قابت صحيفة «نيويورك تايمز»، في تقرير لها نُشر مؤخرا، إن وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون» أعدت خطة لتصعيد العمليات القتالية ضد «كتائب حزب الله» في العراق، وأن «البنتاجون» أصدرت أمرًا للقيادة المركزية والقوات الأمريكية في العراق بوضع استراتيجية لـ «تدمير» الجماعة الشيعية والتنظيمات المسلحة المنبثقة عنها، المدعومة من إيران، وعلى رأسها تنظيم «عصبة الثائرين»، الذي تبنى مؤخرًا عددًا من الهجمات الصاروخية على قوات التحالف الدولي لمحاربة «داعش».

sss

ما هو تنظيم «عصبة الثائرين»، ؟ كيف تم تأسيسه ليخوض حربًا إيرانية بالوكالة ضد قوات الولايات المتحدة وحلفائها في العراق؟، وما هو الغرض من إنشاء هذا التنظيم الجديد المرتبط عضويًا بكل من «الحرس الثوري» الإيراني و«حزب الله» اللبناني؟.

 

البيان الأول لـ «العصبة»

في منتصف مارس الماضي، ظهر مسلح ملثم تابع لـ «عصبة الثائرين»، وقرأ أول بيان للتنظيم، تبنى فيه الهجمات الصاروخية التي استهدفت معسكر «التاجي»، عبر هجومين منفصلين بصواريخ «الكاتيوشا»، أسفرا عن مقتل جنديين أمريكيين ومجندة بريطانية، وجرح عددٍ آخر من العاملين المدنيين في بعثة «التحالف الدولي لمكافحة تنظيم داعش»، بقيادة واشنطن.

 

البيان الأول لـ «العصبة»، أكّد أن القصف هو «البداية في سياق الرد على اغتيال واشنطن نائب رئيس«هيئة الحشد الشعبي»، أبو مهدي المهندس، وقائد «قوّة القدس» في «الحرس الثوري» اللواء قاسم سليماني، في محيط مطار بغداد مطلع العام الجاري، مؤكدًا أن هذا الرد سيأخذ «مسارًا تصاعديًّا ينتهي بجلاء قوات الاحتلال».

 

هكذا، سعت جماعة «حزب الله» في العراق إلى الخروج من حالة الاستهداف المتكرر لعناصرها ورموزها من قبل الأمريكيين، عبر استحداث تنظيمات جديدة على الساحة العراقية كان آخرها «عصبة الثائرين»، لتلافي حالة الاستهداف الأمريكي له، ولإحداث نوع من التمويه والمراوغة.

اقرأ أيضًا: العراق.. تجميد أموال 84 شخصا وكيانا بتهمة «تمويل الإرهاب»

وذكرت وسائل إعلام لبنانية أن عددًا من كبار القادة في «حزب الله» أعادوا خلال المرحلة الماضية «هيكلية» العمل «المقاوم»، إذ أسّسوا «مجاميع» جديدة تعمل بسرّية لتكثيف ضرباتها المؤلمة ضد القوات الأمريكية، غير أنها مرتبطة عضويًا بـ«فيلق القدس» التابع لـ «الحرس الثوري».

تأسست «العصبة» على أيدي محمد الكوثراني، مسؤول ملف العراق في «حزب الله» اللبناني، لاستهداف الأمريكان في العراق بواسطة تنظيم جديد غير معروف إعلاميًا

ووفق هذه المصادر، فقد تم تأسيس «العصبة» على أيدي محمد الكوثراني، مسئول ملف العراق في «حزب الله» اللبناني، لاستهداف الأمريكان في العراق بواسطة تنظيم جديد تمامًا وغير معروف إعلاميًا، وذلك لإبعاد الشبهة عن جماعة «حزب الله» العراقية، ولتجنب قصف الأمريكيين معسكرات الجماعة. وأوكل «الكوثراني» مهمة إنشاء هذا التنظيم الجديد إلى كل من حسين المالكي وأبو زهراء السلطاني، وهما من أكثر الشخصيات الميدانية بروزًا في الجماعة العراقية، مهمة إنشاء وقيادة التنظيم الجديد.

واستطاع التنظيم حشد ما يقارب 3000 مقاتل أصبحوا على أهبة الاستعداد، وسيعملون على استهداف المصالح الأمريكية في الداخل العراقي. وتمّ بالفعل منذ منتصف مارس حتى الآن تنفيذ 3 هجمات صاروخية على القوات الأمريكية في معسكري «التاجي وبسمايه»، باستخدام المنصات الصاروخية.

ويمكن أن تطال عمليات الاستهداف التي تخطط لها «عصبة الثائرين»، مصالح أمريكية حيوية خارج العراق، غير أن اعتماد التنظيم الجديد سيكون بشكل أساسي على أسلوب القصف الصاروخي، حيث تمّ تدريب عناصره على أعلى التدريبات العسكرية خصوصًا ما يتعلق بهذا النوع من الهجمات المدمرة.

 

ويمتلك التنظيم عددًا كبيرًا من مختلف الصواريخ الباليستية الموجهة قصيرة المدى، من طرازي «القاهر» و«البركان» الإيرانيّين، وهي صواريخ ذكية قصيرة المدى، وصواريخ أخرى تحت عدة طرازات قديمة مثل «الكاتيوشا» الروسي، إضافة إلى العشرات من الطائرات المسيرة الإيرانية «من دون طيار» من نوع «رقيب».

التنظيم حشد ما يقارب 3000 مقاتل أصبحوا على أهبة الاستعداد، سيعملون على استهداف المصالح الأمريكية في الداخل العراقي

ويعتمد التنظيم في مهاراته على تدريبات ومناهج «حزب الله» اللبناني، وخصوصًا مدرسة عماد مغنية، و‫منهاج «المجاميع الخاصة» الصغيرة من المسلحين، الذي يركز على أساليب العمل الأمني، والاختراق الاستخباراتي وصناعة غطاء قانوني للحركة والتنقل، هربًا من الاستهداف الأمريكي المحتمل.

عودة «فرق الموت»

يقول زياد السنجري المحلل السياسي العراقي، إن هذا التنظيم يأتي في سياق متغيرات محددة في الواقع السياسي والأمني العراقي، الذي تمثل في زيادة الاستهداف والقصف الأمريكي للأذرع والفصائل الإيرانية، وعلى رأسها معسكرات الحشد الشعبي وحزب الله ورموزها وعناصرها في العراق.

ويضيف السنجري أن التنظيم الجديد يهدف إلى تصعيد المعركة مع الأمريكيين، من دون الدخول في صدام مباشر معهم أو محاولة استفزازهم، كما يهدف التنظيم إلى تنفيذ عمليات ضد المصالح الأمريكية دون أن يكون هناك ذكر أو ارتباط لجماعة «حزب الله» العراقية، مشيرًا إلى أنّ التنظيم سيعتمد في تكتيكاته وأساليبه القادمة على الهجمات الصاروخية للمعسكرات والمصالح الأمريكية في العراق، وعلى استهداف السفارة الأمريكية والمنطقة الخضراء بشكل خاص.

اقرأ أيضًا: السفارات الأمريكية في المنطقة.. تاريخ من الاستهداف

من جانبه، يؤكد هشام الهاشمي الخبير الاستراتيجي العراقي، أن «تنظيم (عصبة الثائرين) يُعيد منهج الجماعات الخاصة عام 2007 والتي عرفتها الأبحاث المختصة بـ «فرق الموت» والتي كانت مجموعة من خلايا راديكالية شيعية تعتقد أن الحل بالمقاومة والسلاح، وقتال القوات الأمريكية بوسائل الحرب الهجينة أو حرب العصابات أو قتال الشوارع، وصولًا إلى عمليات التصفية الجسدية للمتعاونين مع القوات الأمريكية، بما في ذلك موردي الأغذية والمقاولين العراقيين الذين يعملون لحساب هذه القوات، خلال الفترة المقبلة».

خبير استراتيجي عراقي: “عصبة الثائرين” يُعيد منهج الجماعات الخاصة عام 2007 والتي عرفتها الأبحاث المختصة بـ «فرق الموت»

وفي هذا السياق، تداولت بعض وسائل الإعلام المحلية العراقية أواخر مارس الماضي، معلومات عن «قائمة اغتيالات» أعدتها العصبة، وتتضمن هذه القائمة المزعومة بيانات تفصيلية عِنْ كل المُتعاقدين معَ السفارةِ الأمريكية، من ضُباطِ وسياسيين ونوّاب ومسؤولين وناشطين ونُخب عراقية مُختلفة. وبحسب هذه المعلومات فإن «عصبة الثائرين» في انتظار ساعة الصفر لبدءِ أعمال تصفية جسدية سريعة وواسعة لمئات مِنْ هؤلاءِ الذين تعتبرهم الميلشيات الشيعية في العراق «عملاء لأمريكا» ينبغي القضاء عليهم، ضمن الحرب غير المعلنة مع واشنطن.

ويساعد استخدام هذه الوسائل تنظيم «عصبة الثائرين» على إثبات حضور شبحي، ومسئوليتها عن استهداف المعسكرات والقواعد المشتركة، وبذلك يحمي الفصائل الأخرى من المطاردة الأمريكية.

ويرى بعض المراقبين أن «عصبة الثائرين» سوف تستمر في استهداف القوات الأمريكية والتحالف الدولي، وهي لا يعنيها قتل الكثير منهم، وإنما استفزازهم برد غير مدروس ينتج عنه أخطاء غير مقصودة تنتهي بقتل قوات أمنية أو عسكرية أو مدنية عراقية، صناعة الرفض والتذمر الشعبي من الوجود الأجنبي.

 

في المقابل، سوف تتورط الولايات المتحدة وفق المعلومات التي كشفت النقاب عنها «نيويورك تايمز»، في الرد العسكري، الأمر الذي يزيد من السخط الشعبي العراقي، وقد تلجأ واشنطن إلى عمليات شبحية غير معلن عنها تنسب إلى جهات مجهولة، مثلما يحدث في الأراضي السورية من اغتيالات لقيادات في «الحرس الثوري» من دون تبني جهة ما، أو استخدام تكتيك صيد «الدرونز»، أو اللجوء إلى نقل القوات الأجنبية في المناطق الغربية والشمالية من العراق حيث السنة والكرد، وإعادة تجهيز وتدريب وتمويل قوات تلك المناطق، من أجل حماية الوجود الأمريكي الذي سيكون أكثر تحصينًا.