بعد غزو وباء “كورونا”لمعظم دول العالم، أصبح لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، مع الفيروس، العدو الخفي، الذي أملى شروطه وتعليماته على جميع الدول، واتخذت حكومات الكثير من الإجراءات الاحترازية لإنقاذ حياة الآلاف من البشر.
sss
وأجبر تفشي كورونا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لإصدار قرار فورى بتأجيل التصويت الذي كان مقررًا في أبريل على تعديلات دستورية، من شأنها السماح له بالاستمرار في السلطة بعد انتهاء فترته الرابعة الحالية، عقب عقدين من سيطرته على الساحة السياسية الروسية سواء كرئيس للبلاد أو رئيس للوزراء.
بوتين رئيسًا مدى الحياة
وأبرز ما أعلن عنه بوتين في تلك التعديلات التي قدمها إلى مجلس الدوما في يناير الماضي، هو حذف الحد الأقصى للفترات الرئاسية المتتابعة لرئيس روسيا، فيما يسمح له بالبقاء في الكرملين إلى 2036، ثم قبل استقالة دميتري ميدفيديف وحكومته بعد أسبوع من الإعلان، قائلا: “سنعطي رئيس بلادنا الفرصة لاتخاذ كل القرارات الضرورية لإقرار التعديلات الدستورية”.
ما الذي تعنيه هذه التعديلات؟
شملت التعديلات التي قدمها بوتين وتم التصديق عليها في مارس الجاري، بنودًا مقترحة للحد من السلطات الرئاسية وتعزيز دور البرلمان وإعطاء أولوية للقانون الروسي على القانون الدولي.
وإعطاء مجلس الدوما الحق في الموافقة على تعيين رئيس الوزراء، ودعم دور مجلس دولة – ذو الصفة الاستشارية فقط الآن- ليكون ذو صفة إشرافية على السلطة التنفيذية، والذي كان يرى محللون قبل تبين إمكانية ترشح بوتين مرة أخرى أنه قد يكون رئيسا له ليستمر في السلطة بشكل آخر، كما فعل عندما أصبح رئيسا للوزراء في 2008.
كما ضمن بوتين في تلك التعديلات بعض الحوافز الاجتماعية، مثل إقرار الحد الأدنى للأجور، وإصلاحات للمعاشات- والتي أدى قرار في 2018 برفع سن المعاش إلى احتجاجات واسعة وتآكل شعبية بوتين، بالإضافة إلى منع زواج المثليين، وعدم التشريع له.
وتشير صحيفة “بوليتيكو” إلى أن هناك تعديلات دستورية أخرى مصممة لإضعاف منافسيه، بزعم “أنها لخلق تعاون فعال بين أجهزة الدولة والأجهزة المحلية”، وذلك بعد فوز عددا من المعارضين بمقاعد في الأجهزة المحلية.
وفيما يتعلق بإعطاء الأولوية للقانون الروسي على القانون الدولي، كانت هناك خطوات سابقة من بوتين على نفس الطريق؛ حيث قام في 2016 بإعلان انسحاب بلاده من المحكمة الجنائية الدولية وذلك بعد إصدار الأمم المتحدة قرارًا يدين استيلاء روسيا على القرم من أوكرانيا وارتكابها أفعالا تنتهك حقوق الإنسان من تمييز ضد سكان الإقليم.
وكانت محكمة العدل الدولية أعلنت في 2019 أن لديها سلطة قضائية للفصل في الدعوى المقامة من قبل أوكرانيا ضد روسيا، وتعد أحكام هذه المحكمة نهائية وملزمة.
وكانت روسيا وقعت على معاهدة روما التي تؤسس للمحكمة الجنائية الدولية لكنها لم تصدق على الاتفاقية.
كما أدانت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في 2018 القبض على المعارض الروسي البارز أليكسي نافالني، ووصفت الاعتقالات المتكررة التي يتعرض لها المعارض أنها تهدف إلى قمع التعددية السياسية.
وفي أغسطس 2019، حملت المحكمة الأوروبية موسكو المسؤولية عن وفاة فاضح الفساد المحاسب الروسي سيرغي ماغنيتسكي، والذي توفي في محبسه 2009 في انتظار المحاكمة، وذلك بعد أن كان كشف عن واقعة فساد ضريبية لبعض المسئولين في وزارة الداخلية.
وفي حوار مع مجلة النيويوركر تقول المحللة السياسية الروسية “ماشا ليبمان”، إن التعديلات التي طرحها بوتين تظهر مدى سطوته وكيفية اتخاذه للقرارات في أجواء من الكتمان التام، دون استشارة أي شخص.
كما قالت “ليبمان” إن الحكومة في السنوات الأخيرة قد أصبحت أكثر تشددًا وليس لديها تسامح مع المعارضة السياسية، مما تسبب في المزيد من الاحتجاجات السياسية، والاجتماعية والتي لم تكن مقتصرة على المدن الكبرى مثل موسكو وسان بطرسبرج.
وعن مدى قبول المواطنين لبقاء بوتين في الكرملين، يقول الصحفي الروسي “أندريه كوليسنيكوف” إنه بحسب أحد استطلاع للرأي، هناك 13% فقط من الروس لديهم اهتمام بالمسألة السياسية في مجملها، وأن 39% ممن شملهم الاستطلاع لا يهتمون سوى بمصالحهم.
ويرى أن ضعف العملة، وتراجع النمو الاقتصادي، والأجور المتدنية سيكون لها رد فعل قوي، إلا أن هذا لم يحدث، مفسرًا ذلك بأن الروس لديهم إدراك أنه لا يمكنهم التأثير على صناعة القرار.
ويقول إن تجارب الروس السابقة في التغيرات السابقة من ستالين إلى ميخائيل جورباتشوف، أن تغيير الوجوه يعني تغيرًا في النظام، وليس هناك من يعيش للأبد.