ليس لأن المعارضة في حد ذاتها هدف، ولكن لأنه من المستحيل أن يكون هناك عمل إنساني أياً كان يمكنه أن نصفه بالكمال، أو متفق عليه من الجميع، فهذا لم يحدث مع الرسل ولا مع الله جل علاه، فهناك من لا يؤمن بوجودهم من الأساس؛ وبالتالي فالمعارضة ليست فقط حق من حقوق الإنسان، حقه في حرية التعبير والتنظيم، ولكنها حق للمجتمع لكي يرى أي فعل من مختلف جوانبه، وبذلك يمكنه تطوير الأداء والأفكار.
وهذا التطوير هو الذي يدفع المجتمعات للأمام، ويجعلها أفضل لأنه طوال الوقت هناك نقاش حر لتحسين الأداء، ليس فقط السياسي و لكن الاجتماعي والاقتصادي والفكري … إلخ.
ومن ثم فمن المستحيل أن يتطور المجتمع، أي مجتمع، دون نقاش حر لكل شيئ، وبالتالي يتجنب الأخطاء ولا يعيد إنتاجها مرة أخرى، بل يسعى إلى التفكير العميق في بدائل أخرى أفضل، وهذا من المستحيل أن تقوم به نخبة أو فئة مهما علت قيمتها وكفاءتها، لأن حتى هذه الفئة أو النخبة أو الطبقة من المستحيل أن تصبح أفضل في الأداء دون أن يتم انتقادها، فالفرد الواحد أو المجموعة الواحدة من المستحيل أن ترى أخطائها بشكل أقرب إلى الحقيقة دون أن يكون هناك من يرى الصورة من خارجها، أي دون أن يكون هناك من يقدم انتقادات من خارج هذه المجموعة.
بالتالي فالمعارضة ضرورة حتمية، والحقيقة أنها لا تضيع وقت المجتمع، ولا تعطل من يعملون، لأن من يعملون جزء من عملهم هو أن ينصتوا ويردوا و يناقشوا الأفكار المختلفة معهم، وبما أن سين من الناس اختار أن يتولى وظيفة عامة أو يصبح شخصية عامة، فجزء أساسي من طبيعة عمله ووظيفته هو أن يرد ويناقش المختلفين معه. فربما يستطيع تطوير أدائه وفي هذا مكسب كبير، وإذا لم يستطع يتنحى ويأتي من يحمل أفكاراً أكثر تطوراً وفي هذا مكسب كبير أيضاً للبلد.
لكن المشكلة هي كيف نعارض، وهل هناك حدود للمعارضة؟
أظن أن الفخ الكبير الذي يقع فيه البعض بحسن نية، والبعض الآخر بسوء نية، وهو الخلط بين من يحكمون وبين الدولة، فالذين يحكمون مصر في كل العصور هم يديرون الدولة ولكنهم ليسوا هم الدولة، الدولة مستمرة وهم متغيرون؛ الدولة تعني الأرض التي يعيش عليها مجموعة من البشر، يقررون حماية حدودها وتنظيم علاقتهم مع بعضهم البعض ومع من يحكمون عبر مؤسسات، وبالتالي فالدولة بمؤسساتها، ومهما كان لنا ملاحظات عليها، هي ملك لنا جميعاً ووظيفتها حمايتنا جميعاً.
ومن ثم فالخلاف يمكن أن يكون مع من يحكمون مصر على الآداء، ولكن من الصعب أو للدقة من المستحيل أن يكون هناك خلاف على وجود الدولة ذاتها، وعلى وجود المؤسسات التي تحمي هذه الدولة، وإذا حدث خلاف على وجود الدولة ومؤسساتها، فهذا يعني مباشرة الانتقال من خانة المعارضة وهي حق، إلى خانة هدم الدولة بمؤسساتها، وهذه خيانة وجريمة.
سأضرب لك مثالاً:
الإخوان في الغرب ينظمون فعاليات لا أول لها ولا آخر ضد من يحكمون مصر، ويقولون فيها الكثير والكثير، هذا ليست فيه مشكلة، فهذا أمر عادي يمكن تقبله، لكن عندما ينتقلون إلى خانة العمل ضد الدولة المصرية، هنا أؤكد بقلب مطمئن أن مشروعهم هو هدم الدولة، ففي كندا لعب الإخوان دوراً كبيراً عبر الحزب الليبرالي الحاكم في وضع مصر على قائمة الدول غير الآمنة، مثل سوريا واليمن وليبيا، نعم مثل هذه الدول التي تفككت وانهارت. فماذا يعني ذلك؟
٠ هذا يؤثر على باقي الدول الغربية وربما يدفعها إلى أن تاخذ نفس الخطوة.
. هذا معناه التأثير السلبي على الاستثمارات الأجنبية القادمة إلي مصر أو التي تعمل بها.
. التأثير السلبي المؤكد على السياحة.
وهذا يعني تدمير الإقتصاد، أي على أكل عيش المصريين، وليس من يحكمون البلد.
المثال الثاني، عندما قرر الرئيس التركي أردوغان إرسال ميليشيات مسلحة من سوريا إلى ليبيا على الحدود المصرية، وهذا يدعم الإرهابيين الذين شنوا من قبل عمليات إرهابية ضد الجيش المصري وضد المصريين.
فماذا كان موقف الإخوان؟
أيدوا خطوة أردوغان العدوانية ضد بلدهم، وضد الأمن القومي لمصر، وضد المصريين، وليس ضد من يحكمون مصر، لأن العمليات الإرهابية ضد الجيش هو هدم لمؤسسة الجيش التي وظيفتها هي حماية حدود الدولة من أي عدوان، وأي تبرير من أي نوع لهذه العمليات الإرهابية يصب في خانة هدم الجيش كمؤسسة وهدم الدولة، مثلما هدموا سوريا وليبيا، وبالتالي فما فعله الإخوان لا علاقة له بمعارضة من يحكمون مصر، ولا حتى انتقاد أداء الجيش ولكن له علاقة مباشرة بهدم الدولة المصرية، وهدم مؤسسته الحامية وهي الجيش.
مثال آخر:
في فيديو لأحد أعضاء جماعة الإخوان طلب من المصريين نشر وباء الكورونا في بين جنود الجيش والشرطة، هو هنا يريد هدم المؤسسة وليس إصلاحها ولا تصويب أدائها، وهناك فارق ضخم، فعندما يتم هدم هذه المؤسسات، ستنتهي الدولة كما يحلم الإخوان الذين يؤمنون بمقولة مرشدهم السابق الشهيرة: “طظ في مصر وأبو مصر واللي في مصر”.
سأعطيك مثال أخير:
عندما احتل الجيش التركي جزءاً من أرض سوريا، أي احتل أرضاً ليست أرضه، أيد الإخوان أردوغان في فعل الإحتلال وارتكاب جرائم ضد مواطنين أبرياء، ومعارضة الرئيس بشار الأسد لا تعني ابداً قبول احتلال أرض سورية، لأنهم بالمثل سوف يرحبون باحتلال أردوغان لمصر، مثلما يرحبون بالاحتلال العثماني الكريه لبلدنا.
إذاً هناك فرق بين أن نختلف مع من يحكمون بشكل سلمي تحت مظلة الدولة المصرية، وبين أن نختلف على وجود الدولة بمؤسساتها، فكل من لا يحترم بل ويقدس وجود الدولة بمؤسساتها لا أظن، وخاصة في الظروف التي يمر بها الشرق الأوسط، يكون مسموحاً له بأن يكون جزءاً من المجال العام والعقل العام.
ولا أظن أيضاً أن هناك أي مبرر يمكن أن يكون مقبولاً للتحالف مع قوى فاشية دينية مشروعها هو هدم الدولة المصرية بمؤسساتها لبناء مشروع “الخلافة”، أي مشروع استعماري تكون فيه مصر العظيمة مجرد “إمارة” ويكون فيه أردوغان هو الخليفة!
فدعونا نحمي الدولة بمؤسساتها وننتقد كما نشاء من يديرون الدولة المصرية.
* مدير المعهد الكندي للدراسات الإسلامية