مسيرات محدودة في أنحاء متفرقة من دول عربية، بينها مصر ، تخللها تكبيرات، وتهليلات، لاقت موجة انتقادات لاذعة، وقوبلت باتهامات بأنها محاولة توظيف سياسي جديدة لأزمة تفشي كورونا، واستنكرها رجال دين “لأنها تتنافى مع شروط وضوابط الحجر الصحي”، وأن التجمعات من أخطر أسلحة الفيروس للانتشار”.

sss

وقالت وزارة الصحة المصرية، في أخر إحصائية لها إن إجمالي العدد الذي تم تسجيله كمصابين بالفيروس، 424 حالة من ضمنهم 90  حالة تم شفاؤها وخرجت من مستشفى العزل، و21 حالة وفاة، وتسبب الفيروس في إصابة 436 ألفا و377 حالة، في نحو 147 دولة، توفى منهم 19 ألفا و638 مصابا، وتماثل للشفاء 111 ألفا و878 شخصا.

وحذرت منظمة الصحة العالمية من التجمعات وقالت “إنها سببا رئيسيا لتنقل الفيروس بين البشر”.

وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي، مساء الأثنين الماضي،  مقاطع فيديو لمسيرات ليلية خرجت في أمكان متفرقة، من دول عربية، وفي مصر خرجت مسيرة محدودة بمحافظة الاسكندرية، ما أثار حالة من الجدل والغضب معاً، وتطور الأمر إلى القبض على مشاركين في المسيرات وفرقت قواتالأمن آخرين.

وألقت الشرطة المصرية  القبض على  مواطنين تجمعوا في مناطق بالاسكندرية للمشاركة في “مسيرات التكبير”.

وكلف الرئيس عبدالفتاح السيسي، الأجهزة المعنية باتخاذ حزمة إجراءات جديدة في مصر لمواجهة فيروس كورونا في البلاد.

وأعلن رئيس الوزراء، مصطفي مدبولي، أمس الثلاثاء، حزمة إجراءات احترازية أهمها، حظر حركة المواطنين على كافة الطرق العامة اعتبارًا من الساعة السادسة مساءً وحتى الساعة السادسة صباحًا، بدءًا من اليوم الأربعاء، لمدة أسبوعين، و إيقاف كافة حركات وسائل النقل.

وتعقيبا على خروج المسيرات، قالت دار الإفتاء المصرية ، إن خروج المواطنين في مسيرات للتكبير في مواجهة وباء مثل كوروناحرام شرعا”.

وقالت،”الإفتاء”، في بيان صحفي لها نشرته على صفحتها الرسمية بـ”فيسبوك”،”أي دعوة لتجمع المواطنين بالشوارع وفي أي مكان وتحت أي شعار وبأي ذريعة، هي دعوة خبيثة وحرام شرعا ولا يراد بها وجه الله”.

 “الالتزام بما تقرره السلطات المختصة لحماية الناس من الأوبئة والأمراض واجب شرعي ووطني، والخروج على هذه الإجراءات تحت أي ذريعة إثم مبين”.

وفي اليوم التالي من خروج المسيرة دون الرئيس السيسي، على صفحته قائلا”على ضوء المتابعة لإجراءات مكافحة انتشار فيروس كورونا، كلفت الحكومة والأجهزة التنفيذية المختصة باتخاذ اللازم نحو تطوير الإجراءات الاحترازية المتبعة على مستوى الدولة والمواطن و اتخاذ حزمة إجراءات إضافية تسهم في تحقيق أعلى معدلات الأمان”.

واستقبل اللواء محمد الشريف محافظ الإسكندرية، موجة السخرية الشديدة على مسيرة الإسكندرية بقوله،”الألش كان شديد على الشعب السكندري بسبب مسيرات التكبيرات لرفع بلاء كورونا”، متابعاً، “المسيرات التي خرجت في الإسكندرية بالأمس للتكبير كانت من مجموعة من البسطاء، الذين سمعوا بأن التكبير يرفع البلاء فساروا في مسيرات”.

مسيرة الأسكندرية

انطلقت المسيرة في ساعة متأخرة من مساء الأثنين لجموع من المواطنين، تخللها تكبيرات وابتهالات جماعية من داخل المنازل والشرفات في أحياء أبو قير والعجمي وغيرها.

لكن تلك الحماسة تحولت لمأساة لانضمام  شباب لها  ورغم محاولات من لجان شعبية وقوات أمن لكبح جماح المسية، لكن استمرت لأكثر من ساعتين.

وهتف أشخاص “بالطول بالعرض هنجيب كورونا الأرض”، فضلا عن تكبيرات هزت شوارع الأسكندرية، بشكل جماعي.

وفسر، سامح عيد، الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، مسيرات التكبير التي خرجت بالاسكدنرية وبعض الدول العربية، ليس أداة للجوء الجميع إلى الله، لكننا بصدد حملات ممنهجة لتوظيف الحدث سياسيا”. 

كما وصفها في تصريح لـ”مصر 360″، بأنها “محاولة للسطو على سير الأمور،وهذه السلوكيات والمواقف لها جذور في المرجعية الدينية، بداية بالقرآن والحديث، والفقهاء الذين يعتبرون الكوارث الطبيعية غضبا وانتقاما، لا يمكن رده”.

وانتقد رواد مواقع التواصل سلوك الأهالي واصفين المشهد بالجهل وعدم الوعي بخطورة المرض والمساهمة في انتشاره بتلك التجمعات، فيما اتهم آخرون أنصار جماعة الإخوان بتنظيم تلك التظاهرات.

ومن الاسكندرية إلى الأردن، أنطلقت تكبيـرات أردنية مساء الأحد الماضي، كمبادرة من نشطـاء على موقع التواصل الاجتماعـي “فيسبوك” لمواجهـة كورونـا، وعمّت مختلف مناطق المملكة .

ولم يختلف الأمر كثيرًا في الكويت، وأطلق آلاف من الوافدين بالبلاد، صيحات التهليل والتكبير من شرفات منازلهم مساء الاثنين، تضرعا إلى الله تعالى أن يحفظهم من فيروس كورونا المستجد “كوفيد 19″، ولكن بشكل جماعي.

ورصد مدير مكتب وكالة أنباء الشرق الأوسط بالكويت،  تكبير قطاعات عريضة من الوافدين بمناطق السالمية، وميدان حولي، والفروانية، وخيطان، والحساوي، بالتكبير من شرفات المنازل وإطلاق الصافرات، التي دوت بشدة وسط سكون حظر التجول الجزئي المفروض منذ الساعة الخامسة  وحتى الساعة الرابعة هناك.

وأصدر مجلس الوزراء الكويتي، قرارا خلال اجتماعه الاستثنائي، السبت الماضي، بفرض حظر تجول جزئي في كل أرجاء الكويت، اعتبار من أمس؛ وذلك في الفترة من الخامسة مساء وحتى الرابعة صباحا يوميا حتى إشعار آخر.

وطالبت  دوريات الشرطة الكويتية، بمطالبة الوافدين بالدعاء في منازلهم في سكينة وهدوء، لعدم إثارة الخوف بين صفوف المواطنين والمقيمين، خاصة الأطفال.

رعب في المغرب

وفي وقت يعيش فيه ملايين المغاربة ممن اختاروا التقيد بقرار الطوارئ المعلن عنها منذ أيام المكوث داخل منازلهم، والتقليص من تحركاتهم خارج السكن إلا للضرورة، خرج العشرات في مسيرات جابت بعض أحياء مدن مغربية، متحدين فيروس كورونا.

 

وقوبلت هذه المسيرات بالتنيد والاستنكار على مواقع التواصل الاجتماعي، فضلاً عن تقديم شكاوى من طرف محامين لنيابة العامة تطالب بالتعامل بحزم  مع المحرضين ضد أمن الوطن والمواطنين.

وتعالت تكبيرات بعض الشباب، في مقاطع فيديو متداولة فيما ظهرت جموع من الناس في حالة كر وفر في مواجهة سيارات الشرطة التي كانت تجوب المنطقة لحفظ النظام العام.

ردا على هذه السلوكات المتهورة، انطلقت حملة على مواقع التواصل الاجتماعي، لتوثيق وجوه بعض الأشخاص المشاركين في المسيرة، وذلك بتجميع المقاطع التي بثها بعض الحاضرين بهدف كشفهم للسلطات الأمنية.

 

ويفسر  “عيد” الظاهرة بأن “التيارات الاسلامية، لاسيما الإخوان، يرون مثلما كان يرى سيد قطب وشكري مصطفى، في لحظاتهما الأخيرة، أن الله ملكهم لوحدهم، لافتا إلى أن الإخوان تشربوا أفكار مواليهم ومشايخهم، الذين أوهموهم أن الله نصيرهم وحدهم، وأنهم يمتلكون حقيقة الدين دون غيرهم، فهم أهل الحق والإيمان، فأينما ساروا سارت الملائكة بجوارهم بل أمامهم فهم أهل الله وخاصته، وغيرهم هم أهل الضلال والباطل”.

ويقول” هذا الوضع والمشاهد الغير عقلانية يعكس قوة الصدمات التي تعرضت لها التيارات الإسلامية خلال الآونة الأخيرة، بداية بفشل “داعش” وجبهة النصرة وتفكيك العديد من الخلايا بالبلاد، ثم الصدمة الكبرى وهي فراغ مكة لتعقيمها من وباء “كورونا، ثم غلق المساجد، ضمن الأجراراءت الاحرتازية، ولكنهم يروها غضب وبلاء من الله يجب ردعه بالدعاء والايات القرآنية”.

ووصف المسيرات التي خرجت بدعوى التضرع إلى الله ليخلصنا من فيروس “كورونا”، بأنها تعكس بالفعل عدم الوعي بالدين نفسه، والأدهى من ذلك هو أنه يعكس عقلية مستهترة وغير واعية”، متابعاً، “الدين من هؤلاء براء، والإسلام أول من نادى بضرورة اعتماد الحجر الصحي، حين أوصى بعدم الدخول أو الخروج من منطقة انتشر بها الوباء، ولم يوص أبدا بالخروج جماعة والتكبير والتهليل، من يريد الدعاء لله وكان بالفعل مؤمنا صالحا ومصلحا، فليدخل بيته”.

 بينما أرجع الدكتور محمد كمال أستاذ العلوم السياسية، الهدف وراء نزول المواطنين في الشوارع للتكبير هو التخفي وراء الدين لخلق الفوضى والتسيب، موضحًا أن الأمر بدء بنزول عدد قليل جدا من المبادرين ثم تبعهم بعض البسطاء الذين تدفعهم العاطفة الدينية، والتي تفتقد  لما يسمى بثقافة الانضباط الجماعي”.

وأوضح أستاذ العلوم السياسية، لـ مصر 360، أن أزمة كورونا ستدفع بالأنظمة القديمة وتقيم نظاماً جديداً، فلا يمكن للعالم أن يمضي بعد الأزمة عما كان عليه قبلها، لافتًا إلى أننا بصدد نظام عالمي جديد تكون فيه قضايا البيئة والمناخ والأوبئة في صدارة الأولويات، مؤكدا أن النظام العالمي السائد قبل كورونا سقط لأنه كان يعلي من قيمة التسليح فقط، متجاهلاً القضايا الانسانية .

وقالت الدكتورة سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع، إن مسيرات التكبير تنم عن عدم وعي وبساطة في التفكير مازلت مسيطرة على الشعب المصري، حيث ما زالنا نؤمن بأن إذ مرض شخص لابد الذهاب به على الأولياء وزيارة بيوت الله لنيل البركة والشفاء، ومازالنا نتدافع في المواليد وحلقات الذكر، ثم ياتي دور الأطباء بعد فقدان الامل وعدم جدوي الأمر”.