نعيش لحظة تحول فى الواقع، لكن ليس من السهل انقطاع الصلة والتواصل بشكل إجباري، حسب ما فرضه فيروس كورونا، حتي إذا كان الإنسان يختارها أحيانًا طواعية، ولأن هناك تبدل فى العالم بشكل كلي، علي مستويات عدة، قد تكون المرة الأولي التي ينتاب العالم ذلك الأمر فى ظل وسائل الاتصال الجديدة التي تمنحك معرفة لكل ما يجري في نفس اللحظة كما لو كنت فى قرية واحدة كبيرة، فأنت تعلم جيدا تأثير هذا الطارىء على الجميع في أنحاء العالم، وتري اختلافات ردود الأفعال وفقا للثقافات المختلفة، إذا الجميع يتعرض لنفس المؤثر الآن ولكن بواقع مختلف.
sss
الفرصة الآن حقيقة لاختبار النفس والعلاقات وما نؤمن به وما ننتهجه من سلوكيات، في بعض الأحيان كانت الجدة تطلب من الحفيد وتلح فى طلبها حتي يأتي لزيارتها، وتعبر الصور التي يتم التقاطها الآن في بعض الأماكن لحفيد يتمني أن يري الجدة فيلوح لها عبر نافذة من بعيد لاتخاذ إجراءات السلامة المطلوبة خلال فترات العزل والخوف من كورونا، فجأة رأي البعض أهمية تلك الزيارات العائلية التي كان يصفها بالمملة فى بعض الأوقات ويحاول التهرب منها.
كوفيد 19 عدو مشترك يجتمع عليه العالم الآن وتخبرنا منظمة الصحة العالمية أنه فرصة كبيرة للاتحاد ضده، هو أيضا فرصة لرؤية أنفسنا والتعرف على واقع تلك الأمور على الأنفس والتعاملات، لنري كيف حولت نداءات التباعد الاجتماعي من أجل السلامة الصحية إلي الشعور باحتياجات التقارب.
سيكولوجية الأوبئة
تحت تأثير الأوبئة تشهد المجتمعات موجات من الخوف والارتباك، وهو ما عبرت عنه سيكولوجية الأوبئة التي تقول عنها الدكتورة هالة الحفناوي، رئيس وحدة تقييم التفاعلات المجتمعية في مركز المستقبل للأبحاث و الدراسات المتقدمة، إنه أثناء انتشار الأوبئة يواجه الفرد حالة الخوف من المجهول (The Unknown)، وهو ما يتسبب في تصاعد مشاعر القلق مقارنة بالأمراض العادية، والتي قد تكون أكثر خطورة على حياة الفرد، ولذلك لا ترتبط هذه الحالة بالمصابين فقط، بل إنها تشمل المجتمع كله بدرجة أو بأخرى، فهي حالة مرتبطة بسرعة انتشار الوباء، وعدم وجود سقف واضح أو يقين بظهور دواء معالج.
“ويزيد الخوف حدة من وقوع الشخص في دوامة الوباء ذاته، إما بنفسه أو بفقدان أحد من المحيطين به، وكلما طالت مدة تفشي الوباء، زاد الضغط على الفرد وهي نفس الفكرة التي نشير إليها وارتباطها بتغييرات سلوكياته وحاجته إلى أنماط اجتماعية جديدة فى التعامل تمنحه الأمان”.
ويضيف الدكتور خليل فاضل أستاذ الطب النفسي فى تصريحات “لمصر 360″، أن التباعد الاجتماعي على الأسر المصرية مقبول لديهم ولا يزعجهم قبل ظهور كورونا، حيث تعاني الأسر نوع من التباعد والتفكك والانشغال عن بعضها البعض، فالأب يعمل لفترات طويلة، والأم لديها ما يشغلها ويرهقها، والأبناء كل فى حال بعينه، وشبه الوضع ” بفيل” يجلس فى صالة المنزل يمنع التواصل بين أفراد الأسرة وأن ما حدث الآن وضع إجباري ليواجهوا أنفسهم نفسيًا فقط.
احتكاك
ويشير فاضل إلي أنه حدث تقارب الآن ، قد يزيد من المشاجرات والمشاحنات داخل المنازل المصرية لكنه أمر مفيد فى كل الحالات و أمر طبيعي للتواجد معا، ويصنع نوع من الاحتكاك بيننا بين بعض، وهو احتكاك مفيد، يحتاجه الإنسان بين حين وأخر لإعادة ترتيب أوراقه، مما يخلق نوع من العادات الجديدة، تلك الحالة تنتج التماس العذر للآخر واكتشاف جماله، وفرصة رائعة لاكتشاف النفس، فالأب يراجع نفسه خلال تلك الفترة ويسأل: هل أنا أب جيد؟، وهو أمر شائع يحدث خلاله نوع من الوعي بين أفراد الأسرة.
ونبه أستاذ الطب النفسي إلى أن هناك أشخاص يعانون من مرض ” الخوف من الحميمية والاقتراب من الآخر”، سواء كان هذا الآخر حبيب، أو صديق، ومراجعتهم لأنفسهم فى ظل تلك الأزمات وقد يعاني هذا النوع من تلك الفترات أكثر من غيرهم، ويأتي هذا الإحساس من فقد الثقة فى النفس، أو الخوف من المسؤولية تجاه العلاقة نفسها، موضحًا أن هناك نوع آخر ممن يشعرون بالونس فى ظل الوحدة وبالتالي التباعد الاجتماعي المفروض عليهم أمرا غير مزعج لا يشكل أزمة لهم.
ويري “فاضل” أن نمط حياة المصريين قد تغير بالفعل نتيجة أزمة الكورونا، على مستوى السلوكيات والوعي، وأن المناعة النفسية لدي المصريين اترفعت بالفعل وسط الصدمات والخوف من كورونا، موضحًا أن حب الحياة يفرق كثيرا في الصحة النفسية.
تباعد مكاني فقط
وتصف الدكتورة سامية قدري أستاذ علم الاجتماع، فكرة التباعد الاجتماعي بأنها تباعد مكاني فقط، فالسوشيال ميديا خلقت تباعد اجتماعي كبير منذ ظهورها بالفعل، وجعلت كل منا بمعزل عن الآخر، ولكن الكورونا جعلتنا نشعر به أكثر، لأننا مجبرين على التباعد، بعد أن كنا نفعله طواعيه ونشعر بخطورته.
الثقافة المصرية لا يشغلها الكورونا كما تقول “قدري” لـ” مصر 360 “، وهذا ما يؤكده الشارع المصري رغم التحذيرات من خطورة المرض يتم التعويل على معتقداتهم واحساسهم بالأمان فى ظلها وفى ظل الاهتمام بثقافة الاستهلاء والتخوف من عدم إيجاد الطعام، وعدم ابتلاء مؤمن وما إلى ذلك، مؤكدة أن المصريين لديهم مشكلة فى احساسهم بالأزمات إلا فى حالة الخطر القريب، لأن التفكير الغيبي أعلي من التفكير العلمي لديهم.
اقرأ أيضا: