موضوع العنصرية في أمريكا أكثر تعقيداً من معظم التحليلات اللي الناس بتعملها عن بعد أو حتى عن قرب، الموضوع له علاقة بتاريخ طويل من القهر والكراهية والخوف وعدم الثقة المتبادلة من الجانبين، استعباد بشر لسنين طويلة بيخلق مشاعر متضاربة عند البيض والسود، الأبيض يتعود انه هو السيد وأنه على الأسود أن يرضخ دائماً، فتجده يشعر بالارتباك حين يتذمر الأسود لأي سبب، والأسود يتعود على القهر ويتوقع أن يكون الأبيض هو سبب كل شيء جيد أو سيئ يحدث له، من يقهر أحداً يشعر بالذنب حتى لو لم يبدُ عليه ذلك، وقد يقاوم هذا الشعور بالذنب عن طريق التمادي في قهره لأنه يتوقع أن أن ينتقم منه المقهور في أول فرصة متاحة، والمقهور لا يتدرب على التذمر الهادئ العقلاني لأنه لا يثق فيمن يقهره ولا توجد أرضية متساوية بينهما حتى يناطحه الحجة بالحجة.
العبيد لعبوا دور مهم في إعمار أمريكا بين القرن السادس عشر والقرن التاسع عشر كعمالة مجانية، وبعد إلغاء العبودية في القرن التاسع عشر ظل السود محرومين من حقوق مدنية كثيرة في عدد من الولايات الأمريكية، بعد الحرب العالمية الثانية ظهرت حركة أكاديمية من البيض في كندا والولايات المتحدة تنادي بالمساواة بين البيض والسود في الحقوق وتطالب بمجتمع متعدد الثقافات، كان الشعور بالذنب تجاه السود هو المحرك وراء هذه الحركة، لذلك كانت الحركة تطالب بضبط اللغة وحذف أي عبارات تسيء للسود و للأقليات بصفة عامة، وهو دا اللي بيسموه الـ “بوليتيكال كوريكتنيس”، رداً على هذه الحركة ظهرت حركة الحقوق المدنية اللي كان بيقودها مارتن لوثر كينج، وكانت أيضاً حركة مهمة قاومت بلا عنف وحققت نجاحات مهمة في مجال المساواة في الحقوق.
لكن مع الوقت تطرفت حركة التعددية الثقافية وأصبحت تعادي البيض وتحتفي بكل ما هو أسود أو أجنبي، وتطرفت الـ “بوليتيكال كوريكتنيس”وأصبحت بوليس لغوي يجرم كل نقد أو فكاهة لها علاقة بالأقليات، كما تطرفت حركة الحقوق المدنية بعد اغتيال مارتن لوثر كينج وتحالفت مع حركة أمة الإسلام وهي حركة عنصرية تدعي انحطاط الرجل الأبيض وسمو العرق الأسود، وهذا بدوره أدى إلى تطرف اليمين المعادي للسود وللمهاجرين أكثر.
انتخاب أوباما كأول رئيس أسود لأمريكا لم يسد الفجوة بين السود والبيض بل جعلها أكبر، لأن السود كانوا يتوقعون منه أن يقضي على كل أنواع التمييز والعنصرية وكثيرين من البيض كانوا يخافون أنه سيبيع أمريكا للسود والمهاجرين، وقد ساعد هذا التوجس دونالد ترامب على الفوز بالانتخابات ضد هيلاري لأنه كان يكرر عبارة “دعونا نسترد بلدنا مرة أخرى وكان في خطاباته يتعمد التخلي عن الـ “بوليتيكال كوريكتنيس”.
لا شعور الرجل الأبيض بالذنب ولا دور الضحية عند السود استطاعا القضاء على العنصرية والعنف عند الطرفين، كلاهما يخاف وله أسبابه وكلاهما يبرر وله مبرراته، لكن المشكلة هي أنه حين يقتل شرطي أبيض رجلاً أسود ينتفض معسكر السود ومعهم جماعة التعددية الثقافية، ويعتبرون ذلك حرباً من البيض على السود، في حين يبرر اليمين هذه الأحداث على أنها حالات فردية أو ردة فعل عادية من الشرطة التي تتعرض للقتل أحيانا من السود.
وبالفعل حين يقتل رجل أسود شرطي أبيض أو حتى رجل أسود عادي لا يثور المعسكر الأسود ولا أنصار التعددية بل يبررون ويقولون هذه حالات فردية!
لا شك أن العنصرية والعنف مشكلة كبيرة في أمريكا عند البيض والسود والمسلمين واليهود على السواء، لكن حين تنتقد كل مجموعة العنف والعنصرية عند الآخرين وتتجاهل أو حتى تبرر العنف الذي يصدر من داخل صفوفها هي، فهذه هي المشكلة الأكبر.
المشكلة هي الكراهية أياً كان مصدرها!!