78 عامًا، مرت على انتهاء الحرب العالمية الثانية، ولا زالت قضية الألغام تشكل أزمة كبري تهدد حياة سكان مدينة العلمين الساحلية، بصحراء مصر الغربية، في حين تعاني مناطق أخري بالصحراء الشرقية من نفس المصير، بسبب حروب مصر السابقة مع إسرائيل، ما يتسبب في وقوع ضحايا نتيجة حقول الألغام المزروعة، وسط جهود حكومية ودولية لإنهاء المأساة، التي يروح ضحيتها أبرياء لم تكن لبلادهم ناقة ولا جمل في معركة جرت على أراضيها.

sss

وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها مع نهاية معركة العلمين، بانتصار دول الحلفاء على دول المحور، وراح ضحيتها عشرات الآلاف من القتلى والمصابين والمفقودين في صحراء مصر الغربية، وتحي الدول التي شاركت في معركة العلمين، في شهر أكتوبر من كل عام ذكرى قتلاهم خلال الحرب، بمشاركة دولية واسعة من خلال حضور قيادات هذه الدول أو سفرائها وقناصلها في مصر، بينما مازالت تحصد حقولهم المزروعة بالألغام أرواح وضحايا أبرياء من المصريين بين الحين والآخر.

ووفقا للهيئة العامة للاستعلامات،  حوالي 17.5 مليون لغم خلفتها الحرب العالمية الثانية في مصر تغطي أكثر من 250 ألف فدان على امتداد الساحل الشمالي وسيناء

وتؤكد الهيئة العامة للاستعلامات، أن هناك حوالي 17.5 مليون لغم خلفتها الحرب العالمية الثانية في مصر، تغطي أكثر من 250 ألف فدان على امتداد الساحل الشمالي وسيناء، إضافة إلى ما خلفته الحروب المصرية الإسرائيلية السابقة، بتقديرات بلغت نحو 5.5 ملايين لغم في سيناء والصحراء الشرقية.

بحسب التقديرات الرسمية، فإن القوات المسلحة المصرية نجحت في إزالة حوالي 1.3 مليون لغم منذ عام 1995، من بين إجمالي 23 مليون لغم، ووفقا لتقديرات أممية، بلغ عدد الألغام في العالم أكثر من 110 مليون لغم منتشرة في 70 دولة في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية وأوروبا، كما يصل مخزون العالم من الألغام قرابة 250 مليون لغم في 80 دولة.

اقرأ أيضًا: حروبهم تبتر الأعضاء والأعمار.. “حياة العرب على أسنة الإعاقة”

وتشير الأرقام إلي أن عدد ضحايا الألغام بلغ 26 ألف ضحية سنوياً، 80% منهم مدنيون على مستوى العالم، وهناك 11 دولة هي الأكثر تضرراً من وجود الألغام على أراضيها، وتأتي كمبوديا على رأس قائمة هذه الدول حيث يوجد بها 15 مليون لغم أرضي، وهناك مصاب بين كل 384 مواطن كمبودي، وباقي القائمة تضم: أفغانستان “10 مليون لغم”، أنجولا “14 مليون لغم”، البوسنة والهرسك “3 ملايين لغم”، كرواتيا “3 ملايين لغم”، أريتريا “مليون لغم”، العراق “10 ملايين لغم”، موزمبيق “3 ملايين لغم”، الصومال “مليون لغم”، السودان “مليون لغم”، فيتنام “4 ملايين لغم”.

عدد ضحايا الألغام بلغ 26 ألف ضحية سنوياً، 80% منهم مدنيون على مستوى العالم

وترتفع تكلفة عملية إزالة وتطهير الألغام، إلى أكثر من 20 مليار دولار، حيث يتكلف إزالة اللغم الواحد ما بين 100، وآلف دولار، في حين تقدر تكلفة عملية زراعته ما بين 10 – 30 دولاراً.

 

حدائق الشيطان

تشير التقديرات إلى أنه تم زرع 3 ملايين لغم قبل معركة “حدائق الشيطان”، في المنطقة الدفاعية التي اشتهرت بكثرة الأسلاك الشائكة والألغام بمنطقة العلمين بمصر، بعد أن وصفها قائد فيلق الصحراء الألماني إرفين روميل عام 1942 .

تشير التقديرات إلى أنه تم زرع 3 ملايين لغم قبل معركة “حدائق الشيطان” في المنطقة الدفاعية التي اشتهرت بكثرة الأسلاك الشائكة والألغام بمنطقة العلمين بمصر، بعد أن وصفها قائد فيلق الصحراء الألماني إرفين روميل عام 1942

بدأت معركة العلمين الثانية في أكتوبر 1942 بين قوات الحلفاء بقيادة المارشال البريطاني برنارد مونتجمري، وقوات المحور بقيادة الجنرال الألماني إروين روميل.

اقرأ أيضًا: «الحرب البيولوجية».. نهاية العالم الآن؟ (1- 2)

وكانت هزيمة دول المحور بمثابة نقطة تحول في الحرب العالمية الثانية، حيث منعت الزعيم النازي”أدولف هتلر” وحليفه الإيطالي “بينيتو موسوليني”، من غزو الإسكندرية وقناة السويس، ولا تزال هذه الألغام موجودة حتى وقتنا هذا ومع مرور الوقت تصبح هذه الألغام غير مستقرة، وتعرض سكان المنطقة لخطر الموت.

جهود مصرية دولية

علي مدار السنوات الماضية، قامت الحكومة المصرية بالتعاون مع العديد من الدول، لإزالة الألغام وتنمية الساحل الشمالي الغربي بهدف تحويل العلمين الجديدة إلى مقصد سياحي، وكانت آخر تلك الجهود، توقيع مصر وسويسرا مذكرة تفاهم لإزالة الألغام وتنمية الساحل الشمالي الغربي بمصر، في نوفمبر 2019.

وقعت مصر وسويسرا مذكرة تفاهم للتعاون بين الأمانة التنفيذية لإزالة الألغام وتنمية الساحل الشمالي الغربي بمصر، التابعة لوزارة الاستثمار والتعاون الدولي، ومركز جنيف الدولي لإزالة الألغام للأغراض الإنسانية

ونصت مذكرة التفاهم التي وقعتها وزارة الاستثمار والتعاون الدولي مع مركز جينف الدولي، على وضع إطار للتعاون لتعزيز بناء القدرات للبرنامج المصري لمكافحة الألغام، بما يتماشى مع الأولويات الإستراتيجية الوطنية لمصر، مع تبني نهج متكامل لإزالة الألغام للأغراض الإنسانية وقيام مركز جنيف الدولي بتدريب المدربين والخدمات الاستشارية للبرنامج المصري لمكافحة الألغام، والتي كشفت بأن الحكومة لا تكتفي بإزالة الألغام بل تتحرك لتحويل هذه المناطق المتضررة إلى مناطق لمشرعات تنموية واستثمارية.

وبحسب تصريحات الوزارة، فأنه تم إنشاء قاعدة بيانات شاملة للناجين من حوادث الألغام يتم تحديثها دورياً، مع تنظيم حملات توعية كبرى للتوعية بمخاطر الألغام، بالإضافة إلي تطهير 2182 كيلو مترا من الألغام في منطقة العلمين حتى الآن، وطباعة 174 ألف نسخة لمنهج التوعية بمخاطر الألغام باعتماد وزارة التربية والتعليم تم توزيعها على طلاب المدارس بكل المراكز التابعة لمحافظة مطروح.

الأرقام أشارت إلى أنه تم التعامل مع 696 حالة بتركيب أطراف صناعية، من بينهم 517 حالة تركيب أجهزة أطراف صناعية جديدة، بالإضافة إلى 179 حالة تم تزويدها بقطع غيار للطرف الصناعي أو خدمات صيانة

الأرقام أشارت إلى أنه تم التعامل مع 696 حالة بتركيب أطراف صناعية، من بينهم 517 حالة تركيب أجهزة أطراف صناعية جديدة، بالإضافة إلى 179 حالة تم تزويدها بقطع غيار للطرف الصناعي أو خدمات صيانة، بينما تلقي نحو 215 أسرة مشروعات ثروة حيوانية مدرة للدخل وذلك بإجمالي عدد (1.290) رأس أغنام وماعز، كما تم منح 206 قروض دوارة للمستفيدين لبدء مشروع خاص بها، وتوزيع 165 ماكينة خياطة على سيدات من ضحايا الألغام وذويهم وتدريبهن على مهارات الحياكة، وتنفيذ 5 مشروعات طاقة شمسية لإنارة منازل ضحايا الألغام وذويهم.

مدير مركز جنيف الدولي لإزالة الألغام للأغراض الإنسانية، السفير “استيفانو توسكانو”، صرح بأن المركز يعمل على القضاء على الألغام ومخلفات الحرب القابلة للانفجار ومخاطر المتفجرات الأخرى، مثل مخزون الذخائر غير الآمنة، ويدعم المركز الحكومات والمنظمات الدولية والإقليمية والمنظمات غير الحكومية في جهودها لتحسين ملاءمة الإجراءات المتعلقة بالألغام وأداؤها واستدامتها من خلال تعزيز المعرفة وتشجيع القواعد والمعايير وتطوير القدرات داخل البلدان وخارجها.

اقرأ أيضًا: “ميليت”: قوات حفتر تسعى لتسييس أزمة كورونا بليبيا

وكشف السفير البريطاني في القاهرة “جون كاسن”، أن بلاده قدمت للحكومة المصرية جميع خرائط ألغام الحرب العالمية الثانية الموجودة في منطقة الساحل الشمالي الغربي.

تصريحات السفير البريطاني، جاءت على هامش ورشة العمل التي نظمتها وزارة التعاون الدولي، عقب افتتاح وزيرة التعاون الدولي سحر نصر لأول مركز لتصنيع الأطراف الصناعية في محافظة مطروح بتمويل من الإتحاد الأوروبي، وأوضح خلالها أن بريطانيا قدمت 10 ملايين دولار لجهود إزالة الألغام من الساحل الشمالي الغربي، كما تم توعية حوالي 16 ألف شخص عن الألغام على مدار عشر سنوات، مشيرا إلى وجود تقدم ملحوظ في جهود إزالة الألغام خلال العامين الماضيين، حيث تم تطهير 500 كيلو متر من الألغام، وذلك نتيجة للجهود المصرية بالتعاون مع شركاء التنمية من الإتحاد الأوروبي والأمم المتحدة.

الأمم المتحدة : “كوفيد 19” يُذكرنا بضحايا الألغام

تحتفل الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 4 أبريل من كل عام رسميًا باليوم الدولي للتوعية والمساعدة في الأعمال المتعلقة بالألغام، بموجب قرارها 97/60 في 8 ديسمبر 2005.

دعا الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو جوتيريش”، إلي دعم المهددين في مناطق الألغام والمتفجرات ومخلفات الحرب 

دعا الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو جوتيريش”، إلي دعم المهددين في مناطق الألغام والمتفجرات وقال في تغريده له، اليوم السبت، على موقع التواصل الاجتماعي، “تويتر”: إن الألغام والمتفجرات من مخلفات الحرب تهدد بعض الأشخاص الأكثر ضعفا في المجتمع، بينما نتعامل مع أزمة “كوفيد -19″، لنتذكر الأشخاص الذين يعيشون في ظل الذخائر المتفجرة ونلتزم بمواصلة دعمهم.

ودعت الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى استمرار الجهود التي تبذلها الدول، بمساعدة من الأمم المتحدة والمنظمات ذات الصلة المشاركة في الأعمال المتعلقة بالألغام، للقيام بتشجيع بناء قدرات وطنية وتطويرها في مجال الأعمال المتعلقة بالألغام في البلدان التي تشكل خطرا للسكان المدنيين .

اتفاقية أوتاوا لحظر الألغام

ومنذ فتح باب التوقيع على اتفاقية حظر استعمال وإنتاج ونقل الألغام المضادة للأفراد وتدمير تلك الألغام، المعروفة عموما باسم اتفاقية حظر الألغام المضادة للأفراد، في عام 1997، صدّق 156 بلدا على المعاهدة، وتم تدمير ما يزيد على 41 مليون لغم من مخزونات الألغام.

على الرغم من أن مصر لم توقع على اتفاقية “أوتاوا” لحظر استخدام وإنتاج الألغام المضادة للأفراد في ديسمبر 1997، إلا أنها ساندت من حيث المبدأ الهدف من هذه الاتفاقية، حيث سبق وشاركت مصر في كل المراحل التمهيدية السابقة على توقيع الاتفاقية.

على الرغم من أن مصر لم توقع على اتفاقية “اوتاوا” لحظر استخدام وإنتاج الألغام المضادة للأفراد في ديسمبر 1997، إلا أنها ساندت من حيث المبدأ الهدف من هذه الاتفاقية

وطالبت مصر في اجتماعات الخبراء لمناقشة مشروع الاتفاقية في أوسلو في سبتمبر 1997، بمزيد من الضغط الدولي لدفع الدول التي شاركت في معارك الحرب العالمية الثانية على أرض مصر، إلى تقديم خرائط الألغام، وتقديم الدعم الأكبر لإزالتها.

وتؤكد الهيئة العامة للاستعلامات أن مصر تتفق تماماً مع الهدف الإنساني للاتفاقية، إلا أن صعوبة موافقاتها على الانضمام، يرجع لأنها تعيق مصر عن ممارسة حقها المشروع في الدفاع عن النفس والحفاظ على أمنها القومي، وكذلك حقها في الحصول على المساعدات اللازمة لتطهير الألغام.

البرلمان

وتحت قبة البرلمان المصري انطلقت دعوات عديدة إلى تعاون دولي أكبر لحل هذه المسألة، ومن بين تلك الخطوات اجتماع عقد في 29 يناير 2019، ضم أعضاء بلجنة الشئون الخارجية بمجلس النواب، مع مدير شئون نزع السلاح والاستخدامات السلمية للطاقة الذرية بوزارة الخارجية واللواء فتحي محمد منصور مدير الأمانة التنفيذية لإزالة الألغام بوزارة التعاون الدولي.

اقرأ أيضًا: عودة مجلس الشيوخ : تكرار لسياسة “الصمت” و انعدام الصلاحيات أمام الحكومة

“الغول” تقدم بمشروع قرار يطالب بتعويضات مالية من الدول التي شاركت في الحرب العالمية الثانية لا سيما ألمانيا وبريطانيا في ظل الجهد الهائل المطلوب لإزالة ملايين الألغام

الاجتماع ناقش طلب الإحاطة المقدم من، النائب محمد الغول، بشأن مشكلة الألغام في منقطة العلمين، والذي يطالب بتعويضات مالية من الدول التي شاركت في الحرب العالمية الثانية لا سيما ألمانيا وبريطانيا لا سيما في ظل الجهد الهائل المطلوب لإزالة ملايين الألغام، قائلا: “لقد حان الوقت للمطالبة بتعويضات في كافة المؤتمرات الدولية، على الأقل نستطيع حث ألمانيا وبريطانيا على اسقاط ديون مصر، وينبغي أن نجذب الاهتمام الدولي تجاه هذا الموضوع الذي يعيق تقدم العلمين منذ فترة طويلة”.