إجراءات احترازية، غير مسبوقة سارعت في تنفيذها أكثر من 147 دولة، للسيطرة على فيروس “كورونا”، بدأتها الصين وطالت دولا أخرى كثيرة، وأثارت جدلاً واسعا حول تعارضها مع حقوق الإنسان.
sss
وبدأ تفشي “كورونا” المستجد في الصين في أواخر العام الماضي، ووصل إلى 147 دولة على الأقل، بلغ إجمالي عدد الإصابات بالفيروس في العالم، اليوم الاثنين، 349 ألفا و734 مصابا، توفى منهم 15 ألف و306 حالات، وتعافى 100 ألف و345 مصابا.
تنوعت الإجراءات التى يجري تطبيقها تصاعديا ما بين تعليق السفر ورحلات الطيران، وتقليص التجمعات والحد منها، وفي أحيان أخرى فرض حظر التجول، وتعليق الدراسة.
وفسرت فاطمة سراج، المحامية بمؤسسة حرية الفكر، الظاهرة بأن”طبيعة حكم الأنظمة لشعوبها هي من تتحكم في طريقة أداء السلطة في تلك الفترة العصيبة، موضحةً أن دولة الصين معروفة عنها الديكتاتورية والسلطوية في حكمها وبالتالي مع وقوعها للأزمة رأت أن الأصح هو فرض السيطرة على المواطنين من أجل الطاعة والمرور من الأزمة تحت مبدأ الحفاظ على الصحة العامة والحق في الحياة”.
وقالت “سراج”، “في بعض الدول الديمقراطية لديهم الوعي الكافي للهامش والخط الفاصل ما بين الحفاظ على الصحة والعامة والحق في الحياة للمواطنين دون فرض السيطرة وانتهاك حقوق أخرى مثل حرية التنقل والحريات الشخصية”.
وحذر أكثر من 15 خبيراً أممياً في حقوق الإنسان، من استغلال تدابير الطوارئ التي تتخذها الدول لمواجهة ” كورونا”، “لسحق المعارضة”.
وتحت شعار ” الصحة على حساب الحرية” بدأت الدول في اتخاذ اجراءات أكثر صرامة وتقيدا للحريات بهدف القضاء على الفيروس ومكافحته بطرق وقائية تتماشى معه، واستعانت دول بتكنولوجيا حديثة للسيطرة على تحركات مواطنيها وخضوعهم تحت وطأة الحجر الصحي بالإجبار.
وإجراءات الوقاية، زادت من تعقيد المعادلة وصعوبة التوازن بين حماية الصحة العامة وانتهاك الحقوق والحريات الشخصية، وأبدى حقوقيون مخاوفهم من الإفراط في الإجراءات على حساب الحريات.
الحريات في مواجهة كورونا
وانتقدت منظمة هيومن رايتس ووتش، في تقرير حديث لها، إشادة منظمة الصحة العالمية بالتجربة الصينية في التعامل مع فيروس الكورونا، وقالت المنظمة:”الصحة العالمية تثني على كيفية معالجة الحكومة الصينية لتفشي المرض، وربما تكون التجربة الحريات وأثرت على حقوق الإنسان”.
وقال المقرر الخاص بشأن وضع المدافعين عن حقوق الإنسان ميشال فروست، “القيود المتخذة لمواجهة الفيروس يجب أن تكون دوافعها أهدافاً مشروعة من أجل الصحة العامة، ولا يجب أن تُستخدم ببساطة لسحق المعارضة”.
وشدد خبراء أخرون بالأمم المتحدة، حسب تصريحات إعلامية، نقلتها عنهم وسائل إعلام، على أن هذه التدابير “لا ينبغي أن تُستخدم لاستهداف مجموعات وأقليات وأفراد معينين”، لافتين إلى أنه “من أجل تجنّب إدراج مثل هذه الصلاحيات المفرطة في الأنظمة القضائية والسياسية، يجب أن تكون القيود ملائمة جداً وأن تشكل الوسيلة الأقل تدخل ممكن لحماية الصحة العامة”.
وطالبوا من الدول التي يسجّل فيها الوباء تراجعاً أن تسعى لإعادة “الحياة الطبيعية”، وإلى تجنّب “اللجوء إلى الاستخدام المفرط لصلاحيات الطوارئ لتقييد الحياة اليومية إلى أجل غير مسمّى”.
ورأى الخبراء أن التسويق الإيجابي للنموذج الصيني في تعامله مع فيروس كورونا يشرع لفكرة الدولة الشمولية، والتي يحق لها التضييق على الحريات الفردية والجماعية بهدف حماية المجتمع الذي هو أساس الدولة، تماما مثلما حدث بعد هجمات 11 سبتمبر في الولايات المتحدة، وهو ما يعني أن الصين، ودول أخرى ربما تتحول إلى أنظمة أكثر سيطرة وتحكما في هامش الحريات الفردية في مجتمعاتها.
التجربة الصينية وكوريا الجنوبية:
في الوقت الذي أشادت فيه منظمة الصحة العالمية بتجربة الصين باحتواء انتشار وباء كورونا داخل البلاد، دعت المنظمة أيضاً اتخاذ كوريا الجنوبية مثالا يحتذى به في التعامل مع الفيروس الخطير.
وكانت الصين تحملت وطأة انتشار الوباء الذي بدأ انتشاره من مدينة “ووهان”، ومع تفشي الوباء في المدينة، مطلع العام الحالي اتخذت الصين مجموعة من الإجراءات الحازمة بدأت بعزل مدينة ووهان ومنع السفر منها وإليها ووقف وسائل التنفل العام وانتهت بإجبار الملايين من المواطنين الصينين في الدخول للحجر الصحي.
وواجهت الصين انتقادات بالإفراط في استغلال التكنولوجيا الحديثة في تطبيق نظام المراقبة الجماعية لتقييد حركة المواطنين وصحتهم، بالإضافة إلى خضوع المواطنين لفحص درجات الحرارة في الشوارع.
وأشارت بعض التقارير إلى وجود حراس عند مداخل المباني السكنية بهدف إبقاء الناس في منازلهم ومنعهم من الخروج، كما أشارت أيضا إلى اختفاء صحافيين على الأقل لمحاولتها نشر معلومات حول المرض المتفشي عبر الانترنت.
على الناحية الأخرى اتخذت كوريا الجنوبية سبيل أخر واستطاعت من خلاله تقليل عدد المصابين بها.
وبدلاً من إتباع التدابير الصينية الصارمة والتي قضت بعزل مدن طالها الفيروس، تبنت كوريا الجنوبية نموذج إتاحة المعلومات، والمشاركة العامة، والفحوصات على نطاق واسع.
وبنى النموذج الكوري خطته على الاتصال بجميع الأشخاص الذين اختلط معهم المرضى المصابين بـ”كورونا”، وإجراء فحوص لهم، وتتبع السلطات المعنية تحركات الشخص المصاب لمدة أسبوعين، خلال استخدامه بطاقة الائتمان المصرفية، وصور الكاميرات المغلقة، وتتبع الهاتف الجوال.
وتنشر تلك المعلومات على مواقع حكومية، مع رسائل نصية تحذيرية ترسل إلى الأشخاص، عندما يتم رصد إصابة جديدة في المنطقة التي يعملون أو يعيشون فيها، وأثار هذا الإجراء قلقاً إزاء مسألة الخصوصية؛ لكنه مكن المواطنين من التقدم لإجراء فحوصات.
وأشار محللون إلى أن كوريا الجنوبية تعد دولة ديمقراطية؛ لكنها أيضاً مجتمع مدني ملتزم.
وقالت “ماريلويز ماكلوز”، خبيرة الأوبئة والمستشارة لدى منظمة الصحة العالمية:”في الديمقراطيات، غالباً ما نكون رافضين بعض الشيء لأي حكومة تتولى السلطة، ونأخذ نصيحتها ببعض التشكيك”.
كما رأى المحللون أن هناك العديد من العوامل وراء النسبة المتدنية بشكل غير اعتيادي للوفيات – 0.77 في المائة، مقارنة مع 3.4 في المائة على مستوى العالم، فالرصد المبكر يسمح بالعلاج المبكر، والفحوص الواسعة النطاق تعني رصد الحالات الخفيفة، أو من دون أعراض ظاهرة، وهذا يرفع العدد الإجمالي للإصابات المسجلة، وبالتالي تتدنى نسبة الوفيات.
وقال مصطفى شوقي الباحث والناشط الحقوقي “إن حرية التنقل والخوف من الإجراءات الاستثنائية للحد من انتشار “كورونا”، والتي اتجهت لها بعض الدول كانت سبب في تأخير جهاز الدولة والسلطة السياسية في إيطاليا من السيطرة على الموقف قبل التفاقم، وأضاف أن الخوف كان نابعا من خيالات الفاشية لدى الشعب الإيطالي.
ويقول “شوقي”، الحق الإنساني الأسمى هو الحق في الحياة ويستدعي الحفاظ عليه تجاوز حقوق أخرى، مضيفا أن المجتمعات الديمقراطية والحية من المفترض أن يكون لديها الثقة في قدراتها من أن تجعل تلك الإجراءات استثنائية ولا يتم استغلالها بعد انتهاء الأزمة.
وأكد شوقي على وجود تخوفات ونقاشات بالفعل من استغلال تلك الفترة الاستثنائية في المجتمعات الديمقراطية، أما بالنسبة لمجتمع العالم الثالث فالتخوفات أكبر بكثير من قدرة الأنظمة السياسية من استغلال تلك الإجراءات بعد الأزمة، لكن في الحقيقة لا يوجد ضمانة لأي شيء، وأضاف أنه مع انتشار الوباء وتزايد سقوط الحالات كل يوم فسيكون الأولوية للحق في الحياة.
وتابع الباحث، ” مبدأ حرية التنقل كما حدث في النرويج وكوريا الجنوبية يتناقض مع قدرت الدولة في السيطرة على انتشار الوباء وخصوصا في أوروبا التي صنفتها منظمة الصحة العالمية ببؤرة الوباء نظرا لأن عددا كبيرا من سكانها كبار السن، ووفقا للإحصائيات فإن ثلث سكان إيطاليا من المسنين وهي ثاني دولة بها كبار سن بعد اليابان”.
وقال ” بالنسبة لدول العالم الثالث ولأن منظوماتهم الطبية من أطقم طبية ومستلزمات وأدوات مكافحة العدوى ضعيفة بالإضافة إلى ارتفاع الكثافة السكانية في بعض الدول فلابد من حجر صارم خوفا من انهيار المنظومة الصحية الضعيفة.