معظم البيوت لا تخلو من خادمات، يبذلنَّ ما بوسعهنَّ لأداء المهمة بنجاح، ولكن تظل ثقافة التعامل معهنَّ، ونظرة المجتمع لهنَّ محل تساؤلات، رصدنا حكايات من أرض الواقع لخادمات تعرضن لظروف قاسية و مشكلات وعقبات مررن بها، وما لهن من حقوق وما عليهن من واجبات.

sss

ومعظم اللاتي يعملن في المنازل سيدات بسطاء، أجبرتهن ظروفهن الصعبة على العمل.

وتتقاضى العاملة يوميا متوسط أجر 200 جنيه تقريبا، في مقابل تنظيف الشقة لمدة يوم، في حين تحصل، عاملة المنزل التي تعمل في مكتب تخديم خاص، على يومية تتراوح ما بين 300 -500 جنيه، بحسب مكان ونوعية الأسرة، وأما العاملة التي تذهب في مواعيد محددة يوميًا، يصل أجرها 3 ألاف جنيه كحد أدني، والمقيمة فيبدأ أجرها من3500 ألاف فأكثر.

ويتوقف أجر العاملة بالمنزل علي عدة عوامل، منها الأعمال التي تجيدها، وساعات العمل التي تقضيها، ونوع ومستوى الأسرة التي تعمل لديها ومكان سكنها. 

“نحمده عبد الجواد”، واحدة من العاملات الكثر، تعرضت لحادث أثناء عملها السابق والان تعمل “دادة” في جمعية النشاط النسائي بشبرا، ، ولكن إصابتها بإنزلاق غضروفي منعها من العمل في المنازل.

مازالت “نحمده” السيدة السبعينة محتفظة في ذاكرتها،  وقت أن أقعدها المرض لأيام طويلة دون عمل، بعد أن تعرضت للحادث وتقول ” كنت أعلم أن الله لن يتركني، في ظروف الصعبة ومرضي، ربة المنزل التي كنت أعمل لديها، لن تفعل لي شيئ، ما دعا مديرة الجمعية وقتها، لإلحاقي للعمل في وظيفة دادة”.

“نحمده”، واحدة من ألاف العاملات بالمنازل، اللاتي يعملن بنظام يشبه السخرة إلى حد كبير، كعمالة غير منتظمة، ولاسيما أن قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 في المادة الرابعة منه، يحرم عمالة”الخدمة المنزلية” من مظلة الحماية القانونية، وهو ما يجعلهن يعملن بلا حقوق أو ضمانات.

والخادمات الأجانب مثل الفلبينيات والأندنسيات والأفارقة، يجري تهريبهن لمصر بالمخالفة للقانون، عن طريق شركات وعصابات، للعمل كخادمات أو استغلالهن في أعمال أخرى، فيما يشبه سوق”النخاسة” لمن يدفع أكثر.  

وتذكرت، نحمده، وقت إصابتها، وقالت بلهجة بسيطة، “كانت ست البيت حامل في الشهر التاسع، ولا تستطيع مساعدتي، فحملت تربيزة السفرة بمفردي للتنظيف أسفلها، شعرت وقتها بألم شديد، ولكن استكملت عملي، وفي اليوم التالي لم استطع الحركة، ونصحني الطبيب بعدم العمل”.

وقضت “نحمده” وكنيتها “أم هالة” نصف عمرها تعمل بالمنازل، بعد أن انفصل زوجها عنها وترك لها ابنتين، في عمر الزهور مابين”3 – 5″ سنوات، لتواجه الحياة بمفردها، فكان أعلان الجمعية عن دورة تدريبة لراغبات العمل بالمنازل، طوق نجاة بالنسبة لها.

وتصف المخدماتي بأنه يتولى توفير بنت صغيرة للعمل بالمنزل، ويكون مسؤول عنها، ويتقاضى أجرها يوخصم نسبته شهريًا، والباقي يرسله لأسرتها في البلد، لأن معظمهن كنَّ من الأرياف”.

ثم تُقبل السيدة البسيطة يدها وتنظر للسماء وتقول:” كنت في عز شبابي بعد الانفصال عن زوجي، وكان علي مواجهة الحياة بكل ما فيها، فعملت في المنازل باليومية، رغم اعتراض أسرتي وأشقائي، علشان أصرف علي أولادي”.

ترى السيدة العجوز أنها أدت رسالتها، وتمكنت من تربية ابنتيها، وتحدت ظروف الزمن الصعبة، ورغم عمرها الذي تجاوز السبعين مازالت تعمل في صمت، وهي تنظر للسماء وتقبل يدها وتردد” الحمد الله”.

رغم معاناة نحمده التي عاشتها ولكنها كانت أوفر حظًا من زميلاتها، اللاتي بدأن العمل معها، وعشن ظروف مشابهة لظروفها، ولا يتمتعن بأي تأمين صحي أو اجتماعي ولا تعترف بهن الدولة.

عمل بلا ضمانات

وفق جهاز التعبئة والأحصاء، يوجد في مصر 3.3 مليون أسرة تعولها سيدات، بحسب أحصاء للجهاز في منتصف 2018.

وداخل مبنى عتيق ضخم، تركت السنون أثارها عليه، وخلف أحد المكاتب تجلس هدى عوض،  رئيس جمعية النشاط النسائي بشبرا منذ 2003، الجمعية التابعة لوزارة التضامن الاجتماعي، ويعود تاريخها لستينات القرن الماض.

وتتلقى رئيسة الجمعية بين الحين والآخر، اتصالات كثيرة من عاملات بالمنازل مسجلين لديها، وفق دفاتر وجداول موضوعة أمامها، لتوفير عاملات جديدة للأسر، مقابل أجر محدد.

وتقول”عوض”، ” نحن نعمل كوسطاء، نوفر العاملات للأسر، لمساعدة العاملات لإيجاد عمل، ومساعدة ربة المنزل لإيجاد من يعاونها، في مقابل أجر مناسب يرضي الطرفين”.

وبدأ مشروع “عاملات المنازل” بالجمعية في بداية الثمانيات، بموجب مشروع أمريكي، في فترة الانفتاح الاقتصادي، وتم تنفيذه في فروع الجمعية علي مستوى الجمهورية، وحضر مدربين أجانب لتدريب الراغبات في العمل.

وقالت”عوض”، “أغلب العاملات مطلقات أو أرامل، وبعضهن يتولى الانفاق على أسر كاملة، بعد إصابة أو مرض الزوج”.

وتحصل الجمعية من الراغبة في العمل، فيش وتشبيه وصورة بطاقة سارية وطلب عمل وصورة شخصية، وعقد إيجار أو إيصال كهرباء، وترسلهن للعمل لدى الأسر في المنازل، مقابل حصولها علي نسبة محددة من أجورهن.

وشرحت رئيسة الجمعية نظام العمل بقولها” يوجد أكثر من نظام للعمل بالمنازل، نظام اليومية لتنظيم وتنظيف الشقة أو للقيام بأعمال محددة، وهي النسبة الشائعة، والعاملة التي تذهب يوميًا للعمل لساعات محددة، والعاملة المقيمة بصفة دائمة مع الأسرة والمرافقة لمريضة أو مسنة”.

ورصدت الجمعية المصرية لحقوق الاقتصادية، في دراسة بعنوان:” عاملات المنازل في مصر”، أوضاع عاملات المنازل وأنواعهن، وأهم المشاكل التي تواجههن ، وتتمثل في عدم وجود ضمانة للأجر، بين العاملة ورب العمل، وهو ما يؤدي لضياع حقوقهن المالية.

كما رصدت الدراسة المخاطر اللاتي تتعرض لها العاملات بالمنازل، والتي يندرج أغلبها تحت إصابات العظام والعمود الفقري بسبب السقوط من أعلي، أو الانزلاق الغضروفي بسبب رفع الأحمال الثقيلة، والجروح المختلفة، وأمراض الجهاز التنفسي، وحساسية الصدر نتيجة استنشاق الكيماويات.

وتلفت الدراسة إلى أنه عند إصابة العاملة، يتوقف أمر علاجها علي ضمير صاحب العمل، لاسيما أنه لا توجد بينهما علاقة عمل أو عقد قانوني، ولا تمتلك العاملة تأمين صحي، أواجتماعي في حالة العجز الكلي أو الجزئي.

المكاتب الخاصة والعمل خارج القانون

لافتة صغيرة موضوعة علي عمود أنارة، أو في وسائل المواصلات، تحمل إعلانًا عن فرصة عمل تطلب عاملة منزل، أو صفحة علي الفيس بوك، أو تطبيق علي الانترنت، كلها وسائل للمكاتب الخاصة لتوفير عاملات المنازل، اللاتي تعملن خارج مظلة القانون.

وحذرت رئيس جمعية النشاط النسائي من أوضاع العاملات بقولها” إن أوضاع العاملات بالمنازل في المكاتب الخاصة، تشهد تجاوزات كبيرة جدًا، بالرغم من رواتبهن المرتفعة، إلا أن بعض هذه المكاتب يستغل العاملات أسوأ استغلال”.

وبحسب دراسة أجرتها الهيئة الاقتصادية والاجتماعية، يوجد في القاهرة وحدها حوالي 300 مكتب تخديم، منهما مكتبين فقط لديهما ترخيص من القوى العاملة.

 وتعمل هذه المكاتب تحت اسم شركات لتوفير العاملة المنزلية، ولا تمتلك أي تراخيص قانونية، يتحصل صاحب المكتب علي أجر شهرى من عاملة المنزل، وبموجب عقد يكتب مع الأسرة، يلتزم بتغير الخادمة بأخرى في غضون شهر، إذا لم تؤد ما عليها من واجبات وعمل، فيما تلتزم الأسرة بتوفير مكان للمبيت مرتبة أو سرير.

وتنتشر هذه المكاتب في جميع أنحاء الجمهورية، وهي أشبه بمكاتب السخرة المقننة، ولا توجد عليها أي التزامات قانونية أو أخلاقية أو رقابة من الدولة، وتوفر العاملات بالمنازل بكافة الأنواع، سواء اللاتي تعملن باليومية للتنظيف، أو المقيمات أو المرافقات، بالإضافة للعاملات بمنازل الأجانب.

ويتعرض العاملات بالمنازل من خلال هذه المكاتب للاستغلال، فبعض المكاتب تورد عاملات التنظيف للشركات والمنازل، وتحصل في نظير ذلك علي مبلغ يقترب من 400 جنيه يوميًا وأكثر، في حين تحصل العاملة علي مبلغ لا يزيد عن 150 جنيهًا فقط، وتقبل العاملة بذلك في سبيل توفير عمل يومي.

ولا توفر هذه المكاتب التأهيل أو التدريب للعاملة، أو ضمانات حقيقة للعمل في ظروف ملائمة، ويكتفي صاحب المكتب بلعب دور الوسيط أو السمسار، ويتحصل علي العمولة أو جزء من عمل العاملة البسيطة، ويتركها بمفردها تواجه المجهول، لاسيما أن أغلب العاملات مطلقات أو أرامل، وهو ما يعرضهن للاستغلال بكافة أنواعه.

“المخدماتي”

شخص يتولى توفير الخادمات للأسر المصرية، واستمر عمله حتى فترة السبعينات، قبل أن تختفي هذه المهنة.

كان المخدماتي معروفًا لدى الأسر المصرية، وهو الشخص يتوسط بين أسرة الخادمة والمنزل الذي ستعمل فيه، والتي كانت في الأغلب من إحدى قرى الريف، يحضرها ويتفق علي أجرها ويتعهد بحقوقها، ويحمل شهريًا أجرها لوالدها في بلدتها.

وتنافس مع المخدماتي، أصحاب مهن أخرى، لتوفير العاملات بالمنازل، مثل المكوجي والخطبة والبواب، أو الشخص الذي يجلب احتياجات الأسرة من الريف، مثل الزبدة والجبنة والبيض، وغيرهم ممن كانت الأسر المصرية تثق فيهم، ويترددون بسبب عملهم على المنازل.

كانت الخادمة في الأغلب فتاة صغيرة ريفية، تنتمي لأسرة فقيرة بالريف، يرسلها والدها للخدمة بالمنازل لمساعدته، ويحصل شهريًا علي أجرها من المخدماتي، بصفته همزة الوصل بين أسرة الخادمة والمنزل الذي تعمل به.

وتتوقف طريقة معاملة الخادمة، علي الأسرة التي تعمل لديها، بعضهن تعرضن لشتى أنواع الاستغلال والعنف والتعذيب، والنظرة الدونية والتعالي، وكانت تنادي لربة المنزل وصاحبه بلفظ “الست و سيدي”، وتنام في المطبخ علي الأرض في معظم الأوقات.

فيما كانت بعض الأسر تعتبر هذه الفتاة البسطة واحدة من الأسرة، وتوفر لها مكان جيد للمبيت، وتأكل من نفس نوع الطعام الذي تأكله الأسرة، التي تتولى كسوتها سنويًا، وعندما تتزوج تساهم في تجهيزها.

و مكاتب التخديم تنقسم لفئات، فمنها من كان يوفر العاملات بالمنازل للأسر المتوسطة، وأخرى توفر العاملات لسكان القصور والطبقة الاستقراطية.

ومع تطور الزمن وإلغاء الألقاب، اختفت مهنة المخدماتي تدريجيًا، وحل محلها مكاتب توفير العمالة، وتوقف سكان الريف عن إرسال بناتهن للعمل للخدمة في المنازل بالعاصمة القاهرة والمدن، خوفًا الشكل العام للعائلات، وتوجهت الفتيات في الريف للتعليم، أو للعمل في المصانع والروش بالمحافظات.

جرائم “الخادمات” 

بمجرد أن يتلقى رجال الشرطة، بلاغًا بالسرقة أو بارتكاب جريمة ما، تشير أصابع الاتهام للخادمة، بعد استجوابها وفحص علاقاتها في محيطها، وفي أحيان كثيرة، ترشدهم على مكان المسروقات وشريكها أن وجد.

تنحصر الجرائم التي ترتكبها عاملات المنازل، في السرقة أو القتل المقترن بالسرقة، أو اختطاف الأبناء في بعض الأحيان لطب فدية، بالاشتراك مع أشخاص من خارج الأسرة.

ورصدت محاضر النيابة والشرطة، العديد من هذه الجرائم، وهو ما جعل رجال المباحث، يوجهون للخادمة أصابع الاتهام، في بداية بحثهم عند حدوث جريمة سرقة بأحد المنازل.

وكشفت رئيس جمعية النشاط النسائي أن أحد أهم الأسباب التي خفضت الأقبال علي عاملات المنازل في الفترة الأخيرة هو حوادث السرقة والقتل التي زادت عقب ثورة 25 يناير.

“خلال هذه الفترة، ارتفعت معدلات الحوادث، التي كانت أحد أطرافها الخادمة، التي كانت تذهب للعمل بالمنزل، وتعرف مداخله ومخارجه، وتسهل لشريكها سواء كان زوجها أو عشيقها، الدخول والسرقة وفي بعض الاحيان كان يقترن ذلك بارتكاب جرائم قتل”.

وتشرح رئيسة الجمعية، “في الوقت الحالي، بالرغم من الاحتياطات التي تتخذها الجمعية، بالحصول علي بطاقة العاملة والفيش والتشبيه، ومكان سكن العاملة بالتفصيل، إلا أن الجمعية تلقت مؤخرًا شكاوى باختفاء أشياء من المنازل، وحدوث بعض السرقات، وجرى حلها بشكل ودي دون الذهاب لأقسام الشرطة”.

وتحمل محاضر الشرطة الكثير من جرائم السرقات، التي يجري  اتهام عاملات المنازل بها، اللاتي يقومن بفعل السرقة، أو المساعدة عليها.

خادمات السينما 

 وتناولت السينما المصرية علي مدار تاريخها، دور الخادمة وما تتعرض له داخل الأسرة المصرية، من ظلم وقهر أحيانًا، وما تقوم به من أدوار شر، مؤثرة علي سير الأحداث الدرامية.

وهي أدوار واقعية رصدت تطور الخادمة، ووضعها في المجتمع المصري، بداية من كونها أحد أفراد الخدم في السرايات وفلل البشوات خلال العصر الملكي، وتطور وضعها في السبعينات والثمانينات مع الانفتاح الاقتصادي، ووضعها حاليًا ودخول جنسيات أخرى لسوق العمل في مصر.

 فيلم “نحن لا نزرع الشوق”، واحد من أهم الأفلام التي جسدت فيه الفنانة الراحلة شادية، دور الخادمة وما تتعرض له ببراعة، يعتبر الفيلم واحد من أهم أفلام السينما المصرية في فترة السبعينات.

وواحد من أشهر الأدوار التي جسدت دور الخادمة، الفتاة الصغيرة التي تفقد عائلها، وتقع فريسة للاستغلال ربة المنزل ونجلها.

وفيلم “دعاء الكروان”، أيضا، الذي هو قصة من رواية لأديب الأدب العربي “طه حسين”، وجسدت بطولته ببراعة الفنانة “فاتن حمامة”، وأخرجه هنري بركات،  كان واحد من أهم الافلام التي قدمتها السينما المصرية عن الخادمة، خلال فترة الخمسينات، وأبرز كيفة عملها في منازل الطبقة المتوسطة والاستقراطية، ومايتعرضن له من ظلم وقهر ومراودة عن النفس والشرف، لينتهي بهن الحال بالقتل علي يد أهاليهن.

فيما رصد فيلم  “أحلام هند وكاميليا”، مدى التطورات الشخصية والاجتماعية، التي طرأت علي الخادمة المصرية، ونظرة المجتمع لها خلال فترة الثمانيات، الفيلم الذي كان من بطولة الفنانة نجلاء فتحي، وعايدة رياض، بالاشتراك مع النجم الراجل أحمد زكي، وكتب قصته وأخرجه المخرج محمد خان، جسد الواقع إلى حد كبير.

وفيه تتعرض بطلتا الفيلم “هند وكامليا”، لظروف اجتماعية صعبة، وظلم أسري واجتماعي، واستغلال مادي وجنسي، ينتهي بهن بفقد كل شئ، ولم يتبق لهما إلا أحلام الفتاة الصغيرة.

بالرغم من الأدوار التي جسدت دور الخادمة، تظل “وداد حمدي” و”زينات صدقي”، من أشهر الفنانات اللاتي قدمن دور الخادمة في السينما المصرية كدور ثانوي، خلال فترة الثلاثنيات حتى بداية الستينات.

وربنا تكون الفنانة المبدعة “وداد حمدي”، أهم من قامت بهذا الدور خلال هذه الفترة، في أفلام مثل  أشاعة حب، و”الزوجة ١٣، وغيرها من الأفلام، حتى عرفت باسم “خادمة السينما المصرية”.

لتظل الخادمة المصرية، ودورها المحوري في الأسرة المصرية، مادة خصبة تتناولها السينما المصرية، منذ بدايتها وحتى الآن، والتي ترصد التطور الاجتماعي الذي يحدث للخادمة، والأدوار التي تؤديها في المجتمع المصري، والأسرة كوحدة مصغرة للمجتمع.

أجنبيات في سوق”النخاسة”

“كانت أمي تبكي بعد أن ذهبت الخادمة الهندية”، بهذه الكلمات بدأت منال السيد حديثها، وهي صاحبة مجموعة من المحال التجارية في مجال تأجير فساتين الأفراح، وعندما تعرضت والدتها لوعكة صحية، نصحها الأطباء بضرورة وجود مرافقة لها بشكل دائم.

ولأن ظروف عمل “منال” لا تسمح بوجودها بشكل دائم، طرقت أبواب شركات توظيف العاملات بالمنازل، وكان لها تجربة مع العاملة المصرية، تقول عنها” العاملة المصرية بها مميزات كثيرة، ولكن عيوبها أكثر من مميزاتها، أقلها عدم الالتزام بالمواعيد، وأصرارها علي تنفيذ ما تريد”.

 وعندما فشلت هذه التجربة، نصحها صاحب أحد مكاتب تشغيل عاملة أجنبية، وأحضر لها سيدة هندية، كانت تتقاضي حوالي 5000 ألاف جنيه شهريًا، وقضت مع والدتها حوالي عام ونصف العام، وعندما عادت إلي وطنها، حزنت والدتها ووصل الحال أنها كانت تبكي عليها.

تصف “منال” تجربته العاملة الهندية، بقولها:” كانت ملتزمة للغاية في مواعيدها، لديها إدراك وتنفذ ما يقال لها، نظيفة وتؤدي عملها في صمت شديد، وفوق كل هذا أمينة للغاية”، كل هذه المواصفات جعلتها والدة منال تتمسك بها لولا عودتها لبلدتها.

في بداية عمل الخادمات الأجانب، كانت تتخذهن بعض الأسر كواجهة اجتماعية، خلال فترة الثمانيات، وكان أغلبهن من دولة الفلبين، ولكن مع مرور الوقت، اثبتن كفاءة كبيرة بالسوق المصري، وأصبحت بعض الأسر المصرية الراقية لا تستغن عنهم.

وتتربع الفلبينيات والإندونيسات على قمة هرم الخادمات الأجانب بمصر، ويحصلن على أجر يتراوح ما بين 750 إلي 1000 دولار شهريًا، ومن الممكن أن تتعد أجورهن هذا المبلغ، بحسب خبرتها وساعات العمل، واللغات التي تجيدها.

ويأتي بعدها مباشرة الخادمات النيجيريات، ويصل أجرهن إلي 7500 جنيه شهريًا، يليهن الأثيوبيات والإريتريات، وتصل أجورهن إلي 6000 ألاف جنيه شهريًا، ومؤخرًا دخلت الخادمة الهندية سوق العمل ولكن بأعداد قليلة، ويصل أجرها لحوالي 5000 ألاف جنيه مصري.

وتفضل الأسر الاستقراطية المصرية والطبقات العليا، إحضار الخادمة الأجنبية، لما تتمتع به من مميزات، أهمها النظافة والأمانة والعمل، والأكثر من ذلك عدم أجادتها للعربية، وهو ما يحافظ أسرار المنزل، وهي جميعها أسباب أثرت علي العاملة المصرية، التي تعمل بلا حقوق ولا ضمانات، في ظروف صعبة جعلتها غير مفضلة لدى فئات معينة.

بدأت ظاهرة الخادمة الأجنبية في الثمانيات، خلال فترة الانفتاح الاقتصادي، وزيادة طلب بعض الأسر عليها بعد العودة الخليج، وكانت الخادمة الفلبينية، أول من خاض هذه التجربة بمصر.

ورصدت السفارة الفلبينية خلال هذه الفترة، الكثير من الخادمات اللاتي عملن بمصر، بعد تعرضهن للضرب والإهانة والاستغلال الجنسي، وعدم حصولهن علي رواتبهن.

وظهرت خلال هذه الفترة سماسرة أو نخاسين، لاستقدام الخادمات الفلبينيات، ووفقًا لسجلات أجهزة الأمن المصرية وقتها، أدرج مكتب الهجرة الفلبيني، علي القائمة السوداء، مواطنين مصريين ومنعهم من دخول الفلبين، بعد ثبوت ممارستهن بإدخال الفتيات الفلبينات لمصر للعمل كخادمات.

ومع زيادة الطلب علي الخادمات الأجانب بمصر، دخل سوق العمل خادمات من أندونيسيا، ودول أفريقيا مثل أثيوبيا والصومال ونيجيريا وجنسيات أخرى، يتعرض بعضهن للاستغلال، وهو ما أدى لمشاكل مع سفارتهن.

ويتولى إحضار هؤلاء الفتيات أو الخادمات، مكاتب خاصة بشكل خفي، عن طريق سماسرة في الغالب أجانب، للتحايل على القانون المصري، الذي يمنع استقدام الخادمات الأجانب للعمل، إلا من خلال صاحب العمل نفسه، وأثباتها على جواز سفره، ويعتبر بمثابة كفيل لها.

 بعد أن يتقدم بطلب لإدارة تراخيص الأجانب بوزارة القوى العاملة والهيئة العامة للاستثمار، بترخيص عمل لمدة 10 أشهر فقط، والحصول على تصريح إقامة من وزارة الداخلية وتسديد رسوم ضرائب يتحملها صاحب العمل.

ولذا يلجأ السماسرة أو أصحاب مكاتب خاصة، للعمل في الخفاء للتحايل علي القانون لتهريب الخادمات الأجانب، عن طريق دخولهن بتأشيرات سياحية يتم تجديدها.

أو إثباتهن على جوازات بعض الأجانب والعرب القادمين لمصر، أو أصحاب عمل مصريين والحصول على تراخيص لجلبهن، بعدها يتم تشغليهم لدى الأسر المصرية، أواستغلالهن في أعمال أخرى منافية للقانون.

وضبطت أجهزة الشرطة المصرية، الكثير من هؤلاء الفتيات، أثناء استغلالهن في أعمال منافية للقانون، أو انكشاف أمرهن عندما تتعرض المنازل اللاتي يخدمن فيها لحوادث، ويتم ترحيلهن لبلدانهن.

كما تم ضبط أفرد بعض العصابات، التي تجلب هؤلاء الفتيات للخدمة المنازل أو استغلالهن، ومعظمهم من العرب والخلجيين، الذين يترددون على مصر، ويحضرون هؤولاء الفتيات، ويتركهن لسماسرة بمصر للعمل كخادمات أو في أعمال أخرى.

الحماية القانونية 

إذا كانت العاملة الأجنبية تتمتع بحقوقها كاملة، وتفضلها بعض الأسر والفئات، إلا أنه علي العكس فإن العاملة المصرية محرمة من جميع حقوقها، ما يجعلها عرضة للاستغلال، لاسيما أن قانون العمل رقم أن قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 في المادة الرابعة، يحرم “الخدمة المنزلية” من مظلة الحماية القانونية.

وتقول رئيس جمعية النشاط النسائي عن هذا”عدم وجود عقد بين طرفي العمل، يفتح الباب لكثير من التجاوزات، فالعاملة متهمة بالتقصير وعدم النظافة وأشياء كثيرة، وفي بعض الأحيان بعدم الأمانة، في المقابل فإن بعض ربات المنازل يستغلهن، في أعمال إضافية دون إعطائهن حقوقهن.

وتضيف رئيس الجمعية، في كثير من الأحيان، تطلب ربة المنزل من العاملة باليومية القيام بأعباء إضافية، مثل الطبخ أو تنظيف السجاد أو غسل الحوائط، وهي أعمل غير مكلفة بها، وهو ما ينهكها دون جدوى أو مقابل مادي، وعندما تتعرض العاملة للمرض أو إصابة عمل لا تجد من يعيلها أو يكفلها، فلا يوجد لها تأمين صحي أو اجتماعي.

وتوضح أن الجمعية نجحت بعد الثورة، في التوصل لاتفاق مع القوى العاملة واتحاد عمال مصر، وتم إدراج العاملات بالمنازل بنقابة العمالة غير المنتظمة، وحاولنا التأمين عليهن ولكن فشلت هذه المحاولات.

وقدمت النائبة نشوى الديب، مؤخرا بمشروع قانون لحماية العاملات بالمنازل، يتضمن 42 مادة تنظم العمالة المنزلية وتضع التزامات على أطراف العمل، كما تنظم مكاتب التشغيل والأجور وكيفية فض المنازعات.

ويخضع تحت مظلة القانون، العمالة المنزلية مثل “الجناينى والبواب والسفرجي وجليسة المسنين والأطفال”، وهي مهن غير منتظمة لا توجد لها حقوق أو تأمينات.

وقال كمال عباس، المنسق العام لدار الخدمات النقابية، إن قانون العمل السابق والحالي، لا يتطرق لعاملات المنازل، وهو أحد القطاعات العمالة غير المنتظمة، التي تسعي القوى العمالية لتنظيمه، وإدخاله تحت مظلة التأمين الاجتماعي والصحي.

وأضاف منسق دار الخدمات النقابية، في تصريحات لـ” مصر 306″، إن حجة الجهات التنفيذية بوزارة القوى العاملة، إن تطبيق قانون العمل عليهم، يستلزم وجود ضبطية قضائية للتفتيش عليهم في مكان عملهن بالمنازل، وهو ما يعتبر اقتحام للخصوية، وفي حالة تقدم العاملة بشكوى لمكتب العمل بتضررها، يعتبر إفشاء لأسرار عائلية.

ويعتبر “عباس” إن ذلك كله مجرد حجج واهية، ويمكن التغلب عليها، بوضع قوانين لتنظيم العمالة غير المنتظمة، ومن ضمنهم عاملات المنازل، لضمان حقوقهم في حالة العجز، لاسيما أن العاملة بالمنزل من أكثر الفئات المعرضة للإصابة أثناء عملها وضياع حقوقها.

وأضح إلي أن المشكلة الأساسية، تكمن إن العاملة بالمنزل باليومية، لايوجد لها عنوان عمل ثابت، وهو ما يمكن حله بفتح تراخيص لمكتب تشغيل عاملات المنازل، أو التأمين الشخصي علي العاملة نفسها، وهذا كله يندرج تحت بنود محددة لدخول العمالة غير المنتظمة تحت مظلة قانون العمل، الذي لا بد أن يشملهم ويطبق عليهم.

وفيما يتعلق بالعاملات بالمنازل الأجنبيات، لفت منسق الدار، إلي أن الخادمات اللاتي يحضرن من الخارج، يعاملن معاملة العمالة الأجنبية، وتضمن لهن سفارتهن حقهن، ووضعهن في القانون أفضل من العاملة المصرية، وذلك لا يعتبر اتجار في البشر، إذا لم يتم استغلالهن في أعمال أخرى.

وقالت الدكتورة هدى بدران رئيس اتحاد نساء مصر، وعضو المجلس القومي للمرأة سابقًا، إن العاملات بالمنازل عليهن واجبات ولهن حقوق، والقضية يوجد بها أطراف كثيرة، فربة المنزل التي تستعين بعاملة لمساعدتها، لها حقوق أيضًا لا يجب أغفالها.

وأضافت رئيس اتحاد نساء مصر، لـ”مصر 360″، بأن عدم التزام العاملة المصرية، جعلت الأسر تستعين بعاملات أجنبيات من الفلبين وأندونيسا وأفريقيا، يحصلن علي رواتبهن بالدولار، موضحة أن هناك شكاوي كثيرة من العاملة المصرية، مثل عد الالتزام، والانصياع للأوامر، وعدم أداء العمل بالشكل المطلوب.

وأكدت، أن ذلك لا يمنعهم من حقوقهم بالدخول تحت مظلة قانون العمل، والتأمين الاجتماعي والصحي، لاسيما أن أغلبهن بلا عائل، مطلقات وأرامل ومعيلات، مشيرة إلي أن العلاقة بين العاملة وربة العمل علاقة حقوق متبادلة والتزام، ويجب الدولة أن تتدخل لضمان شكل هذه العلاقة.

وطالبت، ربة العمل بمعاملة العاملة كأنسانة لها حقوق، وفي المقابل طالبت العاملة بالالتزام والجدية، مؤكدة أنه لا بد من وجود قانون ينظم هذه العلاقة بشكل صحيح.