يستيقط مروان الطفل الصغر، الذي لم يتجاوز عمره 7 سنوات في الخامسة صباحًا، يمسك بطرف جلباب أمه التي تحمل شقيقته الصغيرة فوق كتفها، يسيرون في دروب وحواري ضيقة، تربط حجرتهم الصغيرة الذين يعيشون فيها بالقرب من المقابر، بفواخير منطقة مصر القديمة، لتبدأ الأسرة عملها ويوم جديد من الشقى في فواخير الطين.
يستيقط مروان الطفل الصغر، الذي لم يتجاوز عمره 7 سنوات في الخامسة صباحًا، يمسك بطرف جلباب أمه التي تحمل شقيقته الصغيرة فوق كتفها، يسيرون في دروب وحواري ضيقة، تربط حجرتهم الصغيرة الذين يعيشون فيها بالقرب من المقابر، بفواخير منطقة مصر القديمة، لتبدأ الأسرة عملها ويوم جديد من الشقى في فواخير الطين.
الزائر لفواخير مصر القديمة بالقرب من مجمع الآديان، سيرى أكوام من القطع الفنية متراصة بكميات كبيرة، يقف ورائها عشرات الأطفال، الذين يعملون في ظروف صعبة للغاية منذ مطلع الفجر حتى غياب الشمس، من هؤلاء “مروان” الطفل الصغير الذي لم يعرف من الط فولة إلا أسمها، ولا يعرف اللعب واللهو مثل أقرانه.
يعتبر “مروان” وأسرته نموذج مصغر للظروف الصعبة التي يعمل فيها الأطفال في مصر، فليست الفواخير وحدها التي تكتظ بالأطفال الذين يعملون في ظروف صعبة وشاقة، ففي منطقة “شق الثعبان” علي طريق الأتوسترات جنوب القاهرة، يمكنك أن ترى أطفالًا غطى وجوههم غبار أبيض، يعملون في ظروف صعبة للغاية، مثل تقطيع وتكسير الرخام، وهو ما يعرضهم لإصابات بدنية خطيرة، مثل الإصابة الشديدة التي تصل في بعض الأحيان للبتر، نفس الشئ يحدث للأطفال في محاجر المنيا في قلب صعيد مصر، الذين يعملون في محاجر تقطيع الحجر الجيري في أوضاع شديدة الصعوبة، تصل في بعض الأحيان للموت بسبب الإصابة.
قضية عمالة الأطفال بمصر بالمخالفة للقانون في أوضاع صعبة، لا تحتاج الكثير من الأثبات أوالبحث، ففي الريف يعمل جميع الأطفال بحكم العادة مع أسرهم في الحقول، يتولون رش المبيدات الزراعية بكل ما تحمله من مخاطر صحية شديدة تؤدي لأمرض خطيرة، وفي الورش والمصانع المتوسطة المنتشرة في مصر، ستجد الكثير من الأطفال يؤدون أعمال شقاقة في ورش الأحذية بمنطقة باب الشعرية، أو في المدابغ بمنطقة مصر القديمة، أو في المجمعات الصناعية بمدن السادس من أكتوبر أو العبور.
يتعرض هؤلاء الأطفال لمخاطر كبيرة، مثل الإصابات المتكررة أثناء عملهم الشاق، وأمراض الأنيمية والصدر، بسبب ما يستنشقونه بصفة يومية من أدخنة، أو يتعرضون لعقر الكلاب الضالة، والحشرات مثل الثعابين والعقارب، التي تنشر بالقرب من المناطق الصناعية خارج المجتمعات العمرانية المأهولة بالسكان، نهيك عن الآلام النفسية بسبب تسربهم الدراسي وعدم ذهابهم للمدارس، واللعب واللهو مثل أقرانهم، واستغلالهم من أصحاب العمال حصولهم علي حقوقهم القانونية.
إحصائيات عمالة الأطفال بمصر
لا توجد إحصائيات دقيقة لعدد الأطفال الذين يعملون في مصر بشكل فعلي، وفقًا لتقديرات منظمة العمل الدولية يصل عددهم حوالي 2.2 مليون طفل، ووفقًا لإحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لسنة 2013، فإن حجم عمالة الأطفال بمصر وصل لـ 1.6 مليون طفل، منهم 83% يعملون في الريف، مقابل 17% يعملون في المدن، تتراوح أعمارهم ما بين 15 – 17 عامًا، يعملون ساعات عمل تزيد عن 9 ساعات يوميًا
ووفق دراسات إحصائية صادرة عن مركز الطفل العامل، فإن عدد الأطفال العاملين في مصر، قدرت بحوالي 3 مليون طفل، أما بحسب المركز القومي للطفولة والأمومة فيوجد 2.76 مليون عامل بمصر.
أما الدستور المصري، فقد حفظ حقول الطفل، ففي دستور 2014 تم تحديد مرحلة الطفولة في المادة (80)، بإنه يعتبر طفلًا كل من لم يبلغ الثامنة عشر من عمر، ومد مظلة التعليم الأساسي حتى نهاية المرحلة الثانوي، وأكد الدستور المصري علي التزام الدولة برعاية الطفل وحمايته من جميع أشكال العنف والإساءة وسوء المعاملة والاستغلال الجنسي والتجاري، كما نص علي حظر تشغيل الطفل قبل تجاوزه سن اتمام التعليم الأساسي، ويحظر تشغيله في الأعمال التي تعرضه للخطر.
القانون يحظر عمال الأطفال
ولم يغفل قانون الطفل رقم 12 لسنة 1996، التطرق لعمالة الأطفال، وأفرد القانون في الباب الخامس فصلًا كاملأ في المواد من 64 – 69، تناول فيها الأحكام والقواعد المنظمة لرعاية الطفل العام ” السن – طبيعة العمل- التزامات رب العمل – المكافأة أو الأجر”.
وحظرت المادة 64 من قانون الطفل عمل الأطفال قبل سن الرابعة عشر، كما يحظر تدريبه قبل سن الثانية عشر، وأجاز القانون عمل الطفل في أعمال موسمية مأمونة المخاطر، بما لا يؤثر علي دراستهم أو صحتهم.
وقد عرف قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 الطفل، بإنه كل من بلغ الرابعة عشر سنة، أو تجاوز سن إتمام التعليم الأساسي، ولم يبلغ سن ثماني عشرة سنة كاملة، وألزم القانون كل صاحب عمل يستخدم طفلًا دون السادسة عشر، بمنحه بطاقة تثبت إنه يعمل لديه وتلصق عليها صورة الطفل وتعتمد من مكتب القوى العاملة المختصة، كما حظرت المادة (99) من القانون عمل الأطفال قبل بلوغهم سن التعليم الأساسي، أو سن الرابعة عشر سنة، وحددت المادة (101 ) من القانون ساعات عمل الطفل بعدد 6 ساعات فقط، تتخللهم ساعة راحة.
بعيدًا عن الأرقام المتباينة، فإنه لا توجد بيانات أو أحصائيات دقيقة، عن عمالة الأطفال في أي نشاط صناعي أو زراعي، بسبب تهرب صاحب العمال من التزماته تجاه هؤلاء الأطفال، وحرصه علي أن يعمل معه أكبر عدد منهم لرخص المرتبات التي يحصلون عليها، وقدرته علي السيطرة عليهم.
بالإضافة للظروف الاجتماعية والاقتصادية والصعبة، التي يمر بها المجتمع المصري، مثل زيادة عدد المواليد وحالات الطلاق والتفكك الأسري، وضعف الأجور، وهو ما جعل هؤلاء الأطفال محرمون بشكل أساسي من حقوقهم القانونية والدستورية.
الأرقام غير دقيقة القانون لا يطبق
قال أحمد مصلحي المحامي الحقوقي، ورئيس شبكة الدفاع عن الأطفال، إن القانون والدستور، حظر عمالة الأطفال، ووضع شروط صعبة جدًا للسماح بعملهم مثل الحصول علي موافقة المحافظ مثلًا لعمل الطفل، مؤكدًا أن هذه القوانين لا يتم تطبيقها علي أرض الواقع، كما أن أرقام عمالة الأطفال في مصر غير دقيقة، لإن الأطفال يعتبرون الوقود الأساسي للعمل في الريف المصري بنسبة تتخطى 90%، بسبب الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، ونفس الشئ بالنسبة لأرباب الحرف والمهن، الذي يحرصون علي عمل أطفالهم معهم.
وأَضاف رئيس شبكة الدفاع عن الأطفال، في تصريحات لـ ” مصر 360″، إن الأطفال في مصر يعملون في أسوأ أشكال العمل، التي صنفتها منظمة العمل الدولية، بأنها قد تؤدي للموت، مثل العمل في المناجم والمحاجر والكيماويات، مشيرًا إلي أنه إذا ثبت عمل الطفل في هذه المهن وسنة أقل من 13 عامًا، يحول تصنيف القضية من استغلال للطفل وعقوبتها 5 سنوات، لقضية اتجار بالبشر طبقًا لنص المادة 64 لسنة 2010 والتي تصل عقوباتها للمؤبد.
وأكد “مصلحي” إن مواد القانون واضحة وبها من العقوبات تكفي لتوقيع أقصي عقوبة علي من يستغل الأطفال في العمل ولكن القانون لا يطبق، بسبب تقاعس الجهات المنوطة بها تنفيذه وعلي رأسها، إدارة التفتيش على عمل الأطفال، التابعة لوزارة القوى العاملة، وهي إدارة متواجدة في كل المحافظات، ويمتلك موظفيها الضبطية القضائية.
ولفت المحامي الحقوقي، إلى أن عمل الأطفال يمثل خطر كبير علي المجتمع، لأن الطفل عندما يعمل يحدث قفز على مراحل النمو، ويحدث له أضطراب نفسي، ويبدأ يتحول من طفل لمسؤول، وعندما يكبر يتسم سلوكه بالعنف، وبعضهم ينحرف ويتبع سلوكيات عنيفة كنوع من الانتقام، بالإضافة لعدم حصوله علي قرص تعليمي يمكنه أن يكون فرد صالح بالمجتمع، مشيرًا إلى أن المجتمع والأسرة لا تعي خطورة عمالة الطفل في سن مبكر، ويتعاملون معهم كمسؤولين.
وطالب بتطبق القانون بكل حزم، وتفعيل عمل الخط الساخن بالمركز القومي لحقوق الطفل، ومشاركة مجتمعية أوسع بعمل توعية للأسر وأفراد المجتمع للتوعية بخطورة عمل الأطفال.