في سابقة هي الأولى من نوعها، صنفت الولايات المتحدة، منظمة يمينية عنصرية متطرفة مقرها روسيا، تُسمى “الحركة الإمبراطورية الروسية”، على لائحة المنظمات الإرهابية العابرة للحدود، وهي الخطوة التي اعتبرها المراقبون تطورا نوعيا في تصنيف الولايات المتحدة لجماعات العنف والإرهاب ذات الطابع الدولي، بعد أن كان هذا التصنيف مقتصرًا منذ هجمات 11 سبتمبر 2001 على الجماعات والمنظمات المرتبطة بالفكر “الجهادي” الإسلامي، فضلا عن منظمات أخرى مثل “الحرس الثوري” الإيراني.

sss

وأعلن مكتب “مراقبة الأصول الأجنبية” في وزارة الخزانة الأمريكية، منتصف الأسبوع الجاري، رسميًا، عن تصنيف «الحركة الإمبراطورية الروسية» التي تؤمن بتفوق العرق الأبيض، منظمة إرهابية، وهو ما يحظر وجود أي ممتلكات أو أصول أو حسابات مصرفية تابعة للحركة على الأراضي الأمريكية. كما يمنع القرار الأمريكيين من التعامل المالي مع الجماعة اليمينية، ويمنع أعضاءها من السفر إلى الولايات المتحدة. ويسمح تصنيف «الحركة الإمبراطورية الروسية» للمباحث الفيدرالية الأمريكية «إف بي آي» بفتح تحقيقات مع الأمريكيين الذين يبدو أن لهم صلات بهذه الجماعة الروسية.

مراقبة الأصول الأجنبية: يسمح تصنيف «الحركة الإمبراطورية الروسية» للمباحث الفيدرالية الأمريكية «إف بي آي» بفتح تحقيقات مع الأمريكيين الذين يبدو أن لهم صلات بهذه الجماعة الروسية

ووفق القرار، صنفت وزارة الخزانة الأمريكية ثلاثة من قادة «الحركة الإمبراطورية الروسية»، هم: ستانيسلاف أناتوليفيتش فوروبييف، ودينيس فاليولوفيتش غارييف، ونيكولاي نيكولايفيتش تروشالوف، على أنهم “إرهابيون” سيواجهون عقوبات مالية مماثلة خلال الفترة المقبلة.

وذكرت وسائل إعلام أمريكية أن قرار تصنيف الحركة الروسية “إرهابية”، اتُخذ استنادًا إلى أمر تنفيذي أصدره الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن، بعد هجمات 11 سبتمبر، سمح بتوسيع صلاحيات الأجهزة المعنية لتشمل الجماعات التي توفر التدريب للإرهابيين، حتى ولو لم تكن تلك الجماعات مرتبطة مباشرة بأي هجوم على الولايات المتحدة.

وإلى ذلك، قالت صحيفة «نيويورك تايمز» إن إدارة الرئيس دونالد ترامب لا تعتقد أن تلك المجموعة مدعومة مباشرة من قبل الحكومة الروسية، وذلك على الرغم من أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد “استفاد” من نتائج أعمالها. فقد ساعدت في تحقيق أهداف السياسة الخارجية الروسية، من خلال تجنيد مقاتلين روس لمساعدة الانفصاليين الموالين لروسيا في شرق أوكرانيا. كما ساعدت هذه المجموعة في دعم جماعات ومنظمات “النازية الجديدة” في الدول الإسكندنافية، التي تتوافق مع المساعي الروسية في محاولة إثارة الانقسامات الداخلية، بما في ذلك على أسس عرقية وزرع الفوضى في الديمقراطيات الغربية.

من جانبهم، قال مراقبون سياسيون إن تخوف المسؤولين الأمريكيين المتزايد من تصاعد نشاط المتطرفين اليمنيين الذين تربطهم علاقات عابرة للحدود، هو ما أدى إلى اتخاذ هذا القرار، خاصة بعد قيام البيت الأبيض بإضافة التهديد الذي قد تمثله هذه الجماعات اليمينية لاستراتيجية الإدارة الأمريكية لمكافحة الإرهاب عام 2018.

تصنيف غير مسبوق

قال السفير ناثان سايلز، منسق شؤون مكافحة الإرهاب في وزارة الخارجية، في تصريحات نقلتها وكالة “فرانس برس”، إن “هذا التصنيف غير مسبوق، وتلك هي المرة الأولى التي تصنف فيها الولايات المتحدة المتعصبين البيض على أنهم إرهابيون، وهو إجراء يوضح مدى الجدية التي تتعامل بها الإدارة مع التهديد الإرهابي «للمتفوقين البيض».

السفير ناثان سايلز: هذا التصنيف غير مسبوق، وتلك هي المرة الأولى التي تصنف فيها الولايات المتحدة المتعصبين البيض على أنهم إرهابيون

وأضاف أن “التصنيف اليوم يبعث برسالة لا لبس فيها بأن الولايات المتحدة، لن تتردد في استخدام سلطاتها الجزائية بقوة، وأننا مستعدون لاستهداف أي جماعة إرهابية أجنبية تهدد مواطنينا أو مصالحنا في الخارج أو حلفاءنا، بغض النظر عن عقيدتها”.

وأكد “سايلز” أن الولايات المتحدة بدأت تشعر بالقلق ازاء تصاعد عنف جماعات تفوق العرق الأبيض في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الهجمات ضد المسلمين في مدينة “كرايست تشيرش” في نيوزيلندا العام الماضي، وأدى إلى مقتل 51 شخصاً، فضلا عن الهجمات ضد مهاجرين من ذوي الأصول الإسبانية في مدينة “إل باسو” بولاية تكساس الأمريكية، موضحا أن ما أتاح هذا التصنيف أمر مباشر من ترامب يسمح بتصنيف الإرهابيين استنادا إلى تلقيهم تدريبات شبه عسكرية فقط، وليس بالضرورة مشاركتهم في أعمال عنف”.

وتدير هذه المجموعة معسكرين في مدينة “سانت بطرسبرغ” يقدمان تدريبًا شبه عسكري لأعضاء جماعات “النازيين الجدد” من كل أنحاء أوروبا، ويُرجَّح أن مثل المعسكرات تُستخدَم في التدريب على الهجوم على المدن، واستعمال الأسلحة التكتيكية، والقتال البدني المباشر. وذلك في ظل تساهل السلطات الروسية مع هذه الجماعات، وسط أنباء غير مؤكدة عن “دعم سري” تقدمة موسكو للتنظيمات اليمينية المتطرفة في أوروبا، تحسبا لاحتمالية استخدامها مستقبلا في تحقيق أهداف محددة للسياسية الروسية عبر القارة الأوروبية.

وفي عام 2017، مثل 3 عناصر من «الحركة الإمبراطورية الروسية» أمام محكمة في السويد، متهمين بالتخطيط لشن هجمات بالقنابل تستهدف طالبي اللجوء السياسي في البلاد.

وقال ممثلو الادعاء السويديون، في حينه، إن اثنين من المتهمين سافرا إلى مدينة سانت بطرسبرغ الروسية، بهدف المشاركة في معسكر تدريبي لمدة 11 يوماً تديره الجماعة، ما أدى إلى تأجيج التطرف اليميني في البلاد.

مكافحة الإرهاب اليميني

اعتُبرت هذه الخطوة دليلًا على قيام إدارة “ترامب” بتوسيع استخدامها للسلطة التي منحها لها الكونغرس الأمريكي، لفرض عقوبات على الجماعات من خلال تسمية المنظمات الإرهابية الأجنبية.

 

في المقابل، اعتبر البعض أن هذا التصنيف محاولة من إدارة “ترامب” للحد من الانتقادات التي تعرضت لها بسبب عدم تصديها لعنف القوميين البيض، خصوصًا بعد اتهام الرئيس الأمريكي بمحاباة تلك الجماعات لأسباب سياسية للحفاظ على دعم البيض المتشددين، بسبب تصريحاته التي أعقبت المواجهات الدامية التي جرت عام 2017 في ولاية فيرجينيا خلال مسيرة للقوميين البيض، وقوله إنه كان هناك «أناس طيبون جدًا من كلا الجانبين».

وأصبحت مكافحة الإرهاب المحلي، بما في ذلك أنشطة القوميين البيض العنيفة، أولوية بالنسبة لمكتب التحقيقات الفيدرالي. ونفذت سلطات الأمن الفيدرالية والمحلية موجة من الاعتقالات خلال الأشهر الأخيرة، استهدفت أعضاء في مجموعتين من النازيين الجدد؛ هما فرقة “أتوم وافن” و”بايس” أو “القاعدة”.

اقرأ أيضًا: «النازيون الجدد».. وحش الإرهاب القادم في أوروبا

وفي هذا الصدد، قال مسؤولون أمريكيون لصحيفة صحيفة «نيويورك تايمز» إن الـ “إف بي آي” يحقق فيما إذا كان لزعيم “بايس”، الذي يعيش في مدينة سانت بطرسبرغ، أي علاقات، أم لا، مع أجهزة الأمن أو المخابرات التابعة للحكومة الروسية.

«نيويورك تايمز»: الـ “إف بي آي” يحقق فيما إذا كان لزعيم “بايس”، الذي يعيش في مدينة سانت بطرسبرغ، أي علاقات، أم لا، مع أجهزة الأمن أو المخابرات التابعة للحكومة الروسية

من جانبها، قالت ماري ماكولد، الرئيسة السابقة لقسم الأمن القومي بوزارة العدل الأمريكية، إن نظام “عقوبات مكافحة الإرهاب” استُخدِمَ حتى الآن بأغلبيةٍ ساحقة ضد الجماعات المسلحة المُتطرِّفة ذات الطابع الإسلامي المتطرف فحسب، واصفة تمديد ذلك النظام ليشمل جماعةً لأنصار سيادة العرق الأبيض بأنه “أمرٌ مهم”.

وأضافت “ماكولد” أن “قضايا اليمين المُتطرِّف، لا سيَّما القومية البيضاء، تتزايد على الصعيد الدولي. ويعود الأمر إلى وزارة الخارجية لكي تتحقَّق مِمَّا إذا كانت هذه المنظمات تتوافق مع معايير التصنيف باعتبارها جماعاتٍ إرهابية، لأن هذه المنظمات إذا حملت هذا التصنيف فستصبح سامةً من حيث القيام بأعمالٍ تجاريةٍ معها، أو إمدادها بتمويلٍ أو بضائع أو تقديم خدماتٍ لها. هذا وتواصل الأجهزة الأمنية الأمريكية البحث عن مجموعات بيضاء أخرى أو أفراد تنطبق عليهم معايير العقوبات”.