لم تشهد أفريقيا انتشارا سريعا لوباء “كورونا ”  مقارنة بأوروبا أو شرق آسيا، وترتبط معظم الحالات المسجلة في القارة السمراء، بأجانب أو مواطنين سافروا إليها ، ولكن القلق يتزايد بشأن قدرة الأفارقة على التعامل مع الفيروس خاصة وأن دولا افريقية كثيرة تعاني  من الفقر المدقع وضعف أنظمة الرعاية الصحية و الأمراض  الفيروسية المعدية القاتلة وفي مقدمتها الإيدز و السل والأيبولا والملاريا وغيرها . .

sss

وقال رئيس جنوب إفريقيا سيرل رامافوسا في خطابه الموجه، عبر التلفزيون، إلى الأمة، إن فيروس كوفيد-19 مرض تنفسي ينتشر على نطاق عالمي، وأنه أضحى “كارثة قومية “، ما يسمح  لحكومته بالحصول على تمويل خاص ووضع لوائح صارمة لمكافحة تفشي الفيروس.

” لم نشهد في تاريخ دولتنا الديمقراطية أن واجهنا مثل هذا الوضع القاسي “، هكذا كان يردد “رامافوسا” قبل إعلان حزمة من الإجراءات الاحترازية العاجلة لكبح جماع الفيروس، والتي أبرزها  غلق المدارس ووضع  قيود على السفر و حظر التجمعات بأعداد كبيرة .

وتوحي الأرقام الرسمية حتى الوقت الراهن بأن منطقة إفريقيا جنوب الصحراء والتي تعد موطنا لأكثر من مليار شخص ، كانت محظوطة، وتوضح الخريطة التفاعلية، التي رصدت حالات الإصابة بكوفيد-19 والتي تديرها جامعة هوبكنز الأمريكية، وجود نقاط حمراء كبيرة في كل مكان تقريبا والتي تشير إلى المناطق الموبوءة، باستثناء إفريقيا جنوب الصحراء .

وكشفت منطقة إفريقيا جنوب الصحراء عن أول حالة مصابة في 27 فبراير الماضي ، وكان رجلا إيطاليا سافر إلى نيجيريا ، بينما كانت معظم الحالات التي ظهرت منذ ذلك الحين جاءت من أوروبا ، وعدد أقل من الأمريكتين وآسيا ، ولكن حتى اليوم لا يوجد أمثلة على انتشار الوباء على نحو مجتمعي .

حالات الإصابة ترتفع في الوقت الراهن وعلى نحو سريع، ووفقا لمجلة “ساينس” الأمريكية في تقريرها المطول، جنوب إفريقيا التي كان بها أول حالة منذ عشرة أيام، ارتفع عدد الإصابات لديها إلى أكثر من 60 حالة، بينما أعلنت كل من رواندا و غينيا الاستوائية ونامبيا عن بدء ظهور الإصابات بها، ليصل عدد الدول التي انتشر فيها الفيروس إلى 26 دولة.

الانتشار الصامت

يعتقد بعض العلماء أن كوفيد-19 ينتشر بصمت في دول أخرى، ” أخشى أن يكون لدينا قنبلة موقوتة ” هذا ما قاله “بروس باسيت”، العالم المتخصص في البيانات بجامعة “كيب تاون”،  الذي يتعقب بيانات كوفيد-19 منذ يناير الماضي.

وتوضح المجلة الأمركية أن تعامل إفريقيا مع الوباء اهتماما عالميا ضئيلا، ولكن يشعر الخبراء أن الفيروس قد يدمر الدول التي تعاني من أنظمة صحية ضعيفة و سكان يتأثرون على نحو غير متناسب بفيروس “إتش آي في” المسبب للإيدز ، والسل ، و غيرها من الأمراض المعدية ، ومن ثم فإن الإبعاد  الاجتماعي سوف يكون صعب التنفيذ في عشوائيات ومدن القارة المكتظة بالسكان .”

عدة دول طرحت قواعد للحد من انتشار المرض، لكن “الإبعاد الاجتماعي” قد يكون مستحيلا في المدن المكتظة بالسكان 

ونقلت المجلة عن طبيبة الأطفال و الباحثة في وباء الإيدز “جليندا جراي” ، رئيس مجلس الأبحاث الطبية بجنوب إفريقيا قولها :” ليس لدينا فكرة عن المسلك الذي يتخذه كوفيد -19 في إفريقيا “.

 بينما قال مدير عام منظمة الصحة العالمية تادروس أدهنوم ، وهو إثيوبي ، إن “قلقه الأكبر هو انتشار كوفيد -19 في الدول ذات الأنظمة الصحية الضعيفة “

فحص المسافرين

وكشفت المجلة أن فحص المسافرين ليس بالأمر اليسير، للافتقار لعملية اختبار الفيروس، مشيرة إلى أن ما يزيد على 40 دولة إفريقية لديها حاليا القدرة على اختبار كوفيد-19 ، بعد أن كان العدد لا يتجاوز اثنتين خلال المراحل المبكرة من تفشي الفيروس في الصين.

لكن التركيز على مراقبة ورصد  كوفيد-19 كان في منافذ الدخول بالدول، بينما كان الفحص يستهدف الأشخاص ذوي تاريخ سفر للمناطق الموبوءة بالخارج ، بينما ثبت أن فحص المسافرين المشبته في إصابتهم بالحمي ليس فعالا بشكل كبير، وذلك لأنه لا يحدد المصابين في طور حضانة الفيروس وهي فترة تصل إلى 14 يوما ، كما أنها لا تكشف عن الحالات التي تقع في المجتمعات الإفريقية.

“هناك أسلوب لاكتشاف إذا كان المرض ينتشر في المجتمع، وذلك من خلال رصد المرضى المصابين بأمراض تنفسية في العيادات والمستشفيات”.

 

ونقلت “ساينس”، عن  سالم عبدول ،مدير مركز برنماج أبحثا الإيدز بجنوب إفريقيا قوله” إن العيادات والمستشفيات في دربان، التي يوجد بها أعلى معدلات إصابة بفيروس الأيدز ، لم تشهد بعد زيادة في حالات الأمراض الشبيهة بالإنفلونزا، كما أنه لم يظهر ارتفاع في إصابات تنفسية حادة بين المرضى الأكبر سنا.”

لكن “عبدول، أعرب عن اعتقاده بأن الأمر يتعلق بالوقت قبل أن تأتي الحالات المصابة بكوفيد -19 من الخارج وينتمي معظمهم إلى الفئة الثرية نسبيا والذين  يملكون إمكانيات السفر، والذين يتقاطرون إلى المجتمعات الأكثر ضعفا في البلاد، ومن المرجح أن يكون المرضى الذين أتوا من أوروبا ، قد تفاعلوا مع الجنوب إفريقيين قبل التشخيص، الذين يستقلون عربات الميني باص المزدحمة إلى منازلهم والمناطق ذات الدخل المنخفض، وهي أوضاع مثالية لانتشار كوفيد-19 وهو ما علق عليه عبدول قائلا :” أعتقد أن انتشار الوباء سيكون أمرا محتوما “.

أول حالة ظهرت في إفريقيا جنوب الصحراء ظهرت  في 27 فبراير  ، وكان رجلا إيطاليا سافر إلى نيجيريا ، ثم جاءت معظم الحالات من أوروبا

ونبهت المجلة إلى أن جهاز مراقبة الانفلونزا العالمية والاستجابة، يظهرمستويات مرتفعة عند بعض الدول الإفريقية ، وفي هذا الصدد  قال مدير المراكز الإفريقية للسيطرة على الأمراض والوقاية ، ومقره في إثيوبيا ، إن هذه المستويات قد تكون لأسباب أخرى بخلاف كوفيد-19، مثل التحسن في جودة بيانات الرقابة ، كما أنه ليس واضحا مدى دقة مثل هذه الأساليب في الكشف .

ميزة كبرى

وتتمتع إفريقيا جنوب الصحراء بميزة كبرى  فيما يتعلق بكوفيد-19 ، فمتوسط الأعمار هو الأدنى في العالم ، (أقل من عشرين عاما ) ، ونادرا ما يصاب الأطفال بكوفيد-19 ، ويبدو أن معظم الشباب اليافعين يعانون من أعراض خفيفة، بينما يتعرض الأفراد الأكبر سنا لخطورة أكبر للإصابة بالأمراض الشديدة والوفاة ، و يبلغ من تزيد أعمارهم على 65 عاما نبسبة 3%  من السكان ،مقارنة بالنسبة التي تتراوح 12% في الصين .

وقالت مجلة ساينس إن بعض العلماء يعتقدون أن ارتفاع درجة الحرارة في كثير من الدول الإفريقية قد تجعل الحياة أكثر صعوبة للفيروس الذي يسبب كوفيد-19 ، وسارس-كوف-19 ،ولكن ما إذا كان كوفيد-19 مرض موسمي ، مسألة لا تزال مفتوحة للنقاش والبحث .

عوامل مساعدة

عوامل كثيرة ربما تجعل الوباء أكثر سوءا في إفريقيا، وسوف يكون من الصعوبة تطبيق التدخلات التي قلصت الفيروس حتى وصل إلى مستويات منخفضة للغاية في الصين و ساعدت كوريا الجنوبية في السيطرة على الوباء بشكل أو بآخر .

وقالت المجلة إن عدة دول طرحت قواعد للحد من انتشار المرض ، مشيرة إلى أن رواندا أعلنت أنها ستغلق دور العبادة والمدارس والجامعات بعد ظهور أول حالة إصابة ، ولكن “الإبعاد الاجتماعي” قد يكون مستحيلا في المدن المكتظة بالسكان.

يشعر الخبراء أن الفيروس قد يدمر الدول التي تعاني من أنظمة صحية ضعيفة وانفجار سكاني ومستوى منخفض من الوعي 

وليس واضحا ما إذا كان “الحبس” في البيوت الإفريقية التي يعيش فيها عديد من الأجيال ،  سيكون فعالا ، فكيف تحمي المسنين و توعي سكان القرى بغسل أيديهم ن في وقت لا يوجد فيه مياه أو استخدام الجيل والمطهرات بينما لايملكون المال الكافي لشراء الغذاء؟ .

ضعف الرعاية

وكثير من الدول الإفريقية لا تملك إمكانات الرعاية الصحية لرعاية المرضى المصابين بحالة شديدة بكوفيد-19، واستندت المجلة في هذا الصدد ، بتقرير صدر عام 2015 والذي توصل إلى أن كينيا ، البالغ عدد سكانها 50 مليون نسمة، والتي أعلنت عن أول حالة إصابة منذ بضعة أيام، لديها 130 سريرا فقط بوحدة الرعاية المركزة و نحو 200 ممرضة متخصصة في الرعاية الصحية.

وقالت مجلة ساينس نقلا عن المتخصصة في الأمراض الوبائية الإكلينيكية، ببرنامج تراست للأبحاث إن كثيرا من الدول الأخرى تواجه قيودا مشابهة ، سواء أكان لديها قاعدة هرمية سكانية واسعة أم لا، فمع انعدام الرعاية الصحية العامة و عدم توافر تأمين صحي، فإننا لا نستطيع التعامل مع حالات إصابة عديدة، لأننا لا نستطيع معالجة معظم الحالات الشديدة .”

أبحاث العلاج

ربما يؤدي ارتفاع معدلات الإصابة بالأمراض لأخرى إلى تعقيد الأمور أكثر مما هي عليه، وقالت رئيس مجلس الأبحاث الطبية بجنوب إفريقيا  جليندا جراي،” أهم شيئ لنا هو أن نصف التاريخ الطبيعي لكوفيد-19 في جنوب إفريقيا لنرى ما إذا كان السل والإيدز هما ما يجعلان ألأمر أكثر سوءا”.

وقالت المجلة إن الفرص ستكون قائمة على التجربة مع الأمراض التنفسية الأخرى، ولفتت إلى تحذير أكاديمية العلوم بجنوب إفريقيا بأن الأفراد الذي يعيشون مع فيروس الإيدز يمليون لنقلهم للمستشفى بمعدل يزيد على 8 أضعاف بسبب الالتهاب الرئوي الناتج عن فيروس الإنفلونزا ، أكثر من عموم السكان ، وهم أكثر عرضة للوفاة جراء هذا المرض بمعدل ثلاثة أضعاف .

وقالت المجلة أيضا،” إذا استمرت الحالات في الزيادة بجنوب إفريقيا ، فإن علماءها يتأهبون لدراسات العلاجات الممكنة” ، مضيفة أن الدولة لديها ثروة من الخبرات والبنية الأساسية لإجراء تجارب عشوائية تقدم فيها أدوية “وهمية ” على سبيل المثال أدوية الإيدز والسل و غيرها من الأمصال .

علماء يعتقدون أن كورونا ينتشر بصمت في دول القارة وأن يكون الوباء قنبلة موقوتة وآخرون يعولون على ارتفاع درجة الحرارة 

بينما قالت المدير التنفيذي لمعهد الصحة الإنجابية و الإيدز بجامعة وتووترساند بجوهانسبرج :” ما نفعله هو محاولة التعرف بسرعة على المواقع ، حتى إذا انطلقت هذه التجارب ، تكون المستشفيات الكبرى التي لديها إمكانيات إجرائها مستعدة للمشاركة في أبحاث العلاج .

وأضافت ” هناك أولويات بحثية أخرى أمام البلاد،من بينها إيجاد أساليب لاستبعاد الحالات الخفيفة من المستشفيات، للحيلولة دون إرباك النظام الصحي ، إلى جانب التوصل لأفضل الطرق لوقاية العاملين بالرعاية الصحية وغيرهم من الفئات المعرضة للإصابة، من انتقال العدوى إليهم .

وأغلقت دول إفريقية عديدة حدودها، وألغت رحلات الطيران وفرضت قيودا صارمة على الدخول وإجراءات حجر صحي لاحتواء تفشي فيروس كورونا المستجد.