على الرغم من كل الأعمال الإرهابية التي شهدها عالمنا المعاصر، المنكوب بحصادها الدموي، إلا أن سيكولوجية الشخص «الإرهابي» ودوافعه النفسية، مازالت بمثابة لغز محيّر لأجهزة الأمن والاستخبارات على المستويين الإقليمي والدولي، خصوصا أن الإرهابيين ينتمون إلى طيف واسع من البيئات والثقافات العالمية، وبالتالي فمن الصعب تصنيفهم من الوجهة السيكولوجية في خانة واحدة.

يُعد «علم نفس الإرهاب» من التخصصات الحديثة في علم النفس. وربما لهذا السبب، يختلف المتخصصون حول العديد من القضايا المطروحة في إطار هذا التخصص الجديد؛ فلا يوجد اتفاق إن كان الإرهابيون أسوياء نفسياً، أم إنهم مختلون، فمن ناحية يدركون عن وعي طبيعة الأعمال الإرهابية التي يقومون بها، ومن ناحية أخرى قد تشي تصرفاتهم نتيجة التحليل النفسي العيادي السريري بأنهم مصابون «بمرض نفسي». ولكنّ الأمر أشد تعقيداً من ذلك.

في أبريل 2017، أصدرت مجلة «جمعية علم النفس الأمريكية» عددا خاصا حول «سيكولوجية الإرهاب» وبحثت الدارسات والمقالات المنشورة في العدد، سلوكيات ودوافع تحول بعض الأفراد العاديين إلى تبني الأفكار المتشددة، وكيفية التنبؤ بتحولهم إلى إرهابيين، فضلا عن عمليات الانتقال التدريجي من تبني «التطرف السلمي» نحو اللجوء إلى التطرف الإرهابي.

 

كان أهم الأبحاث المنشورة في هذا العدد الخاص، بحث أجراه الدكتور كيران سارما، أستاذ علم النفس السلوكي بالجامعة الوطنية في أيرلندا، تحت عنوان «تقييم المخاطر ودرء التحول الراديكالي من اللاعنف إلى الإرهاب».  وطرح «سارما» في البحث ذلك التساؤل الذي يحير أجهزة الأمن والاستخبارات حول العالم، وهو: ما إذا كان بالإمكان رصد وكشف الأشخاص الذين ينخرطون أو لا ينخرطون في الأعمال الإرهابية في المستقبل.

السؤال الذي يحير أجهزة الأمن والاستخبارات: هل بالإمكان رصد وكشف الأشخاص الذين ينخرطون بالأعمال الإرهابية

وقدم الأكاديمي الأيرلندي تقييما لمخاطر لدى «الإرهابيين المحتملين»، واصفا أساليب التحري الحالية للمشتبه بهم لرصد احتمالات تحولهم إلى عناصر إرهابية، بأنها لا تصمد أمام التحديات الأخلاقية والتجريبية. ولذلك فإنه يؤكد على ضرورة اللجوء إلى ما يسميه «الحكم الهيكلي»، أي التوصل إلى الحكم البشري لأصحاب القرار أو المحققين الذي عليهم القيام بجمع وتقييم وتركيب المعلومات قبل اتخاذ قراراتهم وإصدار أحكامهم التي قد تتوقف عليها حياة الآلاف من البشر.

ولفت إلى أنه «يجب التركيز على العامل الشعوري النفسي والديناميات المتنوعة، التي تخلق دوافع عديدة لدى بعض الأشخاص للانخراط في الإرهاب والعنف في كثير من الأحيان، من دون تبني أجندة فكرية متطرفة أو حتى التعاطف مع فكر متطرف معين. ومن بين هذه الديناميات على سبيل المثال: إحساس الفرد بالظلم، أو إحساس فئة معينة في المجتمع بالظلم، أو الرغبة في الهروب من المشكلات، أو البحث عن مكانة أكبر أو قوة أكبر، أو حتى الارتباط الشعوري بأفراد منخرطين في أعمال إرهابية».

واحدة من بين أهم الدراسات المنشورة في العدد الخاص، أعدها الباحثان كلارك مكولي، وصوفيا موسكالينكو، من كلية «برين ماور» الأمريكية، وجاءت تحت عنوان «فهم التطرف السياسي: نموذج الهرمين». انتهى الباحثان في الدراسة إلى صياغة النموذج الهرمي الثنائي المحاور Two-pyramids Model للتفرقة بين التطرف في الرأي والتطرف في الفعل، مدعين أن «الخلط بين النسقين يضر ضررًا بالغًا بمعالجة القضية، وقد يؤدي إلى تزايُد وتيرة العنف والإرهاب من جراء توجيه إجراءات مكافحته في صورة عقاب جماعي لأفراد أو جماعات لمجرد انتمائهم إلى فكر أو عقيدة معينة».

«البروفايل السيكولوجي» للإرهابي

أجرى الدكتور بول جيل والدكتورة إيميلي كورنر، الباحثان بجامعة «يونيفرسيتي كوليدج» في لندن، ضمن العدد الخاص من مجلة «جمعية علم النفس الأمريكية»، دراسة عن دور «الأمراض العقلية في الانخراط بالأعمال الإرهابية.»

وتوصل الباحثان في سبيل رسم شخصية الإرهابي النفسية، أو «البروفايل السيكولوجي» لهذه الشخصية، إلى أن «الدلائل المتوفرة تشير إلى وجود خصائص سيكولوجية تكون موجودة على الأكثر لدى الإرهابي تختلف عن خصائص أفراد الجمهور الآخرين، إذ إن لدى الإرهابيين معدلات عالية من الاضطرابات العقلية. ولكن لا يوجد اضطراب عقلي متميز منفرد، يمكنه التنبؤ بتحول الشخص إلى إرهابي، وهو ما يعيق مهمة الباحثين وأجهزة الأمن على مستوى العالم».

البروفايل السيكولوجي: الدلائل المتوفرة تشير إلى وجود خصائص سيكولوجية تكون موجودة على الأكثر لدى الإرهابي تختلف عن خصائص أفراد الجمهور الآخرين

في المقابل، يرفض بعض الباحثين محاولات الربط بين الانخراط في الإرهاب والصحة النفسية للمنخرطين، من وجهة الطب النفساني، مؤكدين أن نتائج رصد معدلات تلك المشكلات النفسية أو الاجتماعية لدى المنخرطين في أعمال عنف، لم تتجاوز المعدلات نفسها التي رُصدت في الأوساط الطبيعية، كما أن نسبة كبيرة منهم لا يعانون أصلًا من مثل تلك المشكلات.

من جهة أخرى، نشرت دورية «بوليتيكال سيكولوجي» (Political Psychology)، دراسة استهدفت رصد «الدوافع الأخلاقية» التي تحتمي بها بعض المنظمات على اختلاف توجهاتها السياسية لتبرير عملياتها الإرهابية. وذكرت الدراسة أن هناك عدة مبررات أخلاقية تعتمد عليها التنظيمات الإرهابية، وهي سعي الشخص الإرهابي إلى تحقيق «العدالة» من وجهة نظره، والتي تتعلق بالمعاملة بالمثل والإنصاف والمساواة، و«الولاء للمجموعة» الذي يختص بمشاعر التضامن تجاه مجموعة محددة والتصدي لأي مجموعات أخرى خارجة عنها، وتحقيق «النقاء والقدسية» الذي يرتبط بالرغبة في تجنب «السلوكيات الاجتماعية الفاسدة» والتمسك بالعقائد النقية، خاصةً فيما يتعلق بالدين والمقدسات.

 

درس الباحثون في الدراسة التي أجراها فريق من جامعة «جورجيا» الأمريكية، ثلاثة أنماط من التنظيمات الإرهابية، وهي التنظيمات التي تُعرف بـ«المتطرفة اليمينية» أو الدينية أو العرقية القومية ذات النزعات الانفصالية، والجماعات الإرهابية التي تُصنف بأنها «يسارية متطرفة»، أو تلك التي تتبنى مناصرة قضية واحدة مثل حقوق الحيوان والحقوق البيئية، والمنظمات الإرهابية التي نشأت في الشرق الأوسط.

وأظهرت الدراسة أن «الأسس الأخلاقية التي يتخذها أعضاء المنظمات الإرهابية اليمينية، أو العرقية القومية، ذات النزعات الانفصالية لتبرير عملياتهم الإرهابية، تختلف من تنظيم إلى آخر»؛ فعلى سبيل المثال يمثل «الولاء للمجموعة» المبرر الأكبر بالنسبة لعناصر منظمة «كو كلوكس كلان» الأمريكية التي استمرت حتى سبعينيات القرن الثامن عشر، قبل أن تعاود نشاطها منذ عام 1915 حتى الآن في الولايات المتحدة.

الدراسة: الأسس الأخلاقية التي يتخذها أعضاء المنظمات الإرهابية اليمينية، أو العرقية القومية، ذات النزعات الانفصالية لتبرير عملياتهم الإرهابية، تختلف من تنظيم إلى آخر

قالت ليندسي هان، الباحثة المشاركة في الدراسة، إنه «على الرغم من أن الجماعات الإرهابية تبدو لنا جميعا في الخارج وحوشا متخلفة أخلاقيا، وأن عناصرها ترتكب أعمال عنف شنيعة وعشوائية، إلا أننا رأينا ضرورة البحث عن الدوافع التي تحثهم على الاقتناع والالتزام بقضية مشتركة».

وأضافت الباحثة: «أردنا التحقق مما إذا كانت دوافعهم الأخلاقية تتسق مع أقرانهم الأقل تطرفًا، والذين ينتمون إلى قوى أو أحزاب سياسية، وانتهينا إلى أن الإرهابيين قد يرتكبون عنفا شديدا من أجل تحقيق بعض الأهداف الأخلاقية التي يؤمنون بها، أي الحفاظ على معيار أخلاقي يرونه أكثر أهميةً من باقي المعايير الأخلاقية».

وتابعت «هان» أنه «من خلال تسليط الضوء على أهمية المبادئ الأخلاقية التي من شأنها أن تحفز السلوك العنيف لدى عناصر هذه المنظمات، وتدفعهم باتجاه تبنِّي مبادئ تعتبر خرقًا للقوانين، يمكن لأعضاء الجماعات الإرهابية إيجاد مسوغات لإظهار أعمال العنف التي يرتكبونها على أنها تحركها دوافع أخلاقية. وبشكل عام، تدل نتائج الدراسة على أن الجماعات الإرهابية لديها منظومات قيمية أخلاقية تحفزها على ارتكاب عملياتها، بل والاستمرار في ارتكابها وفق مبررات تتفق مع قناعاتها الأخلاقية».

 

لما هم أعداء أشداء؟

اعتبرت دراسة حديثة نشرتها الدورية الطبية العالمية «نيتشر هيومن بيهيفير»، أن «الجوانب الروحية» تُعد سببًا رئيسيًّا وراء جعل المجموعات المسلحة العنيفة المرتبطة بـ«التطرف الإسلامي»، أعداء أشداء من الصعب الانتصار عليهم؛ إذ تخلق لديهم دوافع قوية للقتال دفاعًا عن مُثُل عليا براقة، كما ترى أنه في سبيل ذلك تخلق تلك الجماعات للشخص المنتمي لها بديلًا للجماعات التقليدية للانتماء النفسي، مثل جماعات الوطن والأهل والأصدقاء.

«الجوانب الروحية» تُعد سببًا رئيسيًّا وراء جعل المجموعات المسلحة العنيفة أعداء أشداء من الصعب

تصدت الدراسة التي أجراها باحثون من جامعة «ميتشيغان» الأمريكية وجامعة «أرتيس إنترناشيونال” النمساوية، لبحث عنصرين أساسيين يكوِّنان إطارًا نظريًّا يُطلق عليه «القيم المخلِّصة»: الأول تمثل في «القيم المقدسة» مثل الإخلاص للوطن كما هو الحال بالنسبة للأكراد، أو فرض الشريعة الإسلامية بالنسبة لـ«داعش»، والثاني تمثل في «الانضمام لجماعات ذات هوية مشتركة». وذلك من أجل فهم الحافز الذي يدفع الأشخاص للانضمام إلى مثل هذه التنظيمات، وإيجاد وصف للتحولات السيكولوجية التي قد تدفعهم أحيانا إلى الانجذاب للتضحية بالذات.

استقت الدراسة نتائجها من عينات مختلفة تضمنت أكثر من 3000 مقاتل التقتهم في الجبهات الأمامية للقتال في سوريا، منهم مقاتلون جرى القبض عليهم وينتمون لـ «داعش»، ومقاتلون من خلفيات إثنية مختلفة، ومنهم من يقاتل ضد داعش، كما شملت العينة مقاتلين من «حزب العمال» الكردستاني. بالإضافة إلى مقاتلين تابعين لقوات «البيشمركة»، وتعني باللغة الكردية «الذين يواجهون الموت»، وأكراد ينتمون للجيش العراقي وعناصر تابعة لميليشيات سنية عربية.

 

رفض الباحثون في الدراسة «التسليم بالافتراضات القائلة بأن البشر ينضمون للجماعات والتنظيمات الإرهابية، ويحاربون ويقتلون نتيجة اضطرابات عقلية، أو لتعرُّضهم لـ«غسيل أدمغة» على يد تلك التنظيمات، أو نتيجة لمحاولات تجنيد بارعة من التنظيمات الإرهابية، وإنما هناك أسباب أخرى مثل قناعاتهم بأن الانضمام إلى تلك التنظيمات يمثل التزامًا بالقيم المقدسة، وكذلك بحثهم عن الاندماج في هوية اجتماعية تعطي لحياتهم معنى، حتى إن عددًا كبيرًا منهم يتصلون بالإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي لتكوين مجتمع عالمي من الشباب المستعدين لتقديم تضحيات كبرى؛ إذ تتفاعل هذه العناصر عند تعرُّض قيَمهم المقدسة أو جماعتهم لأي خطر، ما يخلق لديهم «عزيمة الانغماسيين» المستعدين للتضحية بالنفس من أجل رفقاء القتال».

وأظهرت الدراسة أن «المتشددين أو المقاتلين في جماعات متشددة ليسوا بالضرورة مضطربين نفسيًا، لكنهم يبحثون عن هويات اجتماعية بديلة تحقق لهم مُثلهم العليا التي فشلت المنظومات الاجتماعية التقليدية – كالأسرة والأحزاب والأندية وغيرها من أشكال الانخراط الجماعي العام- في تحقيقها»، مشيرة إلى أن «الشخص الذي يضحي بنفسه من أجل عقيدة يمر بدورة متعارَف عليها في علم النفس المعرفي والسلوكي، تبدأ بالفكرة، ثم تصديق هذه الفكرة، ثم تعميقها بحيث تتملك الشخص قبل أن تتحول الفكرة المعمقة المصدقة لرؤية ووجهة نظر، ثم تتحول تلك الرؤية إلى عقيدة، تقود الشخص الإرهابي إلى ارتكاب أعمال العنف».

 

تطرقت الدراسة إلى ظاهرة «الانتحاريين»، مشيرة إلى أن «(الاستشهاديين)، إنّما يريدون الخروج من الإنساني ليُصبحوا كائنات خارقة، في لحظة تختفي فيها الحدود النفسية بين الأنا واللاأنا، بين الواقعي وغير الواقعي، بين الحياة والموت، إلى درجة يبدو معها فعل التضحية بالنفس في النهاية سهلاً؛ ويغدو مجرد خاتمة».

«الكاراكتر» الإرهابي

في إطار محاولة لفهم سيكولوجية الشخص الإرهابي، أجرى «المركز التونسي للبحوث والدراسات حول الإرهاب» عام 2016، دراسة بعنوان «الإرهاب في تونس من خلال الملفات القضائية». وتناولت الدراسة بالتحليل عينة واسعة، شملت 2224 متهما بالإرهاب أمام القضاء وجهات التحقيق التونسية.

اعتمدت الدراسة على الملفات والوثائق القضائية المنشورة أمام المحاكم بدءا من 2011 حتى 2015، حيث قام فريق البحث بالاطلاع على 384 ملفا قضائيا للمتهمين.

وتبين من خلال الدراسة أن «الشريحة الشبابية التي تمثل رأس المال الديمغرافي للبلاد التونسية، هي الأكثر استقطابا من قبل المتشددين والأكثر حضورا في صفوف التنظيمات الإرهابية، داخل تونس وخارجها. وتختلف التفسيرات السيكولوجية لذلك، إلى حد التضارب، غير أن أغلبها يلتقي حول نقطة مفصلية، وهي أن الإحباط واليأس من عدم وجود تغيير إيجابي على شتى الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد، عامل بالغ الأهمية في نفسية الشخص المتحول إلى الإرهاب، ما يعني أن التأثير النفسي للأوضاع يتحول هو نفسه إلى مؤثر، فضلا عن الشعور بالاغتراب وعدم القدرة على الفعل».

الشريحة الشبابية التي تمثل رأس المال الديمغرافي للبلاد التونسية، هي الأكثر استقطابا من قبل المتشددين والأكثر حضورا في صفوف التنظيمات الإرهابية

وبحسب الدراسة، عادة ما يسقط تحليل الظاهرة الإرهابية المتصلة بالفكر «الجهادي» بشكل خاص، في خطأ التعميم والتنميط، ما ينتج عنه خلق صورة شخصية نمطية «كاراكتر» للإرهابي لا تؤمن بالاستثناءات، وتضع الجميع في سلة واحدة، تتوحد فيها الأسباب والأفعال والنتائج، فتغدو صورة الارهابي متصلة بشكل انطباعي بحزمة من الصفات على غرار: الفقر والأمية والأحياء الشعبية والمناطق الداخلية المهمشة».

وتضيف الدراسة أن «جملة هذه الصفات، قد تمثّل جزء من الخصائص أو العوامل التي تتوفّر في شخصية الإرهابي سواء كان تونسيا أو غير ذلك، إلا أنه لا يمكن، بأي حال من الأحوال، الاستناد إليها بشكل حصري لنحت ملمح (بورتريه) ثابت للإرهابي، يتمّ تعميمه بشكل نمطي على كل الإرهابيين».

دور «الطفولة التعيسة»

في نوفمبر 2017، أعد «برنامج الأمم المتحدة الإنمائي» دراسة بعنوان «رحلة إلى التطرف في أفريقيا.. العوامل والحوافز ونقطة التحول للتجنيد»، كان الهدف منها هو قراءة الأسباب الاجتماعية والسيكولوجية والتعليمية التي تدفع الشخص للانضمام إلى تنظيم «متطرف عنيف»، وذلك من خلال مقابلات مباشرة أجراها الباحثون مع «متطرفين» أفارقة سبق لهم الانخراط في تنظيمات إرهابية.

 

اعتمدت الدراسة على إجراء لقاءات مباشرة استمرت لمدة عامين مع 718 شخصًا، في كل من الصومال ونيجيريا وكينيا والسودان والنيجر والكاميرون، كان من بينهم 81% من الذكور و19% من النساء والفتيات. وأظهرت الدراسة أن «الطفولة التعيسة تؤدي دورًا حاسمًا في تجهيز الطفل للانخراط في تنظيمات إرهابية في المستقبل، بداية من الحرمان من أحد الوالدين، سواء بسبب اليتم أو غياب رعاية الوالدين، وانتهاءً بتعريض الطفل للعقاب البدني العنيف، وأنه حيثما يكون هناك ظلم وحرمان ويأس، فإن الأيديولوجيات المتطرفة العنيفة تطرح نفسها كشكل من أشكال الهروب التي يلجأ إليها الشخص».

وأكدت الدراسة الأممية أن «83% من الذين انخرطوا طواعية في التنظيمات المتطرفة العنيفة، من جَرَّاء الافتقار إلى الدور الذي تؤديه الأم في حياة أي شخص ونموه، وهي النسبة التي ارتفعت إلى 87% بين مَن أُرغموا على الانضمام لتمثيل تلك التنظيمات»، مؤكدة أن «ثمة ارتباطًا قويًا بين الأفراد الذين انضموا للجماعات المتطرفة ومعاناتهم بسبب حرمان أحد الوالدين، أو كليهما معًا، أو غياب التأثير الفاعل للوالدين في مرحلة الطفولة لمَن تم تجنيده، والأمر نفسه بالنسبة لمن مر بمراحل يأس وإحباط في طفولته، أو عانى من عقوبات جسدية، ما يعني أن التنشئة الاجتماعية السلبية للفرد أحد العوامل الجوهرية لتجنيد المتطرفين والإرهابيين في أفريقيا».

دراسة أممية: 83% من الذين انخرطوا طواعية في التنظيمات المتطرفة العنيفة، من جرَّاء الافتقار إلى الدور الذي تؤديه الأم في حياة أي شخص ونموه

وأبرزت الدراسة «صورة الفرد المهمش المُهمَل، طيلة حياته، منذ طفولته، والذي لا تتوفر له ظروف معيشية جيدة، أو مشاركة ذات مغزى في الحياة العامة؛ إذ يعدم هذا الشخص الثقة بالدولة في أن تقدم له الخدمات الحيوية الضرورية، أو أن تحترم حقوقه، وينجذب إلى التطرف عندما يشهد ما يعتبره إساءة لاستخدام السلطة من الدولة، أو يتعرض لذلك بشكل مباشر، ما يجعله يشعر بفقدان شرعية الدولة».

ووفق الدراسة، «ثمة جوانب وعوامل أخرى مهمة، مثل الذاتية وميول الفرد نحو الأفكار المتطرفة والانعزالية والإحساس بالأنا، ورؤية الآخر بمنظور مختلف، والإحساس بأن المجتمع يخالف ما يراه المرء صحيحًا، فضلاً عن إسهام المجتمع المغلق في خلق بيئة للتطرف، عبر رفض الحوار الفكري البناء، وعدم محاولة طرح مشكلات الشباب والمجتمع بطريقة خلاقة، وعدم القدرة على معالجة الفكر المعارض بطريقة تتميز بالأصالة والإبداع».