يوم نسائي تختفي فيه المرأة المكسيكية عن الحياة العامة ، وهو اليوم الذي وصفته أوساط حقوقية ومنظمات نسائية بأنه سيكون “تاريخيا ” حيث قررت قيادات نسائية عمالية و مدنية تنظيم” أكبر إضراب عمالي” تشهده المكسيك ، وسط توقعات بأن يتسبب في خسائر اقتصادية كبيرة ، إلى جانب احراج الحكومة التي فشلت في وقف قتل الإناث والاغتيال الانتقامي للنساء استنادا إلى النوع ، على يد الأفراد والمأجورين وعصابات الجريمة المنظمة .
بينما أعلنت مؤسسات دولية تضامنها مع الإضراب لرفع “الظلم الاجتماعي ” والتمييز ضد المرأة ،ووضع حد لتلك الجرائم التي نددت بها في مناسبات مختلفة شخصيات دولية مثل بابا الفاتيكان و أمين عام الأمم المتحدة قائلين إنها ترتكب بمعدلات وبائية .
أكدت سكرتارية الأمن العام بالمكسيك أن ما لا يقل عن 10 نساء وفتيات يتعرضن للقتل يوميا في المكسيك وذلك سبب العنف القائم على أساسا التمييز استنادا إلى النوع.
وهناك تقديرات بأن يكبد الإضراب المقرر تنظيمه يوم 9 مارس الجاري ، الحكومة المكسيكية خسائر تصل إلى 26 مليار بيزا ، أي ما يعادل مليار جنيه استرليني جراء انسحاب النساء من الحياة العامة والمؤسسات الحكومية والخاصة والمتاجر والشوارع ، حيث يقدر حجم القوة العاملة من النساء العاملات في المكسيك في جميع القطاعات بـ22 مليون امرأة .
وصفت شخصيات دولية بارزة قتل الإناث بإنه وبائي في أمريكا اللاتينية بوجه عام ، حيث قال البابا فرانسيس بابا الفاتيكان إنه وصل إلى معدلات وبائية ، بينما أكد أمين عام الأمم المتحدة في وقت سابق إنه صار كالوباء في العالم كله ، مؤكدا في مناسبة أخرى أن “كراهية النساء تحيط بنا من كل جانب
ونظمت مئات من السيدات بمدينة مكسيكو سيتى مسيرات احتجاجية ضد عنف وقتل النساء فى المكسيك، حملن فيها “الأوانى” لتعبير عن استنكارهن إزاء ما تتعرض له المراة من عنف وقتل .
وضعت المحتجات صلبان وردية في نصب تذكاري مؤقت ضد قتل الإناث بأسماء ولايات المكسيك ، ووضع اللافتات المناهضة للعنف ضد المراة ، وذلك في استعداد واضح للمسيرة الحاشدة المقرر تنظيمها في اليوم العالمي للمرأة ، والذي يعقبه الإضراب .
قتل وحشي
أثارت الأخبار التي نشرت أخيرا صورا مسربة بشأن حوادث قتل إناث موجة من الغضب الشديد لدى الأوساط النسائية حيث ظهرت الفتاة فاطيما أنطون ، ذات السبعة أعوام في 15 فبراير الماضي ، مقتولة ومشوهة ، بعد أن تعرضت للتعذيب والاغتصاب و نزع أحشائها ثم تركها في كيس بلاستيك ، وهو ما يبدو أن الجريمة ارتكبتها على إحدى العصابات .
وسبق تلك الحادثة بـ5 ايام ظهور إمرأة تدعى لانجريد إسكيميا ، 25 عاما ، والتي قتلت وتم سلخ جلدها من قمة رأسها إلى أخمص قدمها على يد صديقها .
اعتبرت الأوساط النسائية تلك الجرائم المتكررة بمثابة استهداف مباشر لوجود المرأة بسبب “نوعها ” ومن ثم فإن الدوافع وراء القتل مؤكدة ، إلى جانب اللامبالاة والسلبية التي تظهرها الحكومة وأجهزتها التنفيذية إزاء الظاهرة التي وصفنها بأنها “مشينة “
قررت المكسيكيات تنظيم مسيرة حاشدة تزامنا مع اليوم العالمي للمرأة في 8 مارس يعقبه اليوم التالي إضراب شامل وجهت فيه الدعوة لمشاركة جميع السيدات والفتيات من جميع الأوساط المهنية والعمالية و العلمية والاجتماعية بشكل عام .
“يعتبر قتل النساء في المكسيك من الجرائم “المخزية ” ، لكنه صار إلى الأسوأ ، والحكومة لا تظهر رد فعل سوى اللامبالاة ” حسبما قالت جيسيكا كاستايو أم لفتاتين ، و إحدى وتبلغ من العمر 37 عاما.
ومن المقرر أن تشارك جيسيكا في المسيرة والإضراب العام مع آلالاف النساء ، فقد ظلت تعد لهذا اليوم منذ اسابيع وهن يبحثن عن “الفانيلات ” الأرجوانية لارتدائها ويناقشن ما إذا كان أطفالهن الصغار وفتياتهن سوف يشاركن أم لا ، فهن لا يعرفن كيف يتصرفن في هذه الأحوال خاصة وأنها المرة الأولى لبعضهن ، فثمة شعور بالقلق ينتابهن أزاء ترك أبنائهن
قتل فاتيما وإنجريد أثار موجة من الغضب الشديد بعد نشر صور مسربة لجثتهما وقد تعرضتا للتمزيق والتشويه المروع
وعلقت جيسيكا لمنظمة “أوبن ديموقراسي ” الحقوقية البريطانية قائلة :” ربما لم تنجح التحركات السابقة أو الاحتجاجات الأقل حجما في إنهاء قتل الإناث ، لكن النساء يصمدن بصلابة الآن وسنقول لا بصوت واحد ، فهذه هي الخطوة الأولى التي نعبر فيها عن مشاعر الغضب والسخط ولن نصمت ونظل مكتوفات الأيدي “
لامبالاة رسمية
تولى الرئيس المكسيكي الحالي أندرياس مانويل لوبيز الحكم في 2018 ، متعدها بأن يعالج أسباب العنف والجريمة المنظمة من الجذور ، لكن سجلت البلاد بعد 15 شهرا من حكمه أعلى معدلات العنف مقارنة بالفترة السابقة ، فقد شهد عام 2019 أسوأ حوادث قتل النساء ، فقد سفكت دماء 230 إمرأة في يناير من ذلك العام وفقا لسكرتارية الأمن العام ، والتي أفادت أن 73 منهن سجلن كقتل أنثى أي قائم على أساس النوع ، وهي زيادة تفوق الضعف مقارنة بيناير 2015 .
وارتفع معدل قتل النساء في المكسيك إى 1600 حالة في عام 2019 مقارنة بـ912 حادثة في عام 2018 ، بينما أكد المدعي العام المكسيكي أليخاندرو جيرتس ، في مؤتمر صحفي سابق أن قتل الإناث زاد في بلاده بمعدل 137% في السنوات الخمس الماضية .
وظل الصحفيون يوجهون أسئلة عديدة في المؤتمرات الصحفية التي يعقدها الرئيس ، وذلك عن الإجراءات التي تقوم بها الحكومة لإنهاء ذلك العنف .
في حين أشارت المفوضية الوطنية لحقوق الإنسان في المكسيك إلى أن 90% من جرائم قتل النساء تمر مرور الكرام ، بدون إدانة أو معاقبة مرتكبيها أو ما يصطلح عليه بـ”الإفلات من العقاب ” .
بعد مقتل “فاتيما ” فتاة السبعة أعوام ، والذي استحوذ على عناوين الصحف في جميع أنحاء البلاد ، دعت جماعة نسائية في مدينة “فيرا كروس ” الساحلية إلى تنظيم إضراب عمالي نسائي ، وذلك عقب المسيرة التي تنظمها النساء الأحد تزامنا مع اليوم العالمي للمرأة .
دولة قتل النساء
هي عبارة كتبها متظاهرون بالطلاء الأحمر على جدار القصر الرئاسي بالمكسيك ، قبل أن ينطلقوا تحت الأمطار الغزيرة في مسيرة احتجاجية إلى مكاتب صحيفية لابرينسا بسبب نشرها صورة مروعة لإنجريد إسكاميا المرأة التي سقطت ضحية لجريمة قتل ،حيث ظهرت جثتها مشوهة .
ورفعوا شعارات احتجاجية تناهض التمييز على أساس النوع مطالبين بتحقيق العدالة بينما تعتبر واقعة إسكاميا الأحدث فى موجة من جرائم القتل الوحشية للنساء.
جيسيكا : سنصمد بصلابة ونقول لا بصوت واحد ، فهذه هي الخطوة الأولى التي نعبر فيها عن مشاعر الغضب والسخط ولن نصمت ونظل مكتوفات الأيدي .
في حين شددت هيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، في وقت سابق علىى ضرورة اتخاذ إجراءات شاملة للقضاء على العنف ضد النساء والفتيات، مطالبة بالعدالة الكاملة ، فضية “إنجريد لسيت معزولة ”
“حوريات ” ضد الدم
ويطلق اسم ” حوريات البحر ” على الجماعة النسائية بـمدينة “فيرا كروس ” التي دعت إلى تنظيم الإضراب ، وهي ترتبط بشبكة من الجماعات والمنظمات النسائية منتشرة في جميع أنحاء البلاد ، والتي أعلنت عن دعمها لهذا النداء بالتحرك الذي انتشر على أوسع نطاق بوسائل التواصل الاجتماعي ، فيما تفاعلت أعداد كبيرة من النساء والفتيات مع الدعوة معلنة مشاركتهن بعدم الذهاب إلى العمل وبالانسحاب من الحياة العامة .
ويشير مصطلح “قتل الإناث” إلى نوع محدد من جرائم القتل التي يقتل فيها رجل امرأة أو فتاة أو فتاة لأنها أنثى. خلافا لغيرها من أنواع القتل ، femicide غالبا ما تحدث في المنزل نتيجة للعنف ضد المرأة . كما يتم تصنيفها ضمن جرائم الكراهية ، لأنها تحدث في سياق تم فيه وصف المؤنث لسنوات.
وما لبتث أن لاقت الدعوة تضامنا من النقابات والشركات والجامعات والمؤسسات التعليمية وبعض حكومات الولايات ، و من بين الشركات الداعمة ، مؤسسة جوجل فرع المكسيك ، وشركة وول مارت ، وهي شركة أمريكية للبيع بالتجزئة ، تعد أكبر شركة في العالم من حيث الإيرادات ، وشركة بمبو ، الأكبر في صناعة المخبوزات في العالم .
وأعلنت جوجل المكسيك ، على وسائل التواصل الاجتماعي قائلة :” نحن نتضامن وندعم حرية النساء في اتخاذ قرار المشاركة في الإضراب العام “كما تأهبت المدارس من خلال وضع خطط لها لتعويض غياب المدرسات المتوقع في الفصول الدراسية .
هناك نساء مثل جيسيكا لم تسبق لهن المشاركة في مثل هذه الفعاليات ولكنهن يتكاتفن في المسيرة والإضراب رغم احتجاج الجماعات المحافظة والدينية .
المتحدثة باسم ” حوريات البحر ” أروسي أوندا قالت :” كل ما نراه هو تراكم للضغط لا يتحدث عنه أحد ، ولاحظنا أن هناك نشاطا غير معتاد في وسائل التواصل الاجتماعي وتلقينا رسائل من النساء اللاتي يطلبن المساعدة من أجل الدعم المعنوي ، مؤكدة أن قصص قتل المكسيكيات ، لها تأثير حقيقي على النساء ، على الرغم من أن العواقب لا تلقى اهتماما كافيا .
بروتوكول ضد الإفلات
ظل الإفلات من العقاب السمة المسيطرة على تلك الجريمة التي ترتكب على أيدي العصابات والأفراد وفي إطار الحياة الأسرية ، مما جعل الأمم المتحدة تعد بروتوكولا وصفته بـ”النموذجي ” وذلك من أجل توجيه التحقيقات والمحاكمات التي تجري في أعقاب عمليات قتل النساء على أساس نوع الجنس في أمريكا اللاتينية .
جوجل : ” نعلن تضامنا وندعم حرية النساء في اتخاذ قرار المشاركة في الإضراب العام “
وأعلنت المنظمة الدولية عن البروتوكول منذ 2014 ، لكن الجريمة مازالت ترتكب وظلت الظاهرة تتفشى دون وازع من قانون أو ضمير .
واعترفت الأمم المتحدة حينها أنه من الصعب تحديد أرقام موثوق بها بخصوص حالات قتل الإناث ، ولكنها استشهدت بما أوردته منظمة الدراسة الاستقصائية للأسلحة الصغيرة، وهي منظمة بحثية أنشأتها الحكومة السويسرية وتحقق في عمليات استخدام الأسلحة الصغيرة، وما يتصل بها من عنف، والتي قالت في تقديراتها أنه يجري ارتكاب جرائم قتل تستهدف أكثر من 000 65 امرأة وفتاة كل سنة، في جميع أنحاء العالم وأن هذا العدد يشكل خمس جميع عمليات القتل تقريباً.
وتم الإبلاغ عن معدلات متزايدة للعنف ضد النساء في جميع أنحاء أمريكا اللاتينية حيث إن أكثر من نصف البلدان الخمسة والعشرين ذات أعلى معدلات قتل الإناث موجودة في الأمريكتين .
وذكرت المنظمة أن النساء يقتلن في أغلب الأحيان على يد شركائهن السابقين أو أفراد من الأسرة أو الأصدقاء ، لافتة إلى أنه كثيرا ما يتعرضن للاعتداء من جانب عصابات وجماعات إجرامية منظمة ، في البلاد ذات معدلات العنف القاتل المرتفعة .
شهد عام 2019 أسوأ حوادث قتل النساء في المسكيك ، فقد سفكت دماء 230 إمرأة في شهر يناير فقط وسط لامبالاة من الحكومة.
وتناول المجتمع الدولي في مناسبات مختلفة مشكلة قتل النساء المرتبط بالنوع ، حيث اعتمدت لجنة الخبراء بالمنظمة الدولية لأول مرة إعلانًا بشأن “قتل النساء” في عام 2008، في لجنة المتابعة التابعة لاتفاقية بيليم دو بارا، ينص على أن قتل النساء يمثل أشد مظاهر العنف والتمييز ضد المرأة في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي.
ويعد العنف ضد النساء عاملا أساسياً في إجبار النساء والفتيات على الهجرة من بلدان المثلث الشمالي الثلاثة هندوراس والسلفادور وجواتيمالا، والبحث عن ملاذ آمن في الولايات المتحدة ، حيث كشفت دراسة أجرتها جامعة واشنطن، عام 2017، أن زيادة العنف بين عامي 2011 و2016، تزامنت مع زيادة المهاجرين للضعف تقريبا لأميركا.
و اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارين بشأن قتل النساء في عامي 2013 و 2015، تشجع فيهما الدول الأعضاء على اعتماد استراتيجيات وتدابير للتصدي للعنف ضد المرأة والحد من خطر عمليات القتل المتعلقة بالنوع، إلى جانب ضمان توقيع عقوبة مناسبة لمرتكبي جرائم قتل النساء والفتيات تتناسب مع خطورة الجريمة.
وتظل المكسيك تواجه أكبر تحد فيما يتعلق بالعنف ضد النساء ، حسبما أكد معهد النساء الوطني ، بينما تسببت مشاهد وصور القتل الوحشي والتشويه العمدي لجثث الضحايا في تجديد الدعوات الإصلاحية التي تطالب بتعديل القوانين لوقف نزيف الدم ، والعمل على تنفيذها إنصافا لحق المرأة في حياة آمنة .