لفتت مشاركة النساء في الاحتجاجات السياسية الأخيرة في المنطقة العربية أنظار العالم، من السودان إلى الجزائر غربا، وشرقا من العراق إلى لبنان. كما تميز اليوم العالمي للمرأة هذا العام بالظهور اللافت للنساء في الاحتجاجات، وكانت مشاركتهن جزءا من السخط العام من أنظمة الحكم غير فعالة في مقابلة احتياجات المواطنين من الوظائف والخدمات العامة الأساسية، وتردي الظروف المعيشية إضافة إلى تفشي الفساد والمحاصصة الطائفية والتشدد. ورغم ذلك مازالت هناك عقبات تشريعية ومجتمعية وثقافية تقف في وجه تحققهن الكامل والتمثيل المنصف لهن.
sss
السودان
كانت النساء حاضرات كمحرك دافع للاحتجاجات المعارضة لحكم البشير؛ حيث كانت أبرز وجوه الاحتجاجات السودانية هي الطالبة آلاء صلاح، 22 عاما، التي كانت من بين آلاف ممن خرجوا إلى الشوارع في أنحاء السودان احتجاجا على نظام عمر البشير. والتي أصبحت صورتها الشهيرة وهي تقف على سطح سيارة وتشير للأعلى أيقونة متعارفا عليها للاحتجاجات السودانية كما حملت رمزية خاصة للنساء بوجه عام.
وقالت الكاتبة السودانية سارة الحسان للفايننشال تايمز إن آلاء لم تكن الأولى ممن تصدرن الشوارع في هذه الثورة، أو فيما سبقها”.
وكانت النساء في السودان تحت نظام البشير الإسلامي عرضة لعقوبات تتراوح بين السجن والجلد، بموجب ما يدعى قانون قواعد “الآداب العامة”. حيث قدرت منظمات حقوقية أن آلاف النساء قد تعرض للجلد أو الحبس بسبب “التصرفات غير اللائقة” كل عام.
ولم تكن آلاء أولى السودانيات اللاتي يتصدرن الشوارع في هذه الثورة أو ما سبقها، كما قالت الكاتبة السودانية سارة الحسان للفايننشال تايمز، حيث أشارت الصحيفة للتاريخ الطويل للنساء السودانيات من المشاركة والنشاط الاجتماعي والسياسي. فكانت هناك على سبيل المثال لا الحصر خالدة زاهر، أول طبيبة سودانية، والتي اعتقلت وجلدت في 1946 لمعارضتها الاحتلال البريطاني. والتي قامت في 1951 بتأسيس الاتحاد النسائي السوداني، الذي كافح لأجل حق النساء في التصويت والمساواة في الأجور، كما لعبت دورا هاما في الاحتجاجات في الشوارع التي أطاحت بالحكومات الديكتاتورية فيما بين 1964 و1985.
كما أكدت ألاء صلاح في حديثها أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بأن النساء لن يتم تهميشهن في العملية السياسية الرسمية في الأشهر التالية للثورة.
وفي سبتمبر الماضي، أنتج الحراك السوداني الذي لعبت فيه النساء دورا محوريا عن تقلد النساء لأربع حقائب وزارية، حيث عينت السفيرة السابقة أسماء عبد الله وزيرة لخارجية السودان، وانتصار الزين صغيرون، وزيرة التعليم العالي، وولاء عصام البوشي، وزيرة الشباب والرياضة، ولينا الشيخ محجوب، وزيرة العمل والتنمية الاجتماعية.
العراق
أما في العراق خرجت النساء العراقيات للدفاع عن مشاركتهن في الاحتجاجات وضد دعوات الصدر لعدم الاختلاط بين المتظاهرين فيما أصده تحت اسم ميثاق إصلاح الثورة المكون من ثمانية عشر بندا، ووصفت فرانس برس خروجهن بعصيان المرأة العراقية لما نادى به مقتدى الصدر. حيث ظهرت بعض النساء يرتدين الحجاب وبعضهن لا. وكان معظمهن يحملن الزهور، والأعلام العراقية.
وفي حديث مع الشبكة الفرنسية، قالت زينب أحمد طالبة الصيدلة: “نريد أن نحمي دور النساء في التظاهرات كما الرجال. هناك مساعي لطردنا من التحرير لكننا سنعود أقوى فحسب”. وتابعت زينب بالقول إن بعض الأشخاص كانوا يحرضون ضدهن منذ أيام قليلة، ووصفت أنهم كانوا يسعون إلى إبقاء النساء في المنزل أو إبقائهن صامتات. لكنها أضافت أن خروجهن في أعداد كبيرة كان لإثبات لهؤلاء الأشخاص أن مساعيهم ستبوء بالفشل.
ومن جانبه ندد الصدر على حسابه على موقع تويتر بما وصف أنه “الانفلات الأخلاقي في المظاهرات قائلا أن العراق لا يجب أن “تتحول إلى شيكاغو”.
“أياً من كان يتهم النساء بأنهن ضعيفات هو لا يفهم العراق”، كما قالت للأسوشيتد برس المتظاهرة بان جعفر، 35 عاما، والتي أكدت أنهن سوف يتابعن الدفاع عن حقوقهن من خلال التظاهرات والمشاركة في القرار لبناء عراق جديد بعد الاحتجاجات.
ونقلت وسائل الأخبار العالمية خروج المتظاهرات وهن يرفعن أعلام العراق واللافتات بالعربية والإنجليزية؛ ورددن هتافات تدين المداهمات الأمنية الأخيرة ضد المحتجين.
وكانت منظمة حرية المرأة في العراق أصدرت في الثالث من مارس بيانا على موقعها: النساء لن يبقين رهائن تحت القوانين، والممارسات والأعراف البطريركية المعادية للنساء:
حيث رفضت وأدانت منظمة حرية المرأة في العراق أجندة الحكومة العراقية التي وصفت أنها المعادية للمرأة والتي تحاول فرضها. وطالبت النساء العراقيات بالنهوض والوقوف ضد “النظام البطريركي الذي يفرض الفقر على الطبقة العاملة من الشعب والكراهية والتمييز ضد “الأقليات” الدينية والعرقية مثل مجتمعات الأيزيديين والسود في العراق، وخاصة نساء تلك “الأقليات”.
ووثقت منظمة هيومان رايتس ووتش وعدد من المنظمات الأخرى، وقائع اغتصاب، واستعباد جنسي، وزواج بالإجبار من قبل قوات الدولة الإسلامية بحق النساء والفتيات الأيزيديات في الفترة من 2014 وحتى 2017. غير أنه لم يحاكم أفراد الدولة الإسلامية لارتكاب هذه الجرائم تحديدا.
وفيما يتعلق بالقوانين التي تميز ضد المرأة في العراق، قالت هيومان رايتس ووتش في تقريرها لعام 2020، أنه بالرغم من أن منطقة كردستان العراق قد مررت قانونا ضد العنف المنزلي ضد النساء في 2011، إلا أن النساء في عموم العراق لم تتوفر القوانين لحمايتهن من العنف المنزلي. حيث ذكرت المنظمة أن الجهود لتمرير مسودة قانون ضد العنف المنزلي قد توقفت في 2019.
لبنان
استقال رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري وسط احتجاجات واسعة معارضة للحكومة شاركت فيها النساء بقوة، حيث طالب الحراك بإصلاحات اقتصادية، والقضاء على الفساد، وإنهاء نظام المحاصصة الطائفي.
وتقول منظمة هيومان رايتس ووتش أن النساء اللاتي لعبن دورا محوريا في الاحتجاجات التي بدأت في 17 أكتوبر الماضي ما زلن يواجهن تميزا يتضمن عدم المساواة في إجراءات الحصول على الطلاق، وحضانة الطفل، وحقوق الإرث والملكية. فخلافا للرجال اللبنانيين، لا تستطيع النساء اللبنانيات تمرير الجنسية إلى أزواجهن وأطفالهن. كما أنه لا ينص القانون اللبناني على وضع سن أدنى للزواج، حيث فشل القانون اللبناني في تحديد سن الزواج عند 18 عاما.
وتم تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، وضمت تلك الحكومة 6 وزيرات لأول مرة، وأول وزيرة دفاع عربية، إلا أن هذه الحكومة تعرضت إلى رفض كبير من الشارع لانتمائها لنفس تيارات الطبقة السياسية القائمة.
الجزائر
خرجت احتجاجات ضخمة في الجزائر لمعارضة قرار الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة لخوض الانتخابات الرئاسية لفترة خامسة.
وكانت مشاركة النساء الجزائرات، اللاتي لهن تاريخ طويل من المشاركة، لافتة حيث قالت صحيفة واشنطن بوست أن النساء كن مشاركات بعمق في التظاهرات الجزائرية- في اليوم العالمي للنساء وفي كل وقت، وتشير الصحيفة أنه خلافا للسنوات السابقة، اليوم العالمي للمرأة ربما تميز بالاحتجاجات التي شهدت أعدادا غير مسبوقة من النساء والرجال الذين خرجوا في مسيرات في أرجاء المدن الجزائرية للمطالبة بالحرية، والديمقراطية، والكرامة، والشفافية الحكومية والقضاء على الفساد.
كانت النساء في القلب من حركة التظاهرات، إذ شاركن فيها يوما بعد يوم إلى جانب الرجال. ويرى الكثيرون أن مشاركة النساء هي ما أبقى إلى حد بعيد على سلمية التظاهرات.
وأشارت الصحيفة إلى أن آخر احتجاجات كبرى شهدتها الجزائر قبل ذلك كانت في أكتوبر 1988، ضد ارتفاع البطالة وإجراءات التقشف التي فرضتها الحكومة؛ ولوحظ غياب النساء بشكل كبير عن هذه الاحتجاجات. إلا أن الوضع تغير في الاحتجاجات الأخيرة، وشاركن بأرقام غير مسبوقة وقمن بلعب أدوار قيادية.
وتقول واشنطن بوست أن مئات الآلاف من النساء قد استردت الفضاء العام بالانضمام للتظاهرات في مجتمع حيث، تاريخيا، بقيت مواقع وأنشطة معينة حكرا على الرجال.
ويقول تقرير منظمة هيومان رايتس ووتش إنه في حين أن هناك قانون في الجزائر تم تمريره في 2015 يجرم أشكالا من العنف المنزلي، إلا أنه احتوى على ثغرات تسمح بإسقاط التهم أو العقوبات في حال تنازل الضحايا لصالح مرتكبي هذه الاعتداءات. كما أضاف التقرير أن القانون لم يضع أية إجراءات إضافية لمنع الإيذاء أو لحماية الناجين. ويسمح قانون الأسرة الجزائري للرجال الطلاق دون إبداء أسباب بينما يمنع النساء من ذلك ويلزمهن باللجوء إلى المحاكم.
وبرزت العديد من السيدات في الاحتجاجات الجزائرية الاخيرة مثل زبيدة عسول: قاضية سابقة، وهي المتحدث باسم حركة مواطنة التي دعت للاحتجاج السلمي لرفض “عهدة خامسة” للرئيس بوتفليقة، وهي رئيسة حزب الاتحاد من أجل التغيير والرقي؛ أميرة بوراوي والتي كانت في 2014 من المعارضين البارزين لفترة رابعة لبوتفليقة. وهي طبيبة ومؤسسة حركة “بركات” (كفى) للوقف ضد ترشح بوتفليقة لفترة رابعة؛ ولويزة حنون، وهي السكرتير العام لحزب العمال الجزائري، والتي كانت أول امرأة عربية تخوض الانتخابات الرئاسية في 2004.
وضمت حكومة الرئيس الجديد المنتخب عبد المجيد تبون خمس وزيرات: هيام بن فريحة وزيرة التكوين والتعليم المهنيين، ومليكة بن دودة وزيرة الثقافة، وكوثر كريكو وزيرة التضامن الوطني والأسرة وقضايا المرأة، وبسمة أزوار وزيرة العلاقة مع البرلمان، ونصيرة بن حراث وزيرة البيئة والطاقات المتجددة.