“لا يمكن وَصَفَ عمليات الهجرة بأنها “غير شرعية”، فهي حق أساسي وإنساني ووصفها ب «غير شرعي» مصطلح غير دقيق، علينا أن نكون أكثر عقلانية ونبحث عن أسباب الهجرة من القارة الإفريقية وداخلها، ولماذا: يركب أشخاص زوارق في البحر يخاطرون بحياتهم ”

بهذه الكلمات رفض سفير دولة الكاميرون، عميد السلك الدبلوماسي الإفريقي بالقاهرة السفير مامادو لابارانج، وأبدي انزعاجه من مصطلحات تعريفية يجري الحديث عنها عند تناول ظاهرة الهجرة داخل القارة الإفريقية وخارجها، معتبرا أنها أصبحت قضية دولية وتشكل تحديات كبري تعاني منها القارة الإفريقية، قائلا «الانتقال والهجرة جزء من الثقافة الإفريقية، لافتا إلى أن بعض القبائل في الجنوب الإفريقي لا تتزاوج إلا في حال الهجرة ”

 

كلمات لا بارانج التي فجرها خلال إحدى جلسات ندوة «الهجرة غير الشرعية»، التي نظمتها مؤسسة كيمت بطرس غالي للسلام والمعرفة، بالتعاون مع المجلس القومي لحقوق الإنسان، أمس، الثلاثاء، أثارت حالة من الجدل، خاصة مع حضور ممثلين لسفارات أوروبية من القاهرة، وعلى رأسهم إيطاليا والتي ووفقا للإحصائيات الدولية تعبر من أكثر البلدان التي تعاني من استقبال المهاجرين القادمين من القارة الإفريقية عبر البحر المتوسط.

 

كلمته حملت العديد من التساؤلات، وأيضا الحقائق والتي يراها البعض بأنها جديدة، قال عميد السلك الإفريقي:” آلاف الأشخاص يخاطرون بحياتهم فى البحار، ويتم التلاعب بهم بناء علي أفكارا غير حقيقية عم مكاسب الهجرة من قبل عصابات التهريب، مشيرا إلي أن الدراسات أثبتت أن الهجرة ليست سببها الفقر وحده” مضيفا بـ “أن الظاهرة أصبحت قضية دولية وتشكل تحديات كبري تعاني منها القارة الإفريقية، قائلا« الانتقال والهجرة جزء من الثقافة الإفريقية، لافتا إلى أن بعض القبائل في الجنوب الإفريقي لا تتزاوج إلا فى حال الهجرة” ،وضرب مثالا على ذلك بأنه على سبيل المثال وليس الحصر تقدر أعداد سكان الكاميرون المتواجدين خارج الدولة، أكثر من المتواجدين علي الأراضي الكاميرونية.

استند لابارانج في أطروحته للتقارير الصادرة من منظمات دولية تشير إلي أن إفريقيا هي المقصد الاول للمهاجرين الأفارقة، وأن الهجرة داخل القارة أكثر من خارجها وليس كما يظن البعض.

 

الحل فى دعم عمليات التنمية المستدامة

أوصي الحضور بإن الحل في لمكافحة الهجرة غير الشرعية العمل على التنمية المستدامة والتي تؤمن وتزيد من استقرار المجتمعات وبالتالي تتجاوز إشكاليات الفقر والبطالة في قارة تشير الدراسات الأخيرة إلي أن نحو ثلث البلدان الأفريقية فقط حققت شمولية النمو والحد من الفقر وعدم المساواة، مما أدى إلى ضرورة مد خطة التنمية المستدامة لتحقيق 3% حتى عام 2045 بعد أن ثبوت عدم تحقيق ذلك في غضون 2030 .

تشير الدراسات الأخيرة إلي أن نحو ثلث البلدان الأفريقية فقط حققت شمولية النمو والحد من الفقر وعدم المساواة

الدراسات أشارت إلي أنه بحلول العام 2030 سينخفض عدد الفقراء لنحو 421.2 مليون مواطن أفريقي بعدما تم رصد نحو 429.1 مليونا في عام 2018، وهو ما يعنى خروج ما يقرب من 8 ملايين شخص من دائرة الفقر المدقع، كما أن نصيب الفرد من الاستهلاك في حاجة أيضا إلى النمو 10.25% سنويًا لتحقيق هدف التنمية المستدامة البالغ 3% بحلول عام 2030، الأرقام السابقة أكدتها الدكتورة حنان مرسي، مدير إدارة سياسات الاقتصاد الكلى والبحوث في بنك التنمية الأفريقي.

 

التجربة المصرية لمكافحة الهجرة

تطرق العديد من المتحدثين إلى التجربة المصرية في مكافحة الهجرة، وأشادوا بها، بعد استعراضها من قبل  السفيرة نبيلة مكرم، وزيرة الدولة للهجرة وشئون المصريين في الخارج، والتي ذكرت في بداية حديثها بأن ” الدولة المصرية تنظر الي المهاجرين غير الشرعيين على أنهم ضحايا وليسوا جناة، معتبرة أن التشريعات الوطنية التي صدرت مؤخرا ترسخ لهذه المفاهيم “.

وزيرة الهجرة “ليسوا لاجئين وإنما ضيوف في بلدهم الثاني ولذلك هم مندمجين بالمجتمع المصري ولا يعيشوا في تجمعات خارج المدن

“مصر كانت قديما من الدول المستقبلة للهجرة وعلى مدار عقود طويلة كانت تأتيها جنسيات كثيرة بهدف التعايش فيها، ومازالت مصر حتى يومنا هذا تعمل على ذلك، لأنها ملتقي الأديان والجنسيات” وهذا ما يفسره وجود أكثر من 5 ملايين لاجئ في مصر من جنسيات مختلفة لاجئين.

بحسب وصف وزيرة الهجرة فأنهم “ليسوا لاجئين وإنما ضيوف في بلدهم الثاني، وهذا يؤكده أنهم ليسوا موجدين في تجمعات خارج المدن، وانما مندمجين داخل المجتمع المصري”.

التجربة المصرية التي استعرضتها “مكرم ” شملت مساهمات الدولة وجهودها التي تضمنت أيضا مبادرة الرئيس الأخيرة «مراكب النجاة» للتوعية بمخاطر الهجرة والحد منها بعد ان رصد نحو 11محافظة تعتبر من أكثر المحافظات المصدرة للهجرة، مستعرضة كيفية عمل البرنامج وأهدافه ومنها تطوير مهارات سكان تلك المحافظات وتدريب الشباب بحيث يكون قادر على العمل بما بتوافق مع معايير واحتياجات السوق الأوروبي”.

في نهاية حديثها كشفت وزيرة الهجرة “أن هناك مرحلة لاحقة واتجاه من الدولة لتكون الحكومة وسيط لتوفير احتياجات الدول الأوربية للعمالة المصرية بما يضمن حقوقهم وحياتهم بديلا عن عمليات الهجرة غير الشرعية “.

 

قضية وعي

اتفق الجميع على أن الظاهرة تشكل في المقام الأول قضية وعي، وأنها بحاجة إلى تضافر الجهود سواء على المستوي المحلي أو الدولي، من بين هؤلاء السفير إيهاب فوزي، مساعد وزير الخارجية للشئون متعددة الأطراف والأمن الدولي، الذي أكد بان قضية الهجرة غير الشرعية أصبحت تشكل تحد مشتركا خاصة في ظل التحديات والتطورات التي تشهدها القارة الإفريقية.

مساعد وزير الخارجية :لم يتم رصد أي مركب يحمل مهاجرين منذ سبتمبر 2016 من مصر 

وشدد على ان الظاهرة تتطلب تضافر الجهود الدولية لاتخاذ التدابير اللازمة لمعاقبة المتورطين في تلك الجريمة”، وأنه نتيجة لتلك الجهود المصرية التشريعية والتنفيذية ومنها اقرار القانون 82 لسنة 2016، الخاص لمكافحة الهجرة، لم يتم رصد أي مركب يحمل مهاجرين منذ سبتمبر 2016 من مصر، هكذا أكد مساعد وزير الخارجية في مداخلته.

 

الإرهاب.. والاستعمار القديم

“الهجرة غير الشرعية أصبحت ظاهرة تشكل خطورة داخل القارة الإفريقية، مضيفا وأحد أشكالها الهجرة من الجنوب إلى شمال أو المتوسط، وهو ما يشكل عبء لدول شمال إفريقيا والتي أصبحت دول عبور “ترانزيت” بحسب محمد فائق، رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان.

 فائق أشاد بالتجربة المصرية، والتي بها حاليا نحو 5 ملايين لاجئ، موضحا أنه في فترة من الفترات كانت مصر من أبرز الدول المصدرة للهجرة غير الشرعية، ورغم ذلك نجحت بسبب جهودها التنفيذية والتشريعية في وقف وإنهاء الرحلات التي تخرج عبر سواحلها “.

بحسب ” فائق” مشاكل الحدود التي أقرها الاستعمار القديم بين الدول الأفريقية، ومازالت سببا للنزاع بين دول الجوار أحد أسباب الهجرة 

فائق الذي يصفه البعض بأنه مهندس العلاقات المصرية الإفريقية في عهد الحقبة الناصرية، أرجع إحدى الأسباب وراء تنامي ظاهرة الهجرة إلى الإشكاليات التي تؤرق دول القارة ومنها “الهجرة والنزوح”، داخل القارة بسبب مشاكل الحدود التي أقرها الاستعمار القديم بين الدول الأفريقية، ومازالت سببا للنزاع بين دول الجوار.

الإرهاب أيضا يتسبب في ارتفاع نسب الهجرة، بحسب ” فائق” مؤكدا بإن انتشاره في القارة الأفريقية يشكل خطرا كبيرا، ويفاقم من الأزمة قائلا ” بناء السلام وإسكات البنادق في القارة الإفريقية هو الوسيلة لإيقاف عمليات الهجرة “.

 

انتقادات لتركيا بسبب نازحي إدلب 

تزامنت أحداث مدينة إدلب السورية وما تسبب عنها من ارتفاع نسبة النازحين والمهجرين مع انعقاد الندوة، وهو ما جاء على لسان ممدوح عباس، رئيس مؤسسة كيمت بطرس غالي للسلام والمعرفة، ووصفه قرار تركيا مؤخرا بـ «التمييز والعنصرية» بعد توارد الأنباء عن تهجير أكثر من 100 ألف شخص من تركيا والدفع بهم إلي الحدود اليونانية، بسبب تصاعد أحداث إدلب الأخيرة، ومعاناة هؤلاء على مدار الأيام السابقة على الحدود اليونانية، وسط ظروف إنسانية صعبة وكارثية.

“عباس” انتقد موقف المجتمع الدولي اتجاه ما يحدث في إدلب وغيرها من المدن السورية

“عباس” انتقد موقف المجتمع الدولي اتجاه ما يحدث في إدلب وغيرها من المدن السورية، قائلا ” نشهد حالة من ازدواجية المعايير في تعامل المجتمع الدولي مع قضية الهجرة واللاجئين، قائلا:« يجب أن نتعامل مع اللاجئين بشرف ونزاهة”.
زاوية أخري، ربما لم يتطرق إليها أحد من الحضور تناولها “عباس” في مداخلته تعقيبا علي وزيرة الهجرة، معتبرا أن هناك قضية تشكل خطورة أيضا في مصر وهي الهجرة الداخلية حيث أصبحت العاصمة الآن بها نحو 16 مليون نسمة، وهو ما يتطلب معه رؤية من الدولة لخلق فرص عمل للحد من عمليات الهجرة الداخلية، مما جعل الوزيرة تستعرض في ردها على مواقف الوزارة مؤخرا وجهودها المتفرقة إلا أنها ردت مازحة بالقول “أنا مسؤولة عن المصريين في الخارج، مش معقولة كمان يكون اللي جوا وبرا “، ولكنها عادت وأشارت إلي أن الحكومة تقوم بجهود كبيرة من خلال المشروعات القومية الكبرى، ومنها العاصمة الإدارية الجديدة وباقي المدن الجديدة في المحافظات لخلق مجتمعات عمرانية جديدة تخفف من العبء السكاني بالقاهرة .