أسهم فيروس كورونا في توحيد وجهات نظر التيارات «السلفية» في العالم العربي، لأول مرة، مع آراء التيارات المسيحية المتطرفة في أوروبا والولايات المتحدة، ضمن محاولة غريبة من الطرفين لـ «تفسير» سر ظهور وباء كورونا عبر العالم، في البداية، باعتباره «عقابا إلهيا» لبعض بني البشر.

فيما راح «كورونا» ينتشر حول العالم انطلاقا من الصين إلى جميع أنحاء العالم، كان للفيروس كما يقول الكاتب ياسر خليل «رحلة أخرى موازية» في مخيلة التيارات «السلفية» ومؤيديها في مصر والعام العربي. رحلة تتبع الأسباب «الخفية» لانتشار الفيروس، بداية من ظهوره في الصين (أرض الكفار)، ونهاية بوصوله إلى العديد من البلدان ذات الأغلبية المسلمة، لا سيما مصر.

«انتقام من الله»

حين ظهر الفيروس في الصين، بدأت بعض وسائل الإعلام السلفية تتحدث بثقة لا يخالجها الشك، عن أن كورونا هو «انتقام من الله» ضد الصينيين، بعدما حاصروا قرابة مليون مسلم من أقلية الإيغور في إقليم شينجيانغ شرق الصين، وأن الجزاء «كان من جنس العمل»، حيث اضطرت السلطات الصينية إلى محاصرة 18 مليون صيني خشية انتشار الفيروس على نطاق واسع في البلاد.

وكان من بين ما تم تداوله على الصفحات والمنتديات السلفية بمواقع التواصل الاجتماعي في العالم العربي، فتوى للشيخ السلفي «أبو قتادة الفلسطيني» قال فيها: «من لم ير في مرض كورونا عقوبة إلهية، وآية ربانية، فهو بحاجة لتعلم فقه القدر، وارتباطه بالشرع».

أبو قتادة الفلسطيني: من لم ير في مرض كورونا عقوبة إلهية، وآية ربانية، فهو بحاجة لتعلم فقه القدر، وارتباطه بالشرع.

وأكد عمر الحدوشي، أحد قادة التيار السلفي في المغرب، أن «المرض أصاب الصين وانتقل من دولة إلى أخرى، رغم التطورات التكنولوجية التي تتوفر عليها الصين»، وزاد: «لا أريد اتهام أمريكا أو الصين بنشره لأنه يقتل الشيوخ، بوصفه كلاما للاستهلاك فقط».

وفي هذا الصدد، قال الدكتور محمد الزغبي، الداعية السلفي المصري، في حلقة على قناة «الرحمة» الفضائية: «بالأمس عزل الصينيون مليون مسلم، وما زالوا يعزلونهم، واليوم يعزلون 18 مليون صيني وما زالوا يعزلون. إنما الجزاء من جنس العمل. إذا نظر العدو للمسلمين، وإلى قوة المسلمين واستهان بهم، فاعلم أن سلطان الله المبين هو الذي يتدخل».

وأضاف الداعية: «حين كان الصينيون يضعون المسلمين في المعسكرات، كانوا يقولون لهم: أين ربكم؟. حين استهانوا بالله، سلّط الله عليهم جنده، ولا يعلم جنود ربك إلا هو».

 

في وقت أرجع فيه البعض سبب تفشي الفيروس المستجد إلى نظرية المؤامرة الأمريكية، فإن بعض السلفيين تفاعلوا مع الوباء من منطلق «القدر الإلهي”؛ إذ رأى فيه بعضهم «بلاءً موجّهًا للكفّار»، واعتبره البعض الآخر «جندًا من جنود الله».

ولكن، لم تمر أيام حتى بدأ الفيروس يتراجع في الصين، ويتم السيطرة عليه، ومن ثم ينتشر في عدد من البلدان العربية والإسلامية. في تلك اللحظة بدأ دعاة السلفية وأنصارها يتوجهون وجهة أخرى، بعيدا عن الصين، ويتحدثون عن أن الفيروس الذي «نزل كجندي من جنود الله ينتقم من الصينيين الكفار»، تحول فجأة إلى «مختبر» لتمحيص إيمان المؤمنين في تلك البلدان.

ويبدو أن السلفيين في مصر والعالم العربي فضلوا عدم الإدلاء بدلوهم، حين تحولت أوروبا إلى بؤرة عالمية لوباء كورونا، فلم نسمع أحدًا منهم يفسر سر هذا التحول في رحلة الفيروس الفتاك.

من جهة أخرى، استغل بعض السلفيين فيروس كورونا في كسب الأموال عن طريق الدين، ومنهم الشيخ الموريتاني «يحظيه ولد داهي»، حيث قال: «كورونا تعالج بالرقية الشرعية عند أحباب الرسول ولا داعي للقلق، ومستعدون للذهاب للصين، نعالجه، بإذن الله تعالى». وحول تكلفة علاج المصابين قال: «تكاليف علاج هذا الوباء تختلف باختلاف المرضى وظروفهم وقدراتهم المالية».

تعليقا على ذلك، أكدت دار الإفتاء المصرية، أن «مثل هذه الأقوال لا يعتد بها، فالنبي صلى الله عليه وسلم قد نبهنا إلى الأخذ بوسائل السلامة الطبية في قوله «وفر من المجذوم كما تفر من الأسد»، ففي هذا الحديث توجيه من النبي للبعد عن كل وسائل العدوى كي لا ينتشر المرض بين الناس».

تقرير لـ «الإفتاء»: بعض السلفيين حاول توظيف الحدث لتنفيذ بعض أدبياتهم، إذ ربطوا ظهور الوباء بمنع بعض المسؤولين للنقاب داخل المؤسسات والجامعات المصرية، لذا فقد جاء العقاب الإلهي ردا على مثل هذه الممارسات.

من جانبه، أجاز الداعية السلفي سامح عبد الحميد الفرار من أرض الوباء، مؤكدا أن «كورونا» وباء وليس طاعونًا، وعلقت دار الإفتاء على فتواه هذه، مؤكدة أن «هذا الكلام مخالف لما عليه علماء المسلمين، الذين قرروا أن الطاعون هو أي مرض أو وباء عام يصيب الكثير من الناس في زمن واحد أو متقارب، لذا فقد قرر العلماء أن الحكم الشرعي هو عدم الخروج من البلد التي انتشر بها الطاعون أو الوباء إلا لضرورة بإذن أصحاب الجهات المعنية، والحكمة في الحديث الشريف عدم نقل المرض أو التعرض له عن طريق العدوى وهذا ما يعرف في الزمن الحاضر بالحجر أو العزل الصحي».

ووفق تقرير لـ «الإفتاء»، فإن «بعض السلفيين حاول توظيف الحدث لتنفيذ بعض أدبياتهم، إذ ربطوا ظهور الوباء بمنع بعض المسؤولين للنقاب داخل المؤسسات والجامعات المصرية، لذا فقد جاء العقاب الإلهي ردا على مثل هذه الممارسات».

كورونا «ملك الموت»

على الناحية الأخرى، اعتبر القس الأمريكي المتطرف ريك وايلز أن فيروس كورونا هو «ملك الموت» المرسل من الله، وأنحى القس باللائمة في انتشار هذا الفيروس على آباء الأطفال «المتحولين جنسيا»، وعلى «القذارة الموجودة في تلفزيوناتنا وأفلامنا» كما قال، معتبرا انتشار كورونا في الولايات المتحدة «حكمًا إلهيًا».

ويلز هو كبير الرعاة في كنيسة Flowing Streams Church غير الطائفية في فلوريدا وصاحب قناة TruNews. وقد سبق أن وصف الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما بأنه «شيطان من الجحيم» وحذر في أكتوبر الماضي من «حدوث عنف» إذا تم عزل الرئيس دونالد ترامب من منصبه.

ووصف القس الأمريكي الصين بأنها «حكومة شيوعية ملحدة»، وأكد أن «الأوبئة هي واحدة من آخر مراحل الحكم». وقدم في تصريحاته تحذيرات للأمريكيين قائلا لهم: «انظروا إلى التمرد الروحاني الموجود في هذا البلد، كراهية الرب، كراهية الإنجيل، كراهية الخير… انظروا إلى عمليات الاغتصاب، والفجور الجنسي، والقذارة الموجودة على أجهزة التلفزيون وفي أفلامنا». وواصل وايلز حديثه بالقول: «هذا هو الوقت المناسب لنصلح علاقتنا مع الله».

 

سيطر جدال مسيحي كبير حول فيروس كورونا على الأجواء، حين أعلنت بعض الكنائس القبطية الأرثوذكسية في أوروبا، وتحديداً في إيطاليا تعليق «القداسات» خضوعاً لأوامر السلطات المحلية مع انتشار فيروس كورونا، وذهبت إيبارشية اليونان للأقباط الأرثوذكس للإعلان عن اتخاذ احتياطات تشمل وقف استخدام لفافات عامة توضع على الفم بعد التناول، وعلى كل فرد أن يأتي بلفافه خاصة به وحده، وكذلك وقف استخدام الأغطية العامة الخاصة برؤوس السيدات، بحيث ينبغي على كل سيدة أن تحضر غطاء الرأس الخاص بها، حيث كانت الكنيسة من قبل توفر أدوات يتم تداولها بين المصلين، كما شملت إجراءات الكنيسة في اليونان منع تداول أكواب الشرب.

 

عقب هذه الإجراءات، بدأ بعض الأقباط في مصر الدعوة إلى التخلي عن «ملعقة التناول»، وهي الدعوة التي قوبلت بالرفض والاستهجان من تيار آخر اعتبر الأمر ضعف إيمان وتشكيكاً في القدسية، محتجين على هذا الإجراء بدعوى أن «القربان المقدس يشفي النفس والجسد».

وقالت يوستينا بطرس، «إن الكنيسة واجهت الكثير من الأوبئة والأمراض المُزمنة على مدار سنين طويلة، مسمعناش عن انتقال أي عدوي من تناول القربان، وهو أحد أعمدة الديانة، وإلا كانوا المسيحين خلصوا. شيء مُحزن إن قادة الكنيسة وخُدام كبار بيتعاملوا مع الموضوع بدون النظرة الإيمانية، وبيتعاملوا زي القطيع بنظرة دنيوية بحتة».

بات هناك تياران داخل الكنيسة المصرية، أحدهما يرفض الخوف من المرض، بدعوى أن «قوة القربان المقدس تستطيع القضاء على كل شيء خطير»، وتيار آخر يؤمن أيضاً بقدسية القربان، لكنه يستمع إلى نصائح الطب والعلم بأخذ الاحتياطات الصحية وتعليق «القربان» بشكل مؤقت.

 

فيما قال البابا فرنسيس إنه يشعر أنه «محبوس» وذلك خلال عظته التي ألقاها، مؤخرًا، عبر الإنترنت من داخل الفاتيكان بدلاً من إلقائها عبر النافذة لمنع احتشاد الناس وسط انتشار فيروس كورونا المستجد في إيطاليا.

 

ـــــــــــــــــــ

المصادر: