قال جلال حرشاوي، الباحث الفرنسي في وحدة دراسة النزاعات في المعهد الهولندي للعلاقات الدولية، ومحلل الشأن الليبي” ليس هناك أطرافا جادة في ليبيا بشأن التوصل إلى تسوية سياسية، ما يعني أن النزاع سيودي بحياة المزيد من الضحايا هذا العام”.

وهناك صدام في طور الإعداد الآن بين المعسكرين الليبيين الرئيسيين، وأن الأحداث في الأسابيع الأخيرة تشير إلى أن القتال سوف يكون أكثر ضراوة من أي وقت مضى ولكنه مايزال لن ينتج عن منتصر مؤكد من أي الجانبين.

ونقلت مجلة، فورين بوليسي، الأمريكية، تحليلا للباحث بشأن الوضع الليبي يقول فيه “إن ليبيا في قبضة نزاع أهلي مدول لأكثر من نصف عقد،  يضم دولا أجنبية ولكن مؤخرا، أدت لامبالاة الولايات المتحدة نحو المنطقة، والشعور المتنامي بالقدرة على الإفلات من المحاسبة إلى تقوية هؤلاء الفاعلين نفسهم”.

ويوضح”حرشاوي”، أن أكثر الفاعلين في ليبيا، الإمارات العربية المتحدة، وتليها منافستها الإقليمية، تركيا، “وكلاهما حليف للولايات  المتحدة لكن كل منهما تقف على جوانب متعارضة من النزاع.

“في العام الماضي بدأت الدولتان الانخراط في تدخل عسكري أكثر مباشرة، إضافة إلى دعم وكلائهم التقليديين”.

وبداية الجولة الحالية من الحرب الأهلية منذ عام، حسب قول “الحرشاوي”، كانت عندما هاجم المشير خليفة حفتر العاصمة الليبية، طرابلس، أحد آخر المعاقل الأخيرة الباقية لحكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا، إلا أن الجيش الوطني الليبي الذي يقوده حفتر لم يتمكن حتى الآن من تحقيق هدفه بالاستيلاء على المنطقة الحضرية التي تضم 1.2 مليون من السكان والإطاحة بحكومة الوفاق”.

ويضع الكاتب عدة عوامل أعاقت الجيش الوطني الليبي الذي يقوده خليفة حفتر في تحقيق هدفه باختراق وسط طرابلس، والتي كان المقاومة الصلبة من الميليشيات التي تصطف ظاهريا مع الحكومة في اختراق وسط مدينة طرابلس، فضلا عن أنه رغم ضراوة الحملة إلا أنها كانت تعاني من عدم فاعلية استراتيجية وتكتيكية، كما أن حرب الإنهاك الناتجة وبطء وتيرة القتال كشف عن عيب آخر في تحالفه وهو أن القليل من المقاتلين الليبيين من الشرق مستعد للمخاطرة بحياته من أجل حفتر وهم على بعد 600 ميل عن منازلهم.

ولأجل التعويض عن نقاط ضعف الجيش الوطني الليبي على الأرض، كما يرى المحلل، عمدت الإمارات إلى شن أكثر من 900 غارة جوية على محيط طرابلس العام الماضي باستخدام درونات حربية صينية، وفي بعض الأحيان مقاتلات جوية فرنسية الصنع.

وساعد التدخل العسكري الإماراتي في احتواء قوات حكومة الوفاق إلا أنه لم يعط دفعة لتحقيق أهداف حفت،  بل بدلا من ذلك، كان له تأثيراً معاكساًعبر استفزاز قوى إقليمية أخرى، كما نشرت تركيا درونات Bayraktar TB2 وعشرات من الضباط الأتراك لشن نحو 250 ضربة في مسعى لمساعدة حكومة الوفاق في مقاومة هجوم حفتر،  كما دفع الموقف المتأزم روسيا كذلك لتزيد من تدخلها في ليبيا.

ويذكر حرشاوي أنه في سبتمبر 2019، انضم بضعة مئات من المرتزقة الروس بالخطوط الأمامية بالقرب من طرابلس لدعم قوات حفتر؛ حيث ساعد، ما لديهم من قوة ضارية، وعتاد متطور، وتنسيق قوات الجيش الوطني الليبي على الاستيلاء ببطء على أجزاء من أطراف المدينة، كما أنه إبان ذلك الوقت تسببت عدد من العوامل التقنية في توقف المساعدة السرية من تركيا.

وأُجبرت حكومة الوفاق المتأزمة على توقيع الاتفاق البحري الإشكالي الذي منح تركيا حقوق التنقيب عن الغاز في شرقي المتوسط في مقابل إطلاق تركيا لتدخل عسكري شامل لدعم المعسكر المعادي لحفتر.

وكان من نتائج الدفعة الجريئة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خسارة الإمارات زمام المبادرة في ليبيا، فيما ألقت فيه أبوظبي اللوم على القدر غير كافي من القوة النيرانية والمرتزقة التي نقلت إلى هناك في 2019، لكن يرى الكاتب أنها تبدو الآن عازمة على العودة للمشهد بتحطيم عزم أردوغان.

ويوضح أنه بحسب تحليل البيانات مفتوحة المصدر التي قام بتحليلها أحد المتخصصين في تتبع حركات الطيران، أرسل الإماراتيون، منذ منتصف يناير الماضي،  أكثر من 100 طائرة شحن إلى ليبيا (أو غربي مصر، بالقرب من الحدود الليبية).، ويشير إلى أن هذه الطائرات من المرجح أنها كانت تحمل مئات الأطنان من العتاد العسكري، مردفا أن بعض الشواهد تقترح أن هناك زيادة في عدد الجنود الإماراتيين على الأراضي الليبية،  ويستدل الكاتب من ذلك كله على أن تحالف حفتر وحلفائه سوف يحاولون مرة أخرى تحقيق النصر الكامل بالقوة.

أما فيما يتعلق بالفضاء الدبلوماسي، يقول الكاتب إنه منذ قمة برلين في يناير والتي وصفها بالعقيمة، لم يبذل أي جهد حقيقي نحو التوصل إلى تسوية سياسية، ولكن القليل من الفاعلين الدوليين مستعد لمواجهة الإمارات، متابعاً، أنه في الوقت الذي تتزايد فيه عزلة حكومة الوفاق، لا توجد حكومة غربية تريد ممارسة أي ضغط حقيقي على حفتر.

وينتهي الكاتب إلى أنه لهذا السبب من المرجح أن يلقى هجوم حفتر الجديد مقاومة حتى أقل من قبل المجتمع الدولي، لكنه سيقابل بعدوانية شديدة في تركيا.

وفيما يتعلق بدعم تركيا للوفاق مؤخرا، يذكر الكاتب أنه خلال شهري يناير وفبراير الماضيين وصلت ثلاث سفن شحن من تركيا تحمل كل منها نحو 3,500 طن من المعدات والذخيرة، مضيفا أن الوجود التركي في الأراضي الليبية حاليا يتمثل في عدة مئات من الأفراد، والذين يقومون بتدريب المقاتلين الليبيين على حرب المدن مع التركيز على تكتيكات مواجهة المركبات المصفحة.

 

“وفي مقاومة الهجمات الجوية، تعتمد أنقرة على تكنولوجيا الحرب الإلكترونية وخليط من أنظمة الدفاع الأمريكية وأنظمتها المحلية التي قامت بتطويرها”.

وأشار الكاتب إلى أنه تم تنصيب دفاعات مماثلة في القاعدة الجوية بمدينة مصراتة القوية المعادية لحفتر والتي تقع غرب سرت، التي استولى عليها الجيش الوطني الليبي في 6 يناير الماضي”.

كما يؤكد وصول أكثر أربعة آلاف من المرتزقة السوريين المدعومين من تركيا إلى طرابلس ومحيطها، والذين معظمهم من المقاتلين الإسلاميين المخضرمين في المعارك والمنتمين إلى ثلاثة من الميليشيات الكبيرة المعارضة لحكومة الأسد، وأن تركيا مشغولة حاليا بتحديث سرب دروناتها المقاتلة الموزعة في أنحاء شمال غرب ليبيا.

وعلى الناحية الأخرى من أجل مقابلة التدخل التركي الجديد، يقول الكاتب أن الحكومة في شرق ليبيا المؤيدة لحفتر  اصطفت رسميا مع نظام بشار الأسد، وذلك ليحصل الجيش الوطني الليبي على المشورة التقنية من دمشق في مقابل مردود مادي ودبلوماسي، مشيرا إلى ما ورد عن وجود متعاقدين سوريين مستأجرين من قبل ميليشيات مؤيدة للأسد في ليبيا الآن، وأضاف أن هناك ضغوط على مصر لتقديم مساعدة أكبر حتى إلى الجيش الوطني الليبي.

ويرى الكاتب أن ذلك  شجع الجيش الوطني الليبي إلى شن هجوم جديد متعدد الجوانب يهدف إلى خنق واستنزاف طرابلس حتى يستسلم أردوغان ويرحل عن ليبي،  وبسبب وجود تركيا وأسلحتها فيما صعب على الإمارات أن تقوم بتحليق دروناتها، بدأ الجيش الوطني الليبي وحلفاءه في حملة قصف باستخدام صواريخ (جراد) والقذائف الأخرى.

ويلفت الكاتب إلى أن هذا القصف على طرابلس لم يصيب أهدافا عسكرية مشروعة فحسب، بل أصاب أيضا مدنيين، مشيرا إلى عشوائية الصواريخ غير الموجهة، وإلى عدم قيام معسكر حكومة الوفاق بفعل أي شيء تقريبا لمنع هذا الشكل من الهجوم.

ويقول حرشاوي أن ذلك جزء من فلسفة العقاب الجماعي، وأنه مع إبقاء هذا المنطق في الذهن، قام معسكر حفتر يفرض إغلاق نفطي يكلف 1.5 مليار دولار شهريا على ليبيا منذ منتصف يناير.

وحذر الكاتب من أن نقص الوقود قد يصبح قريبا أكثر انتشارا نتيجة لذلك، ويشير إلى أن وقف النشاط مصدر الدولار الوحيد في الدولة هو وسيلة أيضا لخنق بنك طرابلس المركزي المعترف به دوليا واحتمال استبداله بالبديل الموالي للجيش الوطني الليبي حيث سيتم توجيه كل عوائد النفط.

وأخيرا، فيما يتعلق بالعمليات على الأرض، يقول الكاتب إن الجيش الوطني الليبي أصبح نشطا مرة أخرى في محاولاته للاستيلاء على مناطق جديدة في محيط أطراف طرابلس، وأن هذه الهجمات المكثفة سوف تستمر وتتزايد في الأيام والأسابيع المقبلة، بفضل الموارد التي وفرتها الإمارات مؤخرا.

أما فيما يتعلق بروسيا، يقول حرشاوي أنه على النقيض من أبو ظبي، فإن تدخل موسكو أكثر تقلبا، ويوضح أنه في آخر ثلاثة شهور من 2019، قامت شركة الخدمات العسكرية “واجر” التي لها علاقات مع الكرملين بتغيير توازن النزاع عبر الانضمام إلى القتال إلى جانب حفتر.

“ثم في بداية يناير، قبل أيام من مشاركة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مناشدة وقف إطلاق النار في ليبيا، أصبح التمثيل الروسي على الخط الأمامي عند طرابلس أقل نشاطا فجأة”.

ولاحقا، وإلى جانب المشاركة الأكبر بكثير من الإمارات، تزايدت وتيرة الرحلات الروسية، فيما يرى الكاتب أنها علامة على جلب مزيد من المعدات، ورفع أعداد المتعاقدين، والمستشارين، والأفراد الموجودين على الأراضي الليبية الذين كانوا نحو ألفين عند نهاية العام الماضي.

ويؤكد الكاتب على أن  القوات الروسية بالقرب من طرابلس لم تعد تلتزم بالهدنة، لكنه يلفت إلى أنها حتى الآن هي مجرد فاعل داعم، ويبرر الكاتب ذلك بأن بوتين لم يتخذ قرارا استراتيجيا بعد بالانخراط المباشر في حرب المدن الطويلة وضمان انتصار حفتر في نهاية الأمر، على الرغم من قدرته على فعل ذلك.

وفي رأي حرشاوي قد تختار روسيا البقاء في مسارها الحالي واستخدام الشراكة غير المألوفة التي يحافظ عليها حتى الآن مع تركيا، مشيرا إلى أن الديناميكية بين أنقرة وموسكو يمكن اعتبار أنها تتجذر في الاستياء الازدراء المشترك لأوروبا وكذلك في الضغينة المتبادلة بينهما.

ويعني هذا ، حسب رأي الكاتب، أن روسيا قد تتسامح مع تركيا لفترة أطول إن شعرت أن مصالحها سيخدمها فعل ذلك، ما يصفه الكاتب بمسلك المد والجذر من شأنه تعزيز نفوذ موسكو ويمكن أن يدفع الأوروبيين في النهاية خارج المسرح الليبي كلية.

والجانب الآخر من تلك الديناميكية، كما يقول الكتاب، هو أن روسيا يمكنها بسهولة أن تغير رأيها وتستثمر في مساعدة الجيش الوطني الليبي في إلحاق هزيمة مدوية لأردوغان.

ويستطرد الكاتب، بأنه على الرغم من الشقاقات التي من المؤكد أنها سوف تتسع في تحالف حكومة الوفاق، فإن حجم وقوة المهمة التركية في ليبيا يجعل من الصعب اقتلاعها، وعلى الرغم من محاولتها استغلال موارد الطاقة بالمتوسط، إلا أن أنقرة ليس لديها نية في التخلي عن مصالحها التجارية في ليبيا أو عن طموحاتها الجيوسياسية الأعرض في باقي أفريقيا.

ويقول  حرشاوي يشير عن ن سعي الإمارات إلى وجود حكومة في طرابلس خالية من أي تأثير للإسلام السياسي، “سيكون سببا في عدم قبول أبو ظبي التفاوض على تسوية مع حكومة أردوغان الإسلامية.

وما يجعل من الأمور أكثر سوءا في رأي الكاتب، وعدم وجود استعداد من الولايات المتحدة ولا أي دولة اتحاد أوروبي لاستخدام ثقلها الإقليمي لاعتراض طريق الإمارات، و يخلص الكاتب إلى أن التصعيد في الحرب الليبية يرجح استمراره قبل بحث أي تسوية سياسية على نحو جاد.