في مثل هذه الأيام قبل نحو 4 سنوات، وتحديدًا في مطلع يونيو 2016، أدان جو بايدن، الذي كان وقتها نائبًا للرئيس باراك أوباما في آخر أعوام ولايته، دونالد ترامب، “المرشح الجمهوري المحتمل” لانتخابات الرئاسة آنذاك، بعد دعوة “ترامب” خلال أحد مؤتمراته الانتخابية وقتها إلى وقف دخول المهاجرين المسلمين إلى الولايات المتحدة، حيث اعتبر “بايدن” أنها “دعوة للتعصب”.
وقال بايدن في خطاب ألقاه بمركز “نيو أمريكان سيكيورتي” البحثي المتخصص في شؤون الدفاع، إن “التلويح بسياسات الخوف والتعصب من قبيل مقترحات منع المسلمين من دخول الولايات المتحدة، أو وصم طوائف دينية بأكملها بأنها ضالعة في الإرهاب، يثير شكوكًا في وضع أمريكا باعتبارها أعظم ديمقراطية في تاريخ العالم”، مؤكدًا أن “إقصاء 1.5 مليار مسلم، والأغلبية العظمى منهم في بلادنا وخارجها محبون للسلام، سيؤدي لتفاقم المشكلات فحسب”.
بايدن: التلويح بسياسات الخوف والتعصب من قبيل مقترحات منع المسلمين من دخول الولايات المتحدة، أو وصم طوائف دينية بأكملها بأنها ضالعة في الإرهاب، يثير شكوكًا في وضع أمريكا
ومنذ أيام أصدر بايدن، المرشح الديمقراطي لانتخابات الرئاسة الأمريكية المقرر إجراؤها في نوفمبر المقبل، خطة حملت عنوان «أجندة جو بايدن للجاليات الأمريكية المسلمة»، في مسعى لكسب تأييد المسلمين الأمريكيين من خلال حماية حقوقهم المدنية، وتقديم نهج سياسي مضاد لنهج الرئيس ترامب، الذي يتبنى أدبيات اليمين المتطرف الداعي إلى تقييد الهجرة بشكل عام، وخاصة المهاجرين المسلمين، بدعوى أنهم يعملون على تغيير “الهوية الأمريكية”، فضلًا عن التاريخ الطويل من العمليات الإرهابية التي نفذها متشددون مسلمون منذ هجمات 11 سبتمبر 2001.
اقرأ أيضًا:
وتقضي الخطة المزمع تنفيذها منذ «اليوم الأول» لتنصيبه رئيسًا للبلاد، حال انتخابه، بإلغاء الحظر الذي فرضه ترامب على دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة، والتصدي لما اعتبره “سياسات تمييزية” ضد المسلمين، تؤثر في الجالية المسلمة المتنامية، والتي أكد بايدن مرارًا ضرورة عدم السعي إلى عدم إقصائها سياسيًا واجتماعيًا، بل اعتبارها جزءًا من نسيج المجتمع الأمريكي.
وعشية شهر رمضان الماضي، وجه ترامب ومنافسه الديمقراطي بايدن رسائل تهنئة للمسلمين وتمنيات بشهر مبارك عليهم. وقال بايدن في خطاب التهنئة: “لقد رأينا مسلمين يمنحون بسخاء لتقوية مجتمعاتنا وتحسين أوضاع الفئات الأكثر تهميشًا بيننا. وقبل كل شيء، أحسسنا بمشاعر الاتحاد والفرح والتدبر العميق التي يبثُّها هذا الشهر في أصدقائنا وجيراننا المسلمين”.
وأضاف: “وخلال شهر العبادة هذا، ينفطر قلبي لملايين الأسر المسلمة في جميع أنحاء العالم التي تعاني من الصراع والاضطهاد والتشريد والفقر، لمجرد كونهم مسلمين، في الصين وجنوب آسيا وفي مختلف مناطق الشرق الأوسط، وغيرها من المناطق”.
مواجهة السياسات التمييزية
ذكر موقع «ميدل إيست آي» في تقرير له نُشر مؤخرًا، أنه منذ هجمات 11 سبتمبر 2001، انتقد المدافعون عن الحقوق المدنية لمسلمي أمريكا، النهج المريب الذي تتبعه الحكومة الفيدرالية في التعامل مع أبناء جالياتهم، وهو النهج الذي يتمحور في الغالب حول مفهوم “الأمن القومي” للبلاد، التي عانت طويلا بسبب “الجهاديين” المسلمين، فاضطرت إلى أن استخدام وسائل غير دستورية حيالهم، منها برامج المراقبة السرية، ونشر المخبرين في المساجد، وزرع بذور انعدام الثقة بين مسلمي أمريكا وحكومتهم، وجعل أبناء الجالية المسلمة في النهاية “مغتربين” عن أمريكا، التي اختاروها “وطنًا لهم”.
خطة بايدن: سوف تواجه إدارة جو بايدن السياسات التمييزية التي تميز ضد الأمريكيين المسلمين، وتجعل مجتمعات بأكملها موضع شبهة، وسوف يضمن ألا يُنظر إلى مشاركة حكوماتنا مع المسلمين عبر عدسة أمنية
وذكر الموقع أنه على النقيض من ذلك، جاء في خطة بايدن: “سوف تواجه إدارة جو بايدن السياسات التمييزية التي تميز ضد الأمريكيين المسلمين، وتجعل مجتمعات بأكملها موضع شبهة، وسوف يضمن ألا يُنظر إلى مشاركة حكوماتنا مع المسلمين عبر عدسة أمنية”.
ولا يخاطب بادين في أجندته المعلنة الجالية الأمريكية المسلمة فحسب، بل يوجه خطابه إلى المسلمين على مستوى العالم، حيث تعهد بإبداء “الاعتراض” على انتهاكات الصين ضد “الإيجور” المسلمين، والفظائع التي تُرتكب في ميانمار بحق أقلية الروهينجا، كذلك أعلن أنه سيدين الهند لخططها الحديثة ضد المسلمين، داعيًا إلى إعادة كامل الحقوق المدنية وخدمات الإنترنت إلى أهل كشمير المسلمين في الشطر الواقع تحت السيطرة الهندية.
تأييد حل الدولتين
على مستوى الشرق الأوسط، قالت خطة المرشح الديمقراطي إنه “سوف يعود إلى “الدبلوماسية الأمريكية القائمة على المبادئ”، لمساعدة أبناء جميع العقائد على أن يجدوا الكرامة، والازدهار، والسلام، عندما يصير الرئيس، سوف يخاطب جو الإسرائيليين والفلسطينيين على السواء للمساعدة في العثور على طريقة ليعيشوا معًا في سلام وحرية وأمن وازدهار، وتأييد حل الدولتين.
كما سيواصل بايدن معارضة توسيع المستوطنات الإسرائيلية، وقد عارض الرجل علنًا بالفعل مساعي إسرائيل لضم أجزاء من الضفة الغربية. وسوف يعيد افتتاح القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية، ويعيد المساعدة الإنسانية والاقتصادية إلى الفلسطينيين”.
من جهة ثانية، رفض بايدن الذي يصف نفسه بأنه “صهيوني ومؤيد قوي لإسرائيل”، وقف المساعدات العسكرية المقدمة إلى إسرائيل، إذ قال في تصريحات العام الماضي: “إن الفكرة التي تشير إلى أنني من الممكن أن أسحب الدعم العسكري من إسرائيل، مثلما اقترح آخرون، هي فكرة غريبة، لن أفعل ذلك، إنه كما لو أنني أقول لفرنسا: “لأنكم لا تتفقون معنا، فسوف نطردكم من تحالف الناتو”.
بايدن: إن الفكرة التي تشير إلى أنني من الممكن أن أسحب الدعم العسكري من إسرائيل، مثلما اقترح آخرون، هي فكرة غريبة. لن أفعل ذلك
كذلك، تعهد المرشح الديمقراطي بإبقاء سفارة بلاده في القدس المحتلة إذا ما انتخب رئيسًا، بالإضافة إلى إعادة فتح القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية لإجراء حوار مع الفلسطينيين، وبذل جهود لإبقاء حل الدولتين “قابلًا للتطبيق”، معربًا عن أسفه للخطوة التي أقدم عليها ترامب بنقل السفارة من تل أبيب، مؤكدًا أن السفارة “ما كان ينبغي أن تُنقل من مكانها” قبل التوصل إلى اتفاق سلام شامل في الشرق الأوسط.
اقرأ أيضًا:
وأكد البيان على النهج الديمقراطي المألوف تجاه فلسطين، والذي يتمثل في الترويج لحل الدولتين، دون انتقاد إسرائيل، أو ذكر كلمة الاحتلال، وتقول الخطة: «كرئيس، سيعمل جو بنشاط لإشراك الإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء؛ لمساعدتهم على إيجاد سبل للعيش معًا في سلام وحرية وأمن ورخاء، وتأييد حل الدولتين».
وانتقدت بيث ميللر، مديرة الشؤون الحكومية في منظمة “الصوت اليهودي من أجل السلام”، خطة بايدن بشأن النزاع “العربي- الإسرائيلي”، ووصفته بأنه “خطاب فارغ”، مشيرة إلى أن “بايدن لديه تاريخ مهني طويل يتسم بالرفض المستمر لاتخاذ أي إجراء من شأنه تحميل إسرائيل المسؤولية عن انتهاكات حقوق الإنسان وقمع الفلسطينيين”.
في المقابل، ذكر تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني نشر منتصف أبريل الماضي، أن جو بايدن، بوصفه عضوًا في إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، كان متواطئًا في حكومة واصلت جزءًا كبيرًا من سياسات عهد جورج بوش الخاصة باستهداف المجتمعات المسلمة في الولايات المتحدة.
وأوضح الموقع أن تلك السياسات شملت “برنامج مكافحة التطرف المفضي إلى العنف” (CVE)، الذي شهد تعرض عدد كبير من المسلمين لرقابة غير مبررة وسياسات تمييزية، وقال تقرير نشرته الأمم المتحدة الشهر الماضي إن برامج “مكافحة التطرف” هذه تضمنت انتهاكات كبيرة لحقوق الإنسان.