ربما يمثل وباء كورونا ناقوس خطر للحكومات بضرورة مواجهة التغير المناخي، أو الاستعداد لتداعياته مبكرا، فالظواهر البيئية التي صاحبت انتشار الوباء حاليا من فيضانات وجفاف عنيف ونشاط للآفات والحشرات وتضرر المحاصيل بسبب تقلب الحرارة، يستدعي تفكير غير تقليدي في المستقبل.

sss

يقول الدكتور محمد علي فهيم، المدير أستاذ التغيرات المناخية، إن ما تشهده مصر حاليًا من تقلبات مناخية كان يتوقع حدوثها عام ٢٠٥٠، والتأثيرات المستجدة لها على قطاعي الزراعة والصيد تفوق كثيرًا توقعات خبراء التغير المناخي.

ويضيف فهيم، في تصريحات لـ مصر360، أن مصر تحتل مراكز متقدمة بمؤشر هشاشة التغير المناخي بارتفاع منسوب سطح البحر ومتوسط الحرارة وتقلبات الطقس الجامحة، وتأثيراتها تتفاقم مع وقوعها ضمن الدول شديدة الجفاف، فمعدل الأمطار يقترب من الصفر، والمساحات الخضراء أقل من 3 بالمئة.

وفي درجات الحرارة المنخفضة يلجأ النبات لتخزين الطاقة على حساب النمو، ومع الهبوط والارتفاع المستمر ليلا ونهارا تتعرض الشعيرات الجذرية للتضرر بسبب التفاوت الكبير في عمليات الامتصاص، وتصبح ضعيفة أمام غزو الآفات الحشرية والأمراض الفطرية.

ويوضح أن اختلال الطقس يوفر بيئة صالحة لنمو البكتريا والفطريات، وتؤدى لإصابة كثير من الزراعات مثل البطاطس بالبقع البكتيرية والفول والطماطم بدودة المِن، ووصلت إلى غزو الذباب للمنازل بحثا عن الدفء بعد انخفاض درجات الحرارة وارتفاعها المستمر.

ولتجنب آثار التغيرات المناخية يجب العمل سريعا في إطار من الجدية والشفافية لمواجهة آثارها المدمرة على القطاع الزراعى بكل عناصره ومكوناته،  فالزراعة المصرية ذات حساسية خاصة للتغيرات المناخية باعتبارها تتواجد في بيئة قاحلة تعتمد أساساً على مياه نهر النيل.

يعدد الخبير العوامل التي ستؤثر فيها التغيرات المناخية على مصر في الزيادة المتوقعة في درجات الحرارة وتغير نمطها الموسمي إلى نقص الإنتاجية الزراعية لبعض المحاصيل والحيوانات المزرعية، وكذا إلى تغيرات في النطاقات الزراعية البيئية، وزيادة معدلات التصحر واستهلاك المياه، والارتفاع المحتمل لمستوى سطح البحر وأثره السلبي على الأراضي الزراعية بالدلتا.

وبالفعل بدأت التأثيرات تظهر على مزارعي سيناء الذين اتجهوا لزراعة الخضراوات بسبب تغول الصيف، كما تخلي الفلاحون بمحافظات مصر الوسطى (بنى سويف والمنيا) عن زراعة الطماطم الصيفية لارتفاع درجات الحرارة التي ضربت إنتاجهم في سنوات سابقة.

ووفقًا لدراسات علمية لجامعتي الإسكندرية وكفر الشيخ فإن الدلتا أصبحت تحتل المركز الثالث عالميًا بعد هولندا والصين في نفاذ المياه المالحة إليها، مع تناقص الأمطار بالساحل الشمالي وهبوط مياه الخزان الجوفي بالمناطق الصحراوية.

وأردف فهيم أن ارتفاع مستوى سطح البحر يؤدي إلى اختراق المياه المالحة لأراضي الدلتا والتوغل حتى 5 كيلو مترات من الأراضي المتاخمة للبحر المتوسط، وتسبب حتى الآن في تملح الأراضي في شمال الدلتا المصرية التي لم تعد مناسبة لزراعة الخضروات، وصالحة فقط للأرز الذي تتقلص مساحاته بسبب مشكلة المياة.

ويوضح أن تأثيرات التغيرات المناخية بدأت في الاتضاح مع ظهور الحشرات في غير موعدها وازدياد تكاثر القواقع وسوسة النخيل ما جعل تضرر المحاصيل العام الحالي أعلى من العام السابق، ما يتطلب وضع منهجية علمية لدراسة آثار تغير المناخ على الأنشطة الزراعية وإنشاء شبكة مع مصادر المعلومات الوطنية والدولية، وقاعدة بيانات على الإنترنت لتقديم معلومات مفيدة حول التداعيات وكيفية المواجهة.