بعد توالي الاحتجاجات في الولايات المتحدة على مقتل مواطن من أصول إفريقية على يد رجل شرطة، هدد الرئيس دونالد ترامب بتصنيف حركة النشطاء اليسارية المناهضة للفاشية “أنتيفا” منظمة إرهابية بعد ليلة أخرى من الاحتجاجات العنيفة التي شهدتها عدة ولايات أمريكية أمس، متهما “اليساريين الراديكاليين” بإثارة الفوضى في البلاد.

وغرد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمس الأحد 31 مايو في عبر صفحته على تويتر إنه سيصنف حركة النشطاء اليسارية المناهضة للفاشية المعروفة باسم “أنتيفا” منظمة إرهابية محلية، بعد أن حمل الحركة مسؤولية الفوضى في البلاد.

وجاء إعلان ترامب، وسط احتجاجات عنيفة تشهدها الولايات المتحدة الأمريكية رفضا لتعامل الشرطة الوحشي مع وفاة جورج فلويد، وهو مواطن أمريكي من أصل إفريقي، ظهر في مقطع مصور وهو يحاول بصعوبة التنفس، بينما كان شرطي أبيض يجثو بركبته على عنقه في مدينة منيابوليس، قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة ويفارق الحياة.

 أفكار ومعتقدات

تعد “أنتيفا” منظمة يسارية مناهضة -في الأساس- للأفكار الرأسمالية، وتعادي “الأفكار الفاشية والنازية واليمين المتطرف”، ويتكون اسم المنظمة من جزأين الأول “العداء” (ANTI)، والثانية “الفاشية” (FA)، ويصنفها البعض منظمة فوضوية شيوعية اشتراكية.

وتعود جذور هذه الحركة إلى عام 1919 حينما تكون ائتلاف يساري تحت مسمى “أنتيفا” في إيطاليا ضد الديكتاتور الإيطالي بينيتو موسوليني الذي نجح في توحيد السلطة في ظل حزبه الوطني الفاشي في منتصف عشرينيات القرن العشرين، ظهرت الحركة المعادية للفاشية في إيطاليا وبلدان مثل الولايات المتحدة.

ومن الناحية الإيديولوجية، تعتبر حركة أنتيفا نفسها خليفة النشطاء المناهضين للنازية في ثلاثينيات القرن العشرين، فقد عادت الجماعات الناشطة الأوروبية، والتي نُظمت في الأساس لمعارضة الدكتاتوريات الفاشية في أثناء الحرب العالمية الثانية، إلى الظهور في سبعينيات القرن العشرين وثمانينياته، من أجل معارضة سيادة البيض وحركة حليقي الرؤوس، ثم انتشرت في نهاية المطاف إلى أميركا.

وغير موثق بدقة تاريخ انطلاق هذه المنظمة في أمريكا، لكن البعض يرجع ظهورها في الولايات المتحدة إلى اجتماع منظمة التجارة العالمية بمدينة سياتل عام 1999، حيث شهدت المدينة مظاهرات عنيفة، واستخدم فيها العنف، ودمر وسط المدينة من دون سقوط ضحايا.

غضب الحركة

لكن غضب هذه الحركة ظهر على السطح في الولايات المتحدة الأمريكية مع قدوم الرئيس الجمهوري دونالد ترامب للحكم، وفوزه في الانتخابات الرئاسية في نوفمبر عام 2016.
حيث خرجت احتجاجات شعبية في الولايات المتحدة عام 2016، رفضًا لفوز ترامب بالانتخابات الرئاسية آنذاك على حساب المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون.

اقرأ ايضًا: أيام أمريكا الدامية.. احتجاجات حاشدة ورصاص حي

الهيكل التنظيمي

غير معلن عن هيكل تنظيمي واضح للحركة بسبب سريتها، لكنها تتكون من مئات الجمعيات الحركية غير المركزية والمنتشرة في مختلف ولايات أمريكا.

واشتهر نشطاء المنظمة بأغطية الوجه والملابس السوداء التي يرتدونها أثناء الاحتجاجات، ويتحركون في مجموعات بشرية صغيرة، ويحاولون لفت الانتباه لمواقفهم الداعية للتغيير والتمرد على الأوضاع الحالية.

ويرى أعضاء أنتيفا -الذين يحتفظون بسرية انتمائهم- أن منظمتهم ما هي إلا رد فعل طبيعي على تنامي الاتجاهات اليمينية المتطرفة في الولايات المتحدة، التي منحها وصول ترامب للبيت الأبيض قوة دفع كبيرة.

وانضم للمنظمة أعداد كبيرة من النساء في مجموعات أنتيفا وتم القبض عليهن في مظاهرات ضد اليمين البديل في كاليفورنيا وأماكن أخرى.
 

موقف ترامب من أنتيفا

في تغريدة ترامب أمس الأحد، ليست المرة الأولى التي يصف فيها أنتيفا بالجماعة الإرهابية.

وذكر ترامب في تغريدة منفصلة ” إنها أنتيفا / حركة النشطاء اليسارية المتطرفة المناهضة للفاشية / واليسار الراديكالي لا تلقي باللوم على الآخرين!”.

وتعهد دونالد ترامب السبت الماضي بإيقاف الاضطرابات العنيفة في سائر أنحاء البلاد، متهما الأمريكيين المنتمين لليسار الراديكالي ببث الفوضى.

وقال خلال فعالية في فلوريدا: “لن يتم السماح لمجرمي اليسار الراديكالي والبلطجية وغيرهم في جميع أنحاء بلادنا وفي جميع أنحاء العالم بإشعال النيران في المجتمعات”.

وذكر ترامب أن “أنتيفا”، وهي شبكة من الأشخاص الذين غالبا ما يروجون للفوضوية المسلحة، تقف وراء الاضطرابات. وأضاف: “إن إدارتي ستوقف عنف الغوغاء وستوقفه سريعا”، مضيفا أن الحكومة الاتحادية تنسق مع السلطات المحلية في جميع أنحاء البلاد.

استخدام العنف

يقول سكوت كرو عبر شبكة سي أن أن ، أحد الذين شاركوا مع أنتيفا منذ ما يقرب من 30 عامًا ، إن الأعضاء يستخدمون العنف كوسيلة للدفاع عن النفس ويعتقدون أن تدمير الممتلكات لا يعادل العنف الموجه.

ويضيف:” هل هذا هو العالم الذي نريد أن نعيش فيه؟ لا، هل هذا هو العالم الذي نريد أن نعيش فيه؟ لا، هل هذا هو العالم الذي نريد خلقه؟ لا. ولكن هل سنرد؟ نعم”.

ويشير “كرو” إلى أن فلسفة أنتفيا تقوم على فكرة العمل المباشر. بحيث أنهم يذهبون إلى حيث يذهبون (اليمينيين)، ويضيف أن الكلام الذي يحض على الكراهية ليس كلامًا حرًا. إذا كنت تعرض الناس لما تقوله والأفعال التي تقف وراءهم ، فلن يكون لديك الحق في القيام بذلك.

ويوضح “هكذا نذهب لإحداث نزاع ، لإسكاتهم، لأننا لا نعتقد أن النازيين أو الفاشيين من أي شريط يجب أن يكون لهم لسان حال.”

لكن بيتر كفيتانانوفيتش ، القومي الأبيض يعتقد أن أقصى اليسار ، بما في ذلك أنتيفا ، “بنفس القدر من الخطورة ، إن لم يكن أكثر خطورة مما يمكن أن يكون عليه الجناح اليميني”.ويقول”هؤلاء هم أناس يبشرون بالتسامح والمحبة بينما يهددون في نفس الوقت الناس بأيدلوجية سياسية مختلفة. نذهب إلى مسيراتنا ويضايقوننا ويهاجموننا، لكنهم يعقدون اجتماعاتهم ونتجاهلهم”.

اقرأ ايضًا:  أوباما: سياسة ترامب “كارثية”.. و”العفو الدولية” تدين العنف ضد المتظاهرين

وشهدت تظاهرة شارلوتسفيل، بالولايات المتحدة الأمريكية، التي انطلقت عام ٢٠١٧، و زادت بسيادة الأبيض، مشاركة من أعضاء ” انتيفا” الذين ارتدوا الأقنعة السوداءداخل التظاهرة.
وكان لهم دور مهم في اشتعال العنف في شارلوتسفيل، ولكنهم كسبوا شعبية أيضا، كونهم التيار المعادي للتطرف اليميني، حتى أن الكاتب والأكاديمي الشهير، كورنيل ويست، الذي كان حاضرًا في أحداث شارلوتسفيل، أعرب عن إعجابه بقيام الحركة بحماية الأنشطة المناهضة للعنف، وقال لصحيفة واشنطن بوست حينها: “لولا حماية مناهضي الفاشية لنا من الفاشيين الجدد لكانوا سحقونا مثل الصراصير”.

رأي القانون

ويعتقد بعض خبراء القانون الدستوري أن ترامب لا يحق له تسمية “أنتيفا” منظمة إرهابية.

وأوضحت البروفيسورة ماري ماكورد، المسؤولة السابقة في وزارة العدل، أنه “إذا تم تمرير مثل هذا القانون، فإن الأمر سيواجه تحديا خطيرا للتعديل الأول في الدستور المتعلق بحرية الرأي”.

روث بن غيات ، أستاذة التاريخ في جامعة نيويورك قالت في صريح صحفي لموقع فرست بوست، إنها قلقة من أن أساليب منظمة أنتيفا يمكن أن تغذي المعادلات الكاذبة التي تسعى إلى تصعيد العنف ضد اليسار بهجمات من اليمين.

وأكدت على أن لاشيء يعادل قتل شخص ما ، ولكن لأن الأشخاص في السلطة متحالفين مع اليمين ، أي استفزاز ، أي معارضة ضد العنف اليميني ، له نتائج عكسية”.

وأشارت إلى أن التشدد في اليسار يمكن أن يصبح “مبررا لمن هم في السلطة والحلفاء على اليمين لقمعهم”.