اقتراح فرض “ضريبة على الثروة” أثار جدلاً واسعًا، عند طرحه للمرة الأولى ، من قبل رجل الأعمال حسن هيكل، و عاود رجل الأعمال سميح ساويرس، الحديث عنه من جديد ورغم أن الاقتراح جاء من رجال الأعمال بفرض ضرائب إضافية على أنفسهم وثرواتهم، كـأحد الحلول المطروحة لمواجهة الأزمة.

sss

وضريبة الثروة، أو ضريبة الممتلكات، هي ضريبة على امتلاك، واستخدام أو انتقال الأصول بعد خصم الديون، وفقًا لدليل صندوق النقد للموازنة العامة، وتنقسم هذه الضريبة إلى ممتلكات منقولة مثل الأسهم والأوراق المالية، وممتلكات غير منقولة مثل العقارات والأراضي.

ولكن الاقتراح لم يجد ترحيب واسع من قبل اقتصاديين ومسئولين، خوفًا من غياب العدالة الاجتماعية والمساواة، والتي هي هدف السياسية الضربية من البداية .

وتقترح ورقة تحليل سياسات صادرة عن صندوق النقد الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي، التوسع في فرض ضرائب الممتلكات، لأن تأثيرها أقل سوءًا على مستويات النمو، وهناك أيضًا اقتراح بفرض الضريبة مرة واحدة بشكل استثنائي لحل أزمة الديون العالمية وخلق فضاء مالي للحكومات، ولكن السؤال هنا هو ما يمكن عمله محليا لترجمة الفكرة وتنفيذها في مصر.

أقرأ أيضا”النفط الخام بلا مأوى”.. ” كورنا” يغازل السعر العالمي ويحدث تخمة”

ضريبة الثروة الحل

نشر المحامي الحقوقي، نجاد البرعي، عبر حسابه الرسمي عبر موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، منشور حول ضريبة الثروة وإمكانية تطبيقها في الوقت الراهن، لمواجهة انتشار فيروس كورونا، قائلًا:”فكرة ضريبة الثروة ليست فكرة اشتراكية أو شيوعية أو يسارية بشكل عام.. أول من طالب بفرض ضريبة علي الثروة أو أشاع الفكرة كان رجل الأعمال حسن هيكل أحد رجال الأعمال المرموقين وكان ذلك في نوفمبر٢٠١٣ عندما بدأ تعثر اقتصادي وهذا المقترح درسته وزارة المالية وقتها ولم يتم البت فيه نتيجة ضغوط عدد من رجال الأعمال وقتها”.

وتابع في منشوره: “كمان رجل الأعمال سميح ساويرس كان قد اقترح فرض ضريبة قدرها ٥٪ علي كل حساب يزيد قيمته علي مليون جنيه، وطبعا لا يمكن اتهام سميح أو حسن هيكل بأنهم يساريين أو لا يهتمون بمصالح رجال الأعمال، والفكرة لا تهدف إلي تمويل ميزانية الدولة ولكنها توجه لدعم قطاعات مثل الصحة، خاصة في ظروف استثنائية مثل التي نعيش فيها دون أن تتحمل ميزانية الدولة المرهقة أعباء لا تستطيعها، مثل تجيز مستشفيات ميدانية وشراء أجهزة تنفس وغيرها”.

واستطرد:” يمكن التوفيق بين اقتراح سميح ساويرس واقتراح حسن هيكل.. بأن تكون الضريبة ٥٪ مرة واحدة علي الحسابات التي تزيد علي مليون جنيه فقط، وبالتالي فهذا لن يمس أصول ما يمتكله رجال الأعمال لو كانت ثرواتهم في أصول مادية عقارات أو منازل أو مصانع أو متاجر، ويمكن أيضا أن يتم إعلان ما سيتم جمعه في حساب خاص وتشرف عليه لجنة أهلية ممن تم فرض الضريبة عليهم حتي يتم التأكد من أنه سينفق في أغراض مواجهة تلك الكارثة الصحية”.

نسبة الضريبة 5% 

في 2019، طالب رجل الأعمال، المهندس سميح ساويرس، خلال مؤتمر “rise up” الذي أقيم في الجامعة الأمريكية بالقاهرة الجديدة، الرئيس السابق عدلي منصور بأن يفرض ضرائب 5%على كل مواطن يزيد رصيده عن مليون جنيه، ولا تأخذ منها شيء لمصلحة الضرائب.

وأوضح ساويرس أن هذا القانون كان ساريا لمدة عامين، ولكن الحكومة بعد مؤتمر الاستثمار في شرم الشيخ قامت بإلغائه، مؤكداً أنه في حال عدم تنفيذ هذا المشروع ستحدث ثورات في العالم كله، ولن يستقيم العالم إذا كان 2%من سكانه أغنياء وهذا ما هو موجود على الأرض.

 

أقرأ ايضا كورونا يتسبب في خسارة 5٪ من البريطانيين لوظائفهم

بين مؤيد ومعارض

وفي عام 2013، اقترح رجل الأعمال حسن هيكل، والرئيس التنفيذي السابق لـبنك الاستثمار المجموعة المالية هيرميس “EFG Hermes”، فرض ضريبة على الثروة وناقشته وزارة المالية حينها، ولكنه أثار حالة من الانقسام بين خبراء الاستثمار ومحللى الاقتصاد الكلى، ووضع معارضو الضريبة عددا من الاعتراضات التى تعزز رؤيتهم، على رأسها اعتبار المقترح ازدواجًا ضريبيًا، يؤدى لنفور رؤوس الأموال، كما رأوا أن الضريبة لن تحقق الحصيلة المرجوة مقارنة بالخسائر التى ستلحق بمناخ الاستثمار .

وسعى مؤيدو الضريبة لمناقشة الاعتراضات التى ساقها المعارضون، مؤكدين أن فرض ضريبة على الثروات يحقق بعدًا اجتماعيًا مهمًا، كما أنها تصب فى صالح المستثمرين لإمكانية توظيف حصيلتها فى تدريب العمالة التى تتسم بضعف مستواها نتيجة انخفاض مستوى التعليم، مشيرين إلى أنها ستفرض على صافى الثروة بعد خصم الالتزامات، كما أنها ستتركز على الأرباح الطارئة أو المكتسبة دون جهد مثل الأرباح الرأسمالية الضخمة .

وأوضح الدكتور جودة عبدالخالق، وزير التضامن الاجتماعى الأسبق، أن المقصود بضريبة الثروة هو صافى الحقوق التى فى ذمة أى شخص طبيعى، وأن أى شخص لديه أنواع مختلفة من الملكية منها: عقارات وأراض ومدخرات وودائع بالبنوك، وأوراق المالية، وتتمثل الثروة فى الصافى بعد خصم الالتزامات من إجمالى الملكية .

وأضاف عبد الخالق، إنه عندما تم طرح فرض ضريبة على الأرباح الرأسمالية، واجه ذلك الأمر رفضًا من جانب المستثمرين، بدعوى طردها للاستثمارات، كما لقى مقترح ضريبة على التوزيعات النقدية المصير نفسه، مشيرًا إلى أن ضريبة الثروة هى البديل الأفضل، لأنها تفرض على الأرباح غير المكتسبة، بمعني أنها ستفرض فى حال حصول الشخص على ربح غير متوقع، مثل دخول أرض تخضع لملكيتها ضمن الحيز العمرانى، أو ارتفاع سعر عقار.

وأشار عبدالخالق، إلى أن هناك عدة دول طبقت تجربة ضريبة الثروة، إلا أنها ستواجه صعوبة فى تطبيقها بمصر لعدم إقبال المصريين على تسجيل ثرواتهم بالشهر العقارى، وقال إن الفكرة جيدة ولابد من تطبيقها رغم اصطدامها بصعوبات فى البداية .

ويقول خالد أبوهيف، العضو المنتدب بشركة الملتقى العربى للاستثمارات المالية، إن ضريبة الثروة فكرة جيدة فى حد ذاتها، فى حال ضمان تطبيقها مرة واحدة فى العمر، لأنها ستشجع الأفراد على إعلان ثرواتهم وتقنينها .

وأضاف أبوهيف، أنه يجب دراسة تجارب الدول الأخرى بشكل جيد، حتى لاتقع الدولة فى فخ الازدواجية، حيث يقوم الشخص بدفع ضريبة على الدخل، وضريبة على الثروة، وضريبة على المبيعات، وضريبة على العقارات وغيرها ، موضحًا أنه فى حال امتلاك الشخص أصولاً عقارية لا ينتفع بها، ولا تدر له عائدًا، ولا تتوفر لديه سيولة تقع ضمن الحد المحدد سلفًا، فيجب استثناؤه من الضريبة على الثروة.

الضريبة الاسثنائية

وفي عام 2014، سمحت الحكومة المصرية بموجب قانون الضريبة المؤقتة لدافعي الضرائب الإضافية بتوجيهها لتمويل مشروع خدمي أو أكثر في مجالات التعليم أو الصحة أو الاسكان أو البنية التحتية أو غيرها من الخدمات الاخرى.

وصدر قانون الضريبة الاستثنائية بعد أيام قليلة من الإعلان عن تعديلات في قانون منفصل للضريبة على الدخل تسمح بفرض فرض ضريبة على الأرباح الرأسمالية والتوزيعات النقدية في البورصة، وسبق أن فرضت مصر ضريبة استثنائية على أصحاب الدخول المرتفعة بعد حرب عام 1967 .

إمكانية تطبيقها بمصر

لا تتوفر بيانات رسمية دقيقة عن توزيع الثروة في مصر، ولكن أحدث هذه الإحصائيات هى التقرير السنوى الذي أصدره بنك البنك السويسري “كريدى سويس”، عن الثروات حول العالم، والذى كشف عن الثروات التي يملكها المصريون وتضعهم في المركز 18 عالميًا، وأن عدد البالغين فى مصر يصل إلى 58 مليون، يملكون 898 مليار دولار، من بينهم 45.6 ألف مصرى يملك كل منهم أكثر من 1 مليون دولار.

ويقيس هذا التقرير الثروات من حيث الأصول العقارية، والسيولة، والأوراق المالية، وكما هو معروف فإن عدد المليونيرات في أي دولة يعتمد على ثلاثة معايير وهى: عدد السكان البالغين، ومتوسط الثروة، وعدم المساواة في الثروة، وبحسب المسح السنوي للثروات والصادر عن “كريدي سويس”، فإن عدد المليونيرات حول العالم زاد إلى 46.8 مليون شخص تقريبًا خلال الإثنى عشرة شهرًا من منتصف عام 2018 وحتى منتصف العام الحالي.

وتقرير بنك كريدى سويس سبقه أيضًا تقرير صادر من بنك أفراسيا، مقره فى دولة مورشيوس، فى بداية شهر أكتوبر الماضى، والذى كشف عن أن مصر تأتى فى المرتبة الثانية بعد جنوب أفريقيا من حيث ثروات رجال الأعمال لعام 2019، إذ تتضمن جنوب أفريقيا 2169 مليارديرًا بينما يصل العدد فى مصر لـ932 مليارديرًا وجاءت نيجيريا الثالثة بـ531 مليارديرًا.

ورسميًا، توجد ضريبة على الممتلكات في الموازنة العامة في مصر، وبلغ الإجمالي المتوقع لحصيلة هذه الضريبة 50 مليار جنيه في مشروع موازنة العام المالي 2018/2017، و36 مليار جنيه في 2016/17 ، بنسبة تصل إلي 8.43%‏ من إجمالي الضرائب، و41 مليار جنيه في 2015/16، إلا أن حجم الأموال التي تم تحصيلها فعليًّا بلغ 28 مليار جنيه فقط في 2015/2016، أي بنسبة 68%‏ من المتوقع تحصيله، ويبلغ متوسط نسبة هذه الضريبة من الناتج المحلي نحو 1%.

هذه الضريبة ليست ضريبة موحدة على الثروة، وإن كانت تظهر كذلك في الموازنة، فهي تجمع بين ضرائب على الأراضي والمباني، ورسوم نقل ملكية، ورسوم على السيارات، بالإضافة لضريبة على عوائد أذون وسندات الخزانة، برغم أنه لا يمكن اعتبارها ضريبة على الممتلكات، فهي ضريبة على الدخل، وأخيرًا، يظهر في الموازنة بند “ضرائب دورية على صافي الثروة”، و”ضرائب على العقارات والمواريث والمنح”، لكن لا تظهر بشأنها أي مبالغ  في الموازنة ولا في الحساب الختامي.

ولكن تفتقد السياسة الضريبية في مصر لسياسة ضريبية موحدة وشاملة على الثروة، حيث تتجزأ على أصول متفرقة الأراضي والمباني على وجه التحديد، مما يجعل هناك صعوبة في تحديد أثر ضرائب الممتلكات على اللامساواة أو الاقتصاد ككل، أو بمعنى آخر، تُعامل هذه الضريبة معاملة محاسبية فقط حين تظهر في الموازنة، ولكنها لا تعمل كسياسة اقتصادية واحدة، إنما تعمل كمجموعة من القوانين المتفرقة التي تنظر للثروة بشكل مجزأ، مما يؤدي لصعوبة تحديد معدل مناسب أو تصاعدي للضريبة .

وصدر مؤخرًا القانون 33 لسنة 2017، والذي يلزم الشركات المسجلة في البورصة المصرية، وكذلك صناديق الاستثمار بالإفصاح عن الطبيعة القانونية للكيان، وبلد الإنشاء، والقانون المنظم للإنشاء، والنشاط، والهدف من الإنشاء، وأعضاء مجلس الإدارة، والمستفيدين من الصندوق والشركة، والموكلين بتعديل هياكل الملكية، وإذا كان هناك شركة مسجلة ضمن المستفيدين، ألزم القانون بالإفصاح عن المساهمين الذين يمتلكون 25%‏ أو أكثر من الأسهم.

ويعتبر هذا القانون الأول من نوعه من ناحية تنظيم صناديق الاستئمان، ويتضمن معايير جديدة للإفصاح يمكن الاعتماد عليها للمراقبة والإشراف ومكافحة التهرب الضريبي وتمويل الإرهاب، والقانون هو خطوة إلى الأمام يمكن البناء عليها، لكن هناك حاجة لمعلومات إضافية عن الوضع المالي لكل كيان أو شركة تابعة في كل بلد على حده.

أقرأ أيضا “لا يهاب الكبار” .. “كورونا” يهدد عرش الاتحاد الأوروبي

خبراء

ويؤكد الدكتور شريف الدمرداش، الخبير الاقتصادي، أن لا توجد إمكانية لتطبيق ضريبة الثروة في مصر في الوقت الراهن أو فيما بعد، فهي بمثابة “جباية” على أموال الأغنياء ليس أكثر، وشرط تطبيق الضرائب هو تحقيق  العدالة الاجتماعية والتحفيز على العمل والاستثمار، لا التنفير وخلق حالة من الجدل والقلق بالمجتمع.

وتابع الخبير الأقتصادي لـ مصر 360، أنه لا يجوز الحديث عن تطبيق مثل هذه الضرائب في الوقت الحالي، ولا مناقشتها حيت قانونيًا، فنحن نعيش حاليًا أقسي الأزمات العالمية والانسانية، وهي “غريزة البقاء”، فالدولة هي التي عليها تقديم الدعم الآن، ولا حاجة لتنبيه الأغنياء على دورهم المجتمع ومسئوليتهم تجاه شعبهم في وقت الأزمات، فمن يريد تقديم المساعدة أو التبرع ليس بحاجة للقانون.

وأشار الدمرداش إلي أن ما يحتاجه الشعب الآن هو رقابة حازمة على الأسواق ومنع الاحتكار وليس اختراع قوانين جديدة، مؤكدًا أن هناك بالفعل ضريبة على الدخل معترف بها عالميًا وترتبط بالإنتاج، وهو ما يعادل مصطلح “ضريبة الثروة”.

 

واختتم حديثه، بأن الحل في ظل انتشار وباء كورونا يكمن في النظر إلى أولويات الجزء الأكبر من الشعب، والمتضررين بالفعل، مقترحًا إلزام الدولة للقطاع الخاص بالإبقاء على العمالة أو دفع نصف رواتبهم، بدل تسريحهم او طردهم، وهو ما يقلل الضغط المجتمعي على الدولة في وقت الأزمات.

ويرى الدكتور وائل نحاس، أن توسيع القاعدة الضريبية، تهدف دائمًا للإصلاح الاقتصادي، مع الوضع في الاعتبار أن الجهات الفاعلة التي يجب فرض ضرائب عليها، هي تلك التي تكون تكاليف منفعتها الخاصة من دفع الضرائب الأقل، أي الأغنياء، من وجهة نظر تكنوقراطية أن النظام الضريبي يجب أن يشمل جزءا كبيرا من الضريبة على الثروة، ولكن على أرض الواقع فتطبيق هذا الأمر صعب ، لأن الهدف من ورائه ينفذ بالفعل من خلال الضريبة على الدخل.

وأضاف الخبير الاقتصادي لـ مصر 360، أن الضريبة التي اقترحها بعض الاقتصاديين ورجال الأعمال كـ حسن هيكل وغيره، يقصد بها ضريبة شاملة على الثروة، تتضمن الأصول المالية وغير المالية كالعقارات والأراضي، وبالنظر إلى الاقتصاد المحلي فتبلغ الثروة غير المالية 68% من إجمالي الثروة في مصر، أي أن هناك مجالاً للاقتراب من الهدف الأمثل إذا تم تطوير الضريبة العقارية، وإذا تم مكافحة التهرب الضريبي، واللذان سيحققان نفس الهدف.