وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، وصل إلى إثيوبيا هذا الأسبوع، في محاولة لجعل إثيوبيا توقع على معاهدة سد النهضة، حيث تعد الولايات المتحدة حليف رئيسي لإثيوبيا، وتقدم أكثر من مليار دولار من المساعدات الإنمائية لها كل عام، ويمكن أن يمنح النفوذ الأمريكي الكبير على إثيوبيا، فرصة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب للدفع باتجاه إبرام معاهدة جديدة، لإثبات براعته في هذا الأمر مرة أخرى.

سد النهضة الكبير، مشروع إثيوبيا الطموح، كان نقطة خلاف بين مصر وإثيوبيا والسودان في السنوات الأخيرة، فعلى الرغم من سنوات من المفاوضات، لم تتوصل البلدان الثلاثة بعد إلى اتفاق بشأن عملية ملء وتشغيل السد الذي اكتمل بنسبة 70%، ومن المتوقع أن يتم ملء خزانه في موسم الأمطار لعام 2020.

هذه التوترات ليست جديدة، لقد كان النيل سببا للعداء بين إثيوبيا ومصر لعدة قرون، حيث يسهم النيل الأزرق، الذي يتدفق من المرتفعات الإثيوبية، في أكثر من نصف الحصة السنوية للنيل، ويأتي الباقي من النيل الأبيض، وعطبرة. 

واستخدمت مصر كافة الوسائل القانونية والسياسية لحماية حصتها من مياه النيل، المصدر الوحيد للمياه العذبة لسكانها البالغ عددهم 100 مليون نسمة. 

اديسو لاشيتو: الاتفاقية قد تحمل مخاطر مستقبلية غير مقصودة

إلا أن استغلال رئيس الوزراء الإثيوبي السابق، ميليس زيناوي، التوترات التي شهدتها مصر خلال ثورة 25 يناير، وإطلاق مشروع سد النهضة الكبيرة في 2011، خلق حالة من عدم الثقة بين البلدين.

الوضع الحالي للمفاوضات

يقول اديسو لاشيتو المحلل في معهد “بروكينجز” في واشنطن، إن السد كمشروع مائي، لن يؤدي إلى استهلاك إثيوبيا حصة إضافية من المياه، ولكنه سيضعف من تدفق النيل حتى يتم ملء خزانه، وتتفاوض إثيوبيا مع دولتي المصب، مصر والسودان على وتيرة ملء الخزان. 

بعد الفشل في إحراز تقدم لسنوات عديدة، اكتسبت المفاوضات زخما بعد تدخل الولايات المتحدة وسيطا في نوفمبر 2019، حيث عقد وزراء الخارجية والمياه في الدول الثلاث سلسلة من الاجتماعات منذ ديسمبر 2019 في واشنطن العاصمة، حضر بعضها رئيس البنك الدولي، ديفيد مالباس، ووزير الخزانة الأمريكي، ستيفن منوشين.

 

 

مصر من جانبها تخشى من أن يؤدي ملء خزان سد النهضة بسرعة إلى التأثير على القطاع الزراعي بها، مطالبة بالحصول على ما لا يقل عن 40 مليار متر مكعب، من إجمالي 49 مليار متر مكعب من النيل الأزرق. 

وتضغط إثيوبيا لتقليل حصة مصر السنوية إلى 31 مليار متر مكعب فقط، في الوقت الذي تشير فيه التسريبات من المفاوضات إلى أن الولايات المتحدة تقترح السماح بتدفق 37 مليار متر مكعب من المياه في اتجاه مجرى النهر، ما سيمكن إثيوبيا من ملء الخزان بحد أقصى 12 مليار متر مكعب في السنة. 

من المحتمل أن يتسبب هذا الاقتراح في تأخير سنوات عديدة في فترة ملء خزان السد، الذي تبلغ طاقته 74 مليار متر مكعب، وبالتبعية تقليل قدرته على توليد الكهرباء بكامل طاقته. 

علاوة على ذلك، قد يمنع هذا التقييد إثيوبيا من بدء مشاريع أخرى على طول النيل، إذا قلل الجفاف أو مشروع جديد على النهر من المياه المتدفقة إلى السد، فسيتعين الحفاظ على الحد الأدنى من تدفق المياه عن طريق الاعتماد على خزان السد.

بومبيو قال خلال مؤتمر صحافي مع نظيره الإثيوبي، جيدو أندارجاشو، إن “عناصر الاتفاق بشأن سد النهضة تقترب من نهايتها”، إلا أنه أشار إلى أنه “هناك عملا ينبغي القيام به قبل التوصل إلى حل نهائي”.

عقبات في طريق الاتفاق

يرى لاشيتو أن المشكلة الرئيسية هي أن هذا الاتفاق جاء بعد مفاوضات متسرعة وقد يحمل مخاطر مستقبلية غير مقصودة، أحد مصادر الخطر الرئيسية هو عدم وجود آلية مستقلة ومقبولة بشكل متبادل لرصد وإنفاذ الاتفاقية. 

مايك بومبيو: هناك عملا ينبغي القيام به قبل التوصل إلى حل نهائي

ولأن أي اتفاق بشأن سد النهضة يتطلب تعاونا قويا حتى يمكن ضمان أي فرصة لنجاحه، فسوف يتعين بنائه على أساس قبول قوي من الموقعين لبنوده. 

وهو أمر غير ممكن حتى الآن، لأن البنود المتعلقة بتطبيق الاتفاقية، وتلك المرتبطة بالجزاءات الواقعة على مخالفي الاتفاقية تتعارض مع المعايير الدولية، ولن يكون ممكنا تطبيقها من الناحية العملية.

علاوة على ذلك، فإن أي اتفاق ملزم لا يتضمن خيارات للانسحاب منه في حالة عدم الرضا عنه، من المرجح أن ينتهي به الأمر في طريق مسدود في المستقبل. 

تغير المناخ قد يمثل عقبة في طريق تنفيذ الاتفاقية، حيث أظهرت الأبحاث أن سنوات الجفاف في حوض النيل ستصبح أكثر حدة، مما سيؤدي على الأرجح إلى تقليل حجم المياه في النيل. 

حلول بديلة

المحلل في معهد “بروكينجز” يرى أن البديل الأفضل هو قضاء مزيد من الوقت في وضع إطار مؤسسي شامل للإدارة المتكاملة لمياه النيل، مشيرا إلى أن مسودة الاتفاقية كانت معقولة بما يكفي، حيث قسمت عملية ملء السد إلى مرحلتين. 

 

حيث أن هناك وضوح وتوافق أكبر حول المرحلة الأولى من ملء الخزان، لوصول المياه إلى ارتفاع 595 مترا فوق مستوى سطح البحر، مما يمنح مصر والسودان وإثيوبيا حوالي عامين آخرين لصياغة إطار تعاون أكثر شمولا.

هذا النهج له العديد من المزايا على معاهدة تقاسم المياه، أولا، ستوفر منبرا لبدء آلية مؤسسية مشتركة لتنسيق وإنفاذ الاتفاقيات حول سد النهضة، ثانيا، يمكن تصميم الإطار الشامل ليتضمن كيفية التعامل مع التغيرات غير المتوقعة، بما في ذلك تنسيق المشاريع المستقبلية وتأثير تغير المناخ. 

يمكن أيضا تحديد نطاق وشروط المبادرات المستقبلية لإدارة النيل أو صونه أو تطويره مسبقا، بالإضافة إلى ذلك سيمنح ذلك شرعية للاتفاقية ما يسمح باستمرار العمل بها بغض النظر عن التغييرات السياسية داخل البلدان الموقعة.