تخطت أغلبية دول العالم ظاهرة الهلع من كارثة انتشار فيروس كورونا وانتقاله بين الدول والمدن بشكل مخيف، لتقف مكتوفة الأيدي أمام ضحايا الفيروس، وأصبح التساؤل الملح حول كيفية التخلص من جثث الموتى، الكثر، وسيطرت آلام الفراق والحسرة على مشاعر أقارب المتوفين الذين ُحرموا من الوداع بحكم كورونا.
sss
وتجاوز عدد الإصابات المؤكدة بفيروس كورونا حول المليون عتبة المليون ونصف المليون مصاب، و لا تخفي منظمة الصحة العالمية قلقها من مواصلة الفيروس انتشاره عالمياً وحصد مزيد من الأرواح، في وقت تتسابق فيه مختبرات عالمية لإيجاد لقاح ناجع لهذا الفيروس القاتل وإنهاء كابوس يفتك بالبشرية.
“حرق الجثث “
ومع تسارع تفشى العدوى فى البلاد، قررت السلطات الصينية، فى فبراير الماضى، حرق جثث ضحايا “فيروس كورونا” بالقرب من مكان وفاتهم، وحظرت التقاليد الجنائزية مثل مراسم الوداع، مؤكدة على أنه “لا يجوز نقل رفات المتوفين بفيروس كورونا بين المناطق المختلفة، ولا يمكن حفظها بالدفن أو بأى وسيلة أخرى”.
وعلى وقع تزايد أعداد الوفيات بفيروس كورونا المستجد في ايران،أثارت صور مسربة ذعرا، ظهر فيها عددا من الطواقم الطبية لدفن الجثث الملفوفة بغطاء بلاستيكي في حفرة تبدو أنها أكثر عمقا من القبور العادية دون حضور أي من ذوي الضحايا، وتساءل أقارب الضحايا عن كيفية تغسيل الجثث وتكفينها.
ويعاني قطاع دفن الموتى في إيطاليا من ضغط شديد بينما يواصل عدد الموتى في الارتفاع، و توفي “جيل كامل” في أسبوعين، وفق ما صرح به أحد المسئولين، وهو ما أضطر إلى نزول شاحنات الجيش في الشوارع، حيث امتلئت ثلاجات والمحارق بالجثث .
بينما في بريطانيا، ف “الرحيل صامت بلا وداع” هو مشهد متكرر في زمن كورونا، حيث إسماعيل عبد الوهاب أصغر ضحية للفيروس في بريطانيا، كان له المصير ذاته ودُفن دون حضور عائلته.
وقال محمد من عائلة المتوفى: “فتى يبلغ من العمر 13 عاماً دون والدته أو أي أقرباء، على فراش الموت في اللحظات الأخيرة، من الصعب جدا استيعاب وفهم مدى الشعور، بالوحدة والحزن الذى الذى كان يعانيه “الطفل” في تلك اللحظة”.
أما الثلاجات، فكانت وسيلة حكومة الإكوادور، لتخزين جثث المتوفين جراء إصابتهم بفيروس كورونا في بعد امتلاء المشارح والمستشفيات بمئات الجثث في مدينة جواياكيل بؤرة تفشي الوباء في البلاد.
في حين، أدى ارتفاع أعداد ضحايا الفيروس المستجد اليومي، إلى بطء في دفن الموتى من قبل الشركات المختصة في بعض الولايات الأميركية لا سيما في نيويورك، وأظهر فيديو عشرات الثلاجات الضخمة في الشارع 30 شرقاً الموازي لمستشفى لانغون في حي مانهاتن، الأشهر بمدينة نيويورك، بانتظار عمليات الدفن، بحسب “العربية.نت”.
وفي مشهد لم يتوقع سكان ولاية نيويورك الأمريكية رؤيته، تنتشر في أرجاء المدينة مقطورات البرادات لحفظ جثامين الموتى جراء فيروس كورونا، وبذلك بسبب الضغط الكبير على ثلاجات الموتى الموجودة في الولاية، الأمر الذي أثار صدمة لدى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وللسكان.
بينما في سريلانكا، رجح نشطاء حقوقيون وقادة للأقلية المسلمة في البلاد أن تكون دوافع عنصرية وسياسية وراء إصرار الحكومة على حرق جثث المسلمين الذين يتوفون بسبب فيروس كورونا المستجد، وهو الأمر الذي أثار بعض الاضرابات .
وطالبت منظمة العفو الحكومة باحترام الشعائر الدينية في تشييع جنائز من يقضون بسبب فيروس كورونا، واستنكرت في بيان لها إحراق جثتي مسلمين على الرغم من رفض أسرتي المتوفيين والإصرار على ضرورة تشييعهما.
الدول العربية
ومن أوروبا إلى المنطقة العربية، يبقي نفس الوجع والمأساة على ضحايا كورونا واحدة، فعدم وداع الأحباء والقاء النظرة الأخيرة عليهم بداعي الخوف أو الأوامر الإحترازية، سطر الحزن على شعوب المنطقة.
وبعد تفاقم الأزمة، أكدت وزارة الصحة المصرية، إنه يجب اتخاذ نفس الإجراءات و الاحتياطات، التي كانت تطبق أثناء حالات التعامل مع مريض كورونا أثناء حياته، ومنها عدم الملامسة، والابتعاد عن الجثمان لمسافة لا تقل عن متر، ورفعه بالملاءة المحيطة بها، ونقله إلى ثلاجة المستشفى، على ترولي قابل للتنظيف والتطهير، مع مراعاة ارتداء الواقيات الشخصية.
وعن إجراءات الغسل والتكفين قالت وزارة الصحة إنه يجب على القائم بالغسل ارتداء الواقيات الشخصية، وهي ماسك تنفسي عالى الكفاءة، وقفاز نظيف يغطي الرسغ، وعباءة سميكة تغطي الذراعين والصدر وتمتد إلى أسفل الركبة، ونظارة واقية، وغطاء الرأس، وحذاء بلاستيكي وكويل الرقبة.
و”لن يتمكن أقارب الموتى من إلقاء نظرة أخيرة أو قبلة وداع”، هكذا جاءت الإجراءات الخاصة بتشييع جثامين ضحايا كورونا في السعودية لدوافع صحية، إذ منعت البلاد “مآتم العزاء والصلاة على الأموات في المساجد، وأوصت بضرورة غسل الجثث في المستشفيات”.
وفي إسرائيل عادة ما يوارى المتوفى من اليهود الثرى في ثوب فضفاض وكفن دون نعش، أما الآن فيتم نقل جثث ضحايا كورونا لكي يقوم بتغسيلها أفراد يرتدون ملابس وقاية كاملة ويتم لفها بغطاء بلاستيكي محكم، وقبل الدفن تلف الجثث بالبلاستيك مرة أخرى.
وعلى وقع مشاعر الخوف والهلع، يواصل فيروس كورونا حصد عشرات الآلاف من الأرواح في تونس، فارضاً بروتوكوله الصارم خلال عملية دفن الموتى، فلا غسل ولا تكفين ولا جنائز ولا نظرة وداع أخيرة تشفي غليل أقارب المتوفي وأحبابه.
وعلى النقيض، منعت إحدى كبرى العشائر في العراق، فريقا تابعا لوزارة الصحة كان ينقل أربع جثث دفنها في مقابر خصصتها الدولة لضحايا كورونا،وعندما حاول الفريق نفسه دفن الجثث في منطقة النهروان في جنوب شرق بغداد، خرج العشرات من السكان بتظاهرة، ما دفع الفريق لإعادة الجثث إلى ثلاجات المستشفى .
تساؤلات
وبعد تزايد عدد الوفيات حول العالم، دارت التساؤلات حول مصير الجثث، وفرص انتقال العدوى بعد وفاة الشخص المصاب بوباء فيروس كورونا، في هذا الإطار قال خبراء إن انتقال العدوى من جسد الأموات إثر إصابتهم بكورونا واردة.
وتعد النفايات الطبية مصدراً خطيراً لنقل الفيروس وانتشاره في المناطق المحيطة خاصة أنه يبقى ملتصقاً فيها أياماً طويلة، وهو ما يتطلب طرقاً صحية للتخلص منها.
وذكرت منظمة الصحة العالمية إن رداءة إدارة النفايات الطبية تؤدي إلى تعريض عاملي الرعاية الصحية والمعنيين بالتخلص من النفايات والمرضى وأسرهم والمجتمع لحالات عدوى وآثار سامة وإصابات يمكن تفاديها.
من جهته، قال الدكتور محمد أحمد علي، أستاذ علم الفيروسات بالمركز القومي للبحوث بمصر، في تصريحات سابقة، إن فترة بقاء الفيروس داخل جسم المتوفى هي نفس فترة البقاء على الأسطح، مؤكدًا أن فيروس كورونا المستجد لا يختفي بعد وفاة المصاب مباشرة، ولكن قد يبقى حياً لفترات تتفاوت بحسب الظروف المحيطة؛ من درجة حرارة ورطوبة.
ومن الناحية الفقهية، أكدت دار الإفتاء المصرية، أنه يجوز عدم تغسيل موتى كورونا، كما يجوز التيمم للموتى إذا استطاع المسلمون إلى ذلك سبيلا.
كما أوضح مركز الأزهر العالمى للفتوى الإلكترونية، أن حكم تغسيل وتكفين الميت بمرض وبائي كـ(كورونا)، موضحا أن الأصل فيمن مات من المسلمين أن يُغسَّل ويُكفَّن ويُصلى عليه صلاة الجنازة؛ ولكن في زمن انتشار الأوبئة وخوف العدوى التي تُثبِت الجهات الطِّبيَّة المختصَّة أنَّها تنتقل بمخالطة المَيت المُصَاب؛ فإن كان هناك فريق متخصص في تغسيل وتكفين ودفن أمثال هذه الحالات يَعرِف إجراءات الوقاية وأحكام الشَّريعة الخاصة بهذه الأمور؛ فتوليه أمر الغُسل والتَّكفين خيرٌ .