يرن الهاتف، تستقبل سماح المكالمة لتتلقى خبر وفاة جدها في محافظة قنا، فتبادر خالتها التي أبلغتها الخبر بسؤال سريع “هو مات بكورونا ولا عادي ؟ “، فتطمئنها خالتها أنه توفى بجلطة في القلب فهو مريض مزمن بإنسداد الشريان التاجي منذ عدة سنوات، فسرعان ما تلتقط سماح أنفاسها قائلة “الحمد لله” !


تنتهي المكالمة برضا تام بين الطرفين لدرجة أن تتناسى سماح تعزية خالتها، أو مواساتها في وفاة جدها.

موقف لا يمكن أن يمر مرور الكرام، لسببين الأول أنه انتشر في الآونة الاخيرة بشكل مبالغ فيه وبين فئات مختلفة واعمار متنوعة بسبب كثرة عدد الوفيات جراء الجائحة، والسبب الثاني أن هذا التصرف يتنافى تماماً مع العادات المصرية في موساة أهل المتوفي.

الخبير الصحي علاء غنام يضع خارطة طريق لفك الاشتباك بين الصحة ونقابة الأطباء

تكرر الأمر أكثر من مرة، فوفقاً لمحمود عامل نظافة في مستشفى إمبابة العام، أوضح أن معظم حالات الوفاة التي تتوفى داخل المستشفى وبمجرد انتشار الخبر أول سؤال يباغته من المتواجدين في بالرقب من حالة الوفاة “هو مات ازاي ؟” يقول محمود أنه يعمل منذ 5 سنوات في المستشفى وما يراه هذه الفترة من ردود أفعال المترددين على المستشفى حيال الموت غريبة جداً.

وبمجرد أن يقال مات نتيجة إصابتة بكورونا، يبتعد الشخص الذي يتحدث معه خطوتين للخلف، ثم يترحم على المتوفي كثيراً وتظهر على وجهه ملامح التعاطف، أما اذا كانت إجابة محمود أن الوفاة تمت لأي سبب آخر مثل هبوط الدورة الدموية أو غيرها فيقول المتلقي “الحمد لله” وكأنه يحمد الله على أن المتوفي لم يمت بفعل الكورونا، وأن أي سبب آخر للوفاة يكون أفضل من الموت بالوباء اللعين.

توافقه الرأي سهير الخياط التي تلقت خبر وفاة زوجة أخيها في حادث سير، ومع ذلك لم تذهب إلى مواساة أخيها إلا بعد التأكد أن زوجته ماتت في حادث، ولم تمت جراء كورونا، وبررت ذلك بعدها بأنها كانت مصدومة ولا تعي تصرفاتها من فائق حزنها على زوجة أخيها، وترتب على الامر مقاطعة أخيها لها منذ بداية شهر ابريل الماضي وإلى الآن بسبب عدم اهتمامها بمواساته بقدر اهتمامها بمعرفة ما إذا كانت زوجته توفيت بعد إصابتها بكورونا او لسبب آخر.

 رهاب الموت

“تسارع ضربات القلب، التعرق بشكل مبالغ فيه، جفاف الحلق واضطرابات المعدة، جميعها أعراض لمرض نفسي يطلق عليه “رُهاب الموت” وهو ما قالته الطبيبة النفسية “هالة الأعصر” استاذ الطب النفسي بجامعة القاهرة موضحة أنه من الطبيعي أن يقلق الإنسان بشأن صحته، ومن الطبيعي أيضاً أن يزداد القلق مع انشار وباء عالمي، وتردد سماع حالات الوفاة على المسامع، جميعها أمور من شأنها أن تزيد من توتر الفرد، ويجعله هذا التوتر يصدر ردود أفعال غير محسوية، احياناً تكن ردة أفعال غير ملائمة للظرف نفسه، كالضحك الشديد أو اصدار كلمات غير مناسبة للحدث عن سبب الوفاة، أو المباركة.

“بشائر الخير”.. قراءة حقوقية في تطوير العشوائيات بمصر

أضافت أن أكثر الأشخاص عرضة لرهاب الموت هم اللذين لهم تجارب سابقة مع فقدان أشخاص عزيزة عليهم، وتكرار حدوث موت المقريبين من ذلك الشخص، كما أن سماتهم الشخصية تغلب عليها عدم الصلابة وسرعة التأثر لآخبار الآخرين فعقلهم الباطن يرفض الإستسلام بأن سبب الوفاة هو كورونا.

 شيم المصريين

تكرار المصريين سؤالهم عن سبب وفاة الشخص، وتحديد ما إذا كان السبب كورونا أو غيرها يتنافى تماماً مع شيم المصريين، وهو ما يقوله العالم الازهري مصطفى الناقوري، موضحاً أنه عند نزول البلاء ينقسم الأفراد إلى 3 أنواع النوع الاول يقابل الابتلاء بالسخّط، وعدم الرضى بقضاء الله،والنوع الثاني يتقبل البلاء في صمت لا يتضجر ولا يشكر، والنوع الثالث يقابل البلاء بالحمد والشكر وبالرغم من إختلاف جزاء كل فرد من الأنواع الثلاث، إلا أنه لا يمكن المزايدة على درجة حزنهم فجميعهم منتظريين الدعم والمواساة من المحيطين بهم ليتجاوزوا صدمة موت شخص خاصة لو كان المتوفي عزيز عليهم.

مضيفاً أنه على مر العصور يضرب المصريين مثالاً يُحتذى به في المواساة والوقوف بجانب الشخص المكلوم أو الذي لديه مصيبة كالموت، ومن الغريب والمريب هذه الأيام أن يتبدل الحال ويتحول المصريين من أشخاص يساندوا بعض في المصائب إلى أشخاص كل ما يهمهم هو التأكد أن الفقيد لم يمت بكورونا .