أخرى.

في المقابل، تداول مصريون عبر مواقع التواصل طرقا بسيطة للنظافة الشخصية والمنزلية، ومنها خلطات من عدة أنواع بكميات محددة، وصناعة بخاخات منزلية.

والإرشادات البسيطة والتقليدية،مثل غسل اليدين للوقاية من كورونا، اصطدمت هي الأخرى بانقطاع المياه المتكرر، ولا سيما عقب هطول الأمطار بوفرة وإعلان الحكومة عن قطعها عن كامل محافظة القاهرة الكبرى لسوء حالة الطقس.

“خلي كورونا على الله”

وبعيدًا عن الاحتياطات وهجوم الأغلبية على المتاجر والأسواق ونفاذ كميات المنظفات في مصر، في سابقة تاريخية، هناك فئة تبدو ليس بالقليلة تتعامل مع فيروس “كورونا” على أنه “نزلة برد وهتروح”، مؤمنين بقضاء الله وأن كل أمره خير، مواجهين الأمر بالآيات والتراتيل الدينية، أو في معنى آخر “ماشين بالبركة”، لا يشغلون بالهم بما يجري من إجراءات حكومية او غيرها، بل وصل الأمر إلى اعتقاد البعض أن “كورونا” مجرد وهم تم تصديره من الغرب لنا كنوع من الحرب والسيطرة على العالم، ولابد التعامل معه بالتجاهل التام، مدرجين الأمر تحت شعار “هي موتة ولا أكتر”.

وتتعامل هذه الفئة من المجتمع المصري ببساطة  في مواجهة هذا الأمر، فهم لم يغزو الأسواق لشراء البضائع وتخزينها، كما أنهم لم يمكثوا في البيت ككثيرين آخرين.