تضع منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة “الفاو” العديد من النقاط الحمراء قبل نشر تقاريرها المتعلقة بتوقع المجاعات، تعرف جيدًا أن الكلمة الواحدة قد تسبب أزمات لدول أو تخلق موجات من تكديس الطعام لدى المقتدرين ماليًا، لكنها ضحت بتلك السياسة في تعاملها مع تداعيات كورونا على الغذاء العالمي.

sss

حمل تقرير المنظمة الأممية تحذيرات صريحة لا تقبل الالتباس تربط كورونا بموجة نقص الغذاء لدى مئات الملايين من البشر حول العالم، ومعظمهم في إفريقيا التي اعتادت المجاعات لكنها لم تغير في الوقت ذاتها من  سياساتها القائمة على استيراد المواد الغذائية، والتصدير لدفع تكاليفها.

مخاوف المنظمة لا تأتي من الوباء وحده ولكن باقترانه بمجموعة ظواهر طبيعية وبشرية أثرت على الإنتاج الزراعي بالعالم ما بين موجات جفاف أصاب دول زراعية في قارات مختلفة، وأزمات سياسية في أمريكا اللاتينية، وحرائق لغابات أستراليا، وطقس متقلب في الشرق الأوسط، وهجوم للجراد بإفريقيا، وحشرات البق ذو الرائحة السيئة في تركيا.                                  

وقال عارف حسين، كبير الاقتصاديين ببرنامج الأغذية العالمي، خلال مؤتمر صحفي عبر الفيديو كونفرانس، إن العالم يواجه مشكلة في الإمدادات الأخيرة، وأن منظمة الفاو اعتادت أن يكون هناك أزمات تتعلق بالجفاف أو صدمة في الطلب بسبب الأزمات الاقتصادية وغياب السيولة المالية لدى المستهلكين في حالات الركود الاقتصادي، لكنها تواجه اليوم الأمرين معًا في وضع غير مسبوق.

وأطلقت “الفاو”، في تقرير مطول حصل موقع “360” على نسخة منه ، تحذيرات شديدة اللهجة تخبئ الكثير من المخاوف: “نحن (تقصد العالم) نخاطر بحدوث أزمة غذائية تلوح في الأفق ما لم يتم اتخاذ تدابير سريعة لحماية أكثر الفئات ضعفاً، والحفاظ على سلاسل الإمداد الغذائي العالمية على قيد الحياة والتخفيف من آثار الوباء عبر النظام الغذائي”.

تخشى المنظمة العالمية من حدوث اضطرابات في سلاسل الإمداد الغذائي بسبب نقص الأسمدة والأدوية البيطرية والأعلاف ومدخلات الإنتاج الزراعي، وانخفاض الطلب على المنتجات الطازجة سريعة التلف لصالح السلع الأطول عمرًا القابلة للتخزين.

وتراجع الإنتاج الأسترالي من اللحوم نتيجة أزمة حرائق الغابات التي أتت على الحياة البرية وتسببت في مقتل نصف مليار حيوان وامتد تأثيرها على الحيوانات المستأنسة، ما زاد الضغط على اللحوم البرازيلية التي ارتفعت بنسبة وصلت إلى 35% مع تزايد الطلب عليها.

وأدت عمليات الإغلاق الحدودية والحجر الصحي والخلل في السوق العالمية في تقليص قدرة بعض الدول في الحصول على مصادر غذائية كافية متنوعة ، خاصة في البلدان التي تضررت بشدة من الفيروس أو المتأثرة بالفعل بارتفاع مستويات انعدام الأمن الغذائي.

وتعرضت دول مثل كينيا وتنزانيا وإثيوبيا وتونس لخسائر كبيرة بسبب توقف صادرات الزهور والنباتات العطرية المُعدة للتصدير إلى الأسواق الأوروبية بسبب إيقاف استيرادها، واضطر مزارعو وتجار الأغذية الطبيعية المخصصة للتصدير إلى أوروبا وأمريكا إلى طرحها بالأسواق المحلية بنفس أسعار السلع التقليدية.

ويعاني نحو 820 مليون شخص بأنحاء العالم من الجوع المزمن ولا يتناولون ما يكفي من السعرات الحرارية في حياتهم العادية، بينهم 113 مليونًا مصنفين ضمن دائرة “انعدام الأمن الغذائي الحاد” المرادف الأكثر “آدمية” لتوصيف الجوع الحاد للغاية، الذي يمثل تهديداً مباشراً على حياتهم، وسبل عيشهم ويجعلهم معتمدين على المساعدة الخارجية لكي يتمكنوا من العيش.

وفي خضم انتشار كورونا، هاجمت أسراب الجراد إثيوبيا والصومال مسببة أزمة هي الأكبر في ربع قرن وصنفت الأضرار بكينيا بأنها الأعنف في 70 عامًا وتواجه جنوب السودان وأوغندا الخطر مع تكوّن أسراب جديدة في إريتريا وجيبوتي واليمن واستمرار انتشار الجراد على جانبي البحر الأحمر.  

تلك الأزمة دفعت منسق الشئون الإنسانية والإغاثة في حالات الطوارئ مارك لوكوك، للتأكيد على أن المشكلة لم يتم حلها فهناك 13 مليون شخص في إثيوبيا وكينيا والصومال يعانون من انعدام الأمن الغذائي و10 ملايين منهم يعيشون في المناطق المتضررة.

وضربت موجات الجفاف أماكن عدة بالعالم خلال أبريل الحالي، وتمر تشيلي بأسوأ موجة جفاف في تاريخها مع نضوب أنهر وخلو السدود من المياه، و وتعاني منطقة “تشيناي” أكبر مدن الهند وتضم نحو 7 ملايين نسمة من نقص شديد في مخزون الرئيسي، وحياتها مرهونة بنزول الأمطار الموسمية.

وبينما حذر برنامج الأغذية العالمي من كارثة إنسانية في دول منطقة الساحل “بوركينا فاسو والنيجر ومالي” بسبب نقص الغذاء، شهدت الأيام القليلة الماضية سيلاً من تحذيرات الخبراء الاقتصاديين من حدوث مجاعة تضرب مناطق متفرقة من العالم كاليمن ولبنان والعراق وحتى تركيا التي يفترض أنها دولة زراعية.   

تستورد  الكويت وقطر والإمارات واليمن نحو 90% من كافة احتياجاتها الغذائية، والسعودية تستورد ما بين  75 و80%، والبحرين ولبنان 85%، ومصر 65%، والعراق أكثر من 60%، والأردن 60%، وسلطنة عمان 60%، وتونس أكثر من 50%، والمغرب 50%، والجزائر 40%، وفلسطين 65%.

يقول الخبير الزراعي نادر نور الدين إن الدول النامية المستوردة للغذاء عليها الاتجاه نحو تعزيز زراعة المحاصيل الأساسية والإستراتيجية خاصة الحبوب وتقليل من وارداتها للغذاء التي ظلت على مدار سنوات طويلة تستنزف رصيدها من العملات الأجنبية.

ويضيف أن القدر كان رحيمًا بمصر فموسم حصاد القمح والفول والعدس يأتي في نهايات أبريل، ما يوفر لمصر مخزونا لستة أشهر من القمح وشهرين من الفول تتوازن خلالها البورصات العالمية، وتعود إلى سابقتها قبل ظهور الفيروس، موضحا أن زراعات الموسم الصيفي تبدأ خلال شهر مايو القادم بعد شهر واحد من الآن والتي ينبغي فيه إحلال كل زراعات النباتات العطرية بالحاصلات الاقتصادية الإستراتيجية من الذرة الصفراء للأعلاف ومحاصيل الزيوت البذرية لعباد الشمس وفول الصويا.