” الظلام لا يمكن أن يطرد الظلام”.. هذه كانت من أشهر مقولات مارتن لوثر كينج التي خلدت في ذاكرة المدافعين عن الحقوق المدنية رغم رحيله منذ أكثر من خمسين عاماَ.

من هو “لوثر كينج”؟

ولد كينج في 15 يناير عام 1929 في مدينة أتلانتا بولاية جورجيا، وكرس حياته مدافعًا عن الحقوق المدنية ضد الاضطهاد والتفرقة العنصرية التي يعاني منها الأمريكيون ذوي الأصول الإفريقية، واشتهرت طريقة “كينج” في دفع العنصرية ومقاومة الظلم بالسلمية وعدم اللجوء للعنف، الأمر الذي جعله رمزًا متوجاً للمدافعين عن الحقوق المدنية بالولايات المتحدة الأمريكية.

دخل “لوثر” المدرسة الابتدائية في أتلانتا عام 1935، ثم التحق بمدرسة بوكر واشنطن، وفي عام 1942 التحق بالجامعة، فدرس في كلية مورهاوس الخاصة لذى البشرة السمراء، وفيها حصل على درجة البكالوريوس عام 1948، ثم التحق بجامعة بوسطن وحصل على الدكتوراة في الفلسفة عام 1955.

وعُين عام 1947 مساعدا لأبيه في كنيسته، ثم عُيِّن عام 1951 راعيا للكنيسة المعمدانية في مدينة مونتجمري بولاية آلاباما.

مقاطعة حافلات النقل

حصل هذا البطل القومي على درجة الدكتوراة في علم اللاهوت، وساهم عام 1955 في تنظيم أول احتجاج مهم لحركة الحقوق المدنية للأمريكيين من أصول إفريقية، والمتمثل في مقاطعة حافلات النقل في مدينة مونتجمري بولاية ألاباما، ذلك الاحتجاج الذي تسبب في شرخ كبير في جدار العنصرية والتمييز بأمريكا.

اقرأ ايضًا: “دونالد ترامب”.. رحلة الغرور والنفوذ والسقوط أمام العنصرية

وامتدت المقاطعة التي وصفت بالتاريخية لمدة عام كامل لحافلات النقل من قبل الأمريكيين من أصول إفريقية، بدأت برفض روزا باركس إخلاء مقعدها في إحدى الحافلات لراكب أبيض وفق ما كان متبعا آنذاك، فاستدعى السائق الشرطة ليتم اعتقال السيدة السوداء التي أصبحت لاحقا رمزا للنضال من أجل المساواة تفتخر به الولايات المتحدة.

وتأثر “لوثر” بالمقاوم الهندي ماهاتما غاندي في أساليب نضاله، ودعا إلى العصيان المدني والمقاومة غير العنيفة للفصل العنصري في جنوب الولايات المتحدة، إلا أن الاحتجاجات السلمية التي قادها غالبا ما قوبلت بالعنف، لكن الصمود والالتزام بمبادئ السلم كان رد “كينج” وأتباعه على ذلك، ما أعطى زخما للحركة التي بدأت تزداد قوة.

مسيرة واشنطن

وفي 28 أغسطس عام 1963، توجت مسيرة تاريخية إلى واشنطن للمطالبة بالوظائف والحرية، قادها الناشطان بايارد راستن وأي فيليب راندولف، بخطاب “كينج” الشهير “لدي حلم”، وتجمع نحو 250 ألف شخص أمام نصب الرئيس أبراهام لينكولن التذكاري القريب من البيت الأبيض، للاستماع إلى الخطاب الذي قال فيه إن المتظاهرين قدموا إلى العاصمة من كل حدب وصوب لـ”لمطالبة بدين مستحق لهم.. ولم تف أمريكا بسداده”.

وفي هذا التجمع المهيب وقف “كينج” وقال  “بدلا من أن تفي بما تعهدت به، أعطت أمريكا الزنوج شيكا من دون رصيد، شيكا أعيد وقد كتب عليه أن الرصيد لا يكفي لصرفه”.

وفي سياق الخطاب، صرخت منشدة التراتيل الدينية المعروفة آنذاك مهاليا جاكسون “أخبرهم يا مارتن عن حلمك.. أخبرهم يا مارتن عن حلمك”، فما كان من القس مارتن  إلا أن أمسك بطرف المنصة ثم تنفس بعمق قبل أن يقول “لدي حلم.. أقول لكم اليوم، يا أصدقائي، إنه على الرغم من الصعوبات والإحباطات، ما زال لدي حلم”.

“لدي حلم أنه في يوم ما ستنهض هذه الأمة وتعيش المعنى الحقيقي لعقيدتها الوطنية بأن كل الناس خلقوا سواسية”.”لدي حلم أن أطفالي الأربعة سوف يعيشون يوما ما في دولة لا تطلق فيها الأحكام عليهم للون بشرتهم، بل لشخصياتهم”.”هذا هو أملنا.. دعوا أجراس الحرية تقرع وتنشد.. أحرار في النهاية! أحرار في النهاية! شكرا يا رب، نحن أحرار في النهاية!”.

سجن ومحاولة اغتيال

تعرض مارتن لوثر كينج  للسجن عدة مرات، وفي 30 ينايرعام 1956 تعرض لهجوم بقنبلة وهو يخطب بمونتجمري، فمنع أنصاره الغاضبين من أي رد فعل على هذه المحاولة.

اقرأ ايضًا: أيام أمريكا الدامية.. احتجاجات حاشدة ورصاص حي

حظي “كينج” بكثير من التكريم لنضاله، حيث حصل في يونيو 1957 على ميدالية سينجارن التي تعطى سنويا لمن يقدم مساهمات فعالة في مواجهة العلاقات العنصرية، ومنحته مجلة تايم عام 1963 لقب رجل العام وكان أول رجل من ذي البشرة السمراء يمنح هذا اللقب، وفي عام 1964 حصل على جائزة نوبل للسلام لدعوته إلى اللاعنف، وهو أصغر من حصل عليها إذ كان عندئذ ابن 35 عاما.

وفي العام ذاته الذي حصل فيه لوثر كينج على جائزة نوبل للسلام، حققت حركة الحقوق المدنية الأمريكية اثنين من أهم نجاحاتها، إقرار التعديل الـ24 على الدستور الأمريكي الذي ألغى ضريبة الاقتراع، وقانون الحقوق المدنية لـ1964 والذي ألغى التمييز على أساس العرق في التوظيف والتعليم وجرم الفصل العنصري في المرافق العامة.

انتهت مسيرة كينج النضالية في 4 أبريل عام 1968، حيث تعرض للاغتيال في موتيل لوريان بمدينة ممفس بولاية تينيسي على يد أحد المتعصبين الذي يدعى جيمس إرل راي، وكان “كينج” يستعد  حينها للظهور أمام تجمع جماهيري ويتأهب لقيادة مسيرة في تلك الليلة  في ممفس لتأييد إضراب عمال الصرف الصحي الذي كاد يتفجر في عدد من المدن الأمريكية.

وبعد وفاته منح جائزة الرئاسة للحرية في عهد الرئيس السابق جيمي كارتر، ومنحه الكونجرس ميداليته الذهبية عام 2004، كما أعلنت أمريكا عن يوم “مارتن لوثر كينج” عيدًا سنويًا، وهو يوم الاثنين الثالث من يناير من كل عام.

انتهت مسيرة مارتن لوثر كينج أبرز المدافعين عن الحقوق المدنية في أمريكا، ولم تنته مسيرة المناهضين للتمييز والاضطهاد الذي يتعرض له الأمريكيون من أصول إفريقية،  فلازال للحلم بقية.