بيت الشاعر محمود درويش “إن أعادوا لك المقاهي القديمة فمن يعيد لك الرفاق” أصبح يجسد بقوة واقعًا يعيشه الرجال الآن، بعد قرارات إغلاق المقاهي وحظر التجول، الذي فرضته الحكومة المصرية وفق خطتها؛ لمكافحة فيروس كورونا المستجد، تشابه الرجال حول احساسهم بالضجر، لكن اختلف بعضهم بين اعتبار المكوث في البيت محنة ينتظروا الخلاص منها، أم منحة وفرصة أخرى لإعادة النظر في نمط حياتهم.

sss

وتسبب فيروس كورونا، الذي ظهر في مدينة ووهان الصينية، أواخر العام الماضي في إصابة، 785 ألفاً، و686 حالة مؤكدة حول العالم، توفى منهم 37 ألفاً و810 حالة، وتعافى أكثر من 165 ألفاً و585 شخصًا عقب تلقى العلاج.

واتخذت الحكومات والدول إجراءات صارمة لمواجهته، أهمها البقاء في المنزل، وتعزيز التباعد الاجتماعي وتقليص التجمعات، لمواجهة الفيروس.

المنزل أهون من الحبس الانفرادي

مالك عدلي المحامي الحقوقي اعتبر العزل الحالي نعمة – مقارنة بالحبس الانفرادي الذي تعرض له سابقًا أثناء سجنه احتياطيا، واستطاع أن يستغل فترة العزل في قضاء وقت أكثر مع أسرته واللعب مع ابنتيه.

ويشير مالك إلى أنه لم يشعر بالاغتراب في بيته، أو حدوث أمر جديد لأنه اعتاد في أيام الإجازات والعطلات المكوث مع أسرته ومشاركة زوجته في مهام المنزل، لكن فكرة العزل الإجباري وسيطرة مشاعر الخوف على طفلتيه ومحاولته طمأنتهم واستمرار الحياة لحين انتهاء أزمة كورونا هو أمر غير مألوف بالنسبة له.

الشعور بالاكتئاب

“نمط الحياة الخاص بي ضُرب في مَقتل، أشعر بالغربة والخنقة والاكتئاب الحاد بسبب الوضع الاستثنائي الجديد سواء العزل المنزلي أو الحظر” قالها الصحفي أحمد البرديني، مشيرًا إلى ملامح يومه التي كانت مليئة بالصخب والحيوية والعمل من الجريدة ومقابلة الجمهور بحكم عمله كصحفي، إلى خمول وملل وصل إلى حد الضجر.

مشكلة البرديني تكمن في شعور العزلة الإجبارية، قائلا: “أي شيء يفرض على الإنسان هو أمر سلبي، حتى لو تفهمت الأسباب ومقتنع بها، ولا استطيع الشعور بالراحة أثناء العمل من المنزل، ولكن الأمر الإيجابي أنني أصبحت مشاركا أكثر في المهام المنزلية ومساعدة زوجتي”، لافتا إلى أن الشارع جزء من تكوين شخصيته منذ كان صبيا وتواجده خارج المنزل بين الدروس واللعب، ومقابلة الأصدقاء، وفي الشباب بين العمل وحضور الندوات والنقاشات والفاعليات الفنية، والجلوس على المقهى.

الخوف من الأحضان

ويقول الكيميائي علاء فريد:”لا يوجد راحة مصحوبة بالرعب، والملتزمون بالعزل المنزلي يخافوا الخروج، في ظل ضغط عصبي وتوارد أخبار الإصابات والوفاة بسبب الفيروس”، موضحًا أن طبيعة عمله ككيميائي بالشركة القابضة لمياه الشرب، تلزمه التواجد بمحطات المياه والسفر في المحافظات، وبسبب الظروف الراهنة توقفت كافة السفريات والتواجد بمحطات المياه، مشيرًا إلى الإجراءات الأخيرة للشركة بتخفيض تواجد العمالة بمقرها، والتواجد يومين أو ثلاثة بالأسبوع بالتناوب، فضلاً عن قضاء نصف عدد ساعات العمل.

لمواجهة الملل والفراغ، قرر فريد النوم في الصباح، والاستيقاظ في المساء بالتزامن مع توقيت حظر التجوال؛ حتى لا يتمكن من الخروج، ورغم ذلك يسيطر عليه الضجر والخوف على أسرته، بسبب ذهابه للعمل واختلاطه بالناس، مختتمًا حديثه: “لا استطيع أن أحضن أمي خوفا عليها لكبر سنها، فأية راحة تلك التي سنشعر بها في مثل هذه الأجواء”.

نوبات الهلع 

المشاعر السلبية أصابت معد البرامج الفضائية إبراهيم الديب في بداية العزلة، حتى أصيب بنوبات هلع أدت لاختناق بالجهاز التنفسي، وهواجس بإصابته بفيروس كورونا، بسبب متابعته الأخبار على مدار الساعة، إلى أن قرر تصفية ذهنه قدر الإمكان، قائلاً:”بالفعل تحسنت بالتدريج وهدأت مخاوفي واعتدت المكوث في البيت، وشعرت بالألفة تجاه أسرتي ومتابعة والدتي وأشقائي”.

ساعد الديب في تقبل الأمر أنه غير معتاد على الخروج الكثير والجلوس على المقاهي، وتوزيع وقت الفراغ بين النوم ومواقع التواصل الاجتماعي ونتفليكس ـ حسب قوله ـ.

عزل اختياري 

قرار العزل لم يكن جديد علي سامح فايز، حيث أنه يعيش في عزلة اختيارية منذ 3 سنوات، ويعمل من المنزل كصحفي ثقافي حر لا يتبع مؤسسة، إلا أنه شعر باختلاف واضح بين العزلة الاختياري والإجباري بسبب وباء عالمي.

وأشار فايز إلي أنه استغل تلك العزلة في انجاز أكبر قدر من العمل والقراءة، والتواصل مع أسرته وأهله، والإقلاع عن التدخين والأكل السريع، فضلا عن قضاء وقت أطول مع أولاده الثلاثة، واكتشاف معاناة زوجته اليومية سواء في مهام المنزل أو تربية الأولاد، مقررًا بعد انتهاء الأزمة وعودة الحياة لطبيعتها أن يحافظ على قضاء وقت أطول مع أطفاله ومساعدة زوجته.

 كورونا فرصة جديدة لمراجعة النفس 

رئيس المركز القومي للبحوث الاجتماعية سابقًا سهير لطفي، تفسر حالة الضجر والملل التي تنتاب الرجال أكثر من النساء بعد قرار العزل والحظر، بأنها ليس لها علاقة باختلاف النوع، وإنما لها علاقة بنمط حياة الرجل الذي اعتاد فيه أن يكون خارج المنزل منذ الصغر بحكم التربية.

“معظم الشباب خاصة من الجيل الجديد، اعتادوا على بقاءهم خارج البيت طوال اليوم، على عكس جيل أباءهم الذين كانوا يعملوا حتى الظهيرة ويقضوا وقت أطول مع أبناءهم، كما أن الجيل الحالي أنشطته أغلبها خارج المنزل بعيدا عن الأسرة كالمقاهي وصالات الرياضة واللعب ووسائل التكنولوجيا”، حسبما قالت.

وتضيف لطفي في تصريحات لـ”مصر 360 “، أن الرجل كائن عشوائي بعض الشيء يصعب عليه التواجد بالمنزل فترات طويلة، تفرض عليه الالتزام والتكيف داخل إطار معين، لكن ستختلف شخصية كل رجل عن آخر حول توظيف هذا الفراغ، لافتة إلى أن  كورونا أزمة عالمية، وفرصة جديدة لمراجعة النفس في اختيار نمط حياة جيد.