في كتابه «عقول خطرة: نيتشه، هايدجر، وعودة اليمين المتطرف»، يتحدث الأكاديمي الأمريكي رولاند بينير، الأستاذ بجامعة بنسلفانيا، عن التأثيرات الخطيرة لأفكار «فيلسوف القوة» الألماني فريدريك نيتشه (1844 – 1900)، الذي انتهت حياته في مستشفى لعلاج الأمراض العقلية، وأثره الفكري الكبير على جماعات اليمين المتطرف في أوروبا وأمريكا الشمالية حاليا.

يرى الكاتب أن تعبير «أخلاق العبيد» الذي أطلقه نيتشه أواخر القرن التاسع عشر، من الممكن أن يفسر تنامي المشاعر القومية وظاهرة «رُهاب الأجانب» والانقسامات الوطنية في القارة الأوروبية حاليا، وهو تعبير مازال دقيقا لوصف العديد من التيارات السياسية في اليمين المتطرف المعاصر. وفي أكثر من مناسبة، قال ريتشارد سبنسر، زعيم حركة «اليمين البديل» في أمريكا، إنه قد «تحول إلى اليمين المتطرف بسبب نيتشه».

 

إلى ذلك، يقول هوجو دروتشان، الباحث بجامعة كامبريدج في كتابه «سياسة نيتشه العظيمة»: «في ظل وجود دونالد ترامب في البيت الأبيض، وجماعات «اليمين البديل» في الشوارع: يتساءل العديد من المراقبين إذا ما قد نجحت الفاشية في الوصول إلى أمريكا. وهكذا فإنه ليس غريبا أن نقارن حقبة الثلاثينيات من القرن الماضي، باللحظة الحالية التي نعيشها في العصر الحالي، حينما أعلن الزعيم الفاشستي الإيطالي «موسوليني» أنه قد تأثر بطروحات نيتشه، وقدم «هتلر» نفسه للعالم باعتباره «الإنسان المتفوق»، وفق الرؤية النيتشوية، وأنه هو الذي سيقود العرق الآري المتفوق نحو النصر”.

باحث بـ”كامبريدج”: العدمية النيتشوية المتمثلة في الشعور بالضياع في هذا العالم المعاصر، تلمس شيئاً عميقاً في روح اليمين المتطرف في عصرنا هذا

ويضيف «دروتشان»: «العدمية النيتشوية المتمثلة في الشعور بالضياع في هذا العالم المعاصر، تلمس شيئاً عميقاً في روح اليمين المتطرف في عصرنا هذا، الذي شهد عدة أحداث نذكر منها على سبيل الحصر انتخاب ترامب وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وهي أحداث يراها العديد منا عصيّة على الفهم».

ويلفت ستيفن بينكر، أستاذ علم النفس في جامعة هارفارد، إلى أن «من السهل ملاحظة أن تخرصات فريدريك نيتشه الاجتماعية المعتلّة والمريضة، قد ألهمت الكثير من الحركات العنصرية الغربية في القرنين العشرين والواحد والعشرين، بما في ذلك الحركات النازية والفاشية والبلشفية، وحركة إيان راند الليبرالية المتطرفة، واليمين الأمريكي البديل، والحركات النازية الجديدة في يومنا هذا».

 

في المقابل، ترى الكاتبة البريطانية سو بريديو، أنه «لطالما تبنى أنصار اليمين المتطرف أفكار الفيلسوف الألماني، على الرغم من بغضه المعادين للسامية. لكن الثابت أن كثيرًا من آرائه قد سرقت وحُرّفت، وأُولت على نحو مغاير، وربما ذلك ما توقعه في حياته وتخوّف منه».

وتقول الكاتبة في مقالها  المنشور على موقع «الجادريان» البريطاني، إن «فريدريك نيتشه»، و«كارل ماركس»، و«تشارلز داروين» يعدون أعظم ثلاثة مفكرين من القرن التاسع عشر، ولا يزال لأفكارهم بالغ الأثر حتى يومنا هذا. كان نيتشه أبرز فيلسوف ثائر. غير أن صلته الوثيقة بالفاشية الأوروبية التي انتشرت قبل الحرب العالمية الثانية، وبمفاهيم مثل «الإنسان الخارق»، و«أخلاق السادة»، و«أخلاق العبيد»، كل ذلك ساهم إساءة تفسير كلامه على نطاق واسع، مع تحريف وإساءة تأويل ما كتبه، حيث ألصقت به الجماعات السياسية اليمينية المتطرفة أفكارا لم ينطق، وجعلته ملهما لها لمجر أنه أول من قال بـ «إرادة القوة»، فضلا عن كونه ملهما لزعماء يمينيين كبار في التاريخ، على رأسهم هتلر وموسوليني».

ـــــــــــــــــــــــــــ