ما زالت الاضطرابات، متصاعدة في مدينة منيابوليس الأمريكية بعد إقدام أحد رجال الشرطة البيض على قتل مواطن من أصول إفريقية خنقًا بالضغط على عنقه بركبته بعد طرحه أرضًا.
جريمة جديدة أعادت فتح ملف الاضطهاد والعنصرية الذي يتعرض له الأمريكيون من أصول إفريقية على أيدي الشرطة، وبعض مؤسسات الدولة، رغم إلغاء قوانين التّمييز العنصري.
فقبل خمسين عاما رفضت سيدة أمريكية من ذوات البشرة السمراء اسمها روزا باركس أن تترك مقعدها فى حافلة كانت تركبها فى طريقها إلى منزلها الواقع فى مدينة مونتجمرى بولاية آلاباما فى الجنوب الأمريكى بعد أن أنهت يوم عملها حيث كانت تعمل خياطة.
وكانت قوانين الولاية فى ذلك الوقت تنص على أن الأمريكيين من أصول إفريقية يجلسون فى المقاعد الخلفية، أما البيض فلهم المقاعد الأمامية، بل من حق السائق أن يأمر الركاب الامريكان من اصول افريقية الجالسين أن يتركوا مقاعدهم من أجل أن يجلس شخص أبيض.
ولكن فى ذلك اليوم تعمدت باركس ألا تخلى مقعدها لأحد الركاب البيض، فقام السائق باستدعاء رجال الشرطة الذين ألقوا القبض عليها بتهمة مخالفة القانون، وكان للحادث أثر كبير فى تأجيج التظاهرات ضد العنصرية في أمريكا، وقاطع الأمريكيون الأفارقة حافلات الركاب لمدة سنة كاملة.
ورفعت القضية إلى أعلى هيئة دستورية فى الولايات المتحدة، واستمرت المحاكمة مدة 381 يوما وفى النهاية خرجت المحكمة بحكمها، الذى نصر موقف روزا باركس، وأصبح من حق الأمريكيين من أصول إفريقية أن يجلسوا في نفس أماكن الأمريكان البيض.
ويرجع تاريخ العنصرية ضد الأمريكيين من أصول في أمريكا إلى نظام العبودية ففي عام 1619 ميلادي، رست أول سفينة تحمل على متنها عشرون رجلا من أصول إفريقية استقدمهم البريطانيون البيض من أفريقيا للعمل في ولاية فرجينيا كخدم ومزارعين في حقول التبغ والقطن، وكانت هذه الحادثة نقطة الشروع في انتشار العبودية في الولايات المتحدة الأمريكية وأمريكا الجنوبية، حتى وصل عدد العبيد المستقدمين من أفريقيا في الأمريكيتين اثنا عشر مليون شخص، حصة الولايات المتحدة منهم أربعة ملايين، وقد شرعت عدة قوانين بين عامي (1680 -1700) ميلادي منها قانون جمعية بور جيسيس العنصرية الذي ينص ( على إن العرق الأبيض هو المتفوق والمهيمن على العرق الأسود ).
وفي عام 1808 تم حظر قانون العبودية من قبل الكونجرس، وإلغائه فعليا في فبرايرعام 1865 بتوقيع الرئيس الأميركي أبراهام لينكولن على “التعديل الثالث عشر في الدستور الأميركي” والذي حرر الجميع من العبودية ، ورغم مرورأكثر من 150 عام على إلغاء العبودية في أميركا، إلا أن التنميط العنصري ما زال يشكل أزمة كبيرة للأمريكيين من أصل أفريقي.
وينص التعديل الثالث عشر من الدستور الأميركي على: “تحرّم العبودية والخدمة الإكراهية، فيما عدا كعقاب على جرم حكم على مقترفه بذلك حسب الأصول، في الولايات المتحدة وفي أي مكان خاضع لسلطاتها”.
ووفقاً لاستبيان “التمييز في أميركا” الذي أجرته مؤسسة الإذاعة الوطنية العامة خلال الفترة من 26 يناير حتى 19 إبريل 2017، يتعرض الأميركيين من أصل أفريقي للعنصرية في مختلف مناحي الحياة مثل المدرسة والجامعة، والوظائف ، ومحولة استئجار أو شراء مسكن، وعند الذهاب إلى الطبيب، أو العيادة الصحية وعند محاولة التصويت.
أما مظاهر الاستهداف الممنهج، يتمثل في تعامل الشرطة معهم، إذ قتلت الشرطة الأميركية 1147 أميركياً، من بينهم 25% من الأمريكيين من أصل أفريقي، في عام 2017 وفقاً لمسح mappingpoliceviolence خريطة مراقبة العنف الشرطي، الذي أجرته حركة (TheProtesters) “نحن المتظاهرون” المناهضة للعنصرية.
وتبلغ نسبة السكان الأميركيين من أصل أفريقي 12.6% من إجمالي عدد الأميركيين البالغ عددهم 327.16 مليون نسمة وفقًا لبيانات مكتب الإحصاء السكاني الأميركي.
وبحسب بعض الإحصائيات الرسمية فإن نسبة السود في السجون الأمريكية أكثر بـ 43 بالمِئة رغم أنهم يشكّلون 13 بالمِئة من مجموع السكان، ولا يوجد منهم إلا سيناتورين من مجموعِ مئة من مجلس الشيوخ و44 نائبا في مجلس النواب الذي يزيد تعداده عن 435 نائبًا.
وحسب كتاب “السجل الأسود لأمريكا.. الشيطان يسكن تمثال الحرية” لـ عصام عبد الفتاح، استطاع “مارتن لوثر كينج” أن يخطو أصحاب الاصول الافريقية إلى الأمام فى منتصف القرن الماضى، فقد حمل راية الكفاح ضد العنصرية الأمريكية.
وفى يونيو عام 1957 بدأ مارتن لوثر كينج بالمطالبة بحقوق السود فى الانتخابات وكان عمره آنذاك 27 عاما، ومن أمام نصب إبراهام لينكولن نجح فى تسجيل خمسة ملايين أمريكى من أصول أفريقية فى سجلات الناخبين.
وفى عام 1963 بعد تولى “جون كنيدى” منصب الرئاسة قام مارتن وأنصاره بسلسلة من المظاهرات السلمية فى برمنجهام للمطالبة بحقوق السود لتقع مواجهة دامية بين الشرطة والمتظاهرين من أصول إفريقية ويصدر بعد ذلك حكما قضائيا بمنع الاحتجاجات والمسيرات والمقاطعات والاعتصام.
وأعلن مارتن عن تحدى المحكمة وخرج فى مسيرة يتقدمها الأطفال لتحدث المواجهة مرة أخرى بين الشرطة وكلابها البوليسية المتوحشة وبين المسيرة التى يتقدمها الأطفال، والتقطت الكاميرات الصور للكلاب البوليسية وهى تنهش أجساد الأطفال، وانتشرت تلك الصور فى العالم كله، مما دفع الرئيس الأمريكى جون كنيدى إلى إعلان حالة الطوارئ.
واستمرت الثورة وسار أكثر من 250 ألف متظاهر باتجاه نصب لينكولن التذكارى وهناك ألقى “لوثر ” خطبة رائعة عنوانها “لدى حلم”.
“عندى حلم بأنه فى يوم ما على تلال جورجيا الحمراء سيستطيع أبناء العبيد السابقين الجلوس مع أبناء أسياد العبيد السابقين معا على منضدة الإخاء هذا هو أملنا.. هذا هو الإيمان بأنه عندما أعود إلى الجنوب، بهذا الإيمان سنكون قادرين على شق جبل من اليأس بصخرة الأمل.عندى حلم أنه فى يوم ما بأن كل وطاء يرتفع وكل جبل ينخفض ويصير المعوج مستقيما فيعلن مجد الرب ويراه كل البشر جميعا”.