تتنافس كبري الشركات والمؤسسات الدولية والمحلية واستغلال الكثيرين لحاجة الناس مع استمرار  انتشار فيروس كورونا، متغافلين حق الإنسان في الحصول على الدواء وتوفيره كسلع الأساسية والمأكل والمشرب وهو ما ينص عليه القانون الدولي لحقوق الإنسان بوضوح على حق الجميع في الحصول على الأدوية المقررة طبيا، بشكل منتظم وآمن وبسعر في المتناول، مع التأكيد على عدم حرمان شخص أو مجموعة أشخاص من حقهم في الحصول على أية أدوية مقررة طبيا، سواء بسبب العنصر، أو العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الميلاد أو الملكية أو أية وضعية أخرى.

ويعد الدواء سلعة ضرورية للسلامة البدنية لا يمكن الاستغناء عنها من أجل البقاء على قيد الحياة، ومن هنا اتجهت المنظمات والهيئات والأفراد المهتمة بحقوق الإنسان للدعوة إلى أهمية ضمان توفير الدواء الجيد، وبشكل يتيح للجميع إمكانية الحصول عليه. 

“صناعة الداء” 

وفي الرواية العالمية الشهيرة “الجحيم” لصاحبها دان براون، والتي تحكي عن منظمة سرية تسعى إلى استقطاب رأس منظمة الصحة العالمية من أجل العمل على نشر وباء خطير بهدف قتل ملايين الناس معللة ذلك، حسب أحد زعمائها، بأن التزايد السكاني قد تضاعف بشكل مهول في القرن العشرين، وأن الكرة الأرضية لن تستطيع تحمل هذا التزايد، وأن مواردها الطبيعية لا يمكن أن تغطي احتياجات تلك الملايين من الناس، ما يشكل تهديدا خطيرا لاستمرار الحياة على وجه الكرة الأرضية.

ورغم أن الأمر يتعلق برواية، إلا أن مصداقيتها على أرض الواقع لها آثارها وتجلياتها، و يري الكثير من المراقبين أنه مثلما توجد “لوبيات” ورؤوس أموال تخلق الصراعات والحروب في العالم لبيع الأسلحة، توجد “لوبيات” لصناعة الفيروسات وتضخيم المرض في الإعلام مثلما حدث في الأوبئة السابقة، ليأتي بعد ذلك مصل العلاج ليباع بآلاف الدولارات “،ليتحول الأمر لتجارة يذهب ضحيتها الأبرياء.

 ووفق إحصائيات سابقة، تشير إلى أن مرض الإيدز مثلا قد قتل منذ عام 1981 قرابة 35 مليون شخص، وأن سرطان الرئة قد تسبب سنة 2010 وحدها في الولايات المتحدة الأمريكية بوفاة أكثر 157300 شخص.

وظهرت وجهات نظر عديدة تؤكد أن كثيرا من الأمراض والأوبئة التي ظهرت ولا زالت مثل السرطان وجنون البقر وإنفلونزا الطيور وإنفلونزا الخنازير وإيبولا، كانت من صناعة بشرية هدفها تحقيق أرباح.

والأمر لا يختلف كثيرا مع فيروس كورونا، واتهمت منظمة “العدل والتنمية للشرق الأوسط وشمال إفريقيا “، شركات أدوية عالمية تمتلك مختبرات سرية، بالوقوف خلف نشر فيروس “كورونا”، بالصين، وهي إشارة غير مباشرة للحرب التجارية بين أمريكا والصين . 

وأكدت المنظمة في تقرير سابق لها أن “هناك شركات أدوية عالمية تمتلك بالفعل مختبرات سرية لتخليق الأمراض وتقف خلف انتشار كورونا بالصين، وذلك لجني مليارات الدولارات من وراء إنتاج أدوية لتلك الفيروسات التي يتم نشرها بالعالم”.

 وتتربع أمريكا الشمالية على عرش الرابحين الأكبر من تلك العائدات، نظرًا للدور الرائد لصناعة الأدوية الأمريكية والتي تتميز بتسجيل عدد كبير من براءات الاختراع، مما يمكّن تلك الشركات من امتلاك أكبر حصة من عائدات الأدوية.

وتشير توقعات حوالي 50 مجموعة خبراء في مراكز مراقبة الأمراض ومجموعة من الجامعات الأمريكية إلى إمكانية أن يصاب 160 مليون شخص إلى 214 مليون شخص في الولايات المتحدة بفيروس كورونا خلال بضعة أشهر إلى ما يزيد على عام، بحسب تقرير حديث نُشر في صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية. وتأتي الولايات المتحدة في المرتبة الثالثة بين أكبر مصدري الأدوية في العالم بنحو 49.7 مليار دولار بعد ألمانيا التي تصدر أدوية بقيمة 84.7 مليار دولار، وسويسرا التي تبلغ قيمة صادراتها الدوائية نحو 71.7 مليار دولار.

وفي عام 2018، حققت أدوية السرطان وعلاجات الأورام ما يقرب من 100 مليار دولار من إجمالي الإيرادات في العام ذاته.

ومن المتوقع أن تنمو مبيعات الأدوية العالمية للعقاقير الطبية وحدها، بمعدل نمو سنوي مركب من 1.7%في الفترة بين 2011-2018، إلى معدل نمو قدره 6.9% ليصل إلى 1.18 تريليون دولار بحلول عام 2024.ووفق تحقيق كشفت عنه صحيفة “الجارديان” وأجرته المجلة الطبية البريطانية ومكتب الصحافة الاستقصائية فإن إرشادات الصحة العالمية الصادرة في عام 2004 بخصوص التعامل مع الإنفلونزا، قام بكتابتها ثلاثة علماء تلقوا أموالاً من قبل بعض شركات الأدوية، وعلى رأسهم شركة روش المصنعة لعقار “تاميفلو”، وجلاكسو سميث كلين البريطانية المصنعة للمضاد الفيروسي “ريلينزا”.

وصاغ أولئك العلماء المبادئ التوجيهية الرئيسية للمنظمة، بما يصب في مصلحة تلك الشركات، من خلال نصح الحكومات بتخزين الأدوية في حال تفشي وباء الإنفلونزا، وبحسب محللين، فإن شركات الأدوية جنت أكثر من 7 مليارات دولار، حينما استجابت الحكومات لفكرة تخزين أدوية الإنفلونزا، عندما أعلنت منظمة الصحة العالمية عن تفشي وبائي إنفلونزا الطيور والخنازير. وبحسب بيانات منظمة الصحة العالية، فإنه في عام 2003، أسفر تفشي مرض “السارس”، الذي انطلق من الصين، عن إصابة نحو 8100 شخص بالمرض، ووفاة 774 شخصًا.

وخلال فترة انتشار المرض، عكفت شركات الأدوية على إنتاج عقارات مناسبة لمواجهة الوباء، وتم استخدام عقار زاداكسين، الذي صنع أساسًا لعلاج التهاب الكبد الوبائي، كدواء يساعد على مواجهة السارس.

وتسببت صادرات الدواء إلى الصين وحدها في زيادة مبيعات زاداكسين إلى أكثر من 15 مليون دولار أمريكي في الربع الثاني من عام 2003، مقارنة بعائدات قدرها 5 ملايين دولار أمريكي للربع الأول من عام 2003.وتكرر الأمر مع إنفلونزا الخنازير، التي أثار انتشارها من جنوب شرق آسيا إلى أوروبا، مخاوف من انتشار الوباء على مستوى العالم، ما قد يودي بحياة 50 مليون شخص.

وتمكنت شركة “روش” للأدوية، بفضل التسويق الناجح لعقار تاميفلو، من تحقيق مبيعات تجاوزت770 مليون دولار خلال النصف الأول من عام 2006، خلال السنوات اللاحقة، استمرت مبيعات تاميفلو في الزيادة حتى تجاوزت، خلال التسعة أشهر الأولى من عام 2009، المليار دولارأمريكي.

ومن قراءة التاريخ، يتضح أن شركات الأدوية ليست فقط المستفيد الأوحد من الأزمات، فخلال الفترة بين2003-2009، التي شهدت ظهور ثلاثة أوبئة خطيرة وهم السارس وإنفلونزا الطيور وإنفلونزا الخنازير، سجلت مبيعات المطهرات اليدوية ارتفاعًا مطردًا وتضاعفت معها مبيعات شركة جونسون آند جونسون إلى ما يقرب من 42 مليون دولار من إجمالي 90.3 مليون دولار في سوق المطهرات.

 

“تجارة كورونا”

 ومع انتشار فيروس كورونا في أكثر من 50 دولة، ووفاة الاف، ظهر المستفيدين من الأزمة على السطح من جديد، أو “الرابحون من الفيروس”، كما يسميهم البعض، والذي يأتي في مقدمتهم مراكز الأبحاث العلمية وما يتبعها من مراكز طبية ودوائية بالإضافة إلى المختبرات الطبية والمستشفيات الخاصة الموجودة في دول العالم الثالث بسبب هروب المرضى من المستشفيات العامة نتيجة الزحام وسوء الأوضاع والرعاية الطبية، وهو ما ينبئ بارتفاع تكلفة العلاج في المصحات الخاصة إجمالا وبالتالي يمكن القول إن الأزمة من الناحية الصحية ستنتج إيرادات ضخمة للقطاع الخاص. 

وبحسب أرون ليزلىجون، رئيس الباحثين في سنشرى فاينانشال، حقق فيروس كورونا أرباحا لشركات المستحضرات الطبية والرعاية الصحية، مثل أسهم شركة “ألفا برو تك” الكندية التي تصنع الأقنعة والملابس الواقية، وشركة “نوفافاكس” الأمريكية التي أعلنت عن تطوير لقاح وقفزت أسهم “إينوفيو فارماسيتوكالز” 25%، ومثلها شركات إنتاج اللقاحات. وبجانب هذا كانت شركات إنتاج أدوات ومواد التعقيم، وأيضا شركات إنتاج الأقنعة الطبية وأعلنت شركة “تاوباو” الصينية عن بيع أكثر من 80 مليون قناع طبي في أول يومين بعد اكتشاف الفيروس ومع انتشار الفيروس عبر العالم ضاعفت شركات إنتاج الأقنعة والمطهرات إنتاجها، فضلا عن  ظهور سوق سوداء لتهريب والاتجار بالأقنعة، وتضاعف السعر في أوروبا ليصل لمئات الدولارات.

أما على المستوى المالي أبرز الرابحين هم متصيدو الفرص الاستثمارية في الأزمات أو ما يعرفون بأمراء الأزمات من زيادة استثماراتهم في القطاعات الحيوية والمضاربة في قطاعات أخرى، خاصة بعد تراجع العديد من الأسواق المالية، وفي مقدمتهم الأسواق المالية الآسيوية والأسواق الأوروبية، بالإضافة إلى الأسواق الأمريكية التي تواجه بالتوازي مع كورونا تحديات سياسية، خاصة و أن أمريكا مقبلة على انتخابات رئاسية.

قطاع آخر مستفيد وهو قطاع التكنولوجيا، فبعد انتشار الفيروس وتخوف الناس من الأماكن العامة والاختلاط، سيختار العديد من الأفراد البقاء في المنزل واقتناء حاجياتهم من المواد الاستهلاكية من خلال التجارة الإلكترونية خاصة في الدول المتقدمة التي تولي أهمية كبرى لهذا النوع الناشئ من التجارة والذي بلغت إيراداته نحو 3.5 تريليون دولار أمريكي نهاية العام الماضي، وبالتالي من المتوقع أن ترتفع العام الجاري إلى مستويات لا تقل عن 4 تريليونات دولار أمريكي. 

وارتفع الطلب على المواد الغذائية والمشروبات والمكملات الغذائية والمنتجات الصحية زيادة كبيرة على أساس سنوي، وربما تلجأ بعض المدارس للبحث عن طرق للدراسة عن بٌعد ما يضاعف أرباح البرامج التعليمية الإلكترونية، وبجانب الرابحين الطبيعيين لم يخل الأمر من ظهور تجار حرب، يتاجرون باسم الأزمة وفيروس كورونا، و ظهرت شركات مجهولة تروج أدوية غير مجربة وتزعم أنها تعالج كورونا، ومثلها شركات تبيع “أعشاب أونلاين” بزعم أنها تساعد في الوقاية من الفيروس، وتطور التجار ووظفوا التكنولوجيا في تطوير عمليات النصب الإلكتروني وتوظيف الرعب والفيروس لتحقيق أرباح.

 “سوق الكمامات”

بعد 11 عامًا من الركود، انتعش سوق الكمامات الواقية الطبية، وزادت مبيعات محال بيع الكمامات في مصر وبالتحديد منذ انتهاء أزمة أنفلونزا الخنازير، إثر انتشار مخاوف لدى الأفراد من العدوى بهذا الفيروس القاتل، وزاد الإقبال على شراء الكمامات من قبل المصريين والصينيين خلال الفترة الأخيرة بنسبة قاربت الـ90%، مقارنة بالفترة التي سبقت انتشار الفيروس، وشركات السياحة والطيران والمدارس الخاصة هي أكثر الجهات شراء للكمامات خلال الأيام الماضية، كما أدى زيادة الإقبال إلى خلق سوق سوداء لبيع الكمامات يصل سعر الواحدة منها إلى 100 جنيه، بزيادة 10 أضعاف عن سعر بيعها الرسمي.

وقال الدكتور عمروعبد الرازق عضو شعبة المستلزمات الطبية بالغرفة التجارية، ، في تصريح لـ مصر 360،  إن هناك إقبال ملحوظ في سوق المستلزمات الطبية بمصر، لاسميا في شارع القصر العيني، على شرار الكمامات و”المسكات” الطبية، وهوما قفز بالأسعار بشكل جنوني، مرجعًا ذلك إلى استغلال بعض التجار للازمة وجشع البعضالآخر، لافتًا إلى أن الأصناف المستوردة اختفت تقريبا من الأسواق نتيجة إعادة تصديرهاللخارج .

 وأضاف “عبد الرازق”،  أن هناك 4 مصانع فقط في مصر متخصصة في صناعة الكمامات ، تنتج حوالي 500 ألف كمامة شهريا أي أكثر من 12 مليون قطعة سنويا، وأي إنتاج آخر فهو من مصانع “بير السلم”، وهي كمامات غير أمنة نهائيا وتسبب الإصابة بالحساسية والعديد من الأمراض الأخرى.

ووضح أن الصين هي الدولة الأولى في تصنيع وإنتاج الكمامات وتمد العالم بأكمله بالكمامات ولديها80 % من الخامات المصنعة للكمامات وخلافها، وبعد تفشي فيروس كورونا تم وقف التصدير للعالم، لأن الصين في حاجة للاستيراد فهي تحتاج حوالي مليار ونصف مليار يوميا، وهناك ثلاث دولفقط تصنع الخامات ولكنها لا تصدر لأي دولة، ورفعت الأسعار من 200 يورو إلى 800 يوروكسعر للكمامات.

وطالب عبد الرازق التجار بمصر أن يتعاملوا من خلال المصانع المسجلة والمرخصة فقط، موضحًا أن الشعبة تحارب التعامل مع المصانع مجهولة أو غير مرخصة، وأن أي شركة خاصة بالمستلزمات الطبية تتوخى الحذر حاليا فيما يخص الكمامات أو غيرها، ولا بد أن تكون مطابقة للمواصفات العالمية، نظرا لمراقبتها من أكثر من جهة مثل ترخيص المصانع الطبية ووزارة الصحة والهيئة العليا للدواء وشهادة “الأيزو” وغيرها من الشهادات.