تظهر «مقاهي الشيشة» في وسائل الإعلام والدراما الألمانية باعتبارها مكانًا مشبوهًا، يتجمع فيه المهاجرون العرب والأتراك والإيرانيين والأفارقة والهنود، وهم يتعاطون المخدرات مخلوطة بتبغ النارجيلة «الشيشة» طول الوقت، فضلا عن كونها أوكارًا تتجمع فيها العصابات الإجرامية، الأمر الذي أساء إلى سمعة هذه المقاهي في أوروبا بشكل عام، وجعلها هدفًا «مشروعًا» لليمين المتطرف.

في 20 فبراير الماضي، أطلق رجل ألماني النار على مقهيين للشيشة في مدينة «هاناو»، وأسفر الهجوم عن مقتل 9 أشخاص معظمهم من أصل تركي، ومن ثم قتل المهاجم الذي تبين فيما بعد أنه ينتمي لإحدى جماعات اليمين المتطرف والدته، ثم انتحر. لقد أراد الإرهابي في هذا الحادث الدموي أن يعطي إشارة لرفض ثقافة «تدخين الشيشة» التي يعتبرها دخيلة على بلاده، والتي بدأت تغزو ألمانيا، خاصة بعد أصبحت مقاهي الشيشة تجمعًا للقاءات الشباب، وهي ليست مكانًا فقط للعرب والمسلمين، إنما كثيرون من الألمان المراهقين يرتادون هذه المقاهي أيضا.

 

اقرأ أيضا:«الإرهاب» في العالم (ملف)

باتت مقاهي الشيشة في ألمانيا مصنفة باعتبارها «أوكارًا للشر»، وتعرض معظمها لحملات تفتيش مكثفة من قبل الشرطة الألمانية، على الرغم من أنها مجرد مكان للتواصل. وزبائنه مختلطون، نصفهم ألمان، والنصف الآخر أجانب أو أشخاص ذوي خلفية مهاجرة، حين كانت العلاقة بين الأجانب والألمان أفضل حالًا، وكان هناك مجال للتعايش بين الطرفين.

«الشيشة».. أنعشت تجارة «التبغ» في ألمانيا بعد ركودٍ طويل، وإفلاس العديد من المزارع إثر وقف الاتحاد الأوربي دعمها له عام 2009

اللافت أن «الشيشة» أنعشت تجارة «التبغ» في ألمانيا بعد ركودٍ طويل، وإفلاس العديد من مزارع التبغ إثر وقف الاتحاد الأوربي دعمها له عام 2009، لكنها عادت لتزدهر بفضل الاستهلاك القوي في المقاهي العربية والتركية التي تقدم «الشيشة»، فهي تشتري أكثر من 96 في المئة من الإنتاج.

مقاهي «سيئة السمعة»

الصورة السيئة التي ترسمها وسائل الإعلام في ألمانيا عن مقاهي الشيشة، ارتبطت بمشاكل اجتماعية ومظاهر سلبية، لكن البعد الأكثر عمقًا لدور هذه المقاهي في المجتمع الألماني وغيره من المجتمعات الأوروبية، بات أمرًا مقلقًا للسلطات وهاجسًا لجماعات «النازيين الجدد» في البلاد، خصوصًا بعد أن سجلت تلك المقاهي أكثر من حادث اعتداء على الشرطة قام به مهاجرون.

الصورة السيئة التي ترسمها وسائل الإعلام في ألمانيا عن مقاهي الشيشة، ارتبطت بمشاكل اجتماعية ومظاهر سلبية

في 12 سبتمبر 2018 تعرضت شرطية ألمانية للضرب في مدينة أيسن، وكانت الشرطية تقوم برفقة زميل لها بدورية عادية، للتأكد من عدم وجود «قاصرين» في مقهى لتدخين الشيشة. وسرعان ما تصاعد الوضع، بعد أن وجه عدة أشخاص من أصول لبنانية إهانات للشرطيين أولًا، ومن ثم أخذوا يوجهون لهما الضربات والركلات، لينتهي الأمر بمحاولة خنقهما.

 

وفي حين هربت بقية المجموعة، لم يتمكن الشرطيان إلا من اعتقال أحد القاصرين (17 عامًا) بمساعدة اثنين من المارة. وبعد إيداعه الحبس الاحتياطي لليلةٍ واحدة، تم إطلاق سراحه مجددًا، ثم رُفعت ضده دعوى قضائية بتهمة الإيذاء الجسدي ومقاومة السلطات. وأُصيبت الشرطية الألمانية بكدمات وبآثار خنق على رقبتها، ما توجب نقلها إلى أحد المستشفيات.

اقرأ أيضا:اليمين المتطرف يضرب ألمانيا.. ثنائية «الإرهاب والكراهية»

من جانبه، قال المتحدث باسم الشرطة أورليش فاسبيندر للصحافة الألمانية: «بات الهجوم على رجال الشرطة واقعًا يوميًا للأسف، ولا يمكن أن نقبل بهذا»، معتبرًا أن هذا العنف أخذ بعدًا جديدًا غير مسبوق. وأضاف المتحدث بالقول: «كانت عملية تفتيش عادية، ولا ينبغي أن يحدث مثل هذا التصعيد فيها. مستقبلًا، سنقوم بإرسال سيارة شرطة في مثل هذه المهام. هؤلاء الأشخاص لا يريدون الالتزام بنظام القيم والقانون لدينا، ولا يمكن أن يقبل المجتمع بأسره بهذا». والغريب أن عائلة اللبناني القاصر قصدت فيما بعد مركز البوليس، وهددت بالتصعيد و«تعبئة» بقية أفراد العائلة والأقارب الآخرين ضد الشرطة!

المتحدث باسم الشرطة: بات الهجوم على رجال الشرطة واقعًا يوميًا للأسف، ولا يمكن أن نقبل بهذا

لا تكتسب مقاهي الشيشة سمعتها السيئة من كونها موئلًا للمهاجرين فقط، ففي يونيو من العام الماضي، شنت الشرطة وسلطات الجمارك وإنفاذ القانون في مدينة «لانجنفيلد» الألمانية حملة أمنية موسعة استهدفت مقاهي تدخين الشيشة، وأعلنت الشرطة أن حملة التفتيش، التي شملت سبعة مقاهي، أسفرت عن إغلاق فوري لثلاثة منها بسبب مخالفة أصحابها لقوانين البناء.

اقرأ أيضًا: اليمين المتطرف يسعى لإشعال «حرب أهلية» في ألمانيا

بحسب بيانات الشرطة، وقتها، تعتبر المحال السبعة بالمدينة التي تقع في ولاية شمال الراين – ويستفاليا، غربي ألمانيا، ملتقى لأفراد على صلة بعائلات إجرامية. وقامت السلطات بتفتيش 105 أشخاص، وبدء تسعة إجراءات جنائية، وتحرير محاضر في 37 مخالفة نظامية.

وأكد مهدي زاده، وهو ألماني من أصل تركي، يدير مقهى الشيشة «Baba’z» في مدينة بون الألمانية، أنه «من الخطأ وضع جميع مقاهي الشيشة في سلة واحدة، وفي صورة سيئة، فهناك عدد قليل من مقاهي الشيشة ذات السمعة السيئة، ولكن توسم بها جميع المحلات الأخرى. إذا أخبرت شخصًا ما إنني صاحب مقهى شيشة، يعتقد على الفور أني أتعاطى المخدرات طوال الوقت».

 

اقرأ أيضًا: النيابة الألمانية: واقعة الدهس الجديدة «محاولة قتل متعمد»

وأضاف «زاده» لموقع «دويتشه فيله»: «أنا نفسي سأخشى ارتياد من مقاهي الشيشة، عندما أقرأ أو أسمع عنها في وسائل الإعلام، بعد أن صارت هدفًا لجماعات اليمين المتطرف، فهذه الصورة السلبية التي التصقت بمقاهي الشيشة، هي أحد الأسباب وراء اختيار مرتكب جريمة هاناو، هذا المكان بالذات لتنفيذ جريمته».

ـــــــــــــــــــــ