يقف “محمد” أمام عداد الكهرباء، يراقب حركة القرص الدوار باهتمام، يحاول معرفة سر زيادة أسعار الكهرباء شهريًا، دون سبب مبرر، بعد أن استخدم كل وسائل توفير الكهرباء؛ رافضًا نصائح البعض بالسرقة من وراء العداد، وهي الوسيلة التي لجأ إلها الكثيرون في المناطق الشعبية والمحال التجارية، لعدم قدرتهم علي سداد فواتير الكهرباء.

أسمه محمد جلال، موظف بسيط يعمل في وزارة المالية، واحد من بين ملايين المصريين، الذين يرفضون اللجوء لسرقة الكهرباء بالرغم من أنه من محدودي الدخل، إلا أن وازعه الديني والتزامه كموظف بالقوانين، جعل هذه الخطوة مستحيلة بالنسبة له.

في شركات الكهرباء يقف العشرات أمام موظف الشكاوى، في محاولة لمعرفة سر زيادة فاتوة الكهرباء عن المعدل الطبيعي، ولاسيما إن هذه الزيادة تمثل عبئًا جديد على الأسر المصرية، ولكن قوانين الشركة حددت طريقة التعامل مع الشكاوى، ولخصتها في عبارة واحدة يقولها موظف الاستقبال بشركات الكهربا ” إدفع وبعد كده اشتكي”.

هذه الطريقة في التعامل وعدم وجود حلول حقيقة للمشكلة، دفعت الكثيرين للجوء لوسائل غير قانونية، والسرقة من وراء العداد، أو استخدام وسائل أخرى مبتكرة للهروب من حق الدولة، ويمتلكون للأقدام علي فعلتهم مبررات كثيرة، أهمها الظروف الاقتصادية الصعبة.

الحكومة تقضي انقطاعات الكهرباء

في أعقاب ثورة 25 يناير، قضى المصريون ساعات طويلة في الظلام، ولكن بعد أن عادت الأمور لنصابها، وضعت الحكومة المصرية خطة لتطوير شبكة الكهرباء، استمرت لمدة 4 سنوات تنتهي العام الجاري 2020، لتطوير وزيادة أحمال الشبكة.

فيما أكد الدكتور أيمن حمزة المتحدث الرسمي باسم وزارة الكهرباء، في تصريحات صحفية، أن  شبكة النقل يتم تطويرها بشكل مستمر نتيجة التوسع فى إنشاء محطات توليد الكهرباء سواء من الطاقات المتجددة أو التقليدية، مشيرًا إلي أن إجمالي تكلفة تطوير الشبكة تكلف حتى الآن 50 مليار جنيه.

وأضاف المتحدث الرسمي باسم الوزارة، أنه تم الانتهاء من إنشاء 27 محطة تحويلات جديدة، وتم عمل توسعات بـ113 محطة محولات، وزيادة أطوال خطوط الجهد الفائق بحوالى 1456 كم، مشيرًا إلى إنه لوحظ زيادة سرقة الكهرباء من الشبكة، وأكبر دليل علي ذلك إنه يتم تحصيل سنويًا ما يقرب من 2 مليار جنيه غرامات، بسب سرقة الكهرباء.

تبرر شركة الكهرباء ارتفاع أسعار فواتير الكهرباء، بسب المشروعات الكبيرة التي انجزتها خلال الفترة الماضية، للقضاء علي انقطاع الكهرباء المتكرر، والتوسع الاقتصادي والتجاري، لتحويل مصر لمركز لتوزيع الطاقة عالميًا، في مقابل ذلك يضطر المصريون لسرقة الكهرباء، لعدم قدرتهم علي دفع قيمة الفواتير الشهرية.

عقوبة السرقة 

لا يعرف الكثيرين العقوبة التي تنتظرهم في حالة اكتشاف سرقتهم الكهربا، فطبقًا  لنص المادة (71) من القانون رقم 87 لسنة 2015، فإن عقوبة سرقة الكهرباء، هي الحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد على سنتين، والغرامة التي لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تزيد عن مائة ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين.

وحدد القانون إجراءات التصالح في جرائم سرقة الكهرباء، بالتظم من تقدير المبالغ المستحقة للشركة، وتمهل شركة الكهرباء المتهم في هذه الحالة 15 يومًا، وخلال هذه الفترة إذا لم يتقدم بما يفيد تقديم التظلم، يرسل المحضر للنيابة لاتخاذ شؤونها، وإذا مرت المدة وتم تحويل المحضر للنيابة وتداول أمام المحكمة، يمكن الحضور وطلب أجل للتصالح وخلال هذا الأجل يُقدم التظلم للشركة.

طرق سرقة الكهرباء 

بالرغم من أن الحكومة المصرية غلظت العقوبة، بعد أن تمكنت من القضاء علي انقطاع الكهرباء المتكرر، إلا أن زيادة أسعار وشرائح الكهرباء، دفعت قطاعات كبيرة لسرقة الكهرباء، بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة، وعدم القدرة مواجهة أعباء الحياة.

 “مصطفى . ع” موظف بشركة كهرباء جنوب القاهرة، تحدث لـ “مصر 360″، واشترط عدم الإشارة إليه بشكل صريح، حتى لا يقع تحت طائلة القانون بكشفه أسرار الشركة، ولكنه بموجب خبرته يمتلك الكثير من الأسرار عن كيفية سرقة الكهرباء من الشبكة.

أكد مصطفى الشاب الثلاثيني، أن الشركة لا يمكن أن تخسر بأي حال، ولذا يتم اللجوء لتحميل أسعار الكهرباء المستهلكة، بكل منطقة في مصر علي فواتير المشتركين، معنى ذلك أن الذي يتم سرقته من الشبكة في أي منطقة، يدفعه المواطن الشريف الذي يرفض السرقة من وراء العداد.

ولفت إلي أن طرق سرقة الكهرباء تتنوع، فإذا نظرنا إلي الشارع والمحال التجارية في الأسواق الشعبية، ستجد الباعة الجائلين يحصلون علي الكهرباء بطرق غير شرعية، بأخذ الكهرباء من أعمدة الأنارة في الشوارع، أما المحلات التجارية الكبيرة، فإذا تم حسابها بشكل فعلي ستغلق أبوابها، ولذا يضطر بعض أصحاب المحلات التجارية للتلاعب في العداد، وتم ضبط أكثر من قضية.

وأكد موظف الكهرباء، أن نفس الشئ يحدث في المنازل، فقط لجأ الكثير من المشتركين لحيلة التلاعب في عداد الكهرباء، لمواجهة زيادة أسعار الكهرباء، مشيرًا إلى أنه شركة الكهرباء لديها تقنيات حديثة تمكنها من معرفة سرقة الكهرباء، أوعن طريق حسابات شهرية لفاتورة العميل، أو الحملات التفتيشية التي تقوم بها مباحث الكهرباء بشكل دوري.

ولمعرفة كيف يتم سرقة الكهرباء، تحدثنا مع عم “حسن” رجل خمسيني يعمل كهربائي لمدة تزيد عن 30 عامًا، ويعرف الكثير عن وسائل سرقة الكهرباء.

قال الرجل وهو يضحك، بعد أن أنكر في البداية :” الناس غلابة والأسعار نار، والسرقة حرام بس الناس تعمل أيه”.

كشف الرجل أنه يوجد أكثر من طريقة لسرقة الكهرباء، مثل أخذ الكهرباء من عمود نور في الشارع للشقة، إذا اتيح ذلك بوجود عمود نور قريب، أو توصيل سلك من وراء العداد، والتحكم في عمل العداد عن طريق زر صغير، بحيث يتم تشغيله في حالة حضور مفتش الكهرباء أو المباحث.

ويكشف عن طريقة أخرى، بوضع مغناطيس بجوار العداد، لتقليل سرعة دوران القرص، وهي وسيلة يمكن اكتشافها بسهولة، مشيرًا إلى أن هناك طريقة لا يمكن اكتشافها، بالتلاعب في العداد نفسه،  بحيث يعمل العدد ببطء وهي طريقة يلجأ إليها الغالبية العظمى، وأصحاب المحال التجارية، ولا يمكن تطبيقها إلا في العدادات القديمة فقط.

تدابير حكومية لمواجهة سرقة الكهرباء

ووفقًا للمتحدث الإعلامي لوزارة الكهرباء، الدكتور أيمن حمزة، فإن الوزارة اتخذت تدابير عدة لمواجهة السرقات أهما منح الضبطية القضائية لبعض قيادات شركات التوزيع لرصد المخالفات، بالإضافة لعمل عدادات كودية ببعض الأحياء الشعبية التي لم ترخص بها الكهرباء لتقليل الفاقد لحين تقنين أوضاع أصحاب العقارات المخالفة، بالإضافة لجهود الشركة لتعميم العداد مسبوق الدفع “الكارت”.

يؤكد المتحدث باسم الكهرباء أيضا، أن حجم المتحصلات من الغرامات سنويًا خلال الفترة الأخيرة قارب 2 مليار جنيه، مشيرًا إلى أن الوزارة تعكف حاليًا على الانتهاء من العدادات مسبوقة الدفع، والعدادات الذكية التي ستقلل بدورها من السرقات عن طريق برامج تحكم يحدد مكان السرقة وفصل التيار تلقائيا.

وأضاف أن الشركة بدأت هذه الخطقة، بتركيب بـ 250 ألف عداد في عام  2018 وحتى بداية 2019، في نطاق 6 شركات ضمن 9 من شركات توزيع الكهرباء على مستوى الجمهورية، لتقييم التجربة التي ستقضي على السرقات بشكل جذري.

سرقة الكهرباء حرام شرعًا

 

 أكد أحمد كريمة، استاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، أن سرقة الكهرباء بأي وسيلة حرام، ومرتكب ذلك يعتبر سارق وخائن للأمانة، موضحًا أن القرآن سمى ذلك “الغلول”، وجزاء ذلك كما أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم، أن الخائن يأتي يوم القيامة حاملا على عنقه ما أخذه بغير حق، لذا يجب على فاعل ذلك الجرم رد الحقوق المنهوبة للدولة بأي وسيلة  وليتحرى الحلال، و الله طيب لا يقبل إلا طيبا.