“خمس سنوات أتعرض للظلم والقهر ولا أجد مفرًا من الاستمرار”، سنوات تصفها الصحفية العشرينية سماح محمود، بسنوات القهر والتمييز، فحسب شهادة الصحفية الشابة فإنها عانت من ضغوط كبيرة أدت إلى مغادرتها العمل في ميدان الصحافة نهائيًا، سنوات كانت كافية لأن تقرر أن تجلس في منزلها، مفضلة أن تأخذ لقب “متعطلة” عن العمل، بدلًا عن شعورها بالقهر المتكرر شهريًا بسبب الراتب.

” أكل العيش مافيهوش ست وراجل”

شعرت الصحفية الشابة أن الحياة توقفت لأنها أنثى، فالقائمون على تحديد الرواتب في الجريدة رأوا أن الرجال قوامون على النساء –حسب وصفها-، لذا قرروا أن راتبها لابد وأن يكون أقل من زملائها الرجال من نفس الشريحة، تحكي: “تعرضت لضغط نفسي كبير وأنا أعمل فترات تصل إلى 15 ساعة يوميًا ما بين أعمال مكتبية وميدانية، وأقوم بجهد مضاعف، ورغم ذلك قرر المسئول أن راتبي سيكون أقل من زملائي الرجال في القسم، وازداد الوضع سوءًا بعد الأزمات الاقتصادية والتصفيات التي طالت الجرائد والمواقع الصحفية، ففي كل مرة يقرر المدراء تسريح صحفيين من الجريدة، يقع الاختيار أولا على الصحفيات بحجة أن الرجال يعملون من أجل الإنفاق على أسرهم، لم أستطع الاستمرار قدمت استقالتي وغادرت”.

” حياة واحدة ومسؤلية مشتركة .. وأجور غير عادلة “

حسب البيانات التي كشفها المؤشر العالمي للفجوة بين الجنسين، الخاصة بالعام 2018، فإن النساء المصريات تتقاضين أجورًا شهرية أقل من الرجال بنسبة تصل إلى 32 في المائة. أما الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في بيانه عن نفس العام، فذكر أن هناك تفاوتًا بين متوسط الأجر النقدي الأسبوعي، يبلغ نحو 12.9 في المائة، إذ يبلغ متوسط الأجور للإناث فى مصر 850 جنيه أسبوعيًا، بينما يبلغ متوسط الأجور للذكور في مصر 960 جنيهًا عن نفس الفترة، وفي أغسطس الماضي خرج تقرير الجهاز مُظهرًا أن متوسط الأجر الأسبوعي للعاملين الذكور في القطاع الخاص، يبلغ 911 جنيهًا، مقابل 754 جنيهًا للإناث، رغم أن متوسط ساعات العمل الأسبوعية تبلغ (55) ساعة، وترتفع بين الإناث عن الذكور، حيث يبلغ (53) ساعة للإناث، بينما يبلغ (52) ساعة بين الذكور.

نتائج البيانات المعلنة من الجهاز الحكومي تخالف ما أقره الدستور المصري في مادته رقم (11) والتي تقضي بأن على الدولة تحقيق المساواة بين المرأة والرجل فى جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفقا لأحكامه، وقانون العمل المصري في مادته رقم (35) والتي تنص على أنه “يحظر التمييز فى الأجور بسبب اختلاف الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة.”، بينما تنص المادة رقم (247) على “يعاقب صاحب العمل أو من يمثله عن المنشأة بغرامة لا تقل عن مئة جنيه ولا تجاوز خمسمائة جنيه، إذا خالف أيًا من أحكام المواد (33، 35، 37، 38، 40، …..) من هذا القانون والقرارات الوزارية المنفذة له.”، وفقًا لما ذكره المحامي العمالي والحقوقي ياسر سعد.

لم تكن “سماح” الأخيرة، أميرة محبوب –صيدلانية-، قالت إن غالبية أصحاب الصيدليات يمنحون الصيادلة من الرجال أجورًا أعلى من الصيادلة من النساء، وأن ذلك يرجع لأسباب عدة أبرزها عدد ساعات العمل والأعمال الليلية التي ترفضها النساء، والسبب الأكبر يعود إلى منظومة الزواج، فالنساء غير معيلات للأسر، كما أنهن ملتزمات برعاية الأطفال والمنزل وفترات من الحمل والرضاعة، ورغم أن العمل لا بد وأن يقاس على أساس الكفاءة إلا أن المرأة المصرية تقابل تمييزًا واضحًا في الأجور بسبب النوع الاجتماعي ومهامه المفروضة عليها.

أما فيبي مراد –سيناريست-، فتحكي أن الاضطهاد الناتج عن التمييز في الأجور على أساس الجنس، دائم الحدوث في مصر وينتج بسبب النظرة الذكورية التي تحكم كل القطاعات، وأن توزيع الأجور يأتي من منطلق مسئوليات الرجل تجاه الأسرة في حين لا ينظرون إلى أن المسئولية أصبحت مشتركة وأن المرأة أيضًا معيلة، مضيفة أنها قابلت ذلك بشكل متكرر وأن أصحاب العمل يحاولون إخفاء قيمة رواتب الزملاء من الرجال حتى لا تعترض النساء، وأردفت: “بسبب عملي أسافر كثيرًا وفي إحدى رحلاتي لمحافظة المنيا قابلت كثير من النساء اللاتي يحصلن على نصف أجر الرجل عن نفس العمل، محافظات الصعيد تحصل فيها المرأة على نصف أجر الرجل فقط، وهناك من تأخذ أقل القليل لأنها أنثى”، مختتمة بأن القانون لن يحمي المرأة رغم وجود مواد تمنع التمييز في الأجر على أساس الجنس.

مصر ليست الدولة الوحيدة التي تعاني فيها النساء العاملات من التمييز على أساس النوع الاجتماعي، ففي الدول الأوربية تتعرض النساء العاملات للتمييز أيضًا، ففي ألمانيا تحصل المرأة على أجر أقل بنسبة 21 في المائة، وفي فرنسا في العام 2016 أظهرت التقارير أن نسبة الفجوة بين الجنسين في الرواتب زادت إلى 20 في المائة لصالح الرجال، وفي العام 2017، رفعت (60) موظفة بشركة جوجل العالمية دعوى قضائية جماعية يدعين فيها التحيز الجنسي والفوارق في الأجور ضد النساء، بينما أكتوبر من العام المنقضي انطلقت جلسات استماع بالمحكمة في بريطانيا، للنظر في قضية عدم المساواة في الأجور بين الجنسين، بهيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”.

ويأتي كل هذا بالرغم من أن الاتفاقية رقم (100) المعروفة باتفاقية المساواة في الأجور بين الجنسين، والتي أقرتها منظمة العمل الدولية، وتنص الفقرة (ب) من المادة رقم (1) على “مساواة العمال والعاملات في الأجر لدى تساوي قيمة العمل دون تمييز بسبب اختلاف الجنس”، بالإضافة إلى ذلك، تنص اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (CEDAW)، في مادتها رقم (11) في الفقرة (د) على الحق في المساواة في الأجر، بما في ذلك الاستحقاقات، والحق في المساواة في المعاملة فيما يتعلق بالعمل ذي القيمة المساوية، وكذلك المساواة في المعاملة في تقييم نوعية العمل.

تعقيبًا، قالت نهاد أبو القمصان –المحامية ورئيس المركز المصري لحقوق المرأة-، إن مؤشر الفجوة العالمي بين الجنسين الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، كشف في تقريره الأخير أن الفجوات في الدخل ثابتة بشكل خاص. ففي المتوسط ، قد تم عالمياً إغلاق 63٪ من الفجوة في الأجور و 50٪ من فجوة متوسط دخل الفرد حتى الآن. هذه الفجوات في الدخل لا تبرز فقط الاختلافات المستمرة في الأجور -وفقًا لمنظمة العمل الدولية تبلغ 19٪-، ولكنها تشير أيضًا إلى أن القوة الاقتصادية لا تزال في أيدي الرجال.

وأضافت “أبو القمصان” أن كثيرًا من أصحاب الأعمال يعتبرون عمل المرأة مُكلف بسبب قوانين العمل التي تمنح إجازات مدفوعة الأجر للإناث، مثل إجازات الوضع ورعاية الأطفال، فيفضلون الرجل عن المرأة، كما أن الظروف الاجتماعية والاقتصادية تقيد المرأة ولا تسمح لها بالانتقال إلى مكان تواجد فرص العمل، وهو ما يؤدى لانخفاض مشاركتها في النشاط الاقتصادي، الأمر الذي يستلزم معالجة هذه الإشكالية من خلال التركيز المتكافئ على الحقوق والمكاسب, حيث يعد تحقيق التمكين الاقتصادي للمرأة وفاءً بالتزام الدول بحقوق الإنسان الدولية، وهو أيضا التصرف الذكي الذي يجب عمله فيما يتعلق بالتنمية البشرية، وتحقيق النمو الشامل لجميع الفئات، وتشجيع مؤسسات الأعمال.