كوفيد19، لا يهاب الكيانات العظمى، ولا يخشى الكبار في انتقاء ضحاياه، ولا توقفه الجيوش الجرارة، فقدت أوروبا آلاف الضحايا جراء تفشي كورونا، رغم عظم الإمكانات لديها، وانتشر في بعض دولها بوحشية ولم يقوى الاتحاد الأوروبي بكل ما لديه على مقاومته.

sss

وتخطت حصيلة الإصابات المؤكدة رسميًا في العالم، اليوم الأحد، عتبة  660 ألف إصابة منذ بدء تفشى كورونا نهاية العام الماضي بمدينة صينية، وبلغ تعداد المصابين 660790 إصابة في 183 دولة، بينها 30660وفاة.

وسبق وأن أعلنت منظمة الصحة العالمية، الجهة المعنية بمحاصرة الفيروس عالما، دول أوروبا “كبؤرة لفيروس كورونا”.

وسجلت إيطاليا، وهي عضو  الاتحاد أكبر نسبة وفيات قاربت على 10الاف حالة.

و توقع خبراء أن بوادر أزمة  تحلق في سماء الاتحاد الأوروبي عقب إنتهاء أزمة كورونا، وذلك بسبب الممارسات والقرارات التي اتخذتها الدول الأوروبية فيما بينها.

والاتحاد الأوروبي هو بمثابة جمعية دولية للدول الأوروبية ويضم 27 دولة و أخرهم كانت كرواتيا التي انضمت في أول يوليو 2013، نشاطات عديدة، أهمها كونه سوق موحد ذو عملة واحدة هي اليورو الذي تبنت استخدامه 19 دولة من أصل ال28 الأعضاء، كما له سياسة زراعية مشتركة وسياسة صيد بحري موحدة .

واحتفل الاتحاد في مارس 2007 بمرور 50 عام على إنشاء الاتحاد بتوقيع اتفاقية روما، و حصل الاتحاد الأوروبي في أكتوبر 2012 على جائزة نوبل للسلام لمساهمته في تعزيز السلام والمصالحة والديمقراطية وحقوق الإنسان في أوروبا.

وفي أواخر يونيو 2016، قررت المملكة المتحدة عبر استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي، لتصبح أول دولة تفعل ذلك،  خرجت بريطانيا رسمياً من الاتحاد الأوروبي في أوارخر يناير الماضي.

ووقفت دول الاتحاد الأوروبي مكتوفة الأيدى في تقديم المساعدات لجارتهم مثلمًا حدث مع إيطاليا التي استغاثت بهم بعد تزايد سقوط ضحايا كورونا، لكن الأمر لم يقف عند ذلك فقد تسارعت بعض الدول على مصادرة المساعدات الطبية، ودعا رئيس الوزراء الإيطالي جوسيبي كونتي، الإتحاد لأوروبي “إلى عدم ارتكاب أخطاء فادحة” في عملية مكافحة الفيروس، وإلا “فإن التكتل الأوروبي بكامله يفقد سبب وجوده”.

واعتبر “حجكونتي” في مقابلة مع صحيفة “إل سول 24” أمس السبت أن التقاعس سيترك لأبنائنا العبء الهائل لاقتصاد مدمّر، قائلًا: “هل نريد أن نكون على مستوى هذا التحدي؟ إذاً لنطلق خطة كبيرة، خطة أوروبية للتعافي وإعادة الاستثمار تدعم وتنعش الاقتصاد الأوروبي كله”.

وقال رئيس الوزراء الإيطالي خلال اجتماع المجلس الأوروبي الخميس الماضي، إنه “حدثت خلافات ومواجهة شديدة وصريحة مع المستشارة الألمانية أنغجيلا ميركل، لأننا نعيش أزمة تسفر عن عدد كبير من الضحايا من مواطنينا وتسبب ركوداً اقتصادياً شديداً، ولذلك نحن مُرغمون على اتخاذ خيارات مأساوية، إذا لم تُثبت أوروبا أنها على مستوى هذا التحدي غير المسبوق، فإن التكتل الأوروبي بكامله قد يفقد بنظر مواطنينا، سبب وجوده”.

وسجلت إيطاليا 86498 إصابة وهي الدولة التي سجلت العدد الأكبر من الوفيات (9134)، والصين سجلت 81394 إصابة بينها 3295 وفاة.

مصادرة المساعدات 

ورفعت دول الاتحاد الأوربي يدها عن تقديم المساعدات لإيطاليا التي تعد أكثر الدول الأوروبية تضررًا جراء تفشي كورونا في أوروبا، ومع تدهور الوضع في البلاد طلبت الحكومة الإيطالية المساعدة من الدول الأعضاء في الاتحاد، كما دعت المفوضية الأوروبية الدول الأعضاء لمساعدة إيطاليا، لكن الأمر لم يلق أي استجابة من دول الاتحاد.

وفي سابقة خطيرة وتعد الأولى من نوعها، صادرت جمهورية التشيك أحد دول الاتحاد شحنة من المساعدات الطبية والأقنعة الواقية التي أرسلتها الصين وكانت في طريقها إلى إيطاليا، الأمر الذي بررته حكومة التشيك بأنه حدث بالخطأ خلال ملاحقة عدد من الأفراد الذين يتاجرون في المعدات الطبية في هذا الوقت الحرج وتعهدت برد الشحنة لإيطاليا، وهو ما لم يحدث  حتى الآن.

وقررت ألمانيا حظر تصدير مستلزمات الوقاية الطبية للخارج، وأعلنت لجنة إدارة الأزمات التابعة للحكومة أن وزارة الصحة الاتحادية ستتولى تدبير هذه المستلزمات على نحو مركزي بالنسبة للعيادات الطبية والمستشفيات والسلطات الاتحادية، وسيُجرى استثناء ذلك فقط تحت شروط ضيقة، مثل التصدير في إطار حملات إغاثة دولية.

وكانت دول شمال أوروبا ومن بينها ألمانيا  رفضت مناشدة تسع دول، من بينها إيطاليا الأكثر تضرراً، من أجل الاقتراض الجماعي من خلال “سندات كورونا” للمساعدة في تخفيف الضربة الاقتصادية للوباء.

مساعدات من خارج الاتحاد 

يبدو أن الصين تحاول استغلال تفشي الفيروس في إيطاليا لتظهر في مشهد الأخ الأكبر للدول المصابة التي تستغيث دون استجابة، فقد تقدمت لتحل محل الولايات المتحدة في تقديم المعونات للدولة المنكوبة، وعلى رأسها إيطاليا التي تخلى عنها الأوروبيون.

و أعلنت الصين في 12 مارس2020، إرسال طاقم من الخبراء المتطوعين إضافة إلى أطنان من المستلزمات الطبية لمساعدة إيطاليا على تخطي أزمة كورونا.

أما روسيا والتي تعتبرها الولايات المتحدة عدوا لدود فقد أرسلت تسع طائرات محملة بالمساعدات ومئة أخصائي في علم الأوبئة إلى إيطاليا لمكافحة الفيروس بعد تأكيد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استعداد موسكو لتقديم مساعدات عاجلة لروما.

كما أقدمت مصر على تقديم مساعدات طبيبة متمثلة في مليون كمامة يوم 23 مارس2020، وذلك دعما للمستلزمات الطبية الناقصة في إيطاليا.

مستقبل الاتحاد 

ظهرت أربعة مشاهد ذات دلالات عميقة علي خلفية تخاذل دول الاتحاد الأوروبي عن الوقوف إلي جانب إيطاليا، ما فسرها البعض باحتمالية انفجار الوضع داخل الاتحاد الأوروبي عقب انتهاء الأزمة.

وكان المشهد الأول للمدرعات والعربات الروسية التي تجوب شوارع إيطاليا حاملة على متنها مساعدات وأطقم طبية، أما المشهد الثاني هو مشهد الأطباء الكوبيين الذين وصلوا إلى إيطاليا أيضاً والترحيب الهائل بهم.

والمشهد الثالث فهو تقبيل الرئيس الصربي لعلم الصين اعترافاً منه بدعمها ومساندتها لبلاده، والرابع هو مشهد إنزال علم الاتحاد الأوروبي ورفع علم الصين بدلاً منه في إيطاليا.

ردود أفعال

 جاءت توقعات التضامن والتكاتف بين دول الاتحاد الأوروبي مخيبة للآمال، فقد لجأت الدول لإجراءات حمائية تتنافى مع الأسس والدعائم المكونة للاتحاد الأوروبي، كالغلق الكلي للحدود ابتداءً  من إسبانيا لحدود البرية، ثم ألمانيا التي أغلقت حدودها مع خمس دول منها 4 دول أعضاء للاتحاد (فرنسا – لوكسمبروغ – الدانمارك – النمسا)، وهو إجراء اتبعته كل من الدانمارك والنمسا (لحدودها مع إيطاليا)، والتشيك وسلوفينيا، في تعارض فاضح مع اتفاقية شنغن.

وبدورها أعربت أورزولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، عن خشيتها من تداعيات أزمة كورونا على التماسك بين دول الاتحاد الأوروبي، موضحة أن إغلاق الحدود لبعض الدول لم يوقف انتشار فيروس كورونا، لكنه أضر كثيرا بالعديد من الشركات وقطع سلاسل التوريد المهمة في أوروبا.

وقالت المستشارة أنجيلا ميركل، في مقابلة مع وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ): “معاهدة شنغن للتنقل الحر تمر بوضع حرج بعد فرض الرقابة على الحدود بين الدول الأعضاء، وأرى العديد من الإشارات المشجعة التي تفيد بأن الأوروبيين يدركون كم أن وحدتنا غالية”.

وذكر زيغمار غابرييل وزير خارجية ألمانيا الاتحادية السابق، في مقال في صحيفة “تاغيس شبيغيل”، أن الفيروس لن يصيب الناس فحسب بل سيصيب أيضاً مشاريع الوحدة والتعاون الدوليين-  بما في ذلك صيغة الاتحاد الأوروبي – والتي تم الوصول إليها بتكلفة عالية من الجهد والدماء، مؤكداً أنه يجب علي أوروبا تقديم حلول مقبولة لإنقاذ الناس، وهذا لن يحدث إلا بالتعاون بين المجتمعات وليس الانعزال والانغلاق على الذات.

وقال سفير إيطاليا لدى الاتحاد الأوروبي ماوريتسو ماساري، عقب رفض الدول الأعضاء مساعدة إيطاليا، إن “على الاتحاد الأوروبي أن يتخذ خطوات ملموسة مؤثرة وعاجلة وألا يكتفي فقط بالاجتماعات وتبادل وجهات النظر، ويجب ألا تترك إيطاليا وحيدة في مواجهة هذه الأزمة، لأن هذا الموقف يعد مؤشراً سيئاً على التضامن بين بلدان الاتحاد الأوروبي.”

فرنسا تحاول

سعى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أمس السبت إلى خطب ود الإيطاليين بقوله في مقابلة مع صحف إيطالية، إن فرنسا موجودة لتقديم المساعدة وإنه يتعين على الإيطاليين الحذر من الحديث عن مساعدات من الصين أو روسيا لمكافحة فيروس كورونا.

ودافع ماكرون عن موقف بلاده قائلا: “هناك حديث عن مساعدات من الصين وروسيا، ولكن لماذا لا نقول إن فرنسا وألمانيا وفرتا مليوني كمامة وعشرات الآلاف من السترات لإيطاليا؟، ويجب ألا نستغرق في الاستماع إلى ما يقوله شركاؤنا الدوليون أو منافسونا”.

كما طالب الرئيس الفرنسي بضرورة اعتماد قرض أوروبي مشترك من أجل التصدى لفيروس كورونا المتفشى فى مختلف بقاع القارة العجوز، أو زيادة ميزانية الاتحاد الأوروبي للسماح بتقديم دعم حقيقي للدول التي تأثرت بشكل كبير جراء ذلك الوباء