في ظل جائحة كورونا، التي قيدت حياة البشر، وغيرت نمط الحياة بشكل كامل، زادت الإجراءات وساعات الانتظار داخل المستشفيات الحكومية وأصبحت تشكل مصدر إزعاج وإرهاق للمريض ربما أكثر من المرض نفسه، فعند دخول أحدى المستشفيات تبدأ رحلة المعاناة من الإجراءات الروتينية القاتلة، والتي تظهر من خلال المواقف مع حالات المرضي علي أبواب الطوارئ  والتعامل بفتور وإهمال مع الأهالي .

أوجاع أم

شرق القاهرة، الخميس 28 مايو 2020، وقفت سيدة تبلغ من العمر 60 عامًا، أمام باب مستشفى منشية البكري، لعلها تجد العلاج بعد أن اشتد عليها التعب، إلا أنها تُركت وسط رفض من الطوارئ لاستقبال الحالة حتى سقطت على الأرض مغشيًا عليها محدش رضي يستقبل أمي وقالوا مفيش مكان، وسابوها لمّا وقعت في الشارع، تحكي ابنتها “س. ع”.

لقاء فض الاشتباك.. “مدبولي” ونقيب الأطباء يتغلبان على الخلاف.. وغنام يشيد

الابنة احتضنت أمها وجلست على الرصيف، لعلها تجد من يشعر بها من الأطباء والعاملين بالمستشفى، حتى تجمع الناس وتعالت الأصوات في المكان وسط استنكار لما يحدث.

ومع سقوط السيدة على الأرض وحالة الغضب التي سيطرت على الناس – بحسب الابنة – سُمح بدخول الحالة للمستشفى وتم إجراء أشعة لها، وثبت أنها مصابة بفيروس كورونا المستجد، لكن لم يتم توفير مكان لها وجرى تحويلها إلى مكان آخر.

ذهبت الابنة برفقة أمها إلى مستشفى العباسية، حيث تم تحويلهم من قبل منشية البكري وصلنا لقينا الرد علينا مفيش مسحات ولا مكان للحالة، وقالولنا روحوا المطرية، كل دا وأمي تعبانة.

عادت الفتاة مع والدتها مرة أخرى إلى حيث يوجد مستشفى المطرية قاعدين برة ومحدش راضي يستقبلنا، وبيقولوا مفيش دكتور، ولا مكان لحجز الحالة، ومش عارفين نعمل إيه.

وتضيف: حد يساعدنا، أمي بتموت وحالتها صعبة، وكمان قالوا مصابة بالفيروس، ومن مستشفى لمستشفى، ومحدش راضي يستقبلنا.

مرت ساعات عدة منذ بداية الواقعة في الصباح حتى نهاية اليوم، في ظل حالة غليان وشكاوى عبر منصات السوشيال ميديا حتى يتدخل أحد لإنقاذ السيدة، أعلنت وزارة الصحة، عن دخولها مستشفى المطرية، وإجراء الفحوصات وتقديم الرعاية اللازمة لها.

عدم شعور وإهانة

الأحد الموافق 17 مايو 2020، على بوابة مستشفى حميات العباسبة الحديدية، وقف ما لا يقل عن 20 فردًا، مصطفون في طابور حجز الكشف عن حالات الاشتباه بفيروس كورونا، ملاصقون لبعضهم البعض دون مراعاة قواعد التباعد، الغالبية ملثمون الوجه مرتدون للماسك الطبي، وبعضهم دون أي إجراءات.

وسط هذا الطابور، تقف الشابة العشرينية ندى.م، تتكئ عليها والدتها التي تلتقط أنفاسها بالكاد، وحالتها الصحية في تدهور ملحوظ، ورغم توسلها للأمن على بوابة المستشفى بأن يسمحوا لها بالدخول والكشف، إلا أنهم أصروا على أن تلتزم الإجراءات المتبعة للكشف في العيادات الخارجية قالولي استنى خدي دوري واقطعي التذكرة، حسب قولها.

بمجرد أن تخطتت أقدام ندى ووالدتها البوابة الحديدية، وجدت نفسها أمام طابور آخر في داخل، أمام مخيم/قسم (7)، حيث مكان فحص المشبته في إصابتهم بكورونا.

ورغم خطورة حالة والدتها، إلا أن الجميع لم يشعر لذلك، الأمر الذي دفع الفتاة العشرينية، إلى تخطي الصف وترك والدتها، لتتحدث للأطباء المتواجدين بالداخل: “ودخلت وبكلمهم لقيت واحدة من العاملين بالمستسفى والمسئولين عن تنظيم الدور، بتعنفني وتهاجمني إنتي يا ست رايحة فين، شوفي دورك ومتطلعيش منه، بلاوي إيه دي اللي بتتحدف علينا”.

أمي تعبانة وعاوزة اكشف عليها “ندى” ترد على أحد أفراد الأطقم الطبية، لتتعالى ضحكات الأخيرة: “وهي أمك اللي عيانة وباقي الناس جاية دريم بارك”.

لتخرج الفتاة من المستشفى بعد أن تشاجرت مع الممرضة والأمن، والذي كان يتشاجر مع حالة لسيدة من المشردين وتابعة لوزارة التضامن، إلا أن فرد الأمن كان يتشاجر ويمانع دخولها ومن يرافقوها:”لو جاية من الرئاسة مش هتدخل.. معرفش أنا عاجزة من غيره، كل حالة بيدخل معاها واحد بس ، إنما الفرح ده مش ناقصة، وأنا مسئول الأمن”.

عذاب الليل

وضعت الزوجة طفلتها الثانية، منذ عدة أيام، ومازالت في فترة النفاس، وتحتاج إلى متابعة خشية حدوث أي طارئ يُهدد حياتها، وفجأة أخذت درجة حرارة الأم ترتفع مع آلام في الجسم، ما يجعلها بحاجة ماسة لطبيب.

توجه الزوج برفقة زوجته المريضة إلى مستشفى جراحات اليوم الواحد بمنطقة المرج، بعد منتصف الليل في يوليو من العام 2019، بعد ذهبت في المرة الأولى برفقة أمها دون جدوى، وتعامل بفتور مع الحالة، مفيش دكتورة نساء، طلعت الاستراحة ومش هتنزل دلوقتي، على لسان أحد الممرضات.

دخلت الحالة المستشفى وهى لا تقوى على السير، في ظل قلق كبير، بعد تحذيرات من أنها قد تكون حمى ولادة، ولكن ظل التنقل من مبنى إلى مبنى بلا فائدة، على حد قول الزوج “أ.م”.

ويتابع: من العيادات للاستقبال ومفيش أي نتيجة، والتعامل بكل سلبية وعدم شعور بخطورة الحالة، مضيفًا: أصل الدكاترة طلعوا الاستراحات ومش بينزلوا لحد، دا كان الرد علينا، والطوارئ كان فيها دكتور تقريبًا امتياز بيتعامل بكل لامبالاة وعدم اهتمام مع الناس.

ضاقت السبل بالزوج في ظل عدم وجود استجابة وزيادة التعب على زوجته، فقرر اللجوء لطوارئ الوزارة: كلمت الخط الساخن وطلبوا البيانات وتواصلوا مع المستشفى، وطبيب الطوارئ، لكن كان دون جدوى.

ويكمل: بعد شد وجذب، وتدخل طوارئ مجلس الوزراء في الموضوع، كان النتيجة إن الدكتور اللي في الطوارئ كتب أي علاج وخلاص، وقال مفيش فحص نسا دلوقتي.

وينهي حديثه: رجعنا البيت وسط تحذيرات من الدوا اللي كتبه دكتور الطوارئ، لعند لمّا تواصلنا مع دكتور متخصص، وطلب نوع علاج آخر، حتى الصباح والذهاب إلى عيادة خاصة، بعد أن بدأت الحالة تستقر في الصباح.

النظام واللامبالاة

قرابة 4 سنوات مروا على يومٍ مشاجرة “سيد.ب”، مع الممرضين المسئولين عن استقبال الطوارئ في مستشفى 6 أكتوبر بمدينة الدقي، إلا أنه لا ينسى ذلك اليوم الذي يصفه بـ”المشؤوم”.

يحكي “سيد” يومها دخلت إلى المستشفى حاملًا شقيقتي، وهى تبكي من شدة الألم، حيث أُصيبت في حادث سير، مما أثر على حركتها، ورغم خطورة الحالة، إلا أن المستشفى لم يشغله سوى ترك البطاقة وتسديد مصاريف الكشف المبدئي.

وانفعل الشاب على المسئول في استقبال الطوارئ: خد كل حاجة وأنا هاخدها وأطير البنت بتموت مني يا عم، إلا أنالممرض رفض قائلًا: ده النظام أنا مش عاوز كل حاجة عاوز 35 جنيه كشف.

الحقوق الصحية المهدرة في الصراع بين نقابة الأطباء ووزارة الصحة

وبعد دفع المصاريف، تفاجأ الشاب أنه لا يوجد طبيب “استنى لما الدكتور محمد يخلص وادخله”، هكذا كان الرد عليه.

وبعد مضي فترة من الزمن، لم تكن هناك استجابة، ما أدى إلى حدوث مشادة بين “سيد” والتمريض: “يعني كان همكم الـ35 جينه كشف، وغير كده في داهية، ومحدش عبرنا”.

ويلفت: إلى أنه بعد تعالي الأصوات، لقينا باب غرفة بيتفتح وفيها موجود، وخرج واحد منهم، وهو يسأل (في إيه؟)، ليرد عليه الممرض: كلم يا دكتور محمد، بقوله “استنى لما حضرتك تخلص متصربع على إيه معرفش”.

ويستنكر تعامل الطبيب: دخلنا غرفة الكشف سأل أختي (إيه اللي بيوجعك؟)، وبعدين طلب إشاعة، متابعًا:بعدها استدعى ممرض يدعى يا علاء، وقال له: خد منهم رسوم إشاعة وحولهم يعملوها، ولما يخلصوا أنا هدخل أشرب سيجارة وابقى نديني.