منعطف جديد دخلته مفاوضات سد النهضة الإثيوبي، بين مصر والسودان وإثيوبيا، عقب إبلاغ القاهرة 3 دول بقبول استئنافها مجددًا، وإبداء أديس أبابا مرونة حيال هذا الأمر، بالإضافة إلى تطور موقف السودان مؤخرًا، بتقدمه برسالة إلى مجلس الأمن الدولي، تضمنت شرح موقفه من التطورات المتصلة بالمفاوضات، وطالبت بتشجيع كل الأطراف على الامتناع عن القيام بأى إجراءات أحادية، قد تؤثر على السلم والأمن الإقليمي والدولي، في خطوة يصفها مراقبون بأنها داعمة للموقف المصري. 

وبحسب وزارة المياه والري الإثيوبية، فإن وزير الري في البلاد سيليشي بقلي، قد بحث خلال اجتماع عن بعد، مع نظيره السوداني ياسر عباس، يوم أمس، سبل استئناف المفاوضات الثلاثية، حيث تبادلا وجهات النظر حول الجوانب الإجرائية للعودة للمفاوضات والشواغل الرئيسية الأخرى من كل دولة.

الاجتماع الذي ناقش القضايا الرئيسية والمخاوف المتعلقة بالمفاوضات حول سد النهضة، انتهى إلى الاتفاق على عقد اجتماعات ثنائية متكررة تؤدي إلى مفاوضات ثلاثية بمشاركة مصر في أقرب وقت ممكن.

قبول مصري

بدورها جددت مصر رفضها اتخاذ أي إجراء أحادي بشأن السد، وأكد وزير الخارجية سامح شكري، لنظيره الروسي سيرجي لافروف، أمس، أن مصر ترفض اتخاذ أي إجراء أحادي دون التوصل لاتفاق بشأن سد النهضة الإثيوبي.

اقرأ أيضًا:

مطالب جديدة.. التوتر بين السودان وإثيوبيا يغير محور مفاوضات السد

وذكر المستشار أحمد حافظ، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية، أن “شكري” قدم لـ”لافروف” شرحًا حول آخر تطورات ملف سد النهضة الإثيوبي، موضحاً كافة مجريات المفاوضات وقبول الجانب المصري باستئنافها، وضرورة أن تُسفر عن التوصل إلى اتفاق في أقرب فرصة.

جاء ذلك خلال اتصال هاتفي أجراه وزير الخارجية المصري مع نظيره الروسي، تناول خلاله سبُل الارتقاء بعلاقات التعاون بين مصر وروسيا في مختلف المجالات، والتشاور حول عدد من القضايا التي تهم البلديّن.

 

وذكر “حافظ”، أن الوزيرين أعربا خلال الاتصال عن التطلُع لمواصلة العمل نحو تعزيز التعاون الثنائي على كافة الأصعدة، بما يعكس عمق وإستراتيجية العلاقات بين البلدين، كما شدد الوزيران على أهمية الحفاظ على الزخم الذي شهدته العلاقات خلال الفترة الماضية، وضرورة تكثيف التشاور السياسي بين القاهرة وموسكو.

إيطاليا وألمانيا

وفي بيان منفصل، قالت الخارجية إن “شكري” تلقى اتصالاً هاتفياً من نظيره الإيطالي لويجي دي مايو.

وبحسب البيان، أبلغ شكري دي مايو “قبول مصر باستئناف التفاوض، مع أهمية تجنب أي خطوات أحادية في تلك المسألة”.

اقرأ أيضًا:

أثيوبيا تسبح ضد التيار وتملأ السد في موسم الأمطار

وفي بيان ثالث، قالت الوزارة إن الوزير أجرى اتصالا مع نظيره الألماني هايكو ماس، “استعرض خلاله آخر مُستجدات ملف سد النهضة، وصولاً إلى الموقف المصري بقبول استئناف المسار التفاوضي، بغية سرعة التوصل إلى اتفاق بين الأطراف الثلاثة” في إشارة إلى القاهرة وأديس أبابا والخرطوم.

السودان

في السودان، عقد وزير الري والموارد المائية البروفيسور ياسر عباس، والوفد التفاوضى السودانى، أمس اجتماعاته – الافتراضية –  مع نظيريه المصري والاثيوبي، كل على حدة، للترتيب لاستئناف المفاوضات الثلاثية حول سد النهضة المتوقفة من فبراير الماضي.

وذكرت وكالة الأنباء السودانية الرسمية، أن ياسر عباس بحث مع نظيريه الإثيوبي والمصري، كل على حدة، وضع جدول للمفاوضات الثلاثية المرتقبة، بجانب وضع تصور للقضايا العالقة المتبقية من مفاوضات واشنطن.

اقرأ أيضًا:

تهدئة أممية وبوادر انفراجة.. سد النهضة يعود لمسار واشنطن

اللقاءات الأخيرة والتي تعتبر الثانية، تأتي بتكليف من اجتماعات رئيس الوزراء الدكتور  عبد الله حمدوك مع نظيريه في مصر وإثيوبيا.

رسالة السودان إلى مجلس الأمن

وأرسلت وزيرة الخارجية السودانية، أسماء محمد عبد الله، الثلاثاء، رسالة إلى رئيس مجلس الأمن الدولي، تضمنت شرحاً لموقف السودان من التطورات المتصلة بمفاوضات سد النهضة، وطالبت المجلس بتشجيع كل الأطراف على الامتناع عن القيام بأى إجراءات أحادية، قد تؤثر على السلم والأمن الإقليمي والدولي.

ونفى وزير الري والموارد المائية السوداني، ياسر عباس، أن تكون المذكرة المرفوعة من وزيرة الخارجية السودانية إلى مجلس الأمن الدولي تصعيدا للأوضاع المتعلقة بسد النهضة ضد أي طرف من أطراف التفاوض أو انحيازا لطرف دون آخر.

وفقا لما أوضحه “عباس” فإن رفع المذكرة يعتبر “إثباتا لحق السودان الأصيل في هذا الملف الهام”، مضيفا أن مصر وإثيوبيا رفعتا مسبقا خطابات مماثلة لمجلس الأمن في شهر مايو الماضي.

الوزير السوداني شدد على أن الرسالة، التي بعثتها وزيرة الخارجية أسماء عبد الله إلى مجلس الأمن الدولي، طالبت المجلس بحثّ جميع الأطراف على الامتناع عن اتخاذ أي إجراءات أحادية قد تؤثر على الأمن والسلم الاقليمي والدولي، بحسب ما ذكرت وكالة أنباء السودان “سونا”.

وفي رسالته إلى مجلس الأمن، أكد الوزير السوداني حرص بلاده التام على استئناف المفاوضات الثلاثية “بحسن نية للتوصل إلى اتفاق شامل ومرض”.

وبحسب ما أعلن عنه المتحدث باسم الخارجية السودانية،  الثلاثاء الماضى، فإن موقف السودان ثابت من ضرورة الحفاظ على مصالح القاهرة وأديس أبابا والخرطوم واستئناف مفاوضات سد النهضة، مشيرا إلى أن الأحداث الأخيرة على الحدود السودانية الإثيوبية لم تؤثر على رؤية الخرطوم بشأن السد.

دعم لموقف مصر

بدوره اعتبر الدكتور مصطفي الفقي، مدير مكتبة الإسكندرية، أن موقف السودان الأخير من مفاوضات سد النهضة، وانضمامه إلى الشكوى المصرية في مجلس الأمن يجعل مصر في موقف أفضل في المفاوضات، خصوصا في ظل الموقف الأثيوبي “المتعنت”، وفق قوله.

وأضاف في تصريحات متلفزة، أن مصر كانت تشعر بأن الشقيق المباشر ليس داعما لها والآن هناك تحول في الموقف، لافتا إلى أن التحول السوداني موضوعي يخدم المصالح السوادنية في المقام الأول.

 

وأوضح أن “الموقف الإثيوبي المتعنت استفز أطرافًا كثيرة غير مصر والسودان”، لافتا إلى أن تحول الموقف السوداني يخدم المصالح السودانية خاصة وأن القائمين على الحكم في السوادن يعرفون أن الاستمرار في هذا الوضع ليس في صالحهم”.

تصاعد التوتر

لماذا تشتعل المناطق الحدودية بين السودان وإثيوبيا؟ السؤال السابق طرحته  الدكتورة أماني الطويل، مديرة البرنامج الأفريقي بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية ورئيسة تحرير سلسلة أفريقيات، في مقال لها بموقع “اندبندنت عربية”.

“الطويل ” رصدت استخدم أديس أبابا “ميليشيات الشفتة” للإغارة على أراضٍ خصبة بالخرطوم، وتوفير دعم لوجيستي لزراعتها.

اقرأ أيضًا:

إثيوبيا تعَزْفُ منفردة.. السودان يرفض ملء سد النهضة بدون موافقة مصر

وترى “الطويل” أن تصاعد التوتر بين إثيوبيا والسودان، يشي بسيناريوهين محتملين؛ الأول هو الاحتواء، نظراً إلى ظروف البلدين، ولكن بشروط حددها السودان بأنها احترام سيادته على أراضيه، خصوصاً أن الاتفاق المعقود بين “البشير” والإثيوبيين بإطلاق يدهم في الفشقة، مقابل ملاحقة العناصر المعارضة لنظامه، انتهى.

ولعل هذا ما يفسر فاعلية الدور الإثيوبي مع التحالف الثوري السوداني “قحت”، حيث احتاجت أديس أبابا إلى استمرار هذه المعادلة، لكن تحت مظلة الحكام الجدد للخرطوم الذين كانوا سابقاً مستهدَفين بالمطاردة الإثيوبية.

أما السيناريو الثاني فهو عدم استجابة إثيوبيا للموقف السوداني الرافض للاعتداء على أراضيه، أو الضغط عليه في ملف سد النهضة، ومن ثم عدم اتخاذ إثيوبيا إجراءات فعلية محسوسة تتخلى فيها عن استعمال عصابات الشفتة للضغط على السودان، خصوصاً أنها على أعتاب انتخابات عامة تتسم بالتعقيد تحت مظلة تجاذبات عرقية وسياسية داخلية.

بحسب ما تقوله ” الطويل” فإن ذلك ” يجعل أديس أبابا تحتاج ربما إلى توحيد الجبهة الداخلية لمواجهة تحديات خارجية، ما قد يفتح الباب أمام أطراف إقليمية للتدخل على خلفية معطيات عدة مطروحة في منطقة القرن الأفريقي، منها تفاعلات الانقسام العربي في كل من الصومال وإريتريا وجيبوتي، وتعقد ملف سد النهضة، والعلاقات الإثيوبية – الإريترية الملتبسة”، مضيفة  “بطبيعة الحال، فإن هذه المعطيات قد تفتح الباب واسعاً أمام صراع عسكري ممتد على وتيرة الحرب الإثيوبية – الإريترية التي جرت في بداية الألفية، بما يعرض كل من السودان وإثيوبيا إلى مخاطر مفتوحة لا يرجوها أحد”.

وضع داخلي مهدد

زاوية أخرى، يشير إليها الدكتور هاني رسلان، رئيس وحدة دراسات السودان وحوض النيل بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية بالقاهرة  تتعلق بمسار المفاوضات في ظل الوضع الداخلى غير المستقر لحكومة آبى أحمد  والذي يشكل تهديدًا وتحديًا يعجز عن مواجهته.

وكتب “رسلان” في تدوينه له على “فيس بوك” :”الوضع الحالى يتمثل فى أن الشرعية السياسية والقبول المجتمعى لآبى أحمد تراجع بشكل كبير ، وهناك أيضا تشكيك واسع يتم توظيفه سياسيا، بأن مشروعية بقائه فى السلطة زائفة، وأنه يعود بإثيوبيا إلى حكم ديكتاتورى ينتمى إلى زمن الأباطرة”.

 

وتابع: “التطور اللافت الذى نحن بصدده الآن أن حزب جبهة تحرير التجراى رفض تأجيل الانتخابات، ورأى أن الهدف من ذلك هو استلاب حق الشعب التجراوى فى الإدارة الذاتية، والذى حصل عليه بالتضحية بعشرات الآلاف من الأرواح ، فى الحرب لسنوات طوال من أجل إسقاط نظام منجستو”.

اتفاق واشنطن

وكانت إثيوبيا قد أبدت تعنتًا تجاه ما أثمرت عنه مفاوضات العاصمة الأمريكية واشنطن، ففي حين وقعت مصر بالأحرف الأولى على اتفاق السد، برعاية الولايات المتحدة الأمريكية والبنك الدولي، والذي يشمل قواعد ملء وتشغيل السد، وإجراءات لمجابهة حالات الجفاف والجفاف الممتد والسنوات الشحيحة، وآلية للتنسيق، وآلية ملزمة لفض النزاعات، وتناول أمان سد النهضة والانتهاء من الدراسات البيئية، رفضت أديس أبابا التوقيع على الاتفاق.

بدورها اعتبرت القاهرة أن الموقف الإثيوبي يهدف لإعاقة المفاوضات، لتشهد الفترة الماضية تبادلا للاتهامات بين البلدين حول تعطيل مفاوضات السد الذي بدأت أثيوبيا تشييده في 2011 على النيل الأزرق.