في أحراش القارة السمراء، وبين أشجار غاباتها الكثيفة، تجد الجماعات المتطرفة مناخها الملائم لكي تتخفى وتنمو، عقب هزيمتها في سوريا والعراق.
وحسب تقديرات لمؤشر الإرهاب العالمي في نهاية عام 2018، فإن “حركة الشباب المجاهدين” الصومالية وجماعة “بوكو حرام” في نيجريا جرى تصنيفهما ضمن المجموعات الإرهابية الأربع الأكثر دموية في العالم، ما يعني صعود الجماعات المتطرفة في أفريقيا من جديد، بالتزامن مع تحجيم تنظمي القاعدة وداعش.
وتمكنت الجماعات الإرهابية في أفريقيا، من السيطرة على مناطق شاسعة، وتهجير الألاف من مساكنهم، بسبب سيطرتها وفرضها لممارسات عنيفة ضد من يخالفها في الرأي أو الفكر.
جماعات اتخذت من الأحراش والغابات مكان للاختباء والتخفي مستغلة ما تعانيه أفريقيا من ضعف للحكومات المركزية، لنشر أفكارهم والتوسع في مناطق فرض النفوذ والسيطرة.
يقول “مادي إبراهيم كانتي”، خبير الشؤون الإفريقية، والمدرس بجامعة باماكو في مالي” إن ما يعزز نشاط الجماعات الإرهابية في إفريقيا، الحدود المفتوحة، وعلاقات هذه التنظيمات مع القبائل المسيطرة”.
ويقول “كانتي”، بإحدى محاضرته عن الإرهاب في إفريقيا ” ربما تتحول أفريقيا إلى أفغانستان جديدة بعد هزيمة تنظم القاعدة، وداعش في سوريا والعراق، لاسيما دول الصومال ومالي ونتيجريا”.
ومعظم الجماعات التي تمتدت من شرق أفريقيا لغربها تضم عناصر من تنظمي القاعدة وداعش، الذين تعرضا لهزائم متتالية في أفغانستان وسوريا والعراق
وساعد على نمو وانتشار الجماعات المتطرفة بأدغال أفريقيا ضعف الحكومات المركزية والجيوش النظامية، في البلدان الإفريقية، التي اكتوت بنيران الحروب الأهلية، وفي المقابل وجدت بعض الدول الطامعة والجماعات المختلفة والمتناحرة فكريًا، من هذه الجماعات فرصة سانحة لفرض أيدولوجياتها وأفكارها وتحقيق أهدافها السياسية.
عزز ذلك حركة انتقال الأموال، لتمويل أنشطة الإرهاب في أفريقيا، من حسابات متعددة لا يمكن تتبعها بسهولة، المثير أن هذه الجماعات، تمكن بعضها من السيطرة على حقول النفط والغاز، وبعضها يعمل في التهريب، للحصول على تمويل للعمليات الإرهابية
خريطة الدم
وإذا كانت الجماعات الإرهابية، وجدت من أفريقيا بيئة خصبة للنمو والسيطرة، وساحة للحروب الفكرية والأيدولوجيات المتناحرة، في ظل سلطة مركزية غائبة، فإنه من الصعوبة رسم خريطة محددة لهذه التنظيمات، بسبب الظروف والمتغيرات والتداخلات فيما بينها من غرب لشرق أفريقيا.
وتمتد هذه التنظيمات، من الساحل الأفريقي في الغرب إلى الساحل الأفريقي في الشرق، مرورًا بالصحراء الكبرى، وهي جماعات مسلحة أساسية، وأبرزها “بوكو حرام” في نيجيريا، و”القاعدة في المغرب الإسلامي” شمال الصحراء الكبرى، وحركة “الشباب المجاهدين” الصومالية، وحركة “التوحيد والجهاد” في غرب أفريقيا، وحركة “أنصار الدين” السلفية الجهادية في مالي، وجماعة “أنصاروا” التي ظهرت مؤخرًا في نيجيريا.
“بوكو حرام” في “نيجيريا”
تعني باللغة المحلية “الهوسا” التعليم الغربي حرام، ظهرت في مدينة “مدوجوري” عام 2002، بهدف محاربة الفساد الذي انتشر في المجتمع الإسلامي، بسبب التقاليد الغربية، ضمت في البداية مثقفين وأكاديميين، وتركتها الدولة تعمل في البداية، إلي أن تحولت الجماعة لتنظيم متطرف.
أول مؤسس للجماعة هو محمد يوسف، وكان يهدف لتغيير نظام التعليم، وفي 2004 ضمت الحركة حوالي 200 عضو من الرجال والنساء، يتحدثون العربية ويتبنون الثقافة الإسلامية، ويعملون في نشر تعاليم الإسلام.
وفي عام 2009 دخلت الجماعات في صدام مسلح مع الشرطة النيجيرية، تم القبض على عددًا من قادة الجماعة في باوتشي، مما أدى إلى اشتعال اشتبكات مميتة بين قوات الأمن النيجيري وقدر عدد الضحايا بحوالي 150 قتيلًا.
ومع صعود حروب الجماعات الإرهابية في سوريا والعراق، أعلنت بوكو حرام الخلافة عام 2014 في مدينة “بوشي” ومدينة “غووزا” شمال نيجيريا، ودخلت في مصادمات مع قوات الأمن، وبعدها بعام في 2015 بايعت بوكو حرام تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، في شريط فيديو بصوت زعيم الحركة وقتها أبو بكر شيكاو.
لم تكتف الحركة بذلك، بل غيرت اسمها لتنظيم “ولاية غرب أفريقيا”، وعين تنظيم الدولة الإسلامية، أبا مصعب البرناوي أمير جديد للحركة.
يكشف تطور تنظيم بوكو حرام، عن العلاقة القوية بين التنظيمات الإرهابية، في سوريا والعراق، وكيف وجد أعضاء هذه التنظيمات بيئة خصبة لهم في أفريقيا للتمدد والانتشار.
القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي
إذا كانت التنظيمات الإرهابية في أفريقيا، ظهرت ونمت مؤخرًا، بعد هزيمة تنظمي القاعدة وداعش، إلا أن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، يعتبر أقدم تنظيم للجماعات المتطرفة في أفريقيا.
مر التنظيم بعدة مراحل مؤثرة، ويؤكد الباحثون في الحركات الإسلامية، أن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب، تعود جذوره للجماعات الجهادية التي ظهرت في الجزائر خلال فترة التسعينات، ودخلت في مواجهات عنيفة مع الدولة.
وكانت الجماعة السلفية في الجزائر تسعي لإقامة دولة إسلامية، ولكن بعد إلغاء الجولة الثانية من الانتخابات، التي أوشك الإسلاميون بقيادة جبهة الانقاذ عل الفوز بها، في يناير 1992 تحولت الجزائر لساحة حرب ومواجهات، راح ضحيتها حوالي 150 ألف شخص.
تمكنت دول المغرب العربي، الجزائر وتونس والمغرب وليبيا من محاصرة المد الإسلامي خلال هذه الفترة، فهرب أعضاء التنظيم للجنوب تحت اسم “الجماعة السلفية”، واتخذوا من منطقة الصحراء الكبرى وغرب أفريقيا مكان لممارسة نشاطها، وهي منطقة صحراوية وعرة، تقع بين حدود دول متداخلة.
في يناير 1992 تحولت الجزائر لساحة حرب ومواجهات، راح ضحيتها حوالي 150 ألف شخص
ولكن مع صعود تنظيم القاعدة، والضربات التي تلقاها التنظيم في أفغانستان بعد تفجير برج التجارة العالمي، وهروب عناصر من التنظيم إلى أفريقيا، أعلنت الجماعة الالتحاق بتنظيم القاعدة في 2006، وغيرت أسمها إلي تنظيم القاعدة في بلاد المغرب.
وخلال هذه الفترة، نفذ التنظيم عدة عمليات إرهابية في الجزائر وضد الوجود الغربي بمناطق نفوذه، ولكن مع ضعف التنظيم في أفغانستان ومقتل قائده أسامة بن لادن، دخل أعضاء التنظيم تحت الأرض، وخفت عملياتهم الإرهابية.
وبعد ثورات الربيع العربي، وحالة الفوضى في البلدان العربية، عاد التنظيم مرة أخرى للعمل، ودخل في صراع للسيطرة على قيادة الجماعات الجهادية في الجزائر والمغرب العربي، مع تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، ولكن بعد هزيمة تنظيم الدولة في سوريا والعراق، استغل تنظيم القاعدة ذلك في ضم الدواعش العائدين لمنطقة المغرب العربي، ومد نفوذه على الساحل الأفريقي.
حركة شباب المجاهدين في الصومال
ظهرت الحركة مستغلة أجواء عدم الاستقرار في الصومال، ورأى تنظيم “القاعدة” في الحركة، فرصة سانحة للتواجد بمنطقة القرن الإفريقي في الصومال، عند مدخل مضيق باب المندب، وهو موقع مميز لضرب المصالح الأمريكية والغربية، التي تتصارع لإيجاد موطأ قدم بهذه المنطقة الحيوية.
تأسست الحركة في 2004، وكانت الذراع العسكري لاتحاد المحاكم الإسلامية، التي انهزمت أمام القوات التابعة للحكومة الصومالية المؤقتة، ولكن أفرادها انشقوا عن اتحاد المحاكم، وارتبطوا بتنظيم القاعدة فكريًا وأيدلوجيًا، تحت اسم ” شباب المجاهدين في الصومال”، وبدأت في استقطاب المؤيدين لمواقفها الفكرية والأيدلوجية، وتمكنت من إنشاء عدد معسكرات تدريبية في دول القرن الأفريقي.
لا أحد يستطيع وضع حصر دقيق لأفراد هده الجماعة، ولكنها تقدر بحوالي 3000 إلى 7000 ألاف عضو تقريبًا، ويتلقى الأعضاء الجدد، تدريبات في معسكرات في “إرتيريا”، على كيفية استخدام السلاح والقنابل والمتفجرات وحرب العصابات، في دورة تدريبة لمدة 6 أسابيع، وبعدها ينضمون لأعضاء التنظيم.
يتلقى الأعضاء الجدد، تدريبات في معسكرات في “إرتيريا”، على كيفية استخدام السلاح والقنابل والمتفجرات وحرب العصابات
بالطبع تحتاج الجماعة لمصادر تمويل ضخمة، للإنفاق على المعسكرات وشراء السلاح، وهناك أراء تقول إن الحركة تقوم بنشاط “القرصنة” قبالة السواحل الصومالية، لتمويل أنشتطها الإرهابية.
وتضم الحركة في صفوفها أجانب وعرب، دعوا للجهاد ضد الحكومة الصومالية وحلفائها الصلبيين الأثيوبيين، وتمكنوا من تنفيذ عدة عمليات انتحارية بالداخل الصومالي، وتطورت الحركة لاسيما بعد انضمام عناصر لها عائدة من أفغانستان، وداعش في سوريا والعراق، وتعمل في دول القرن الإفريقي وفي كينيا.
حركة التوحيد والجهاد
برزت الحركة في عام 2011، وتوصف بأنها الجماعة المسلحة الأكثر إثارة للرعب في شمال مالي، وهي أخطر منظمة إرهابية في شمال مالي، تعتبر الهضبة الصحراوية من منطقة تساليت في شمال مالي إلى مدينة “غاو” معقل الحركة الجهادية.
استفادت الحركة من سقوط نظام القذافي، وضمت في صفوفها عددًا من العرب، وهي حركة منبثقة عن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، يتولى قيادتها “سلطان ولد بادي”، أحد شخصيات المجتمع العربي في أزواد.
انضم للحركة عشرات المقاتلين من أبناء القبائل العربية في شمال مالي، لتصبح بذلك واجهة للتيار السلفي الجهادي في المجموعات العربية بأزواد، وفي 2013 أندمج معها جماعة “الملثمون”، التي يتزعمها الجزائري مختار بلمختار الملقب بـ “خالد أبو العباس” والشهير بكنيته “الأعور”.
يبدو مما سبق إن شمال مالي، تأثرت بشكل مباشر بعد سقوط نظام القذافي، وأصبحت ملجأ للجماعات المتطرفة، بعد صعود وسقوط تنظيم داعش في سوريا والعراق، وزاد من ذلك كميات السلاح المهربة، من مخازن النظام الليبي.
حركة أنصار الدين
تعتبر أكبر حركة جهاد مسلحة في شمال “مالي”، تقول الحركة أنها تسعى لتطبق الشريعة الإسلامية، والحصول علي حكم ذاتي موسع في أقليم “أزواد”.
تأسست الحركة في ديسمبر 2011، في مدينة “كيدال” شمال مالي، بزعامة “إياد أغ غالي”، وهو أحد قادة الطوارق التاريخيين، وخاض قتال في التسعينات مع الحركة الشعبية لتحرير أقليم أزواد.
يعتبر “غالي” الأب الروحي للحركة الجهادية، اعتنق توجه السلفي الجهادي، اتخذ من سلسلة جبال “أغارغار” المتاخمة لكيدال مقرًا له، وبدأ بتجميع المقاتلين الطوارق، ليكون نواة “حركة أنصار الدين”، من بينهم جنود وضباط كانوا في الجيش المالي، إضافة إلى مقاتلين عادوا من ليبيا، وطالبوا بتطبيق الشريعة الإسلامية وعدم والتهاون في ذلك المطلب.
وتحالفت أنصار الدين مع حركة تحرير “أزواد”، التي أعلنت في أبريل 2012 قيام دولة الأزواد شمالي مالي بعد الانقلاب العسكري، الذي أطاح بالرئيس السابق أمادو توماني توري، ووقعتا في ديسمبر 2012 في العاصمة الجزائرية على تصريح مشترك يلتزمان من خلاله بحفظ الأمن، وعدم إثارة أي مواجهة بينهما في المناطق التي يسيطران عليها في شمال مالي.
طالبت الحركة في بداية عام 2013 بتطبيق الشريعة الإسلامية، في كل أنحاء شمال البلاد وشددت على أنه “شرط غير قابل للتفاوض”، وشكل الدفاع عن هوية الطوارق والشريعة الإسلامية محور البرنامج السياسي للحركة.
تنظيم “أنصارو” نيجيريا
إذا كانت هذه الجماعات الجهادية الكبرى في أفريقيا، فإن هناك جماعات صغيرة برزت ونمت على الساحة الإفريقية، مثل “أنتي بالاكا” و”سيليكا” في أفريقيا الوسطي، بالإضافة لعشرات التنظيمات الصغيرة، ولكن أبرزها في الوقت الحالي تنظيم “أنصارو” في نيجيريا.
وشهد عام 2019 تصاعد حركة أنصار المسلمين في بلاد السودان، والتى تسمى “أنصارو” في نيجيريا، ومثل باقي الجماعات، أعلنت عن ظهورها في إصدار مرئي، تحدث فيه أحد قادتها، عن إعلان الجماعات شن حرب ضد المصالح الغربية في أفريقيا.
تقول الجماعة أنها تسعى لاستعادة مجد الإمبراطورية “الفولانية”، التي كانت قائمة حتى 1804، وكانت تضم شمال الكاميرون، وشمال نيجيريا، وجنوب النيجر، واستمرت حتى الاستعمار الغربي للقارة.
أعلنت عن ظهورها في إصدار مرئي، تحدث فيه أحد قادتها، عن إعلان الجماعات شن حرب ضد المصالح الغربية في أفريقيا
تلقى أعضاء الجماعة تدريبات، علي يد حركة الشباب المجاهدين الصومالية في شرق أفريقيا، وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب، وهو ما يكشف علي مدى التنسيق والتخطيط، بين الجماعات المتطرفة المتوافقة في الأيدولوجيات الفكرية، من شرق لغرب القارة الأفريقية.
ويعود الفضل لصعود حركة “أنصارو” إلي العائدين من دواعش سوريا والعراق، بين عامي 2015- 2016، وهي عناصر مدربة تدريب قتالي جيد، وجدت في أفريقيا ملاذ أمن بعد هزيمة التنظيم في سوريا والعراق.
تشير تقارير إلى أن حركة “أنصارو” تسيطر على مساحات شاسعة في شمال نيجيريا، وتحاول التمدد عبر مساحات أخرى خارج الحدود النيجيرية، وبدأت قواته تتزايد مع مطلع عام 2019، إذ قام بتنفيذ 5 عمليات إرهابية في نيجيريا، طبقًا لتقرير مرصد الفتاوى التكفيريَّة التابع إلى دار الإفتاء المصريَّة.
الأمم المتحدة تحذر
وتقول الدكتور أماني الطويل، مدير البرنامج الأفريقي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن خسارة تنظم داعش اراضيه في سوريا والعراق، أدى لتحوله نحو أفريقيا، مستغل ضعف جيوشها، وعدم قدرة هذه الجيوش على ضبط الحدود، وانقسام القبائل بين عدة دول.
وأضافت “الطويل” أن ذلك حول أفريقيا لمركز للتهديدات الأمنية عالميًا، مطالبة بضرورة وجود أساليب فعالة للمواجهة، لا تستخدم الأساليب الأمنية العسكرية فقط، ولكن تكون لديها وسائل تنموية وثقافية للنهوض بالقارة السمراء.
“حذرت الأمم المتحدة من تنامي الحركات الجهادية في أفريقيا، ورصد تنامي العمليات الإرهابية في هذه المنطقة بعد عام 2016، لأكثر من خمس مرات عما كانت عليه قبل ذلك، وهو ما يشير إلى أن لجوء التنظيمات الجهادية لإفريقيا، بعد هزيمتها في سوريا والعراق وأفغانستان، أدى لتحول القارة السمراء لقارة حاضنة للجماعات الإرهابية”.