ظلت حكومات العالم تعتمد على المراقبة الرقمية لفرض تدابير صارمة على حرية الحركة، وذلك في سبيل كبح جماح تفشي وباء كورونا الذي اجتاح الكرة الأرضية، ولكن هذا الإجراءات الحكومية قد يساء استغلالها لانتهاك حقوق الإنسان ومن بينها الحق في الخصوصية وحماية البيانات الشخصية وحرية الحركة والتنقل .
sss
شنت منظمة الخصوصية الدولية “إنترناشيونال برايفسي” حملة موسعة ضد استغلال الحكومات والمؤسسات، خلال تعاملها مع أزمة كورونا، للبيانات الشخصية بقليل من الضمانات، داعية إلى عدم إساءة استغلال الأزمة العالمية لصالح تشديد القبضة الحكومية على الشعوب .
كما قامت بتدشين مركز موارد على الانترنت لرصد الاستجابات الحكومية للوباء، داعية الأشخاص الذين لديهم معلومات إلى التقدم بها.
وتسعى منظمة الخصوصية الدولية، إلى الدفاع عن حق الخصوصية وتعزيزه حول العالم، تأسست عام 1990، وسجلت بصفة كمؤسسة غير هادفة للربح، ويقع مقرها في المملكة المتحدة .
الخصوصية وبيانات الأفراد
وقالت المنظمة إن جميع شركات التكنولوجيا والحكومات والهيئات الدولية أعلنت عن إجراءات للمساعدة في احتواء انتشار فيروس كوفيد-19، منبهة إلى أن بعض هذه الإجراءات تفرض قيودا مشددة على حريات الناس ، والتي من بينها خصوصياتهم.
110 منظمة حول العالم حذرت ونددت بالاستخدام “غير المقيد” لتكنولجيا المراقبة الرقمية من جانب الحكومات وشركات التكنولوجيا
وأضافت: “يتم اختبار مستويات غير مسبوقة من المراقبة واستغلال البيانات والمعلومات المغلوطة عبر العالم”، لافتة إلى أن كثيرا من هذه الإجراءات قائم على السلطات الاستثنائية التي تستخدم فقط في حالات الطوارئ، بينما يستغل آخرون هذه الاستثناءات في قوانين حماية البيانات لمشاركة هذه البيانات.
ونبهت المنطمة إلى أن بعض هذه الإجراءات قد يكون فعالا وقائما على نصيحة المختصين في علم الأوبئة وبعضها ليس كذلك، ولكن يجب أن تكون جميعها مؤقتة ومتناسبة تستند إلى الضرورة، وتخضع للتقيم والمحاسبة بمجرد انتهاء الوباء.
ووصفت المنظمة تلك التدابير بأنها متباينة وهي تتراوح من استخدام المخبرين، ومراقبي الشرطة و الختم اليدوي، والتسمية العامة للأفراد، واستخدام التكنولوجية المتطورة التي تتمثل في تطبيقات التتبع وأدوات المتابعة الجماعية، لافتة إلى أن تحليلا موسعا كشف عن استخدام أسلوب تتبع بيانات موقع التليفون المحمول في 23 دولة، بينما نشرت 14 دولة أخرى تطبيقات لاستخدامها في الغرض ذاته .
خطوة غير مسبوقة
اجتمع عدد كبير من منظمات المجتمع المدني تمثل جميع الاتجاهات مطلع الشهر الجاري ، لدق ناقوس الخطر فيما يتعلق بالخصوصية وحقوق الإنسان، وذلك على خلفية قيام الحكومات حول العالم باتخاذ تدابير قوية متزايدة لكبح انتشار فيروس “كوفيد-19 ” ، وهو ما عبرت عنه أكثر من 110 منظمة من جميع أنحاء العالم والتي أصدرت بيانا مشتركا يعارض الاستخدام “غير المقيد” لتكنولجيا المراقبة الرقمية .
“الخصوصية الدولية”: هناك إجراءات تفرض قيودا مشددة على الحريات وحقوق الإنسان ويجب وضع حد لها
وبزيادة صلاحيات المراقبة الرقمية الرسمية، مثل إمكانية تحديد بيانات موقع التليفون المحمول، فإن الخصوصية وحرية التعبير وحرية التجم، تنتهك وتقلل من مستوى الثقة في السلطات العامة ، وتقوض فعالية أي استجابة صحية عامة.
وأعربت منظمات المجتمع المدني المعنية بهذا الأمر، عن تفهمها للحاجة باتخاذ إجراءات قوية ضد انتشار فيروس كوفيد -19 ، إلا أنها رغم من ذلك تحذر من استخدام الصلاحيات المراقبة الرقمية الرسمية، حسب موقع مجلة CPO المعنية بخصوصية البيانات والحماية والأمن السيبراني .
اقرأ أيضا : وصفة “فيسبوك ” الجديدة: كثير من التفاؤل ..قليل من حقوق الإنسان
وباء كورونا يشكل حالة طوارئ صحية عالمية عامة، تستلزم ردا منسقا وواسع النطاق من جانب حكومات العالم، ولكن لا يجب استغلال جهود الدول لاحتواء الفيروس كغطاء لتدشين عصر جديد من أنظمة موسعة بشكل هائل للمراقبة الرقمية “المتوغلة”.
“نحن المنظمات الموقعة أدناه، نحث الحكومات على إظهار قيادتها في التعامل مع الوباء بأسلوب يضمن استخدام التكنولوجيات الرقمية للتبع ومراقبة الأفراد والسكان، بأسلوب دقيق يتماشى مع حقوق الإنسان”، جاء ذلك في البيان الذي وقع عليه منظمات كبرى وبارزة في هذا المجال وهي “ديجتال رايتس ووتش ” المعنية بالحقوق الرقمية و مؤسسة بحث سياسة المعلومات ، والعفو الدولية ، و هيومان رايتس ووتش و مؤسسة الشبكة العالمية .
وشددت المنظمات في المقام الأول على أن ضرورة أن تكون الإجراءات المتخذة من جانب الحكومات قانونية و ضرورية ومتناسبة ، حيث عبرت عن مخاوفها من احتمال استخدام الدول ذلك الوباء كذريعة للممارسة رقابة جماهيرية بلا تمييز، و أن تعود مثل هذه الإجراءات غير المتناسبة عندما تهدأ حدة الوباء
كما شدد الموقعون على ضرورة تقييد صلاحيات المراقبة من حيث الفترة الزمنية وذلك لضمان حتى لا يتم استغلالها عندما تخبو الأزمة .
كما أوصت المنظمات بضرورة أن تكون أي بيانات شخصية يجري تجميعها ، ضرورية على نحو صارم لمكافحة انتشار الفيروس ، وأن تبذل الحكومات كل جهد لضمان “تجهيل هذه البيانات ” أي عدم نسبها إلى أي شخص وأن تحرص على الشفافية فيما يتعلق بهذا التجهيل لصاحب البيانات .
حماية استثنائية
وتنظر كل من الولايات المتحدة و المملكة المتحدة في الوقت الراهن في استخدام تكنولوجيا المراقبة الرقمية لتتبع انتشار كوفيد -19 ، بينما كانت تقوم دول مثل البرازيل وسنغافورة وإسرائيل والصين وكوريا الجنوبية باستغلال هذه التقنية لبعض الوقت .
اقرأ أيضا : “هيومن رايتس واتش”: نخشى استغلال حكومات لأزمة “كورونا” في قمع الحريات
وورد في تقرير “ZDnet ” أن شركات أمازون و مايكروسوفت وبالانتير يجمعون جهودهم مع هيئة الصحة الوطنية بالمملكة المتحدة لبناء مخزن بيانات مركزي لتحديد المكان الأمثل لتخصيص موارد الرعاية الصحية .
في حين قالت هيئة الصحة الوطنية البريطانية أن جميع السجلات سيجري تدميرها بمجرد إخضاع كوفيد-19 للسيطرة .
أومانوفيتش : رغم أن أزمة الوباء تحتاج إلى اجراءات استثنائية إلا أنها تحتاج أيضا اجراءات حماية استثنائية للمواطنين
وقال مدير الدفاع بمنظمة الخصوصية الدولية إيدان أومانوفيتش ، فيما يتعلق بمخاطر هذه التدابير ، إنه على الرغم من أن الأزمة تستلزم فعلا اتخاذ اجراءات استنثائية ، إلا أنها تتطلب أيضا اجراءات حماية استثنائية للمواطنين .” ، مضيفا أن السماح بجهود انقاذ حياة الناس أن تدمر مجتمعاتنا ، من شأنه أن ينطوي على قصر نظر غير معقول ، حتى الآن في هذه الظروف بوسع الحكومات أن تختار نشر إجراءات بأساليب قانونية وبناء ثقة جماهيرية و احترام رفاهة الناس .
وتابع :” الحكومات تستطيع الآن أكثر من أي وقت مضى أن تختار حماية مواطنيها بدلا من أدواتها التي ترمي إلى التحكم والسيطرة “
اقرأ أيضا : “صراع الحرية والبقاء”.. إجراءات محاصرة “كورونا” في قفص الاتهام