يزداد ضحايا “الاتجار بالبشر” أو “الرق الحديث” كل يوم بصورة مرعبة، و ظهرت مؤخرا عصابات منظمة تتاجر بالبشر وبأعضائهم البشرية استغلالاً لحاجتهم وفقرهم، ما جعل الاتجار بالبشر ظاهرة عالمية تؤرق المجتمعات والسلطات المجتمعية.

sss

منظمة الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات المدنية كثفت جهودها للوقوف في وجه هذه الظاهرة العالمية والتجارة الرابحة، التي تتعارض مع أبسط حقوق الإنسان والإنسانية

ووفقاً لبروتوكول الأمم المتحدة، فإن الاتجار بالبشر يعني “تجنيد الأشخاص أو نقلهم أو إيوائهم أو استقبالهم بغرض الاستغلال”، ويتم ذلك عادة من خلال “التهديد بالقوة واستخدامها وغيرها من أشكال القسر والاختطاف إضافة إلى الاحتيال والخداع وإساءة استخدام السلطة واستغلال عجز معين” .

ويتواجد أشهر مواطن تجارة البشر في العالم، في جزيرة قبرص، أوربا الغربية، ألمانيا، واليابان،حيث يتم استغلال الفتيات والنساء في شبكات الدعارة والاستغلال الجنسي .

مصر والاتجار بالبشر

ووفق أحدث تقارير الاتجار بالبشر، والصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية، لعام 2019، و على مدار الخمس سنوات الماضية، يستغل المتاجرون بالبشر الضحايا المحليين والأجانب في مصر، كما يستغل المتاجرون ضحايا مصريين في الخارج، ويتعرض الأطفال المصريون للإتجار لأغراض الاستغلال الجنسي والعمالة القسرية اثناء الخدمة المنزلية، والتسول في الشوارع، والاتجار بالمخدرات، والعمل الزراعي، كما يقوم المتاجرون، بمن فيهم بعض أولياء الأمور، على إجبار الأطفال المصريين على التسول في شوارع القاهرة والجيزة والإسكندرية أو استغلال الفتيات في الاتجار بالجنس. 

وأفادت منظمات غير حكومية أن انعدام الفرص الاقتصادية والتعليمية هي بمثابة عوامل خطر بالنسبة للوالدين تدفعهم لاستغلال أطفالهم، وخاصة الفتيات، وتحدث السياحة بدافع ممارسة الجنس مع الأطفال بصفة أساسية في القاهرة، والإسكندرية، والأقصر.

ويزعم التقرير أن أفراد من منطقة الخليج العربي، بما في ذلك الكويت والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة يقومون بشراء النساء والفتيات المصريات لغرض الزواج “المؤقت” أو “زواج الصيف” لأغراض الجنس التجاري، ويشمل ذلك حالات من الإتجار لأغراض الاستغلال الجنسي والعمالة القسرية؛ وعادة ما يتم تسهيل تلك الترتيبات عن طريق أهالي الضحايا وسماسرة الزواج الذين يتربحون من تلك الصفقات.

كما يُخضع المتاجرون الرجال والنساء من جنوب آسيا وجنوب شرق آسيا وشرق أفريقيا للعمالة القسرية في الخدمة المنزلية، والبناء، والتنظيف والتسول، وفي عام 2017، ذكر المراقبون وجود زيادة في عدد ضحايا الإتجار من بين المهاجرين من غرب أفريقيا،وإن عاملات المنازل الأجنبيات من بنغلاديش وأرتيريا وإثيوبيا واندونيسيا والفلبين وسريلانكا، اللواتي لا تشملهن قوانين العمل المصرية، يتعرضن بشكل كبير للعمل القسري، إذ يعانين من ساعات عمل طويلة، ومصادرة جوازات سفرهن، واحتجاز أجورهن وحرمانهن من الطعام والرعاية الطبية، كما يتعرضن للإيذاء البدني والنفسي.

وفي عام 2018، أبلغت منظمة دولية عن اتجاه جديد للمواطنات الكولومبيات اللاتي يتم تهريبهن إلى مصر للعمل في صناعة الترفيه؛ وهؤلاء يحتمل تعرضهن للاتجار بالجنس، ولا يزال اللاجئون السوريون الذين استقروا في مصر عرضة بشكل متزايد للاستغلال، بما في ذلك العمل القسري للأطفال، والإتجار لأغراض الاستغلال الجنسي، بما في ذلك الإتجار لأغراض الجنس، والعمل القسري، ويتعرض المهاجرون غير الشرعيين وطالبو اللجوء من القرن الأفريقي، الذين يمرون عبر مصر في طريقهم إلى أوروبا، بشكل متزايد للاستغلال على طول طريق الهجرة هذا.

من عام 2007 إلى عام 2017، أخضعت الجماعات الإجرامية في شبه جزيرة سيناء آلاف المهاجرين الأفارقة للعمل القسري والاستعباد الجنسي والتهريب والاختطاف والابتزاز.

من جهتها، بذلت الحكومة المصرية جهودا ملموسة فى مناهضة جريمة الإتجار بالبشر، وذلك من خلال إرساء إطار تشريعى لمكافحة تلك الجرائم حيث تم إصدار القانون رقم 64 لعام 2010 الخاص بمكافحة الإتجار بالبشر، ووضع تعريفا شاملا للجريمة، وحدد عقوبة مرتكبيها بالسجن المؤبد وغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز 200 ألف جنيه أو بغرامة مساوية لقيمة ما عاد عليه من نفع أيهما أكبر.

كما يكفل القانون المصرى تقديم الحماية ومساعدة المجنى عليهم وإعادة تأهيلهم فى المجتمع، وبخلاف هذا وضعت مصر تشريعا آخر رقم 82 لسنة 2016 لمكافحة الهجرة غير الشرعية، ويعود لهذا القانون الفضل فى إنهاء ظاهرة الهجرة غير الشرعية، حيث لم يتم رصد أى إبحار لمراكب تحمل مهاجرين غير شرعيين من السواحل المصرية منذ سبتمبر 2016.

وخلال عام 2019 حققت الحكومة المصرية فى 78 جريمة إتجار بالبشر، أحالت الحكومة 44 حالة للمقاضاة، ووفقا لأحدث تقارير الاتجار بالبشر لعام 2019، فإن الحكومة المصرية أفادت بأنها أصدرت أحكاماً بالإدانة فى 11 قضية اتجار فى عام 2018، مقارنة بإدانة ثلاثة متاجرين فى عام 2017 حكم عليهم بالسجن لمدة تتراوح بين أربع وعشر سنوات. وفى مارس 2019، ذكرت وسائل الإعلام أن الحكومة أدانت 40 شخصا فى قضايا إتجار بالبشر، وتلقى هؤلاء الجناة أحكاماً بالسجن لمدة تتراوح بين 3 و16 سنة.

وأشار التقرير أيضا إلى أن مصر تحتل المرتبة الثانية عالميا للعام الثانى على التوالى فى مكافحة الإتجار بالبشر، مما يعكس الجدية التى تتعامل بها مع هذا الملف، وبخلاف كل هذا شمل التقرير نجاح مصر فى الانتهاء من دار الإيواء الخاصة بتأهيل ضحايا الإتجار نفسيا، وتدريب العاملين فيها على مستوى عال من الكفاءة، مما يتناسب مع هذه الفئة التى وقعت فى براثن هذه الجريمة النكراء.

دار إيواء

وفي مارس من العام الجاري، أكد مساعد وزير الخارجية للشئون متعددة الأطراف والأمن الدولي، إيهاب فوزي ،أنه يجري العمل على الانتهاء من تجهيزات أول دار إيواء لضحايا الاتجار بالبشر في مصر، تحت إشراف وزارة التضامن الاجتماعي بالتنسيق مع اللجنة التنسيقية والمجلس القومي للطفولة والأمومة، مشيرا إلى أن مجلس الوزراء انتهى من إعداد مشروع قرار إنشاء «صندوق لمساعدة ضحايا الاتجار بالبشر»، وذلك وفقاً للمادة رقم (27) من القانون رقم 64 لعام 2010 بشأن مكافحة الاتجار بالبشر.

وأضاف أن ظاهرة الهجرة غير الشرعية تمثل تحديا مشتركاً لكافة الدول، لا سيما في الشرق الأوسط وأفريقيا خاصة على ضوء غياب حلول فاعلة للأسباب الجذرية التي تدفع الأفراد نحو ترك أوطانهم والمخاطرة بحياتهم بحثا عن فرص أفضل للحياة، إلا أنهم غالبا ما يقعون فريسة لشبكات الجريمة المنظمة العابرة للحدود كضحايا لتهريب المهاجرين أو الاتجار بالبشر.

وقالت غادة والي، وكيل السكرتير العام للأمم المتحدة ورئيس منظمة الأمم المتحدة للجريمة والمخدرات بفيينا، في بيان، بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، أن ثلث المتعاطين للمواد المخدرة تقريبًا من النساء في حين أن عدد النساء اللاتي يمكنهن الحصول على العلاج الذي يحتاجون إليه أقل بكثير من الرجال وأن ما يقرب من 75% من ضحايا الإتجار بالبشر المكتشفين من النساء والفتيات.

قطر وإدنات دولية

وفي مارس من العام الجاري، أدان تقرير لوزارة الخارجية الأمريكية حول ظاهرة الاتجار بالبشر على مدار السنوات الخمس الماضية، النظام القطرى مؤكدا أن قطر هى بلد المقصد للرجال والنساء الذين يتعرضون للعمل القسرى، وبدرجة أقل بكثير، الاستغلال الجسدى القسرى.

وبحسب التقرير يهاجر رجال ونساء من نيبال والهند وباكستان وبنجلاديش والفلبين وإندونيسيا وسريلانكا والسودان وكينيا ونيجيريا وأوغندا ودول أخرى طوعا إلى قطر كعمال وعاملين فى المنازل، وغالبا ما يدفعون رسوم غير قانونية باهظة إلى عديمى الضمير من مقاولين العمال فى البلدان المرسلة للعمالة، ما يتسبب فى زيادة تعرضهم للديون، وبحسب التقرير فالعاملات المنزليات هن الفئة الأكثر ضعفا من العمال الأجانب فى الخليج، حيث تعمل أكثر من 174 ألف عاملة منزلية فى قطر.

وردا على الأخبار التى أعلنتها الحكومة القطرية فى أكتوبر 2019 بأنها ستقدم تشريع لإصلاح برنامج الكفالة التعسفى، قال نائب مدير القضايا العالمية فى منظمة العفو الدولية ستيفن كوكبرن: “لطالما طالبنا بإنهاء نظام الكفالة المسىء فى قطر، وستكون خطوة كبيرة إلى الأمام إذا سمحت هذه التدابير للعمال فى النهاية بالعودة إلى ديارهم أو تغيير وظائفهم دون قيود.سنقوم بمراقبة تفاصيل هذا الإعلان عن كثب والدفع باتجاه تنفيذ أى تدابير إيجابية بسرعة وكاملة”.

ضحايا الاتجار

تزداد حالات الاتجار بالبشر التي يتم الإبلاغ عنها من قبل الأمم المتحدة، ففي عام 2016 تم الكشف عن حوالي 25 حالة إتجار من هذا النوع حسب مكتب المنظمة الدولية المعني بالمخدرات والجريمة في فيينا، ويفوق هذا الرقم بكثير أرقام السنوات الماضية، وترجع الأمم المتحدة هذا الارتفاع في الأعداد إلى التحري الأفضل عن هذا الموضوع، إذ أظهرت مقارنة بيانات في 45 دولة ارتفاعا بنسبة 39 بالمئة في حالات الإتجار بالبشر مقارنة بعام 2011.

ووفقا للأمم المتحدة، فإن معظم ضحايا الإتجار بالبشر، أي حوالي 60 بالمئة منهم، يتم استغلالهم جنسيا، وتصدرت أمريكا قائمة الدول التي يقوم فيها تجار البشر باستغلال الضحايا جنسيا، وتضم القائمة أوروبا وجنوب شرق آسيا أيضا، ووفقا للتقرير فإن ثلث ضحايا الإتجار بالبشر أجبروا على العمل، وهذا النوع من استغلال ضحايا البشر منتشر بكثرة في إفريقيا والشرق الأوسط، ويعد التسول وأخذ الأعضاء بشكل غير قانوني هو نوع أخر من أنواع استغلال ضحايا الإتجار بالبشر، وفق تقرير الأمم المتحدة.

تعد نسبة النساء هي الأعلى ضمن ضحايا الإتجار بالبشر، إذ تبلغ نسبتهن 49 بالمئة. بينما تبلغ نسبة الفتيات 23 بالمئة، وبحسب التقرير، فإن أغلبيتهن يتعرضن للاستغلال الجنسي، بينما يتم استغلال الرجال من خلال تشغيلهم بأعمال شاقة، وبحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، فإن 28 بالمئة من ضحايا الإتجار بالبشر في جميع أنحاء العالم هم قاصرون، علما أن الفقراء واللاجئين من ضمن الفئات الأكثر عرضة للاستغلال من قبل مهربي البشر.

وتقدر منظمة العمل الدولية (ILO) أنه يوجد حاليًا 25 مليون من ضحايا الاتجار بالبشر حول العالم،ويبقي الدافع وراء الاتجار، بصرف النظر عن نوع الاتجار بالبشر الذي يشتركون فيه، هو المال، في كل عام ، تحقق أعمال الاتجار بالبشر على مستوى العالم أرباحًا تقدر بنحو 150 مليار دولار، وفقاً لمنظمة العمل الدولية.

نيجيريا “بؤرة” الاتجار بالبشر

فى السنوات الأخيرة، اشتدت هجمات جماعة بوكوحرام الإرهابية على الولايات والمدن النيجيرية، وأسفرت عن مقتل آلاف المواطنين، وخلفت دمارا شاملا طال اقتصاد البلاد، فازدادت نسبة الفقر وكثرت الجرائم المرتكبة ضد النساء والأطفال من عمليات أسر واختطاف واغتصاب، فاستغل بعض المخالفين للقانون ذلك وبدأوا فى استقطابهم ودفعهم للخروج من موطنهم بحجة كسب الرزق وهربا من الوضع المتأزم فى بلادهم.

فضًلا عن أن نيجيريا هى بلد المُصدر والعبور والمقصد، عندما يتعلق الأمر بالإتجار بالبشر، حيث تحتل مرتبة متقدمة فى قائمة الدول الأفريقية التى لديها أكبر نسبة عبيد، وفقا لأحدث تقرير لمؤشر العبودية العالمية فى 2018 بالإضافة إلى أن تلك التجارة تعد ثالث أكثر الجرائم انتشاراً فى نيجيريا بعد الإتجار بالمخدرات والاحتيال الاقتصادى، وفقا لتقرير منظمة اليونسكو عام 2006.

ولكن مع ذلك لا يوجد حصر دقيق للعدد الإجمالى لضحايا الاتجار بالبشر خارج نيجيريا، على الرغم من أن نيجيريا تُدرج بصورة روتينية، كأحد البلدان التى يوجد بها أكبر عدد من ضحايا الاتجار فى الخارج، خاصة أوروبا، حيث تم تحديد ضحايا تلك العمليات فى أكثر من 40 دولة عام 2017 وفقا لأحدث تقارير المنظمة الدولية للهجرة.  

خبراء

 أوضح الخبير الحقوقي، أحمد محسن، أن الإتجار بالبشر أو “العبودية الحديثة” يتخذ أشكالًا عدة مختلفة عن المفهوم السائد، وهي مثل الزواج القسري، والأشخاص أصحاب الديون، والعمل القسري، والتسول وغيرهم، مشيرًا إلى أن زواج القاصرات والأطفال يندرج تحت جريمة الإتجار بالبشر .

وقال لـ مصر 360، أن هناك جرائم تحتاج إلى تنظيمات إجرامية دولية لارتكابها وتخترق أجهزة دول مثل تجارة السلاح وهى الأكثر ربحا على مستوى العالم وتتخطى الحدود الوطنية وتخترق مخابرات دول، يليها فى جنى الأرباح تجارة المخدرات، ثم الإتجار فى البشر فى المركز الثالث.

وتابع :أن مكافحة هذه الجرائم لا تقع على عاتق الحكومات والمؤسسات الجولية فقط، بل  من المهم أن تمكن المنظمات غير الحكومية ومنظمات حقوق الإنسان بوجه خاص في تقديم المساعدة والعون القانوني لضحايا الاتجار في البشر.

وأضاف :أن تلك الظاهرة عابرة للحدود يجب أن يتم العمل عليها في دول المصدر التي تخرج منها حالات الهجرة غير الشرعية ودول العبور، كما نتمنى أن يشمل التنسيق المنظمات غير الحكومية والمجالس الوطنية المعنية في تلقي الشكاوى وفحصها، وتقديم العون للضحايا، لافتًا إلى أن هناك.

أقرأ أيضا

“المحبوسون احتياطيا”يحلمون بالحرية..زحف “كورونا” يقلق “حقوق الإنسان”

/ar/civil-society/2020/03/26/301/%22%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AD%D8%A8%D9%88%D8%B3%D9%88%D9%86-%D8%A7%D8%AD%D8%AA%D9%8A%D8%A7%D8%B7%D9%8A%D8%A7%22%D9%8A%D8%AD%D9%84%D9%85%D9%88%D9%86-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D9%8A%D8%A9..%D8%B2%D8%AD%D9%81-%22%D9%83%D9%88%D8%B1%D9%88%D9%86%D8%A7%22-%D9%8A%D9%82%D9%84%D9%82-%22%D8%AD%D9%82%D9%88%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%86%D8%B3%D8%A7%D9%86%22