فجرت وفاة جورج فلويد، المواطن الأمريكي من أصل إفريقي، على يد فرد بشرطة مدينة مينيابوليس بولاية مينيسوتا، موجة من الاحتجاجات ليس في الولايات المتحدة فحسب، بل امتدت شعلة المظاهرات إلى العديد من دول العالم، لينكشف مع الوقت، أن التضامن مع “فلويد” ليس السبب الوحيد للاحتجاجات وأنما توجد أسباب أخرى.

وفجرت صورة جورج فلويد وهو طريح أرضا فيما يضغط رجل الشرطة “أبيض”، على رقبته بركبته، المظاهرات والاحتجاجات فى العديد من الولايات المتحدة وكذلك العالم، اذا اعتقل آلاف الأشخاص في عشرات المدن، وانتشرت قوات الحرس الوطني في 20 ولاية.

وكشفت تقارير لدائرة الشرطة في مدينة مينيابوليس الأمريكية، أن الطريقة التي توفي بسببها “فلويد”، وهي الضغط على رقبته بركبة الشرطي، تكتيك تم تطبيقه 237 مرة على الأقل خلال السنوات الخمس الأخيرة، وأسفر عن فقدان وعي 44 شخصا.

لندن.. بداية الشعلة

إلا أن العاصمة البريطانية لندن، كانت المدينة الأولى التي تنظم مظاهرة دعم للمحتجين في المدن الأمريكية، حيث سار المئات باتجاه السفارة الأمريكية عبر ساحة “ترافلجر سكوير” وجثوا على ركبهم وهي الوضعية التي لفظ فيها “فلويد” أنفاسه الاخيرة مرددين :”لا عدالة لا سلام”، كما أقيمت في مدينة مانشستر البريطانية مظاهرة مماثلة.

 

احتجاجات مجاورة

مدينة تورونتو، أكبر مدن كندا جارة الولايات المتحدة، شهدت مظاهرات واسعة احتجاجًا على طريقة تعامل السلطات الكندية والأمريكية مع المواطنين من أصول أفريقية والسكان الأصليين في البلاد.

وتجمع آلاف المحتجين وهم يرفعون لافتات تطالب بإيقاف التصرفات والاعتداءات العنصرية في كل من كندا وأمريكا، حملت شعار “العدالة من أجل ريجس”.

وألقت الشرطة الكندية القبض على 11 شخصا، فيما قال المتحدث باسم الشرطة، رفائيل بيرجيرون، إن المحققين ينظرون في 70 حالة من حالات أعمال الشغب.

“فلويد” يحيي أوجاع باريس

أما في العاصمة الفرنسية باريس، فقد تجمع المئات أمام السفارة الأمريكية بلباس أسود وجثوا على الأرض حاملين لافتات كتب عليها: “العنصرية تخنقنا ، العدالة لفلويد”، إلا أن وزير الداخلية الفرنسي، كريستوف كاستانير، تعهد بأن “كل خطأ وتجاوز وكلمة، بما في ذلك العبارات العنصرية” سيخضع لـ”عقوبة”.

واعتُقل 18 شخصا في باريس خلال مشاحنات على هامش تجمع يعتبر محظورًا بسبب ظروف البلاد في ظل أزمة كورونا، وذلك بدعوة من لجنة دعم عائلة الشاب الأسود، آدم تراوري، الذي توفي في 2016 بعد توقيفه من قبل الشرطة الفرنسية، كما ذكرت إدارة الشرطة للوكالة الرسمية.

وقالت الشرطة إن نحو عشرين ألف شخص شاركوا في المظاهرة في العاصمة الفرنسية، موضحة أن 17 من الذين اعتقلوا أوقفوا قيد التحقيق، ونظم هذا التجمع ضد عنف الشرطة بمبادرة من أقرباء “تراوري”، في اليوم الذي كشفت فيه نتائج دراسة أجريت بطلب من العائلة تورطا محتملا للشرطة في مصرع الشاب البالغ من العمر 24 عاما.

اقرأ أيضًا:

“الشيطان يسكن تمثال الحرية”.. تاريخ طويل من اضطهاد الأمريكيين الأفارقة

وقالت السلطات الفرنسية إن المظاهرة في باريس كانت محظورة بسبب الحالة الطارئة الصحية في هذا البلد الذي يمنع أي تجمع لأكثر من عشرة أشخاص، لأنها “لم تتقدم بطلب ترخيص مسبق”، وأوقف سبعة أشخاص، وأصيب عشرة شرطيين بجروح طفيفة في نحو عشرة تجمعات ضد عنف الشرطة في عدد من المدن الفرنسية الأخرى، حسب مصدر في الشرطة.

التنديد بحكم “بولسونارو”

أما في مدينة ساوباولو البرازيلية، فقد ندد آلاف المحتجين بالحكم الفاشي في العالم وبسياسة الرئيس بولسونارو خاصة، حيث طالبوا بوقف الاعتداءات على ذوي الأصول الإفريقية وقد تخللت هذه المظاهرة اشتباكات مع الشرطة .

نيوزيلندا.. فلويد قضية إنسانية

وتعتبر مظاهرات نيوزيلندا الأكثر مشاركة، حيث خرج الآلاف في مدينة أوكلاند، للتظاهر أمام القنصلية العامة للولايات المتحدة، بينما شارك مئات آخرون في مسيرات مماثلة في مدن يلينجتون وكرايستشيرش وديندن .

وفسر البيان الذي أصدرته شالت وليامز، المتحدثة باسم حركة العدالة العنصرية، هذا الإقبال حيث أكدت أن أيديولوجية تفوق البيض التي أدت إلى قتل المواطن جورج فلويد في الولايات المتحدة موجودة في نيوزيلندا اليوم، مضيفة “هذه ليست قضية أمريكية فحسب، إنها قضية إنسانية ويجب على الجميع أن يشارك”.

ألمانيا.. شعور بالصدمة

وفي رد فعل رسمي على الاحتجاجات، صرح المتحدث باسم الحكومة الألمانية، بأن الحكومة شعرت بالصدمة من وفاة الأمريكي جورج فلويد على يد الشرطة، وأن بلاده لا بد أن تعمل على مكافحة العنصرية في الداخل، مثلما فعلت دول أخرى.

وقال المتحدث شتيفن زايبرت: “موت جورج فلويد… أصاب المواطنين بالصدمة في ألمانيا وجميع دول العالم وأصاب الحكومة الاتحادية في ألمانيا بالصدمة أيضا، بينما أدان وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، تهديد الرئيس الأمريكي دونالد ترمب باستخدام القوة العسكرية ضد المتظاهرين، وقال لمجلة “دير شبيجل” الألمانية:” بدلا من سكب الزيت على النار، يجب أن نسعى للمصالحة. وبدلا من السماح لأنفسنا بالانقسام إلى معسكرات مختلفة، يجب أن نقف معا ضد المتطرفين الراديكاليين”، موضحًا أن التهديد بالعنف سيؤدي فقط إلى مزيد من العنف.

بينما قال كبير الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل، إن التكتل صدم وروع بممات فلويد، واصفا ما حدث بأنه نتيجة لسوء استخدام السلطة، وأضاف أن الاوروبيين يؤيدون الحق في الاحتجاجات السلمية، ويدينون العنف والعنصرية بمختلف أشكالهما.

أسباب نفسية وعنصرية متجذرة

من جانبه، يرى الدكتور بشير عبد الفتاح، الخبير في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن تصاعد الأحداث الأخيرة في الولايات المتحدة وانتقالها لبعض دول العالم يرجع لأسباب نفسية في المقام الأول، أبرزها الرغبة في التمرد على أوضاع الإغلاق والخروج من شرنقة أزمة كورونا، التي اجتاحات العالم وحصدت آلاف الأرواح، موضحًا أن احتجاجات أمريكا جاءت فرصة سانحة لتعبير المواطنين في جميع أنحاء العالم عن غضبهم من إجراءات العزل والحجر الصحي .

وأضاف “عبد الفتاح” لـ مصر 360، أن تداعيات أزمة كورونا وفشل حكومات كثيرة في التعامل مع الأزمة الراهنة زاد من حدة المظاهرات حول العالم، فضلاً عن ثورة الاتصالات وانتقال الحدث صوتًا وصورة في لحظتها وما يسببه ذلك من شحن المواطنين وزيادة غضبهم.

 

أما السبب الثاني، فيقول الخبير في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن تجذر العنصرية في معظم دول العالم كـ”المرض المزمن”، فرغم التقدم وتطور الغرب إلا أن التصرفات العنصرية وأحداث العنف مازالت موجودة ولكن ما أثار غضب الملايين حول العالم حول أنها المرة الأولى التي تؤدي أحداث العنف في العصر الحديث ضد المواطنين من أصول إفريقية والأقليات إلى قتل مواطن وبهذا الشكل .

واستطرد أن من ضمن الأسباب الأخرى لانتقال المظاهرات من أمريكا لبعض دول أوروبا، هو سياسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، العدائية وخلقها حالة من العداء والغضب بين الولايات المتحدة ودول أخرى، فالمظاهرات خرجت في باطنها ضد “ترامب” وضد عنف الشرطة الأمريكية، المعروفة عالميًا واحدة من أعنف الأجهزة الأمنية حول العالم، ذلك بجانب وجود تيارات رافضة للسياسات والأنظمة الحاكمة وهي قاسم مشترك بين معظم الدولة، لاسيما في السنوات الأخيرة.

حلم زائف

احتجاجات “فلويد” في العالم.. شعلة الحلم الأمريكي الزائف تنطفئ

كل ما سبق يجعلنا نتساءل عن حقيقة عبارة “الحلم الأمريكي” وهل شعلة أمريكا في العالم ستنطفئ بعد مقتل جورج فلويد، والذي أحدث دويا هائلا في العالم، فبحسب تصريح المذيع ورئيس مجلس المؤتمر الدولي في لندن هنري بونسو، “فالولايات المتحدة قدمت نفسها للعالم بصفتها الشعلة المضيئة والاستثناء، وخليط من الأعراق الذي ينبغي للدول الأخرى أن تنسج على منوالها، لكن تلك السلطة الأخلاقية تضاءلت خلال السنوات الماضية، وأضحت دول لا تخشى أن تقول للولايات المتحدة: “نحن لسنا معجبين بك”.

اقرأ أيضًا:

وفاة “فلويد”.. هل يحق لـ”ترامب” استدعاء الجيش لفض الاحتجاجات؟

ويعتقد “هنري” أن الاحتجاجات في العالم ضد مقتل جورج فلويد، ستساعد في شحذ همم المتظاهرين الأمريكيين، وستجبر السلطات على القيام ببحث جاد عن النفس، وستدفعها إلى التساؤل: “هل هي نهاية الحلم الأمريكي؟”.

تأثير سلبي

بينما يعتقد الدكتور جمال يوسف، أستاذ العلوم السياسية وعضو المجلس المصري للشئون الخارجية، أن الأحداث التي تشهدها الولايات المتحدة وبعض البلدن الأخرى، نتاج لسوء إدراة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، منذ بداية حكمه، أما خطاباته السياسية وعدم حكمته في إدارة الأحداث زادت الأوضاع سوءًا وأدت إلى تصاعد موجة العنف بشكل كبير، متوقعًا تطور الأحداث إلى الأسوأ إذا لم يستطع “ترامب” السيطرة على الأمور داخليًا.

 

رغم ذلك، لا يتوقع “يوسف” أن ينتقل غضب الأمريكيين ونقمتهم من الإدارة الحالية إلى الدول الأوروبية، حتي مع خروج بعض المظاهرات، فالأمر لن يتعدى الاستنكار وإدانة الأحداث المشابهة، ولكنه لن يصل إلى التنديد بالحكومات.

واختتم أستاذ العلوم السياسية حديثه بأن تصاعد الأحداث في الولايات المتحدة لن يخدم أحدًا، بل سيكون له تأثير سلبي على السلم والأمن العام، معتبرًا فرحة بعض العرب وتأييدهم لأحداث العنف هو رد فعل متأخر على تدخل الادارة الأمريكية في شئون بعض الدول العربية وخرابها كالعراق ولبنان وليبيا وسوريا وغيرها، ولكن مع ذلك فإن تصاعد الأحداث لن يقع في مصلحة أحد، وفق قوله.