لم تكن تصريحات ذلك الرجل الذى ينتمي إلى أجداد غير أمريكيين هاجروا إلى الولايات المتحدة في القرن الـ19، حول الشأن العام، بعيدة عن حياته الحقيقية، الطفل المدلل لرجل الأعمال الذى يمتلك “مجموعة ترامب”، والذى أرسله والده للتعلم فى الأكاديمية العسكرية الأمريكية إلا أنه فضل أن يعمل بشركته لينحى منحى اقتصاديا، وتبدأ رحلته فى عالم “البيزنس” بكثير من التفاصيل المتوجة بالفشل والنجاح، والتحايل على الأزمات الاقتصادية التي مر بها، بمواهب خاصة.
الرئيس الخامس والأربعون للولايات المتحدة الأمريكية، الذى حملت له الأيام الكثير من المفارقات، كما حملت صدفة الوقت مفارقة تواجده من الأساس، وخلق أزمة عنيفة يتابعها العالم الآن، تضرب فى ثوابت دولة عانت لسنين من أزمات عنصرية، الأزمة الجديدة تزيد تصريحاته الاستفزاوزية من مساوئها وعنفها، والتي تضرب فى أسس وقواعد وإن كانت ظاهرية لكنها اعتمدت عليها الولايات المتحدة الحديثة دائما فيما ارتبط بالحرية التي يشير إليها تمثال، أصبح رمزًا لدولة فظة فى الواقع، لكنها دائما تحاول التجمل.
المفارقة الجديدة التي تصادف دونالد ترامب، هي وفاة أحد المواطنين من أصل إفريقي نتيجة تعامل وحشي من قبل أحد ظباط الشرطة، حين وضع ركبته على رقبته حتى الموت أثناء القبض عليه، لا تتفق المفارقة مع واقع عاشته أمريكا منذ عشر سنوات، حين جاء تصويت الشعب الأبيض لصالح رئيس أمريكي من أصول إفريقية للمرة الأولى فى تاريخها، حيث كان “أوباما” خيارًا جديدًا للشعب الأمريكي، يراهن به على حالة أراد تصديرها إلى العالم، لنفي ماض بعيد ورسم لوحة جديدة للحلم الأمريكي.
مصلحة المهرج
التخبط الذى عاشته أمريكا منذ تولي “ترامب” الرئاسة بحركاته الغريبة، وحديثه الفظ، وأحيانًا ملامحه الملهمة لرجل يرسم كاريكاتيرا ساخرا يلعب داخله المهرج دورا غير مفهوم، يختلف هذه المرة، لأنه يضرب فى ثوابت اهتمت السياسة الأمريكية بوجودها وإن اختلفت سياسة اختيار الرئيس وفقا لمستجدات الوضع، فتأتي برجل ظل يلعب بالأوراق المالية طيلة أربعين عاما، تارة يخسر وتارات كثيرة يكسب، طفل مدلل لرجل أعمال قدم له كل ما يريد، واختار الإغواء من أجل الأموال الكثيرة.
وتلعب الأيام دورا غريبا ويصعد الحظ حين يكون له رأي فى كل الأمور، ليشتهر بكتابه “فن الصفقة” الذي تحدث فيه عن مسيرته حيث قال: “وبعد أن تخرجت من الأكاديمية العسكرية في نيويورك عام 1964، تقبلت لفترة وجيزة فكرة الذهاب إلى مدرسة الأفلام.. ولكن في النهاية قررت أن العقارات التجارية كانت أفضل بكثير”.
إنه اختار توجها بعينه وكان صادقا فيه، فكانت شهرة مجموعته الاقتصادية فى أمريكا ومطاعمه وفنادقه ومنتجعاته الترفيهية وكازينوهاته بابا للشهرة بين الأمريكيين.
“الرئيس الفظ” كما وصفته بعض المجلات الأمريكية، اشتبك بكثير من القضايا وأوجد أراء كثيرة حولها، خاصة ما ارتبط بالعلاقات الأمريكية – الصينية، ومراجعة الاتفاقيات الدولية، مثل ناقتا والشراكة العابرة للمحيط الهادى، كما أنه له موقف خاص منذ أن أتى إلى البيت الأبيض، لم يخش الحديث فيه وهو الهجرة غير الشرعية إلى الولايات المتحدة الأمريكية، والتي لاقت استياء من جماعات صغيرة داخل أمريكا.
واتسمت مواقفه بالشعبوية واتفق معها الحزب الجمهوري حين خفض الضرائب، وهي مواقف ميزت الحزب الديمقراطي منها زيادة الصرف على البنية التحتية، ليتقدم دونالد ترامب على منافسته فى الانتخابات الرئاسية هيلاري كلينتون، ليحصل على 306 صوت مقابل 232 لكلينتون.
ثروة الرئيس الأمريكي الأبيض تصل وفقا لمجلة فوربس 562 مليون دولار ولديه 33 مشروعا قيد التطوير منها شقق فى الفنادق، وهي الثروة التي يديرها أبناؤه، لكن يظل لها وقع داخله حيث يتعامل ويتحدث به أحيانا دون أن يدري، ويظهر وجه رجل الأعمال الرأسمالي لا الرئيس الذى أتي لتنفيذ سياسة عامة لدولة تعلم ما تريد، لكنه اصطدم فى حائط أساسي داخل المنزل الجديد وهدد بانهياره دون وعي.
مقتل جورج فلويد
وتسبب مصرع جورج فلويد، المواطن من أصل أفريقي، أثناء اعتقاله على أيدي الشرطة، في اندلاع احتجاجات واسعة.
وتوفى “فلويد” بعد إلقاء القبض عليه من قبل الشرطة بطريقة قاسية في مدينة مينيابوليس بولاية مينيسوتا، وتناقلت مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو للحادث.
وشهدت مينيابوليس وبعض المدن الأخرى موجة من الاحتجاجات ضد عنف الشرطة على إثر تداول الفيديو، واندلعت اشتباكات بين الشرطة والمحتجين في مختلف المناطق لا يعلم أن روحه التي زهقت قد تكون سببا فى قرب رحيل رئيس فشل الكثيرون من خصومه فى إزاحته تحت قبة الكونجرس، أو حتي الرافضين لسياسته ممن يسمع لصوت العقل والوعي، حيث جمع الكثير من العداءات خلال السنوات الماضية، ووصلت إلى فنانين ركزوا سخريتهم خلال حفلات توزيع الجوائز بأمريكا ضده وضد ما يريد وما يقول وما يفعل.
وشهجت الفترة الماضية الكثير من الأزمات، آخرها أزمة “كورونا” وارتفاع وفيات الشعب الأمريكي نتيجة سوء وضع التأمين الصحي وهول الأزمة، ورافق هذا تصريحات غريبة من قبل “ترامب”، منها الدعوة الى شرب المطهرات لقتل الفيروس، و”اسأل الصين” التي تحولت إلى إجابة ساخرة حيث استخدمها عندما اشتبك مع صحفي في مؤتمر صحفي روتيني.
فشل ترامب
“كيف فشل ترامب فى أكبر اختبار فى حياته؟”، كان عنوانا لمقال يعد من أهم المقالات التي كانت رد فعل للصحافة الأجنبية عبر “الجارديان البريطانية” حول تعاطي ترامب مع الواقع الجديد للعالم منذ ستة أسابيع، حيث اتهم المقال المنشور 28 مايو الماضي، ترامب بأنه ارتعش وارتبك فى السيطرة على الفيروس التاجي مع ظهور أول حالة فى يناير 2020 وهي الحالة التي كانت قادمة من ووهان.
قارن كاتب المقال بين موقف كوريا الجنوبية وإقامة قمة للتخطيط والموافقة على أول اختبار تشخيصي، وبين رد فعل ترامب الذي أعلن عنه بتصريحه: “قد تمت السيطرة لقد كان شخصا قادما من الصين”، فى الوقت الذي نشرت صحيفة وول ستريت جورنال مقال رأي من قبل اثنين من كبار المسؤلين السابقيين فى السياسة الصحية داخل إدارة ترامب تحت عنوان “act now to prevention of American epidemic” ووضعت خلاله لوسيانا بوريو وسكوت جوتليب قائمة بما يجب القيام به على الفور لتجنب كارثة صحية هائلة” وهو ما أكدته فيما بعد الصحف الأمريكية وأنه أصبح مشكلة فى الضواحي والريف بشكل متزايد وفقا لدراسة وليام فراي من brookings.
أوباما: سياسة ترامب “كارثية”.. و”العفو الدولية” تدين العنف ضد المتظاهرين
رجل الجوزاء
الرجل البالغ من العمر 73 عاما، يتعاطى مع الأحداث والمشكلات الأمريكية بعقلية رجل أعمال إنجازاته الموجودة فى سيرته الذاتية ستجدها تنحصر في “شراء فندق، إقناع عملاء بشراء حصص فى أسهم شركته، إنجاز شبابي ببيع مساحات وشقق كبيرة بمنطقة سكنية كسب خلالها 6 مليون دولار وهكذا” ليظل رجل الجوزاء ذات الطباع الغريبة، يقف أمام المظاهرات التي استمرت لمدة ست ليال والتي كتبت عنها cnn فى الأول من يونيو والتي تخطت الولايات المتحدة الأمريكية لتصل الى لندن وبرلين وأوكلاند للاحتجاج على وحشية الشرطة وتضمنا مع الحشود الأمريكية.
كما ذكرت cnn، أن ترامب يأوي إلى البيت الأبيض وأمريكا تصر على قيادة الموقف، ووصفت البيت الأبيض أنه تحت الحصار وأن أمريكا دولة تعاني من العنف والمرض المميت والحرمان الاقتصادي المذهل، وأن هناك أخبار عن نقل ترامب لمكان تحت الأرض كمخبأ خلال احتجاجات الجمعة الماضية.
واعتبرت أن الأحداث الحالية تترك الرئيس ترامب فى مأزق مع قرب محاولته لولاية ثانية فى نوفمبر على خلفية المدن المشتعلة، وأن تلك الكوارث تؤخذ الآن على محمل الجد مع اقتراب البطالة من عظيم مستويات الاكتئاب، وأن البلاد بدأت إلقاء نظرة على كيفية تعامل الرئيس مع الموقف، وأنه يستخدم لغة عنصرية، وأنه يسعى إلى تحقيق مكاسب سياسية شخصية من التطرف والاغتراب الاجتماعي تجعل جميع الأزمات المتتالية أسوأ حيث يثير رفضه للعلم.
كما علق المقال على تغريدته “عندما يبدأ النهب يبدأ إطلاق النار” وأنه سعي إلى الحصول على زخم سياسي لعمله القوي من خلال إلقاء اللوم على الديمقراطيين الليبراليين، وأنه ليس لديه رغبة فى التفكير فى الأسباب الكامنة لليأس فى المجتمع الأمريكي الإفريقي مع إرث البلاد المعذب على أساس العرق، والرعاية الصحية السيئة للأقليات فى المجتمع الأمريكي، وأجورهم المنخفضة وطلب وجودهم فى وظائفهم خلال الجائحة.
وكشف تقرير cnn عن أمور مهمة أيضاً حول مستقبل الرئيس الأمريكي، وقال إن تعليقاته ستجعل أي جهد يمثل تحديا وأن بعض مستشاريه حثوه على مخاطبة الأمة بشكل أكثر هدوءا وأنه يجيب أن يدين أعمال الشغب والنهب أو يخاطر بفقدان الناخبين فى منتصف الطريق فى نوفمبر وأنه اختار أن يتبع غرائزه.