كيف يمكن تقييم أسلوب تعامل الحكومة المصرية مع وباء كورونا؟ وما نتيجة ما قامت به من إجراءات؟ وهل كانت هذه الإجراءات مناسبة للتعامل مع الوباء الذي أدى إلى كوارث صحية على مستوى العالم.

سؤال مهم سعى البعض للدفاع عنه، في حين انتقد كثيرون طريقة التعامل مع الوباء لأسباب مختلفة، خاصة أنها لم تؤد إلى نتائج إيجابية تقلل من انتشار الوباء، بل بالعكس أدت إلى تزايده انتشاره بوتيرة أسرع.

يمكن القول إن تعامل الإدارة المصرية مر بعدد من المواقف منذ بدء ظهور الوباء في منتصف فبراير الماضي وحتى الآن.

في البداية سعى مسئولو الحكومة المصرية وخاصة وزارة الصحة كالعادة إلى تبني منهج إنكار الأزمة من الأساس، وذلك بعد ظهور عدد من الحالات لمواطنين فرنسيين وأمريكيين وتايوانيين كانوا في مصر واكتشفوا حملهم للوباء بعد عودتهم إلى بلدانهم، حيث رفضت الحكومة المصرية الاعتراف بوجود أي حالات كورونا في مصر، ثم حثيثًا أشارت إلى ما يزيد على 30 حالة ظهرت في باخرة سياحية في الأقصر قامت بعمل التحاليل اللازمة لهم، إلا أنها لم تلزمهم بدخول حجر صحي، بل إن هيئة الاستعلامات المصرية والتي يرأسها ضياء رشوان نقيب الصحفيين في نفس الوقت، قامت بتوبيخ مراسل صحيفة الجارديان بعد نشر تقرير يشير فيه إلى أن عدد الحالات قد يصل إلى ما يزيد عن 15 ألف حالة في مصر.

ورويدًا رويدًا بدأ الوضع يتكشف عن تواتر الحالات منذ منتصف فبراير حتى الآن، حتى وصل في  الثاني من يونيو إلى 27 ألف حالة إصابة وما يزيد على 1000 حالة وفاة.

بداية من نهاية شهر فبراير وبداية شهر مارس، اضطرت الحكومة إلى الإشارة لوجود حالات، ثم بدأت في نشر تحديث يومي لحالات الإصابة والوفاة.

وإزاء بروز المخاوف من تعقد الوضع ظهرت بعض المطالبات من أولياء الأمور بوقف الدراسة، ووجدت هذه الدعوة رفضًا شديدًا وغريبًا من وزير التربية والتعليم، ثم فوجئ الجميع بقرار من الرئيس السيسي في 15 مارس الماضي بوقف الدراسة لمدة أسبوعين، رغم أن كل برامج “التوك شو” هاجمت الدعوة لوقف الدراسة قبل صدور القرار.

ثم جاء قرار رئيس الوزراء الصادر في 15 مارس الماضي ويتضمن عددًا من الإجراءات منها وقف الدراسة، وإغلاق المراكز التعليمية للدروس الخصوصية وإغلاق المقاهي والكافيهات وتخفيض عدد العاملين في المصالح والأجهزة الحكومية وشركات قطاع الأعمال والقطاع العام خاصة الذين يتجاوزون سن الخمسين والذين يعانون من أمراض مزمنة، والسيدات الحوامل أو التي ترعى طفلًا أو أكثر يقل عمره عن 12 عاما، فضلا عن تقليل كل الفاعليات والمناسبات الاجتماعية و الحفلات.

وبدأ تنفيذ حظر تجول من السابعة مساء حتى السادسة صباحا، وإيقاف حركة وسائل النقل العامة والخاصة طوال مدة الحظر وإغلاق كافة المحال التجارية والخدمية والملاهي والنوادي الليلية طوال فترة الحظر بشكل كامل يومي الجمعة والسبت لمنع التجمعات، وتعليق تقديم جميع الخدمات مثل الشهر العقاري والجوازات والمرور والسجل المدني طوال فترة الحظر وذلك في 24 مارس الماضي.

كما أعلن رئيس الجمهورية عن تخصيص 100 مليار جنيه لمواجهة الأزمة إلا أنها ذهبت في أغلبها لمساعدة البورصة ورجال الأعمال، بينما ذهب بعضها لتعويض العمالة غير المنتظمة بتوفير 500 جنيه لمدة 3 أشهر، ولمس الكثيرون بدايات إدارة إيجابية وأكثر اهتماما بمواجهة الوباء.

واستمر هذا الوضع لأسبوعين، وفي شهر أبريل بدأت الإصابات تتزايد، وفي أعقاب ذلك ظهرت دعوات من بعض رجال الأعمال ومن أبرزهم نجيب ساويرس بعودة العمال للمصانع مرة أخرى، وفي أعقاب ذلك ظهرت دعوة لرئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي بعودة جميع شركات المقاولات للعمل بكامل طاقاتها، وهو الأمر الذي صدم الكثيرين، الذين كانوا يدعون إلى التحول من الحظر الجزئي إلى الحظر الكامل لفترة معينة حيث بدأ أن وتيرة الوباء تزداد فى الانتشار.

وحتى بعض المطالب الموضوعية من بعض الجهات ومنها نقابة الأطباء بإعلان حظر التجول لفترة أسبوع أو أسبوعين في أيام العيد ذهبت أدراج الرياح، حيث اكتفت الدولة بإعلان الحظر حتى الخامسة مساء، ووقف المواصلات العامة في هذه الفترة، وبعدها بدأت الحكومة في تخفيف إجراءات الحظر والدعوة إلى منهج التعايش مع كورونا وتم تخفيف حظر التجول بعد العيد  بترحيله من التاسعة مساء إلى السادسة صباحا، ثم تخفيفه مرة أخرى إلى  الخامسة صباحا.

ولم تقرر الحكومة الارتداء الإجباري للكمامة إلا بدءًا من أول يونيو في أماكن العمل والمؤسسات الحكومية والبنوك والمستشفيات ووسائل النقل العامة والخاصة، وهو إجراء تأخر كثيرًا، كما يشكو الكثيرون من عدم توافرها وارتفاع سعرها.

يمكن الإشارة إلى موقفين مختلفين من الإدارة المصرية، الأول كان في بداية الأزمة وتميز ببعض الإجراءات المشددة، سواء في التخفيف من عمل الموظفين بالحكومة، ومطالبة مصانع القطاع الخاص بصرف المرتبات للعاملين في حال توقفهم عن العمل وهو ما لم يكن ملزما لهم من الأساس، والموقف الثاني بدا في إعلان حظر شبه محدود من السابعة مساء، تم تعديله إلى الثامنة ثم التاسعة مساء باستثناء أيام العيد.

وواجهت الإدارة المصرية في هذا السياق عددًا من الأزمات التي تميزت بأداء سيئ وتقصير واضح ، وتردد وارتباك في اتخاذ المواقف أهمها أزمتين رئيستين الأولى في التعامل مع حماية الأطقم الطبية ووقف تفشي الحالات لدى الأطباء الممرضين والصيادلة والاداريين، والأزمة الثانية تخص التعامل مع المصريين العالقين في الخارج.

حماية الأطقم الطبية

منذ تزايد اتشار الوباء بدأت عشرات الشكاوى من الأطقم الطبية بعدم توافر أدوات الحماية اللازمة للأطباء، حيث وصل عدد شهداء الأطباء إلى ما يزيد عن 31 حالة في مختلف المستشفيات حتى الآن فضلا عن إصابة المئات منهم  حيث تزايدت حالات الإصابة الجماعية بين الأطقم الطبية في مستشفيات كاملة منها معهد الأورام والقصر العيني وعدد آخر من مستشفيات الصدر والحميات، بل ظهرت دعوات بالاستقالة من جانب عدد من الأطباء في أعقاب وفاة أحد الأطباء بمستشفى المنيرة العام بسبب تقصير من إدارة المستشفى، الأمر الذي أدى تزايد المطالب بحماية الأطقم الطبية وتوفير هذه الوسائل باختلاف أنواعها الأمر الذي لم يلق استجابة عملية في مقابل إرسال طائرات مساعدات كاملة لبعض البلدان مثل إيطاليا والصين والولايات المتحدة والسودان.

كما ظهرت مئات الشكاوى من مواطنين عبر بث مشاهد حية لعدم استقبال كثير من المستشفيات لذويهم، وعدد منهم توفوا أمام أبواب المستشفيات.

واستمرت هذه الأزمة حتى الآن، ولم تتجاوب الحكومة معها إلا مؤخرا بعقد اجتماع بين رئيس الوزراء ونقيب الأطباء ومستشار رئيس الجمهورية للصحة الدكتور عوض تاج الدين في لقاء غابت عنه وزيرة الصحة!!، قبل فيه الأول ببعض المقترحات المقدمة من النقابة بتوفير أدوات الحماية الطبية، واعتبار حالات الوفاة من بين الأطباء كشهداء الجيش والشرطة، وبتوفير أماكن عزل في المستشفيات للأطباء المصابين، وبتغيير البروتوكول الذي وضعته وزارة الصحة الذي يمنع إجراء التحليل للمخالطين من الأطباء وغيرهم من المواطنين والاكتفاء بعمل تحليل دم وأشعة على الصدر، وهو ما أدى إلى تزايد حالات الوفاة بين الأطباء والممرضين وغيرهم.

التعامل مع المصريين العالقين في الخارج

 ظهرت تلك الأزمة في التعامل مع المصريين بالخارج وخاصة في دول الخليج فضلا عن الأردن، حيث طالبت الحكومة المصريين العائدين من الكويت في بداية الأزمة بتحمل نفقات الحجر الصحي بأسعار مبالغ فيها وهو الأمر المثير للدهشة، حيث طالبتهم بمبالغ طائلة مقابل الحجز في منتجعات مرسى علم فضلا عن رفع قيمة تذاكر السفر لخمسة أضعاف أو أكثر عن الوضع الطبيعي.

وتظاهر المصريون العائدون من الكويت في فيديو شهير رافضين ذلك وهاجمهم الإعلام الرسمي، وفجأة قرر الرئيس السيسي تحمل صندوق تحيا مصر لهذه التكاليف.

إلا أن  هذا الأمر اقتصر على هذه الحالة ولم يمتد إلى الحالات الأخرى، كما وضعت الحكومة المصرية تعريفًا ضيقًا للعالقين يستبعد آلاف المصريين الراغبين في العودة لبلدهم في أوروبا وأمريكا والوطن العربي، الذين فقدوا أعمالهم وأصبحوا بدون موارد مادية، حيث قررت الحكومة المصرية الاقتصار على فئات محددة وطالبتهم بتحمل نفقات السفر والحجر الصحي حيث عانوا من أسوأ أشكال الخدمة والتي لا تتناسب مع ما دفعوه من أموال، ومع زيادة الفضيحة، وفرت الإدارة المصرية أماكن عزل أخرى في المدن الجامعية ومراكز الشباب بمقابل محدود إلا أنها كانت في منتهى السوء.

مناعة القطيع وغياب منهج إدارة الأزمة

1ـ منذ البداية ظهر توجه رسمي من خلال الإعلام الذي تسيطر عليه الحكومة سواء كان رسميا أو خاصا بتحميل المسئولية للمواطن والشعب عن تزايد حالات الإصابة بالوباء، مشيرين إلى أن الرهان فشل على وعي الشعب، متناسين أن دور الدولة والحكومة هو فرض إجراءات حتى لو كانت قاسية لصالح المواطنين بهدف التقليل من تزايد الوباء حتى لو كان حظر التجول لفترة معينة أسوة ببعض البلدان التي اتبعت هذا النهج ونجحت في مواجهة الوباء تمهيدا لمحاصرته.

وحتى الشعار الموجود على القنوات والموجه للمواطن سواء “احم نفسك .. احم بلدك” أو “ابقى في بيتك” يحمل المسئولية للمواطن المصري خاصة العاملين باليومية، والذين لا يقدرون على تحمل تبعات عدم الذهاب إلى عملهم لأنهم سيفقدون مصدر رزقهم، ولم تلزم الحكومة رجال الأعمال بتحمل نصيبهم من الأزمة لصالح العاملين.

وسعت وزيرة الصحة في تصريحات متتالية إلى الاستمرار في هذا النهج، وكأن الحكومة بشكل مفاجئ آمنت بالديمقراطية في هذا المجال حيث إنها لا تستطيع إلزام الموطنين ببقائهم في المنزل، أو بالأحرى لا تريد ذلك تغليبا لـ”البيزنس” وإرادة رجال الأعمال.

بالطبع السعي لتقوية الجانب الاقتصادي مهم، لكن لا ينبغي أن يكون هو المحرك الوحيد للإجراءت الحكومية، خاصة أن الأمر مرتبط بإدارة أزمة خطيرة من هذا النوع، وتحتاج إلى تضحيات بتوفير مصادر الرزق للعاملين المتوقفين عن العمل طيلة فترة الحظر المقررة، وتحمل المواطن فكرة العزل المنزلي تمهيدًا لحصار المرض.

2ـ إن الدولة المصرية لم تواجه الأزمة بشكل شامل، بل إنها تركت المجال لوزيرة الصحة التي عجزت عن إدارة الأزمة لأشهر تزايدت فيها حالات الإصابة والوفاة لدى الأطقم الطبية، والمواطنين أيضا، بل استمرت في نهجها للتخفيف من هذا الحظر الشكلي أسبوعا وراء آخر.

بل وسعت الحكومة ورئيس الجمهورية إلى متابعة بعض المشاريع الإنشائية مثل الكباري والطرق، وفي ذات الوقت لم تجد المستشفيات ذات الاهتمام من جانب الإدارة المصرية.

وكأن الحكومة قررت تبني منهج “مناعة القطيع”، أي ترك الوباء ينتشر وفقا لمناعة المواطن، في ظل انهيار النظام الصحي وعجز المستشفيات عن التعامل مع حالات الإصابة ، وتغيير البرتوكول الخاص بالوزارة لأكثر من مرة، واللجوء للعزل المنزلي للحالات البسيطة بل وعدم استقبال عدد من الحالات الخطيرة، وتقليل عدد المسوحات إلى أقل حد ممكن.

ولا يزال هذا الأداء السيئ هو سمة الحكومة المصرية في هذا المجال بل إننا شاهدنا قيام وزراء غير مختصين يتحدثون في هذا الملف، وبعضهم أشار إلى أن حالات الإصابة قد تصل إلى مليون حالة، مثل وزير التعليم العالي.

أيضا منذ البداية ظهرت شكوك حول الأرقام التي تعلنها وزارة الصحة للمصابين والوفيات خاصة في ظل عحز البروتوكول الخاص بها في نسخته الأولى إلا للكشف عن المخالطين فقط والقادمين من خارج مصر، وأن بعض الوفيات تتم قبل القيام بمسحة لها، أو الإشارة إلى أسباب أخرى للوفاة مثل الالتهاب الرئوئ وغيرها.

وأظن أ، الأمر يحتاج مواجهة مختلفة لهذا الوباء يشارك فيها الخبراء المستقلون من خارج وزارة الصحة وخبراء في مجالي التعليم والاقتصاد لوضع تصورات شاملة للتعامل مع الأزمة الاقتصادية في ظل انتشار الوباء، وكافة النقابات المهنية ذات العلاقة مثل الأطباء والتمريض والصيادلة وغيرهم، والسماح بمساهمة الأحزاب السياسية والمجتمع المدني في هذا المجال بخبراته وتصوراته، وفتح المجال للإعلام الرسمي والخاص لمزيد من الآراء والمساهمات باتجاه مواجهة انتشار الوباء حتى بالنقد للأداء الحكومي، والاستفادة من التجارب الدولية الناجحة في مواجهة الوباء.

 

شريف هلالي – محامي وباحث حقوقي