الطبيبة سونيا عبدالعظيم عارف، أخر ضحايا، فيروس كورونا المستجد، رحلت عن عمر يناهز 64 عاما، دفعت حياتها ثمناً لأداء الرسالة بعد أن أصابتها نجلتها الطبيبة، أنجبت 4 أطباء جميعهم في الصفوف الأمامية بمعركة كورونا، ولكن جاءت الفاجعة، أهالي قرية “شبرا البهو”، بمحافظة الدقهلية، التي تربت فيها الطبيبة، حرموها آخر تكريم لها واحتجوا على دفن جثمانها بمقابر العائلة، في سابقة لم يشهدها التاريخ الحديث.

sss

مشهد أهالي القرية أعاد للأذهان خروج مسيرات من أهالي أسكندرية  قبل أسبوعين، للتكبير قناعة منهم لزوال خطر كورونا، فضلا عن استمرار حضور البعض الأفراح وتقديم واجب العزاء،  ما فسرته استشاري علم النفس، هالة حماد،  بـ”تناقض الشخصية المصرية” التي تلجأ للدين في أمور العلم وتمنع الشرع دون سند علمي.

 قوات الأمن تدخلت لاستكمال الجنازة بعد اعتراض الأهالي ورفضهم دفن الجثمان، وجرى القبض علي ٢٢ من أهل القرية وقرر النائب العام المستشار حماده الصاوي بفتح تحقيق فوري،  بسرعة التحقيق في الواقعة، وقرر محافظ الدقهلية أيمن مختار إطلاق اسم الدكتورة سونيا ضحية كورونا على مدرسة شبرا البهو مركز أجا،  ليصبح أسمها مدرسة الدكتورة سونيا عبد العظيم عارف الابتدائية، تخليدا لذكراها وتقديرا لعطائها.

تجمعهم الطبلة 

“كورونا” الذي تسبب في إصابة أكثر من 1939 حالة بمصر، توفى منهم 146،  وتعافى 426، واتخذت الحكومة عدة تدابير وإجراءات لمواجهته، أهمها البقاء في المنزل، وتعزيز التباعد الاجتماعي وتقليص التجمعات وفرض حظر تجول جزئي، إلا أن “حمية القطيع ” سيطرت على مشهد تجمهر أهالي القرية ومنعهم من دفن الطبيبة بمقابر العائلة خوفا من العدوى، حسب وصف استشاري الطب النفسي وزميل الكلية البريطانية هالة حماد.

وقالت حماد لـ”مصر360″، إن مصطلح “حمية القطيع الغبية” يطلق على ترديد معلومة مغلوطة تتعلق بإمكانية نقل الجثة العدوى للمنطقة بأكملها؛ لتصبح شائعة يتبناها مجموعة تقوم بالتحريض ضد دفنها بمقابرعائلة الفقيدة، وينساق أطراف فيها دون تفكير، في ظل غياب ثقافة البحث عن المعلومة الصحيحة بأبسط الطرق من خلال محركات البحث الموجود في هواتف الجميع، فضلا عن تواجد مجموعة من الناس بدافع الفضول والمشاهدة أعطى إيحاء بضخامة المشهد وتصويره أنه مطلب جماهيري.

“غياب كبير البلد كعمدة القرية أو شيخ الغفر، زاد من المشهد تعقيدًا وارتباكًا، وانحداراً في مستوى أخلاق القرى، وأفسح مجال لأي شخص لتوجيه الأهالي إلى مسار صحيح أو خاطئ مبني على علم أو جهل” بحسب استشاري علم النفس، متسائلة “أين دور رجل الدين من المشهد مثل إمام جامع القرية ودوره التنويري تجاه الأهالي لتوضيح خطورة فعلهم؟

وأرجعت “حماد”،  ذلك إلى طريقة التعليم بالحفظ وغياب مفهوم البحث والتدقيق من المعلومة ومَن قائلها وأي سياق جرى قولها فيه، والذي أدى إلى خلق عقلية تابعة يسهل تضليلها وتحريكها لأي طريق،  فضلا عن القبلية التي سيطرت على المشهد بسبب الخلاف حول دفن الفقيدة بقريتها أم قرية زوجها.

رأي الإفتاء

وردا على الواقعة، أكدت دار الافتاء المصرية  في بيان لها أمس عدم جواز واقعة رفض الأهالي دفن جثمان الطبيبة، واصفة إياها “بالأفعال المُشينة” سواء التنمر الذي يعاني منه مرضى كورونا  أو التجمهر الذي يعاني منه أهل الميت عند دفنه، مشددة على عدم جواز “اتباع الأساليب الغوغائية ” من الاعتراض على دفن شهداء فيروس كورونا التي لا تمتُّ إلى الدين الإسلامي ولا إلى القيم والأخلاق بأدنى صلة.

وأضافت “الإفتاء”، “إذا كان المتوفى  لقي ربه متأثرًا بفيروس كورونا فهو في حكم الشهيد عند الله تعالى لما وجد من ألم وتعب ومعاناة حتى لقي الله تعالى صابرًا محتسبًا، فإذا كان المتوفى من الأطباء المرابطين الذين يواجهون الموت في كل لحظة، ويضحون براحتهم -بل بأرواحهم- من أجل سلامة ونجاة غيرهم، فالامتنان والاحترام والتوقير في حقهم واجب، والمسارعة بالتكريم لهم أوجب”.

وشددت الإفتاء على من حضر من المسلمين وجوبًا كفائيًّا أن يسارعوا بدفنه بالطريقة الشرعية المعهودة مع اتباع كافة الإجراءات والمعايير الصحية التي وضعتها الجهات المختصة لضمان أمن وسلامة المشرفين والحاضرين، وبما يضمن عدم انتشار الفيروس إلى منطقة الدفن والمناطق المجاورة، داعية جميع المصريين إلى أن يعملوا جميعًا على سد أبواب الفتن بعدم الاستماع إلى الشائعات المغرضة، وألا يستمعوا إلا لكلام أهل العلم والاختصاص، وأن يتناصحوا ويتراحموا ويتعاونوا على البر والتقوى، إعمالا بالحديث الشريف (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا).

اقرأ أيضا:“موتى كورونا”.. كثافات الجثث ترهق العالم وترعب الأحياء

إحباط الأطباء 

المشهد القاتم أرمى بظلاله على عزيمة خط الدفاع الأول لكورونا، واستنكرت نقابة الأطباء الواقعة، مطالبة في بيان لها  كافة الجهات المعنية  بضرورة تفعيل أقصي عقوبة بمواد القانون المصري للعقوبات الباب السابع والمواد المنصوص عليها  رقم 136 و 137 بمعاقبة أي مواطن يتعدى على موظف أثناء أو بسبب تأدية عمله بالحبس لمدد تتراوح بين ست أشهر وعامين، فضلا عن تقديم المحرضين على عدم دفن الطبيبة للمحاكمة العاجلة، ليمثل ذلك ردعا لعدم تكرار تلك الأفعال المشينة.

ودعا مجلس نقابة الأطباء إلى تطبيق أقصي عقوبة على كل معتدي علي الاطباء في تلك الظروف العصيبة التي تمر بها البلاد، مجددين دعوتهم إلى مجلس النواب بضرورة إصدار قانون حماية المنشآت الطبية ، وقانون المسؤولية الطبية .

بالفيديو طبيبة الإسماعيلية: تعرضت للتنمر والطرد من مسكنى 

وقال أمين صندوق نقابة الأطباء  لـ”مصر360″ “تصرف محزن ومحبط، وغير أخلاقي أو ديني، والأطباء ارتضوا مواجهة الخطر سواء قبل كورونا أو بعد تفشي الوباء، فكيف يكون جزاءنا هذا المصير، وإذا سقطنا مصابين وموتى بالفيروس من سيقوم بعلاج الناس”، مطالبا بالدعم المادي والمعنوي للطبيب المصري حتى يستطيع  علاج وحماية الشعب.

“المتوفى بكورونا يتبع معه إجراءات وقائية سواء في الغسل أو التكفين أو الدفن وغير ناقل للعدوى، فالجثة لاحول لها ولا قوة”، حسب ما أكده عبدالحميد مطالبا في الوقت نفسه بحمالات توعية تساند الأطباء في انجاز عملهم حتى لا يتكرر مشهد شهيدة الدقهلية أو واقعة إرهاب طبيبة الحميات من قبل جيرانها”.

وطرح عدة مطالب لتوفير بيئة عمل آمنة لقطاع الخدمات الطبيبة، أولها إنفاذ القانون بشكل حاسم ضد أي معتدي على القوائم الطبية والمستشفيات، ومراعاة حرمة الميت، أسوة بالمعتدين على المنشآت العسكرية أو المدنية، مستنكرا ما تردد عن تفاوض الأمن مع الأهالي في بداية واقعة الدفن، وعدم إنفاذ القانون من البداية، مشيرا إلى تخصيص النقابة خط ساخن لتلقي الشكاوى المتعلق بنقص وسائل مكافحة العدوى أو الاعتداء على الأطباء لمخاطبة النقابة الجهات الرسمية المعنية بذلك سواء المحافظة أو مديرية الأمن أو وزارة الصحة.

وحذر أمين صندوق النقابة من تدهور الحالة النفسية للأطباء في ظل تعامل المواطنين معهم بهذه الممارسات، ما يؤثر على جهازهم المناعي المرتبط  والعمل في ظروف غير ملائمة، قد تؤدي لزيادة فرص إصابتهم بالمرض والتأثير السلبي على المنظومة الصحية بأكملها، مستشهدا بتقدير الدول الأخرى للطبيب، والتسهيلات التي أقرتها  بعض الدول لاستقطاب الأطباء بعد جائحة كورونا.

اقرأ أيضا:رجال الازمة .. أبطال ” الإنقاذ الطائر” لا يخافون كورونا