“الإجابة كانت ولا زالت تونس” منذ ثورات الربيع العربي وحتى أزمة كورونا، استطاع البلد -الذي يبلغ مساحته 163610، وعدد سكانه أكثر من 11 مليونا- استعداداته للخروج من نفق كورونا المظلم، بعد تراجع الإصابات والذي وصل لصفر في عدة أيام سابقة.

بحسب وزارة الصحة التونسية اليوم فقد ارتفعت حالات الشفاء من كوفيد 19 إلى 946، في المقابل انخفض عدد الإصابات التي لاتزال حاملة للفيروس إلى 77 مصابا، وبلغ  عدد المصابين 1068 مصابا، الأمر الذي يطرح عدة تساؤلات تتعلق بتجربة الشعب وتعامله مع الفيروس وتكوينه الاجتماعي ودرجة وعيه وأسبابها، كل هذا يجيب عنه أستاذ علم الاجتماع بجامعة تونس محمد جويلي في حوارنا معه، فإلى نص الحوار:-

كيف تقيم تجربة تونس في التعامل مع فيروس كورونا مقارنة بدول المنطقة؟

تفيد المؤشرات والأرقام الصادرة عن وزارة الصحة في تونس، بأن جائحة كورونا لم تكن بالخطورة التي توقعناها، ولم تكن الوفيات مرتفعة وهي الآن في حدود 47 حالة لتصنع الهلع في صفوف الناس.

هناك اعتقاد عام في تونس أننا تجاوزنا مرحلة الخطر ويحق لنا استعادة تفاصيل حياتنا اليومية، ولكن وزارة الصحة بخطابها الصحي وخطابها السياسي لا تزال تطلق المنبهات خوفا من هجمة مرتدة وأن المباراة لم تنته بعد.

وما هي أسباب النجاح من وجهة نظرك؟

يعود نجاح التجربة التونسية إلى أن الحيطة تم أخذها من البداية حين ألزم العائدون من كل مناطق العالم بالحجر الصحي الاجباري ومراقبة القادمين منذ حلولهم بالمطارات مراقبة صحية صارمة.

وقد اتبعت وزارة الصحة استراتيجية موجهة جعلتها لا تتدخل إلا عندما يقع اكتشاف حالة عدوى فيقع التركيز على المحيط الاجتماعي لتلك الحالة بحيث تتمّ السيطرة على كل إمكانيات العدوى الأفقية.

ثم جاءت الحملات التحسيسية بمساعدة كل القوى الاجتماعية بما في ذلك منظمات المجتمع المدني والإعلام والأطباء في المنابر الإعلامية.

لقد ساد خطاب الأطباء العلمي ووثق فيه الناس ثقة كبرى كدليل على نجاح المسار الدراسي الذي يثق فيه التونسيون ثقة منقطعة النظير.

قد يكون ظهور الأطباء في وسائل الاعلام واكتشافنا لهم كطاقات جبارة هو الذي جعل الناس تلتزم إلى حدّ كبير بالنصائح التي يقدمها هؤلاء، الشيء الذي جعل الحجر الصحي ناجحا بنسب محترمة عموما.

حدثنا عن تعامل الشعب التونسي وتقبله للإجراءات الحكومية؟

هناك كورونا الدولة وهناك أيضا كورونا مواطني هذه الدولة، وهذا يعني اختلافا في تأويل الظاهرة وبالتالي اختلاف في التعامل معها، تنظر الحكومة ومن ورائها أجهزة الدولة للظاهرة على أنها ظاهرة متعددة الأبعاد (سياسية  اقتصادية واجتماعية وحتى ديبلوماسية).
ولهذا تكون بوصلتها متجهة إلى تحقيق أكثر ما يمكن من النجاعة لتحقيق النتائج الإيجابية التي يمكن استثمارها فيما بعد.

وماذا عن كورونا المواطنين؟

أما المواطنون فإنهم أيضا مختلفون في التعاطي مع كورونا كلّ حسب وضعيته الاجتماعية وكل حسب تقديره للموقف وفق درجة الوعي بخطورة المسألة.

فسكان الأحياء الشعبية مثلا كانوا أقل التزاما بالحجر الصحي وشروط الرعاية الصحية الأخرى.

هؤلاء يسكنون في بيوت صغيرة الحجم وحياتهم اليومية هي في الغالب خارج البيت، في الشوارع وفي الأزقة المجاورة وقد يكون مكوثهم في البيت لأوقات طويلة مجلبة للسخرية الاجتماعية.

وهنا يصبح تحدي اشتراطات الحجر الصحي من هؤلاء علامة على هوية اجتماعية بموجبها تتفوق الواجهة الاجتماعية على الواجهة الصحية.

تبقى الفئات الاجتماعية الأخرى والتي لها من الإمكانيات ما يسمح لها بالبقاء في البيت فإنها كانت الأكثر التزاما بالحجر الصحي وبالتالي البقاء في البيوت وخصوصا في المدن الكبرى.

وهنا من المفيد التذكير بأن الحالات الأولى للإصابة بعدوى كورونا أتت من مهاجرين عائدين من أوروبا فرضت عليهم العادات الاجتماعية التواصل مع عائلاتهم وبالتالي انتقال العدوى بشكل سريع بين أفرادها.

ولكن ما تجدر الإشارة إليه هو أن الشعب التونسي كان إلى حدّ كبير ملتزما بشروط الحجر الصحي و التباعد الجسدي و حمل الكمامات.

وهل هذا التقبل له علاقة بمستوى الديمقراطية وثقة الشعب التونسي في حكومته؟

لم تخلو العلاقة بين الحكومة والمواطنين من شدّ وجذب خصوصا فيما يتعلق بالإجراءات المتخذة لتقليص أثار الجائحة على الفئات المهمشة والضعيفة.

لقد تولت الدولة إسناد منح مالية لفائدة هؤلاء ولم تكن منظومة المساعدات وقتية وشابت العملية إخلالات إجرائية عديدة سرعان ما وقع تجاوزها، وقد أقرت الحكومة بهذا الأمر.

وهذا ما عزز إلى حدّ ما الثقة بين الطرفين، و لكن يبقى الأمر المهم هو الشفافية في المعطيات التي تقدمها وزارة الصحة يوميا حول تطور الوباء و لم يقع الشك في إمكانية إخفاء المعطيات مثلما حصل في بلدان عديدة. 

وما علاقة وعي الشعب التونسي في التعامل مع كورونا له بمستوى التعليم  والحريات؟

أتاحت جائحة الكورونا الفرصة للحديث وبكل ديموقراطية وحرية في الأشياء المرتبطة بالجائحة. 

لقد وقع تناول مسائل مثل تهاوي المنظومة الصحية وكيفية معالجتها وكذلك المنظومة التربوية وبدأ الحديث عن العمل عن بعد واستعمال التكنولوجيات الحديثة.

كل هذه المسائل تمّ تناولها في وسائل الإعلام بجدية كبيرة وبحرية أكبر، لقد كانت حرية التعبير وحرية بسط المواضيع الحارقة في الفضاء العام بمثابة الصمام الذي امتص التناقضات التي ظهرت جراء الأزمة الصحية الطارئة.

فيما يتعلق بمسألة الوعي فإنه من المفيد التذكير أن الجانب الصحي في تونس هو بالأساس مسألة سياسية تعود إلى بدايات الاستقلال حين أخضع الجميع إلى التطعيمات الإلزامية في المدارس.

ويذهب الكثير من المختصين في المجال الطبي إلى اعتبار أن الدولة التونسية حين أقرت التلقيح ضد السل للجميع وأتاحته لهم في المدن والأرياف قد أعطى مناعة كبيرة جعلتهم يواجهون الجائحة دون مخلفات تُذكر.

أقصد مستوى الحريات عموما قبل كورونا.. هل أثر في تشكيل وعي المواطن التونسي الآن؟  

نعم الاثنان معا لهما علاقة فالحريات عندنا في تونس تسمح بالنقاش العام و بتقديم المعطيات دون خوف ودون إخفاء، وتسمح أيضا بنقد الحكومة و إجراءاتها، لذلك هذه الديناميكية تسمح بفهم جيد للمسألة وتسهل معها مواجهتها ويمكن للمواطنين الانخراط بسهولة في التوخي من كورونا.

بالنسبة لبقية شعوب المنطقة العربية ومستوى الوعي لديهم هل سيؤهلهم للخروج من الأزمة مبكرا؟

لكل بلد عربي خصوصياته وهنا يمكننا تناول المسألة بوضعها في سلة واحدة، وهذا مرتبط بمستوى المنظومة الصحية وبعلاقة المواطنين بالجانب الصحي وبمدى التزامهم بالشروط الصحية العامة وهذه ثقافة يقع إرساؤها بين الناس منذ المدرسة.

ولكن يبقى تعامل حكومات هذه الدول مع الجائحة والإجراءات المتخذة في إبانها شرطا أساسيا لمدى نجاحها من عدمه في تجاوز الأزمة.

ومع هذا كلّه تدفع الشعوب العربية كما الشعوب الأخرى نتائج السياسات الصحية التي وقع إرساؤها منذ عقود.

اقرأ أيضا: 

الإرهاب الفيروسي.. مخطط الجماعات المتطرفة لنشر كورونا في صفوف الشرطة بتونس

“راضية النصراوي”.. أمرآة وهبت حياتها لنصرة المظلومين بتونس